تقدمت المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية أحد أحزاب المعارضة بمقترح قانون الى مجلس النواب بالمغرب يتعلق بمنع تزويج الطفلات، على بعد أشهر قليلة من تقديم مقترح آخر من طرف منظمات المجتمع المدني، وذلك أمام توالي صدور التقارير الوطنية والدولية التي تدق ناقوس الخطر حول ارتفاع نسب استجابة محاكم الأسرة لطلبات تزويج القاصرات، رغم المخاوف المتعددة التي تطرحها الظاهرة بخصوص حقوق الطفل.
تزويج الطفلات اغتصاب للطفولة
أشارت مذكرة تقديم مقترح القانون -الذي تنشره المفكرة كاملا – إلى كون ظاهرة تزويج الطفلات تشكل أحد الانشغالات الحقوقية في البلاد. فقد عبّرت مختلف مكوّنات القوى الحيّة من جمعيات وأحزاب سياسية وهيئات حقوقية، ومؤسسات وطنية ودولية على ضرورة وضع حدّ لهذه الظاهرة لما لها من آثار نفسية وصحية واجتماعية واقتصادية على الطفلات، في ظلّ تحميلهن مسؤوليّة تدبير أسرة وهنّ في عزّ طفولتهن. ومن شأن الزواج المُبكر أن يحرم القاصرات ضحاياه من مجموعة من الحقوق الإنسانية الأساسية أسوة ببقية الأطفال، وعلى رأسها الحقّ في التّعليم والتّرفيه، وحرمانهن من فرص تحقيق الرفاه الاجتماعي مستقبلا.
وخلص مقترح القانون إلى أنّ الاستمرار في السماح بتزويج الطّفلات يشكّل مدخلاً لممارسة العنف باسم القانون وشرعنته، ويعتبر شكلا من أشكال اغتصاب الطفولة.
السلطة التقديرية للقضاة والتحويل التدريجي لمبدأ الاستثناء إلى قاعدة
اعتبرت مذكرة تقديم القانون أنه وبالرغم من اشتمال مدونة الأسرة على مقتضيات قانونية متقدمة، وذلك بتوحيدها سنّ الزواج بين الجنسين وتحديده في 18 سنة شمسية كاملة، إلا أن الاستثناء الذي أقرّته وبموجبه منحت لقاضي الأسرة إمكانية الإذن بتزويج القاصر بقرار معلل يحدد مصلحته الفضلى، أصبح هو الأصل.
فبحسب إحصائيات وزارة العدل لسنة 2018، بلغ عدد عقود تزويج الطّفلات 25.514 عقدا، بنسبة 9.13%، من مجموع عقود الزواج المبرمة خلال نفس السنة. وخلال الفترة ما بين 2011 و2018 تمّت الاستجابة إلى ما يناهز 85% من طلبات تزويج الطفلات من طرف أقسام قضاء الأسرة.
وهي الإحصائيات التي استنتج منها واضعو مقترح قانون منع تزويج الطفلات أن “السلطة التقديرية للقضاة اتجهت بشكل كبير نحو التحويل التدريجي لمبدأ الاستثناء إلى قاعدة”.
التزامات دولية للمغرب بضرورة الحد من تزويج الطفلات
أكّد مقترح القانون أنّ مطلب وضع حدّ لتزويج الطفلات شكّل موضوع توصيات وملاحظات من طرف العديد من الآليات الدولية بمناسبة تقديم المغرب لتقاريره الوطنية. وفي هذا السياق جاء في التوصية رقم 43 المقدمة من طرف لجنة حقوق الطفل ضمن الملاحظات الختامية بشأن التقريرين الدوريين الثالث والرابع للمغرب ما يلي: “تلفُت اللجنة انتباه الدولة الطرف إلى العواقب الوخيمة الكثيرة الناشئة عن الزواج المبكر وتحثّها على الامتناع عن خفض الحدّ الأدنى لسنّ الزواج إلى 16 سنة، وعلى اتخاذ تدابير فعالة من أجل وضع حدٍّ للزواج المبكر والزواج بالإكراه”.
كما جاء في الملاحظات الختامية بشأن التقرير الدوري الرابع للمغرب للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: “تدعو اللجنة الدولة الطرف إلى تعديل مشروع القانون لتحديد الثامنة عشرة سنا أدنى للزواج وإلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة التي تجيز للقاضي إعطاء الإذن بالزواج قبل السن القانونية المحددة وهي سن 18 عاما”.
وهو نفس الاتجاه الذي سارت فيه التوصيات الصادرة عن الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل عن المغرب والتي دعت إلى مراجعة مدونة الأسرة في اتجاه منع زواج القاصرات.
تعليق على المقترح
رغم أهمية هذا المقترح في منع تزويج الطفلات من خلال حذف المواد القانونية التي تبيح الاستثناء، إلا أن عدم فرض جزاء قانوني على تزويج الطفلات يمكن أن يحدّ من فعالية هذا المقترح.
وتجدر الإشارة في هذا السياق الى أن قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ورغم تجريمه للإكراه على الزواج، واعتبار وجود طرف قاصر ظرفا مشددا في عقاب هذه الجريمة، إلا أنه لم يجرّم بدوره تزويج القاصرات بشكل غير قانوني.
تبقى إمكانية التحايل على القانون واردة من خلال لجوء أولياء أمور الفتيات على تزويجهن بالفاتحة، بشكل عرفي، وبعد بلوغهن سن الرشد القانوني، يتم اللجوء الى رفع دعوى أمام القضاء للاعتراف بهذا الزواج.
رغم انتهاء أجل سماع دعوى ثبوت الزوجية، تسمح بعض محاكم الأسرة بإمكانية إثبات عقد الزواج من خلال الاعتماد على أحكام الفقه المالكي، طبقا للمادة 400 من مدونة الأسرة، التي تنص على أن كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه الى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.
يشكل مقترح القانون توجها ثانيا معروضا على أنظار البرلمان يرمي إلى منع تزويج القاصرات من خلال المواد التي تسمح بالنزول استثناء على السن القانوني للزواج المحدد في 18 سنة، في مقابل توجه أول يدعو إلى تشديد الرقابة على تزويج القاصرات من خلال تحديد سن أدنى للزواج في 16 سنة، وإلزامية إجراء القضاة لخبرة طبية وبحث اجتماعي قبل الترخيص به.
مواضيع ذات صلة
أي مقاربة لمعالجة ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب؟
حملة وطنية ضد تزويج القاصرات في المغرب: “إلغاء الاستثناء…تثبيت القاعدة القانونية”
النيابة العامة تضبط الأذن القضائي بزواج القاصرات بالمغرب ومقترح نيابي بحظر الزواج دون 16 سنة
في المغرب.. التحرش والإكراه على الزواج والعنف ضد الأخوات جرائم يعاقب عليها القانون بالحبس
“الأطفال العرائس” بالمغرب… حينما يشرع القانون منافذ للتحايل عليه
الشرطة تقتحم صالة أفراح لتمنع حفل تزويج طفلة عمرها 12 سنة في المغرب
دراسة جديدة في المغرب تدق ناقوس الخطر حول تزويج الطفلات
تحالف ربيع الكرامة يشخص الوضع الحقوقي للمرأة المغربية
زواج “الكونترا بالمغرب” .. قاصرات للإيجار أم للرهن؟
انتهاء الفترة الانتقالية لدعاوى إثبات الزيجات غير الموثقة بالمغرب
تشريع الأمر الواقع في عقود الزواج
جدل حقوقي بالمغرب حول تمديد أجل ثبوت الزوجية
زواج الفاتحة بالمغرب: هل تصمد الأعراف أمام قوة القانون؟