اذ تنفرد المفكرة القانونية بنشر الحكم الصادر عن محكمة المطبوعات في لبنان بتاريخ 12-2-2014 في قضية جان عاصي، فإنها تدعو قراءها للتعليق عليه وذلك في سبيل اغناء النقاش حول هذه القضية بشكل خاص وجرائم المطبوعات بشكل عام. وستسعى المفكرة الى تكوين ملف كامل بهذا الشأن تنشره قريبا لتسهيل المقارنة على مجمل المهتمين به (المحرر).
علاء مروة
صدر عن محكمة المطبوعات في لبنان بتاريخ 12-2-2014 قرار وجاهي يقضي بإدانة جان عاصي بشتم رئيس الجمهورية على صفحة تويتر الخاصة به، وإنزال عقوبة الحبس به لمدة شهرين.
وقد جاء في متن الحكم أن لكل شخص "حرية ابداء الرأي قولا وكتابة ضمن دائرة القانون"، وأن حرية الصحافة لا تقيد الا في نطاق القوانين العامة وأحكام قانون المطبوعات وأن من حق الصحافة تنوير الرأي العام وتوعيته مع مراعاة الرصانة والدقة والصدق ومع تجنب الاساءة الى الغير. وأضاف أن النقد المباح هو النقد الذي يتم بهدف السعي لتحقيق مصلحة عامة بدون الذم والقدح والتحقير بالأشخاص، ولو تم احيانا عن طريق استعمال تعابير قاسية ولاذعة. وخلص الى أن ما ورد على صحفة تويتر الخاصة بالمدعى عليه في انتقاده لرئيس الجمهورية "تخطى المعقول والمقبول والمسموح. وهو لا يمكن مطلقا أن يعتبر من باب حرية الصحافة". وأشار الى أن ما ورد في التغريدات يعتبر تعرضا لشخص رئيس الدولة وفق ما تنص عليه المادة 23 من المرسوم الاشتراعي رقم 104/77. والجدير بالذكر أن هذه المادة تنص على عقوبة حبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من /50/ خمسين مليون إلى /100/ مئة مليون ليرة لبنانية أو بإحدى هاتين العقوبتين ولا يجوز في أي حال أن تقل عقوبة الحبس عن شهر واحد وبالغرامة عن حدها الأدنى، إذا تعرضت مطبوعة لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مساً بكرامته أو نشرت ما يتضمن ذماً أو قدحاً أو تحقيراً بحقه أو بحق رئيس دولة أجنبية.
والتدقيق في هذا الحكم يظهر أمورا أربعة:
الأول، أن الحكم اجتهد متخطيا الواقع التشريعي في اتجاه اعمال القياس بين التويتر والمطبوعات، بحيث تعلن محكمة المطبوعات اختصاصها للنظر في الدعوى. وهذا الأمر انما يشكل عامل قلق، بالمقارنة بما يحصل في عدد من دول الخليج في مقدمتها الكويت والبحرين والسعودية وعمان، حيث بات من شأن twitوretwitأن يؤديا الى عقوبات سجنية طائلة،
الثاني، أن القضية أدت الى تشريع عمل مكتب مكافحة الجرائم الالكترونية للتحقيق في جرائم المطبوعات. وكان المدعى عليه قد تقدم بدفع شكلي مبني على وجوب ابطال التحقيقات الأولية على أساس أن صلاحيات هذا المكتب تقتصر على الجانبين الفني والتقني، فردت من قبل محكمة المطبوعات ومحكمة التمييز الناظرة في الطعون المقدمة ضد قراراتها. وبالطبع، من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام المكتب لاستباحة صفحات التواصل الاجتماعي من قبل المكتب المذكور الذي ما يزال بمنأى عن أي محاسبة جدية،
الثالث، أن القضية قد تميزت بسرعة هائلة في اختتام المحكمة وإصدار الحكم وذلك بالمقارنة مع سائر قضايا المطبوعات. وهذا ما نتبينه بين تاريخ اختتام المحاكمة وتاريخ اصدار الحكم والذي لم يتجاوز أسبوعا واحدا،
الرابع، أن الحكم أنزل عقوبة سجنية في الشخص موضوع الملاحقة، وذلك في موقف يتميز عن توجه المحكمة الدائم منذ عقدين بالاكتفاء بالغرامات، مما يشكل مؤشرا جديدا على توجه المحكمة لتعزيز القوة الرادعة لأحكامها.
وتجدر الإشارة هنا الى أمرين:
(1) أن الرئيس المصري عدلي منصور كان أصدر بتاريخ 5-8-2013 قرارًا بقانون بتعديل المادة 179 من قانون العقوبات بإلغاء عقوبة الحبس في جريمة إهانة رئيس الجمهورية واستبدالها بغرامة[1]، و(2) أن دول الخليج ذاهبة بالمقابل الى تغليظ عقوبة حبس من يتعرض للذات الأميرية أو الملكية أو السلطانية وفق ما نقرأه في عدد من الأحكام القضائية[2]. وآخر الشواهد على ذلك رفض المحكمة الدستورية في الكويت قبول طعن على المادة 25 من قانون العقوبات، والتي تقضي بالسجن لمدة تصل إلى 5 سنوات لكل من "طعن في حقوق الأمير وسلطته أو عاب في ذات الأمير" علنا، وأيضا فيالقانون الصادر مؤخرا في البحرين والقاضي بمعاقبة اهانة الملك بالسجن لمدة تصل الى سبع سنوات وغرامة[3]. وقد سبق لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن انتقدت الابقاء على هذه التهم والعقوبات الزاجرة واعتبرتها ممارسات قمعية لحرية التعبير[4].من خلال الحكم الحاضر، تبدو محكمة المطبوعات من خلال صرامتها وقسوة العقوبة المقررة فيها أكثر قربا من توجه دول الخليج.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.