تدابير على صعيد إدارة السجون
بادرت إدارة السجون التونسية لاتخاذ جملة من الإجراءات الوقائية بغاية حماية مجتمع المساجين من خطر انتشار فيروس الكرونة تمثلت في:
- توزيع كميات هامة من مواد التنظيف والتعقيم وأجهزة قياس الحرارة على مختلف الوحدات السجنية،
- تخصيص فضاءات للعزل الصحي،
- تعليق الزيارات المباشرة للمساجين بصفة مؤقتة والاقتصار على زيارة واحدة عادية بالحاجز في الأسبوع،
- التقليص في عدد الأقفاف[1] للمساجين واتخاذ الاحتياطات اللازمة في التعامل معها عبر ارتداء القفازات وتوفير وسائل التطهير والتعقيم وحفظ الصحة[2].
تدابير على صعيد المحاكم والنيابات العامة
من جهتها، اتخذت المحاكم والنيابات العامة جملة من الإجراءات تحقيقا لذات الغاية. ومن أبرزها الآتية:
- ترشيد الإلتجاء إلى الإيقاف التحفظي والنزول به إلى الحد الأدنى الممكن،
- مراجعة قرارات الإيقاف السابقة من الدوائر الحكمية ولو دون صدور طلب في الغرض ممن له مصلحة،
- إصدار قضاة تنفيذ العقوبات في إطار صلاحيتهم القانونية لقرارات سراح شرطي[3]،
- إصدار أحكام مخففة في القضايا الجناحية الجارية المتعلقة بموقوفين.
لا يعلم هنا الأثر الفعلي لمثل هذه المبادرات على ظاهرة الإكتظاظ بالسجون لغياب الإحصائيات المحيّنة وإن كان من شبه المؤكد أنها لا تؤدي فعليا لتغيير حقيقي في واقع السجون لأهمية عدد المساجين والتي تتجاوز طاقة استيعابها الحقيقية بنسبة تناهز 135%، ولكون ما هو مخول للسجين من مساحة يؤدي بالضرورة لتعريضه لمخاطر العدوى في حال تفشي الوباء بمحل احتجازه[4].
يستدعي بالتالي حسن التعاطي مع المخاطر الحقيقية التي باتت تهدد المؤسسات السجنية في ظل ما هو معلن تطور الحالة الوبائية بتونس المبادرة إلى اتّخاذ إجراءات يكون مفعولها أوسع وتترك أثرا واضحا في السجون. ويتبين من الخطاب الرسمي وجود وعي بهذا الواجب، من دون أن يترافق هذا الوعي مع تدبير توفّر النجاعة والسرعة المطلوبتين.
رئيس الجمهورية: عفو عيد الاستقلال فرصة ضائعة ووعد بالتلافي
تحتفل تونس كل يوم 20 مارس بعيد استقلالها الوطني. وقد جرت العادة أن تصدر رئاسة الجمهورية في تلك المناسبة عفوا رئاسيا عن عدد واسع من المساجين. في الموعد المحدد، والذي تزامن مع اعلان وصول الحالة الوبائية بتونس للدرجة الثالثة، أعلن عن قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد تمتيع 1856 محكوما عليهم، بالعفو الخاص الذي سيفضي إلى سراح 670 سجينا منهم فيما يتمتع البقية بالحطّ من مدة العقاب المحكوم به." وقد بدا من الواضح من حينها أن استعمال صلاحية العفو كانت دون الأثر والقدر المطلوب لتحقيق غاية التوقي من الكورونا التي باتت بفعل الواقع والضرورة مطلوبة منها. وقد فسر هذا ما ذكر في البلاغ الرسمي من كون الرئيس "دعا لجنة العفو الخاصّ إلى دراسة قائمة إضافية من ملفات المساجين للنظر في إمكانية العفو عنهم وذلك للتخفيف من ضغط السجون والمساهمة في الحفاظ على صحة كل التونسيين."
كشف هنا التعاطي عن كون القدرة على اتخاذ الإجراءات بشكل مسبق وسريع غابت عن جملة المتدخلين في ملف العفو الرئاسي وأولهم رئاسة الجمهورية صاحبة الاختصاص التي كان ينتظر منها تحديد معايير جديدة للعفو تطور من مجاله قبل تاريخ عيد الاستقلال وكان يمكنها في هذا الإطار التفكير في إسناد عفو كامل لكل من صدرت في حقهم أحكام سجنية في قضايا مالية دون التفات لشرط مدة تنفيذ العقوبة الذي حدد منها سالفا كشرط للعفو. وربما يفسر ترددها هذا تدخل رئاسة الحكومة على الخط طلبا لعلاج مطلوب.
رئاسة الحكومة رؤية واضحة وحاجة لآلية إنفاذ سريعة:
بتاريخ 21-03-2020، أعلن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ عن كون حكومته "بصدد دراسة تشريع يعلق وقتيا التتبعات في الجرائم المالية". وتبدو مبادرته هذه هامة جدا لكونها ستؤول إلى عفو تشريعي على المحكومين في جرائم شيكات بدون رصيد والخيانات (إساءة الأمانة) وهي فئة هامة من بين المودعين بالسجون قد يؤدي الإفراج عنها لتخفيف حقيقي في حدة الاكتظاظ بها. ويؤمل هنا أن يتم سن هذا التشريع بسرعة كبرى تناسب ما هو معلوم من كون الوباء المراد حماية السجون به يتطور انتشاره بسرعة كبيرة قد لا تنتظر ما يستدعيه سنّ هذا التشريع في الأحوال الاعتيادية من زمن.
يبدو فعليا مسار التشريع الاعتيادي بما يستدعيه من مسارات تستغرق حتما حيزا زمنيا هاما غير ملائم لتحقيق معالجة سريعة للإشكال القائم بما يكون معه التفكير في تشريعات بإجراءات خاصة فيها روح الاستعجال مبرراً.
أجاز في هذا الإطار الفصل 70 من الدستور التونسي للمجلس النيابي أن يفوض صلاحيته التشريعية لمدة شهرين لغرض معين لرئيس الحكومة. وتقدم هذا الأخير فعليا للمجلس النيابي بمشروع قانون موضوعه إسناده تفويضا تشريعيا لإصدار المراسيم اللازمة لاتخاذ ما يجب من إجراءات للتصدي لفيروس الكورونا ولمعالجة آثاره على الاقتصاد. وينتظر تبعا لذلك أن تنظر الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب التي ستنعقد يوم 31-03-2020 في هذا الطلب.
نأمل هنا وبالنظر للحاجة المتأكدة للسرعة في التشريع في عديد المسائل ومنها حق من في السجون في الصحة والحياة كما سلف بيانه ألا يؤدي التجاذب السياسي القائم وضعف الحزام السياسي للحكومة لإعاقة هذا المسار. كما ينتظر من رئاسة الجمهورية وبالنظر لخصوصية الوضع أن تسرّع من إجراءات العفو الخاص وأن تتوسع في معايير إسناده المعتمدة من قبلها لكون انتشار الفيروس يحسب بالساعات والأيام. وعدم الوعي بهذا تقصير يضع حياة المساجين ومن يشتغلون بالسجون في خطر غير مبرر. ولها هنا فيما كان من مبادرة من الرئيسين السابقين منصف المرزوقي وباجي قايد السبسي من توظيف لمعايير العفو للتخفيف من حدة الاكتظاظ بالسجون ولحماية مستهلكي المخدرات من العقوبات السجنية وللتعبير عن رفض عقوبة الإعدام خير منوال ومثال يمكن الإستئناس به. وينتظر من الحكومة المبادرة بالسرعة المطلوبة لسنّ مراسيم العفو الواجبة بمجرد تحصيلها صلاحية ذلك ضمانا للحق في الصحة وحماية لفئة هشة تستحق عناية خاصة في هذا الوضع الإستثنائي.
رئيس الحكومة : دعوة لإصلاح تشريعي ..تبدو إجراءاته صعبة
لكن يلاحظ أن تفعيل قانون الطوارئ من جهة و تصنيف " الكورونا " من ضمن الأمراض السارية وتفعيل أحكام القانون المتعلقة بمخالفته في حق من لا يلتزمون بالحجر الصحي اقترن بإصدار المحاكم لأحكام بالسجن النافذ في حق العديدين بما يوحي بإمكانية ان ي
[1] الإعاشة التي تجلبها الأسر للمساجين
[2] تصريح الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون والإصلاح سفيان مزغيش بتاريخ 12 -.3- 2020
[3] ينص الفصل 342 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية على أنه " لقاضي تنفيذ العقوبات بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية أن يمنح السراح الشرطي للمحكوم عليه بالسجن لمدة لا تتجاوز ثمانية أشهر من أجل ارتكابه جنحة والذي تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها بالفصلين 353 و 355 من هذه المجلة ….."
[4] يقدر عدد المساجين 23 ألف حال أن طاقة استيعاب السجون 17 ألف .