المعارضة تكرّس آليّات ديمقراطية لاختيار مرشّيحها: مناظرة للمرّة الأولى في نقابة المهندسين


2021-07-15    |   

المعارضة تكرّس آليّات ديمقراطية لاختيار مرشّيحها: مناظرة للمرّة الأولى في نقابة المهندسين

بعد 10 أيّام من اكتساحه انتخابات المندوبين في نقابة المهندسين في 27 حزيران 2021 بحصوله على 221 مقعداً من أصل 238 رشّحهم، أرسى ائتلاف “النقابة تنتفض” أسساً ديموقراطية جديدة في عملية التنافس حتى ضمن جسمه الموحّد عبر تنظيم مناظرة بين ثلاثة مرشحين محتملين لمركز نقيب المهندسين للخروج بمرشّح يختاره المهندسون والمهندسات يخوض انتخابات الأحد  المقبل. وتحتدم المعركة يوم الأحد في 18 تموز حيث سيجري انتخاب النقيب وممثلي الفروع وعددهم 4 (من بينهم ثلاثة مضمونين للنقابة تنتفض)، كما انتخاب 6  ستة ممثلين عن الهيئة العامّة لعضوية مجلس النقابة وعضوين للجنة إدارة الصندوق التقاعدي من المرشحين الذين سبق لهم أن كانوا أعضاء في مجلس النقابة لمدة ثلاثة سنوات على الأقل، وانتخاب ثلاثة أعضاء للجنة مراقبة الصندوق التقاعدي. 

انعقدت المناظرة الحيّة  بتاريخ 7 تمّوز تنافس فيها ثلاثة مرشحين منضوين تحت لواء “النقابة تنتفض” هم المهندسون سمير طرابلسي وهانيا الزعتري وعارف ياسين. وجرى التصويت لكلّ منهم مباشرة من قبل ممثلين مكلّفين من المجموعات الـ23 التي يتألّف منها الائتلاف. وكلّفت كلّ مجموعة 10 مهندسين ومهندسات منها للمشاركة في عمليّة التصويت للمرشح الّذي يؤيّدونه ويقتنعون بأدائه خلال المناظرة التي انتهت إلى ترشيح المهندس المدني عارف ياسين بعدما حاز على أعلى نسبة من علامات التقييم. 

تعدّ مناظرة “النقابة تنتفض” واحدة من التجارب الجديدة على لبنان في مجال الانتخابات النقابيّة وحتى في الحياة السياسية. إذ يؤكّد متابعون عدم حصول آليّات ديموقراطية مماثلة لاختيار مرشحين من قبل، في دلالة على سلوك الائتلاف مبدأ إقران القول بالفعل في ما يتعلّق بالمطالبة بالديمقراطية والشفافية هنا. هي تشبه المناظرات السياسية التي تحصل بين المرشحين على الانتخابات الرئاسية في دول عدّة، وإن اختلفت عنها ببساطتها من جهة وإجماع المرشحين على برنامج انتخابي موحّد للائتلاف من جهة ثانية. في العادّة يكون المشاركون في المناظرة  من توجّهات سياسية مختلفة ولديهم برامج انتخابية مغايرة يسعون لإقناع الناخبين بها. لكن مرشّحي “النقابة تنتفض” تنافسوا من ضمن الخط الواحد والبرنامج نفسه الذي أطلقه الائتلاف خلال الاستحقاق الانتخابي الأوّل حين نجح باكتساح مجلس المندوبين بنسبة تعدّت الـ 70 بالمئة كما نجح بترشيح 15 شخصاً لرئاسة الفروع فضمن منهم ثلاثة سيجري انتخابهم يوم الأحد في 18 تمّوز خلال المرحلة الثانية من الانتخابات. وهدفت المناظرة  لإشراك قواعد المهندسين المنضوية تحت لواء “النقابة تنتفض” في اختيار المرشح الذي يمثل الائتلاف لا الذهاب إلى اختياره بشكل غير تشاركي.

 وهدف الائتلاف الخروج عن الوسائل التقليديّة في اختيار المرشحين التي غالباً ما تحصل تحت الطاولة كما  الأحزاب السياسيّة التي غالباً ما تطبخ أسماء مرشحيها في الاستحقاقات النقابيّة في السر، وتفاجئ مؤيديها  بطريقة غير واضحة حول كيفية اختيار اسم معيّن أو استبعاد آخر، مما يترك المهندسين بعيداً عن المشاركة في اختيار من يقترعون له خلال الانتخابات. وبحسب ما يقول بعض المهندسين لـ”المفكرة”، غالباً ما يتم الأمر  على مبدأ تقاسم الحصص لا على معايير واضحة وبنّاءة ومهنية، لا بل من المتعارف عليه اجتماع أحزاب سياسية متخاصمة في العلن على تأييد اسم مرشح في مختلف النقابات. 

المناظرة ديمقراطية بالقول والفعل

تضمّنت المناظرة  ستّة محاور، أعطي المحاور-المرشح في المحور الأوّل  فرصة  تقديم نفسه ورؤيته خلال 3 دقائق من الوقت، واتّصل المحوران الثاني والثالث بالأمور المتعلّقة  بالقضايا الداخلية الخاصّة بالنقابة، كما الأمور الوطنيّة. واعتمدت المناظرة على محور آخر يتّخذ شكل المواجهة بين المرشحين، فيسأل كل مرشح زميله سؤالاً  ليجيب عليه خلال وقت محدد. ويفتح المحور الخامس المجال للجمهور  لطرح الأسئلة على المرشحين، وشكّل بالتالي الفرصة الأخيرة لكل مرشح ليقدّم للجمهور رسالة ختاميّة. وعند نهاية كل محور يضع المهندسون ممثلو المجموعات علامات تقييمية للمرشح. واتصلت المعايير بأمور متعدّدة كقوة الشخصية، ومستوى إلمام المرشح بالمواضيع التي يُسأل عنها، والوضوح والرؤية وغيرها من المعايير التقييمية التي استنبطت من خلال ورش عمل أنجزتها لجنة معايير خاصّة.

وسعت “النقابة تنتفض” عبر المناظرة العلنية إلى ضمان الشفافية في الإعلان عن المرشح الذي يمثل أوسع ائتلاف معارض في نقابة المهندسين، وإشراك جميع المجموعات المنضوية تحت الائتلاف (24 مجموعة مع حلفاء “النقابة تنتفض”). وقد فوّضت كلّ مجموعة 10 مهندسين للمشاركة في عملية التصويت للمرشحين خلال المناظرة، وهم نحو 240 مهندساً، تمكّن نحو 180 منهم من الوصول إلى مقر انعقاد المناظرة في الكرنتينا مركز KED. وتعرّف “النقابة تنتفض” المناظرة بأنها آلية “ديمقراطية بالقول والفعل”، والهدف منها “إعطاء فرص متعادلة للمرشحين والمرشحات لعرض أفكارهم ومقاربتهم لمواضيع النقابة الداخليّة والقضايا الوطنيّة”. 

وتشرح المعماريّة عبير سقسوق، الفائزة في انتخابات عضوية مجلس المندوبين، أنّ “المهندسين في النقابة تنتفض وجدوا أنّ الطريقة الوحيدة لاختيار المرشحين هو عبر المعايير الواضحة، وهذه المعايير تستند بشكل أساسي إلى رأي قواعد المهندسين، على خلاف أساليب أحزاب السلطة التي تعلن عن مرشحيها من خلال ممثلي الأحزاب لديها”. وتشرح سقسوق أنّه في “الاستحقاقات السابقة لانتخابات نقابة المهندسين، لم تكن عملية اختيار المرشحين واضحة، ولم تكرّس معايير ومبادئ شفافة لاختيار المرشح لمنصب نقيب المهندسين، واليوم تعتبر هذه التجربة مبدأً عام لكيفية اختيار المرشح، على أن نستمر في اعتماده”.  

ومن جهتها تؤكد المهندسة المعمارية ناهدة خليل نجاح المناظرة وتشدد على أنّ الهدف منها هو تكريس نهج، “وهو النهج الذي نؤسس من خلاله لدولة العدالة التي نحلم فيها بالديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون”. وتعتبر أنّ هذا النهج هو ما أدّى إلى “استمرار ائتلافنا رغم الانقسام العامودي في البلاد”.

عارف ياسين مرشح “النقابة تنتفض” لمنصب نقيب المهندسين

انتهت المناظرة إلى فوز المهندس عارف ياسين بعد حصده النسبة الأعلى من علامات التقييم بنسبة 89.51 بالمئة فيما نالت المهندسة هانيا الزعتري نسبة 74.5 بالمئة، وحصل المهندس سمير طرابلسي على نسبة 72.1 بالمئة. بعد فوزه ألقى ياسين كلمة عفوية أشار فيها إلى أنّ “برنامج النقابة تنتفض هو برنامج لكل المهندسين”. واعتبر أنّ الائتلاف يقدّم “رسالة أمل لكلّ اللبنانيين”، لافتاً إلى قدرة الشعب اللبناني على “الانتظام والتطوّر والتقدّم بمؤسّساتهم كما فعلوا المهندسين”. وأكدّ ياسين على أنّ ائتلاف “النقابة تنتفض” جمعه الاختلاف، والاختلافات موجودة لكن الخلاف غير موجود. وعبّر في أكثر من محطة عن رفضه لأحزاب السلطة، مؤكداً  أنّ “السنوات السابقة تخلّلها مسار انحداري في نقابة المهندسين سببه أحزاب السلطة المرتهنة للخارج”. وشدّد على الدور الوطني الذي تقوم به نقابة المهندسين، معتبراً أنّه لا يوجد حلّ فردي للمهندس على مستوى الأزمة التي تطال كل اللبنانيين، لافتاً إلى أنّ أموال المهندسين وأموال النقابة محتجزة لدى المصارف مثل جميع المواطنين. 

يُشار إلى أنّه قبل خوض المناظرة، جرى الاتفاق مع  مرشحي “النقابة تنتفض” على أن يقوم المرشح، الذي لا يحصد  نسبة التقييم الأعلى، بالانسحاب  من الانتخابات، وهذا ما التزمت به المهندسة هانيا الزعتري بينما قرر المهندس سمير طرابلسي ألّا يلتزم بهذا الاتفاق وأن يستمر بترشحه، إذ وجد أنّ “جلسة المناظرة كانت بعيدة كلياً عن المفاهيم الأخلاقيّة”، كما قال في بيان عالي اللهجة أصدره  يوم الخميس في 8 تموز (في اليوم التالي للمناظرة) وعبّر فيه عن عدم رضاه عمّا وصلت إليه النتيجة. وشرح طرابلسي الأسباب التي دفعته إلى هذا القرار، ومن بينها أنّه كان يتوقع “حضور ألف مهندس إلى التصويت فيما لم يتعدَّ عدد مَن حضروا  المئتين، وأنّ اللجنة الموكلة بمشروع المناظرة عجزت عن تحقيق المطلوب منها”. وشكّك طرابلسي في علامات التقييم، حيث رأى أنّ “توزيع نسب العلامات مفصّلة على مقاس الناجح”. 

موقف طرابلسي سبب صدمة داخل أروقة “النقابة تنتفض”. وعبّرت المهندسة المعمارية ناهدة خليل العضوة  في لجنة المعايير الخاصّة بتنظيم المناظرة، عن اعتراضها على بيان طرابلسي، نافية صحّة ما قاله حول أعداد الّذين كان من المفترض أن يشاركوا في انتخابات المرشح المشارك في المناظرة. وشددّت على أنّه “جرى التداول في عدّة اقتراحات حول عدد المفوضين عن كل مجموعة للتصويت للمشرح، ورست الأمور  في النهاية على عدد 10 مهندسين لكل مجموعة وسقط في التداول أحد الاقتراحات بأن يكون المفوضون 50 مهندساً”. وتؤكّد خليل أنّ “جميع المرشحين اطّلعوا على شروط المناظرة ونظامها ووقعوا عليها بشكل مسبق”. وتستغرب  خليل ادّعاء طرابلسي بأنّ “توزيع نسب العلامات مفصلة على مقاس الناجح” لافتةً إلى أنّ “الأسئلة وضعت بشكل سرّي جداً، كما أنّه كان هناك 5 مندوبين يراقبون عملية فرز الأصوات”. 

