أصدرت المحكمة الابتدائية بصفرو- ضواحي مدينة فاس المغربية- حكما مبدئيا يكرس حق المرتفقين في الولوج على قدم المساواة إلى العلاج والعناية الصحية[1] طبقا لأحكام الدستور. الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية يُعيد إلى الواجهة إشكالية ولوج بعض الفئات الهشة لخدمات الصحّة العموميّة نظرا للتعقيدات التي يعرفها تطبيق نظام المساعدة الطبية المعروفة اختصارا براميد.
ملخص القضية
تتعلق وقائع القضية بعريضة دعوى تقدم بها المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بمدينة فاس، في مواجهة أحد المرضى، يعرض فيها أنّ المدعى عليه كان يعالج بالمركز الاستشفائي المذكور وبقي في ذمته مبلغ 2598 درهما (ما يعادل تقريبا 300 دولارا)، حسب الفاتورة المدلى بها، لأجله يلتمس من المحكمة الحكم عليه بأدائها مع الصائر والنفاذ. وبناء على الجواب المدلى به من طرف المدعى عليه والذي أوضح فيه بأنه تلقّى العلاج بالمستشفى بعدما تقدّم بطلب إلى السلطات للحصول على بطاقة الاستفادة من نظام المساعدة الطبية، وأن إجراءات الحصول عليها تأخرت إلى ما بعد إجراء العملية التي ترتبت عنها المبالغ المالية موضوع الدعوى، وأن الخطأ لا يرجع إليه وإنما إلى الإدارة، مضيفا بأنه عاطل عن العمل، ويعاني من عدة أمراض، وأنه قدم وصل إيداع بطاقة المساعدة الطبية إلى المستشفى ليتفاجأ بمطالبتها له بأداء المبالغ المذكورة، ملتمسا رفض الطلب.
موقف المحكمة
قرّرت المحكمة رفض الطلب المقدّم من المستشفى لإلزام المريض بأداء مصاريف العملية الجراحية ونفقات الاستشفاء، معتمدةً على العلل التالية:
- الحق في الصحة حق دستوري يتعين أن يتمتع به كل مرتفق طبقا للفصل 31 من الدستور الذي ينصّ على أن: الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كلّ الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية؛
- إن تيسير أسباب الاستفادة من الحق في العلاج يقتضي أن يمنح للمرتفق الحق في تلقي العلاجات الضرورية والمستعجلة بمجرد الإدلاء بوصل تقديم طلب الاستفادة من بطاقة نظام المساعدة الطبية، خاصّة اذا كان لا يتوفر على موارد مالية تؤهله لتغطية مصاريف الاستشفاء؛
- إن نظام المساعدة الطبية تمّ إحداثه بهدف تحمل مصاريف الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات العمومية والمؤسسات العمومية للصحة والمصالح الصحية التابعة للدولة لفائدة الأشخاص المشار اليهم في المادة 116 من مدونة التغطية الصحية الأساسية[2]، والذي يدخل المدعى عليه ضمنهم؛
- إن دليل المساطر الإدارية الأكثر تداولا على مستوى الإدارة الترابية يحدّد المدّة القصوى لإنجاز مسطرة الحصول على بطاقة نظام المساعدة الطبية في 3 أشهر ممّا يجعل المدّعى عليه محقّا في الاستفادة من هذا النظام، لكونه لا يتحمّل تبعات تأخر المصالح الإدارية في معالجتها لطلبه؛
- إن توفّر المدعى عليه على وصل إيداع طلب الاستفادة من نظام المساعدة الطبية قبل عملية الاستشفاء وحصوله على البطاقة بعد حوالي شهر من إجراء العملية، وإن كان لا يخوله صفة مؤهل لنظام المساعدة الطبية، فإنه طبقا للمرسوم المؤطر لهذا النظام يسمح له بالولوج إلى العلاجات الاستعجالية في انتظار البتّ في طلبه.
تعليق على الحكم
تبرز أهمية هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية في أنه يكرّس حق المرتفق في الولوج إلى الخدمات الصحية الأساسية بشكل مجاني بمجرد تقديمه لطلب الحصول على بطاقة المساعدة الطبية دون اشتراط صدور هذه البطاقة وحصوله عليها؛
كان لافتا في الحكم أن المحكمة اعتمدت على مقتضيات الدستور التي تكرس مسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية كحق دستوري وهو تكريس لمبدأ العناية الواجبة؛
كما كان لافتا أن المحكمة لم تلتفتْ للدفع الذي تقدّمت به إدارة المستشفى من كون المدعى عليه ساعة اجرائه للعملية لم يكن متوفرا على بطاقة المساعدة الطبية، وإنّما اعتمدت على المدّة الفاصلة بين تاريخ إيداع طلب الحصول على البطاقة المذكورة وتاريخ إجراء العملية والتي تتجاوز مدة 3 أشهر وهي أقصى مدة تستغرقها عملية الحصول على بطاقة المساعدة الطبية بحسب دليل المساطر الإدارية الأكثر تداولا على مستوى الإدارة الترابية، لتستنتج أن استفادة المرتفق من التغطية الاجتماعية طبقا لنظام المساعدة الطبية قائم، بالرغم من عدم تسلمه للبطاقة التي تثبت ذلك؛
يبرز هذا الحكم الإشكاليات التي تواجه عددا من المرتفقين في قطاع الصحة في الولوج إلى خدمات المستشفيات العمومية، حيث يعاني بعض المرضى حاملي بطاقة المساعدة الطبية من تأخُّر حصولهم على البطاقة، حتى في حالة إعادة تجديدها، إذْ يحصلون فقط على وصل من السلطات المختصّة، لكنّه لا يخوّل لهم العلاج، إلا في الحالات الاستعجالية.
ويعاني نظام التغطية الصحية بالمغرب من عدة إشكالات من بينها تعاقب عدد من الإصلاحات دون إحداث تغييرات حقيقية في القطاع، والنقص المزمن في الموارد البشرية مما يؤدي إلى تأخير في المواعيد، ووجود عرض صحي غير متكافئ بسبب الفوارق بين المجال الحضري والقروي، وضعف حكامة المنظومة الصحية، وغياب التكامل بين القطاعين الخاص والعام، وقد أشار تقرير حديث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول فعلية الحقّ في الصحة إلى تحدي النجاعة الذي يواجه نظام التغطية الصحية بالمغرب، بحيث تتحمل الأسر المغربية أكثر من 50% من المصاريف الصحية بشكل مباشر، وأكثر من 63% باحتساب مساهمة الأسر في التغطية الصحية، وهو ما يجعل الكثير منهم يضطرون في حالة المرض إلى استعمال المدّخرات أو بيع الممتلكات أو اللجوء إلى الاقتراض لمواجهة تكاليف العلاج، كما أن ضعف نجاعة نظام التغطية الصحية يدفع فئات من المستفيدين من التأمين الإجباري على المرض إلى تلافي التطبيب بالمستشفيات والتنازل عن حقّهم في العلاج.
للاطّلاع على الحكم
مواضيع ذات صلة
حكم قضائي بحماية الحق في الصحة في المغرب: ثمن الدواء الأصلي بدلا عن الدواء الجنيس التزاما ببروتوكول العلاج
الحق في الصحة حصري للأغنياء: تراجع الإنفاق الحكومي على الصحة في الموازنة العامة المصرية
محامو بيروت ماضون في حراكهم دفاعا عن حقهم بالصحة: شفافية وديمقراطية النقابة هما ضمانة هذا الحق
ندوة لإسماعيل سكرية في بيت المحامي: دعوة الى التقاضي دفاعا عن الحق بالصحة
[1] حكم المحكمة الابتدائية بصفرو في ملف قضاء القرب عدد 495-1701-2022، صادر بتاريخ 16 01 2023.
[2] تنص المادة 116 من مدونة التغطية الصحية الأساسية على ما يلي: “يستفيد من خدمات نظام المساعدة الطبية وفق الشروط المحددة بنص تنظيمي:
الأشخاص غير الخاضعين لأي نظام للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وغير المتوفرين على موارد كافية لمواجهة النفقات المترتبة عن الخدمات المشار إليها في المادة 121 أدناه؛
أزواجهم؛
أولادهم غير المأجورين الموجودون تحت كفالتهم والبالغون 21 سنة من العمر على الأكثر والذين لا يستفيدون من أي تأمين إجباري أساسي عن المرض.
يمكن تمديد هذا الحد من السن إلى غاية 26 عاما في حالة متابعة الدراسة، شريطة إثبات ذلك؛
أولادهم المعاقون كيفما كانت سنهم، والذين يستحيل عليهم بصورة كلية ودائمة القيام بعمل مأجور، على إثر إصابتهم بعجز جسدي أو ذهني.