Sous la direction de Imed Melliti et Hichem Adessamad
Nachaz, 2022
يجول هذا الكتاب في عالم الهامش الاجتماعي من خلال نماذج وبورتريهات حية، تعكس التحولات السريعة التي يشهدها المجتمع التونسي. هذه التحوّلات كانت تسير حسب الباحث هشام عبد الصمد عبر نسقيْن مختلفيْن: نسق المجتمع الذي كان مرتبطا أشدّ الارتباط بالدولة زمن الحكم الدكتاتوري ثم حرّرته الثورة، ولكنه ما لبث أن أصبح في جزء كبير منه منفلتا ومتروكا لشأنه. ونسق السياسة من جهة أخرى، التي طغت عليها في المرحلة الانتقالية المساومات والتوافقات لطبقة سياسية على شفى التفكك.
إلا أن النماذج الاجتماعية الموصوفة بالهامشية، ورغم العوائق المذكورة سابقا لم تلبث أن أصبحت عنصرا حيويا وفعالا ذا تأثير في المجتمع، وهي موجودة في قلب التوازنات الاجتماعية الحضرية بعد أن كانت موصومة سابقا بالهامشية أو من خارج المدينة (extra muros). يعمل الكتاب على تفكيك هذه الشخصيات في دراسة استكشافية ومجهود استقصائي يطرق أبواب العمل الميداني ولكن من دون إهمال الحمولة التحليلية الكافية لدراسة هذه النماذج. وفي عرضه لحياة هذه الشخصيات، يحرص الكتاب على إظهارها كفاعلين اجتماعيين حقيقيين وينقل آمالها وخيباتها وكذلك خططها الطموحة.
فالشّخصيات بشكل عامّ، ومن خلال نضالها ومكابدتها اليومية لا تسعى إلى دور بطولي أو استثنائي، بل ترنو حسب جهدها إلى حياة آمنة ومستقرة. ولكن هذا لا يمنع تماما من أنها أحيانا تنتظر الحظ ليقول كلمته. إذ أنّ أحد المشتركات بينها هو الإيمان بقدوم معجزة ما تفتح الطريق نحو ما هو منشود فعلا من طموحاتها. ويلعب العمر دورا مهما في تحديد مسار هذه الشخصيات، حيث يسعى الشبّان منهم إلى الاستفادة قدر الإمكان من طاقتهم لنيل ما يمكن نيله في سن الشباب من أهداف، في حين يتخوّف الأكبر سنا من شبح الفقر مع تضاؤل قدراتهم الجسدية وعدم تأمينهم لمخزون مادي يقيهم العوز في مرحلة الشيخوخة.
كما يلعب التحوّل في المجال دورا هاما في نسج مصير هذه الشخصيات. فجلّها يحلم ب”الحرقة” كطريق نحو “الأرض الموعودة” كما يعبر عن ذلك الباحث عماد المليتي. وقد تصبح الحرقة نفسها مشروعا أسريا وليس مجرد طموح شخصي. إلّا أن الهجرة سواء كانت خارج البلاد أو حتى نزوحا داخله تلقي جانبا بالتضامن الاجتماعي المحلي لتعوضه بعلاقات قائمة بشكل رئيسي على المصلحة والمادة، مما يدفع بعض هذه الشخصيات أحيانا إلى الولوج لعالم الجريمة أو لبعض الأنشطة غير الشرعية.
ويحضر مفهوم المقاومة الاجتماعية كحجر أساس في مسارات الشخصيات، فجلّها يمتلك طاقة رهيبة، أو محركا داخليا يدفعها نحو ممارسة أنشطتها، ومقاومة الضغوطات سواء من الأسرة أو المجتمع أو الدولة. ويقرّ الكتاب بأنه لا يوفي هذه الشخصيات حقها تماما، فما زال الكثير ليُحكى من قبلها إلا أن سيرها المختلفة مهما ظهر فيها من فرادة وفردانية إلا أنها تقوم على مشتركات من أبرزها الإيمان بقيمة الكفاح والأمل في تغيير الواقع بإمكانياتها الشخصية.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.