المصوّر محمد بيطار عين بلدية النبطية التي أطفأتها نار العدوان   


2024-10-23    |   

المصوّر محمد بيطار عين بلدية النبطية التي أطفأتها نار العدوان   
محمد الذي لم تفارق الابتسامة وجهه

حتى آخر لحظاته، أبى محمد بيطار المسؤول الإعلامي لبلدية النبطية ومصوّرها، ترك مدينته. مع بدء توسّع العدوان في 23 أيلول الماضي، أقلّ والدته إلى مكان “آمن”، وعاد ليكون مع أعضاء البلدية الذين قرروا أن يكونوا عونًا للصامدين في المدينة. غير أنّ العدو الإسرائيلي استهدف مبنى البلدية في 16 تشرين الأوّل الجاري، ليستشهد محمد بيطار إلى جانب رئيس البلدية أحمد كحيل وعدد من الأعضاء والموظّفين.

ومحمد الذي كان يوثّق وينقل جميع أخبار مدينة النبطية عبر كاميرته التي لم تفارقه، تحوّل في لحظات إلى خبر فعج محبّيه. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لشاب لا تفارق الابتسامة وجهه. ونعاه العشرات من أبناء المدينة مجمعين على لطفه وطبيته: “محمد من خيرة الشباب لو بتشوفي ملقاه وابتسامته ما أحلاها”، عبارة  تردّدت على لسان كلّ من تحدّثنا إليهم. 

يتيم الأب تحمّل المسؤولية باكرًا

ليس أقسى من أن تتعرّفي على شخص للمرة الأولى بعد أن بات في عداد الشهداء. تسمعين قصص الناس عنه، تتأملين صوره، وتتساءلين من أي عائلة يتحدّر، ما حال عائلته؟ هل لديه زوجة وأولاده، ماذا سيحلّ بهم من بعده؟ أين تربّى؟ أي مدرسة قصد؟ وكأنّكِ أمام لعبة “بازل” والمحتوى  فيها حياة شهيد.

لم يكن محمد قد تجاوز السادسة عشرة من عمره عندما فجع بخبر وفاة والده. عاش يتيم الأب مع شقيقيه ووالدته التي عملت في الخياطة وتصليح الملابس كي تعيل نفسها وأولادها. لم يمرّ الكثير من الوقت قبل أن يطلب محمد من والدته أن يبدأ بالبحث عن عمل لمعاونتها. لاحقًا راح يتردّد على البلدية حيث كسب ثقة وود رئيسها وأعضائها لأنّه كان صاحب “ملقى وكلامه كثير حلو”، بحسب ابن عمه مختار بلدية النبطية، محمد بيطار. 

ويتابع المختار في اتصالٍ مع “المفكرة” أنّ محمد أصبح بعد فترة موظفًا في البلدية. وفور بدء عمله، أخذ على عاتقه تنظيم أرشيف بلدية النبطية الذي كان مبعثرًا، فقام بحفظه وتبويبه، “هو كثير ذكي وبيحب يأرشف، فعمل غرفة أرشفة البلدية، حفظ كلّ شي متعلّق بالبلدية، وعملها، ومهامها، ونشاطاتها”. 

إضافة إلى الأرشفة، كانت هواية محمد التصوير، فوكّله رئيس بلدية النبطية الشهيد أحمد كحيل بتصوير جميع نشاطات البلدية والاهتمام بموقعها وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد خوّله ذلك تكوين شبكة اجتماعية واسعة من حوله، بحكم تواجده في نشاطات النبطية حيث كان يلتقط الصور للحشود والمشاركين، وأدّى دورًا أساسيًا في إبراز صورة البلدية.

يتابع المختار أنّ الهمّ الأوّل للشهيد كان والدته، فعلى الرغم من بلوغه سن الأربعين إلّا أنّه لم يُقدم على الزواج كي يتفرّغ لرعايتها، وكان راتبه لا يكفي مصاريف الأكل والشرب والدواء لها. اليوم تعيش والدة محمد وحيدة في شقة أنهى تقسيطها “بطلوع الروح”.

محمد كان عين أهالي النبطية أيضًا

بعد توسّع العدوان الإسرائيلي، بقي محمد صامدًا مع زملائه في البلدية، “كان عنده حشكة (يحب المساعدة) وهو بيحبّ النبطية، راحوا أخذوا أسماء لي بعدهم صامدين صاروا يوزعوا خبز وحصص غذائية وغيرها”، يقول المختار. ويضيف: “أخذ محمد أيضًا على عاتقه تصوير أماكن الاستهدافات الإسرائيلية على النبطية، ينشرها على صفحته ويطمئن أصحاب المنازل المجاورة للاستهداف على سلامة أرزاقهم”. وتغص الكلمات في حلق المختار وهو يستذكر محاسن محمد. 

أبناء النبطية نعوا محمد بأحرّ الكلمات، فكتب محمود فؤاد صبّاح، “كنت تنقل الصورة الجميلة كلّ صباح، أصبحت الحدث في قلوبنا حتى الممات”. وكتبت حياة صقر: “يعزّ علينا أن تكون أنت الخبر في صورة، هنيئًا يا صديقي الطيّب والخلوق جدًا، تليق بك الشهادة”.

ونعته نقابة “المصورين الصحافيين” في بيان مع المصوّر محمد غضبون الذي استشهد في غارة استهدفت بلدة قانا في 15 من الجاري. ودان البيان “الاعتداءات الوحشية على الإعلاميين والمصوّرين الذين يقومون بواجبهم”. وكان الشهيد محمد غضبون يعمل كمصوّر حرّ مع قناة يمنية، واستشهد في الغارة التي شنّها العدو على بلدة قانا الجنوبية،  ليلحق بوالده الذي استشهد قبله بأيامٍ معدودة.والتحق المصوّران بيطار وغضبون بعصام عبدالله المصوّر الصحافي في “رويترز” الذي استشهد في غارة على تجمّع للصحافيين في علما الشعب في 13 تشرين الأوّل 2023، ومراسلة “الميادين” فرح عمر والمصوّر ربيع معماري اللذين استشهدا رفقة المعاون حسين عقيل، في 21 تشرين الثاني في غارة على طيرحرفا، أثناء عملهم، والصحافي في الميادين أونلاين هادي سيد حسن الذي استشهد أثناء نزوحه مع عائلته من صريفا يوم توسّع العدوان، الإثنين 23 أيلول.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، مقالات ، جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني