صادقت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب التونسي بتاريخ 29-07-2020 على مقترح القانون عدد 27 لسنة 2020 المتعلق بأحكام إستثنائية للانتداب في القطاع العمومي بأغلبية 159 صوتا مقابل احتفاظ 18 نائبا بأصواتهم ومن دون أي معارضة. يخفي شبه الإجماع النيابي هذا الجدل الحاصل حوله بين من يتحمّسون له ويعدّونه اعترافا بالحقّ وحلا لمشكل اجتماعي من جهة ومن يشكّكون في دستوريته وفي قدرة الدولة على إنفاذ النص متى صار قانونا من جهة ثانية.
مقترح قانون كتب المعطلون عن العمل فصوله بنضالهم:
مع بداية المدة النيابية الثانية، نجحت تنسيقيات المعطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا في تحصيل تعهّد كتابي من خمس كتل نيابية بصياغة مبادرة تشريعية “حول انتداب المعطلين على قاعدة سنة التخرج والسن من أصحاب الشهائد العليا”[1]. لاحقا وبتاريخ 03-03-2020 تقدم خمسة وثلاثون نائبا بمقترح القانون الموعود والذي تعهّدت لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي بالمجلس النيابي بالعمل عليه بنسق سريع. انتهى عمل اللجنة الفنية لتعديلات جذرية بالمقترح ضمنت لأصحاب الشهائد العليا ممن (1) طالت بطالتهم لمدة تفوق العشر سنوات أو (2) بلغوا من العمر أكثر من خمس وثلاثين سنة ولم تبلغ بطالتهم العشر سنوات أو (3) لمن ينحدرون من أسر جميع أفرادها عاطلون عن العمل، حقا استثنائيا في الإنتداب بالقطاع العام دون أن يخضعوا لقواعد التناظر المشترطة قانونا.
وقد فرض القانون على الدولة إتمام العمل على ملفهم في مدة زمنية قدرها أربعة أعوام كما فرض عليها الترفيع في النسبة المخصصة لذوي الإعاقة في مناظرات الإنتداب في الوظيفة العمومية من 2%[2] إلى 5%.
ينسجم المشروع في صيغته تلك مع مطالب تنسيقيات المعطلين عن العمل وينتظر تاليا أن تخفّف مصادقة نواب الشعب عليها من حدّة الإحتقان الاجتماعي وإن كان يخشى أن لا يدوم هذا الأمر بفعل احتمال طعن الحكومة به وصعوبات تنفيذه على أرض الواقع.
طعن دستورية في الأفق
إستمعت اللجنة الفنية التي عملت على المشروع لثلاثة وزراء من الحكومة هم وزير التعليم العالي ووزير التكوين المهني والتشغيل ووزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية. ويكشف تقريرها أن أيا منهم لم ينازع في دستورية المبادرة وأنهم أقروا صراحة “بكون السلطة التشريعية صاحبة اختصاص في الموضوع”[3]. لاحقا، وبتاريخ بداية الجلسة العامة للمجلس النيابي بمناقشة مقترح القانون الموافق ل 28-07-2020 وجه رئيس الحكومة لها مراسلة أثارت عدم دستوريته.
ذكّر رئيس الحكومة نواب الشعب بأن الفصل 63 من الدستور يحجر اعتماد مقترحات القوانين المقدمة من نواب الشعب متى كانت تخلّ بالتوازنات العامة للموازنة وبأحكام الفصل 134 من النظام الداخلي للمجلس الذي يمنع تضمنها أعباء مالية إضافية لينتهي لطلب إيقاف النقاش في مقترح القانون الذي يحتاج “لمزيد التنسيق”.
وينتظر بالتالي وبعد مصادقة المجلس على المقترح أن تبادر الحكومة للطعن بعدم دستوريته. ويبدو هذا الطعن مؤسسا قانونا خصوصا وأن المقترح كما تمّت المصادقة عليه يفرض على الدولة تسوية وضعية من طالت بطالتهم في أجل أربعة أعوام بما يعني بالضرورة إلزامها بإجراء انتدابات في القطاع العام في حين أنها اتجهت في الموازنة العامة لغلق باب الإنتداب ذاك. ويؤشر مثل هذا النزاع بين السلطة التشريعية والحكومة على المقترح التشريعي على كون المصادقة عليه كانت ترضية سياسية لا مشروع عمل كما يوحي بذلك نصه.
مقترح قانون يرضي الجماهير وكفى
بداية من سنة 2018 وفي إطار سياسة مالية فرضتها الجهات المقرضة، قررت الحكومة التونسية إيقاف الإنتداب في الوظيفة العمومية. والتزمت ميزانية الدولة لسنتي 2019 و2020 بهذه التوجهات. ويبدو مستغربا بالتالي أن تكون الكتل النيابية المشاركة حاليا في الحكومة وتلك التي كانت قبلا مشاركة في اعتماد هذه السياسة من اقترحت نص المشروع ودافعت على أحكامه التي تتعارض مع السياسات التشغيلية التي تريد فرضها. ويؤشر هذا الإنفصام في المواقف على كون التصويت عليه وقبل ذلك تسريع النظر فيه ليس إلا استثماراً له في الأزمة السياسية التي تعرفها تونس حاليا ما لم ينجح المعطلون عن العمل في تغيير المعطيات.
مقترح قانون يدعم حراكا مؤثرا
تقدر المصالح الرسمية التونسية المعطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا الذين طالت بطالتهم بستين ألفا. وينتظر أن يتطور بنسق سريع عدد هؤلاء بسبب الأزمة الاقتصادية وإغلاق باب الإنتداب في الوظيفة العمومية. ويكون والحال ما ذكر إهمال هذه الفئة وحاجياتها من الدولة من أسباب الإضطرابات الاجتماعية التي تعرفها
تونس. ويخشى هنا أن تزيد حدة هذه الاضطرابات إذا ما تبين المعطلون عدم جدية الدولة في التعاطي معهم وتعمد القائمون عليها منحهم وعودا زائفة.
[1] هي كتلة حركة النهضة – الكتلة الديمقراطية – كتلة قلب تونس – كتلة ائتلاف الكرامة – كتلة المستقبل – كتلة تحيا تونس
[2] قانون عدد 41 لسنة 2016 مؤرخ في 16 ماي 2016 يتعلق بتنقيح القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 المؤرخ في 15 أوت 2005 المتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم
[3] ذكر في التقرير أن وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية محمد عبو قال ” ان القرار النهائي في تحديد صيغة الانتداب يعود للسلطة التشريعية” –صفحة 9-