من جهته، يلفت المهندس الزراعي علي درويش إلى أنّ “المناظرة كانت مشهداً ديمقراطياً، وبالنتيجة فإنّ المرشح عارف ياسين أثبت قدرته على إقناع المهندسين، فيما لم يذهب الدكتور سمير طرابلسي إلى استخدام المناظرة كوسيلة لإقناع الناخبين ولتقديم نفسه كبديل فعلي بالشكل الذي يتوافق مع خبرته المهنية”. ويشرح درويش، بأنّ “الائتلاف يُشكل قاعدة واسعة من المهندسين، ولو حقاً كان هناك انحياز مسبق لأحد المرشحين دون غيره، أجد أنّه على المرشح المنافس أن يقوم بالمجهود ليقنع هؤلاء ويشدهم إليه. فالمناظرة في النهاية هي وسيلة إقناع برؤية المرشح، والنجاح والخسارة هنا لا يتصلان بالسيرة المهنية وخبرة الشخص انما بقدراته على الاستفادة من الوقت بالطريقة الأذكى لإقناع الناخبين بخطابه”. أي بمعنى آخر، فإنّ “طرابلسي كان قادراً على الفوز لو استخدم وسائل مختلفة للإقناع كونه يتمتع بخبرة مهنية واسعة”.

برنامج انتخابي يؤكّد على الدور الوطني لنقابة المهندسين

يحمل ائتلاف “النقابة تنتفض” برنامجاً واضح المعايير، يتألّف من جزئين، الجزء الأوّل هو الدور الأساسي  الذي يَعِد الائتلاف أن يؤديه داخلياً على صعيد العمل النقابي. ويظهر في عناوينه الرئيسيّة ما يتصل بحماية حقوق المهندسين والمهندسات وأهمها حماية مدخرات النقابة وتأمين إيرادات بديلة لها وتعزيز صناديق التقاعد والاستشفاء وتعويض نهاية الخدمة والتي تعد من أكثر القضايا التي  تقلق المهندسين اليوم أمام الأزمة الاقتصاديّة الحادّة التي تتفاقم في البلاد. واتصلت العناوين الأخرى التي يتبنّاها البرنامج بما يتعلّق في التنظيم الداخلي للنقابة، كالمكننة وإنشاء فروع للاختصاصات الجديدة، كما خلق فرص عمل جديدة للمهندسين والمهندسات، تنظيم المهنة والحيط المبني، وأحد الأمثلة وضع معايير ملزمة للتصاميم والمواصفات الهندسية. 

ويحلّ الدور الوطني للنقابة في الجزء الثاني للبرنامج الانتخابي لـ”النقابة تنتفض”، حيث يؤكد الائتلاف على أنّ لنقابة المهندسين فعالية على صعيد الوطن ولها قدرة على التأثير في المجتمع والسياسات العامّة التي تصبّ في مصلحة المواطنين. فانفرد هذا الشق من البرنامج الانتخابي في تحديد أولويات نقابة المهندسين، في التنظيم المدني وفي البيئة والبترول والكهرباء. ويظهر توجّه الائتلاف من خلال برنامجه إلى تعزيز دور النقابة الوطني من ناحية التنظيم المدني من خلال “إنشاء وزارة التخطيط التي تعنى بشؤون التخطيط والتنمية في المجال المدني والعمراني، كما تطبيق الخطة الشاملة لتنظيم الأراضي اللبنانية ورسم السياسات الإسكانية، ووضع تشريعات للمحافظة على التراث، بالإضافة إلى جعل النقابة مرجعية مهنية وتوسيع دورها ليشمل المراقبة والتنفيذ والترخيص”. 

وبموازاة ذلك، يشدّد ائتلاف “النقابة تنتفض” على دور نقابة المهندسين الفعّال على صعيد البيئة، كالضغط لمنع المشاريع البيئية المضرّة، والحد من السدود، والحد من التلوث وتشجيع الإستثمار في الطاقة المتجددة. أمّا في البترول، فقد اختار الائتلاف تبني ملكية الدولة للحق النفطي وإقرار سياسة خاصّة بذلك. وفي الكهرباء حدد الائتلاف عدّة مستويات ليتبناها كسياسية يصبو إلى تنفيذها، نذكر منها تأمين الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء، واستخدام الطاقة المتجدّدة ومعالجة الهدر في الطاقة الذي يصل إلى 52 بالمئة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

انتفاضة 17 تشرين ، عمل ونقابات ، سياسات عامة ، أحزاب سياسية ، نقابات ، الحق في السكن ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، حراكات اجتماعية ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني