مع اقتراب انتهاء العام الدراسي، عمّمت معظم المدارس الخاصة على أولياء الأمور لوائح تُحدّد فيها الأقساط الجديدة للعام المقبل تتضمّن زيادات أعادت هذه الأقساط إلى ما كانت عليه قبل الأزمة في عدد من المدارس، وإلى أكثر ممّا كانت عليه في بعضها كما صرّح عدد من أولياء الأمور لـ “المفكرة”.
وصلت هذه الزيادات إلى 100% في المدارس الداخلة في اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة (يضم بشكل أساسي المدارس الكاثوليكية والإنجيلية والأرثوذكسية والمدارس الإسلامية ومدارس العرفان) وتراوحت ما بين 30 إلى 40% في المدارس المنفردة أي غير المندرجة ضمن الاتحاد، كما تؤكّد رئيسة إتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل. وكانت هذه الزيادات قد طرأت على الجزء المحدّد بالدولار والذي تتقاضاه المدارس أصلًا خلافًا للقانون وتفرضه كمساهمة إجباريّة، وعلى ذلك المحدّد بالليرة اللبنانيّة والذي تورده المدارس تحت مسمّى القسط.
وتعدّ الزيادات عشوائية إذ إنّها غير مبنيّة على موازنات واضحة وقانونيّة كما تقول المحامية ملاك حمية المتابعة لملفّ المدارس الخاصة، فـ “المدارس حدّدت الأقساط سلفًا للعام الدراسي المُقبل وقبل انتهاء العام الدراسي الحالي أي قبل إقرار موازناتها بالطريقة التي ينصّ عليها القانون”.
ولم تكتف المدارس الخاصة بهذه الزيادات العشوائيّة بل عمدت إلى استيفاء مبالغ ماليّة أخرى بطرق غير قانونيّة إذ حدّد بعضها على سبيل المثال رسم تسجيل يزيد عن 10% من قسط العام الماضي وهي النسبة القصوى التي يُحدّدها القانون، كما ذهب بعضها إلى إخبار أولياء الأمور أنّ رسم التسجيل لن يتمّ حسمه من القسط المدرسي للمسجلين لأوّل مرّة كون جزء منه هو بدل فتح ملف، وفي سابقة ربما، بلغت قيمة بدل فتح الملف وحدها 2000 دولار في إحدى المدارس التابعة إلى جمعية خيريّة، وهي معلومة تحققت منها المفكرة عبر الإتصال بقسم التسجيل في المدرسة عينها.
وفي حين ربطت معظم المدارس هذه الزيادات بتحسين أوضاع الأساتذة والموظفين عبر زيادة المساهمات لهم بالدولار الأميركي تمامًا كما ربطت في الأعوام الماضية، يُشير نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض إلى أنّ نسبة ما يتقاضاه الأساتذة بالدولار من رواتبهم كانت العام الماضي 30% بمعدل وسطي وأنّ النقابة اشترطت هذا العام أن تصل هذه النسبة إلى 65%. ويلفت إلى أنّ حتّى هذه النسبة التي يطالبون فيها لا تستوجب الزيادات التي تفرضها المدارس إذ إنّ عددًا كبيرًا منها عادت أقساطه إلى ما كانت عليه قبل الأزمة في حين أنّ ما يُخصّص للأساتذة أقل بكثير من هذه النسبة قائلًا: “إلّا إذا كان عدد الأساتذة أكثر من عدد الطلاب” يقول ساخرًا.
وأمام هذا الواقع يحاول بعض أولياء الأمور مواجهة مدارسهم عبر الأدوات التي يُتيحها القانون ولكن الأمر يبدو صعبًا كما يُكرّر بعضهم في ظلّ سيطرة بعض إدارات المدارس على لجان الأهل وفي ظلّ عدم التزام المدارس بتعاميم وزارة التربية واستمرار تعطيل المجالس التحكيميّة، والأهم في ظلّ السياسات التي اتبعت لإضعاف المدرسة الرسميّة ما جعل المدرسة الخاصة الخيار الوحيد.
زيادات عشوائيّة على الأقساط
ما تقوله الطويل ومحفوض يعبّر عنه أيضًا أولياء الأمور الذين التقيناهم. “الأزمة انتهت بالنسبة للمدارس، وربما نعيش فترة انتعاش اقتصادي ولا نعلم” يقول أحمد أحد أولياء الأمور بسخرية، ويشير إلى أنّ القسط الذي حدّدته مدرسة اولاده (ضمن بيروت) هذا العام ( 6400 دولار) هو أكثر ممّا كان عليه قبل الأزمة (4500 دولار) في حين أنّه بات اليوم يعمل ساعات إضافيّة وبالكاد يجني نصف ما كان يجنيه قبل الأزمة.
يقول أحمد في اتصال مع “المفكرة” إنّه فوجئ قبل حوالي الشهر بإعلان مدرسة أبنائه رفع أقساطها بنسبة تجاوزت 60% حيث حدّدت القسط بـ 6400 دولار بعدما كان 3800 العام الماضي، لافتًا إلى أنّ قسط العام الماضي أصلًا حُدّد بزيادة بنسبة حوالي 50% عن العام الذي سبقه حين كان 1700 دولار بالإضافة إلى 40 مليون ليرة.
ويُشير أحمد إلى أنّه اضطر إلى البحث عن عمل إضافي كي يستطيع دفع قسط ولديه وهما لا يزالان في المرحلة الابتدائيّة، الأمر الذي يجعله قلقًا من قدرته على إكمال دراستهم في المدرسة نفسها أو في أي مدرسة أخرى إذ إنّ معظم المدارس التي لا تزال تحافظ على مستوى تعليمي مقبول ترفع أقساطها وكأنّ هناك اتفاقًا غير معلن بينها.
كما أحمد تتحدّث لِيا أنّ زيادة القسط بنسبة تجاوزت 50% في إحدى مدارس كسروان، إذ ارتفع من 2400 دولار و25 مليون ليرة إلى 3650 دولار و 27 مليون لابنتها التي لا تزال في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي مشيرة إلى أنّها بالكاد استطاعت أن تدفع قسط العام الماضي ولكنّ الخيارات أمامها شبه معدومة.
وتقول ليا إنّ القسط المدرسي يشكّل النسبة الأكبر من المصاريف الشهريّة وإنّ أكثر ما يقلقها هو غياب الخيارات أمامها “قسط هذه المدرسة لا يزال مقبولا مقارنة بمدارس أخرى، ولكنّه ليس مقبولا مقارنة بما أتقاضاه أنا وزوجي، لا خيارات أمامنا إلّا إذا ضحّينا بالمستوى العلمي، لو كان هناك مدرسة رسميّة قوية لكانت الخيار لمعظم أولياء الأمور” تقول.
تصف المحاميّة المتابعة لملف المدارس الخاصة ملاك حمية هذه الزيادات بالعشوائيّة وغير القانونيّة وذلك لأنّها غير مبنيّة على موازنات قانونيّة شارحة في حديث مع “المفكرة” أنّ مُعظم المدارس حدّدت سلفًا أقساطها للعام الدراسي المُقبل قبل انتهاء العام الدراسي الحالي، وطلبت من الأهالي تسديد الدفعة الأولى من القسط قبل انتهاء هذا العام الدراسي تحت حُجّة ضمان تسجيل أولادهم للعام الدراسي المقبل، وكلّ ذلك في مخالفة واضحة لأحكام القانون 515/96 الذي يمنع تحديد القسط قبل بدء السنة الدراسيّة الجديدة، ويوجب تحضير مشروع مُوازنتها في الفصل الأول من كلّ سنة دراسيّة.
وتضيف حميّة أنّ القانون يوجب عرض مشروع مُوازنة المدرسة على الهيئة المالية لدراستها ويُنظّم مندوبا لجنة الأهل في هذه الهيئة تقريرهما ويرفعانه إلى لجنة الأهل التي تتخذ قرارها المناسب سواء بالموافقة على المُوازنة أو برفض التوقيع عليها. وبعد كل ذلك تقدّم المدرسة موازنتها إلى مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية وبعدها تُحدّد الأقساط، وليس كما هو حاصل اليوم.
بالإضافة إلى اعتبار هذه الزيادات غير قانونيّة وعشوائيّة تلفت الطويل إلى أنّها لا تدخل في موازنات المدارس بحجّة أنّ القانون لا يسمح بإدراج ما تتقاضاه المدارس بالدولار ضمن الموازنة فبالتالي من الصعب مراقبة صرف الجزء المحدّد من القسط بالدولار (وهو الجزء الأكبر) والذي يأتي ضمن مسمّيات عدّة منها دفع جزء من رواتب أفراد الهيئة التعليميّة بالدولار الأميركي، ما يجعل المدارس متفلّتة من الرقابة وما يطرح سؤالًا عن إمكانيّة مراكمة أرباح في مؤسّسات من المفترض أنّها لا تبغى الربح.
وترى الطويل أنّه طالما لا يوجد تدقيق مالي في موازنات المدارس ولا قطع حساب وطالما لا توجد آلية لتتبّع الأموال التي يدفعها أولياء الأمور، ستستمرّ المدارس بفرض زيادات غير واقعيّة. وتشير إلى أنّه انطلاقًا من هذه الوقائع كان كلّ من النائبين حليمة القعقور وأسامة سعد قد تقدما إلى المجلس النيابي باقتراح قانون يرمي إلى تعديل أحكام القانون رقم 515/96 المتعلّق بتنظيم الموازنة المدرسيّة ووضع أصول تحديد الأقساط في المدارس الخاصة غير المجانيّة.
وليس بعيدًا ترى حميّة أنّ القانون 515/96 ما زال لغاية تاريخه هو القانون النافذ والمرعيّ الإجراء والواجب التطبيق، وبالتالي، من الناحية القانونيّة تبقى جميع المدارس الخاصّة ولغاية تاريخه، خاضعة وملزمة بتطبيق أحكامه عند تنظيم موازناتها المدرسيّة. ولكن من الناحية الواقعيّة، حسب حمية، يبدو الأمر مُغايرًا تمامًا، فأحكام هذا القانون المتعلّقة ببنود الموازنة والنموذج المرفق بها في القانون المذكور، لم تعد قابلة ولا صالحة للتطبيق، وهذا الأمر حمل المدارس الخاصة إلى ابتداع وسائل واقعيّة إنما غير قانونيّة لتحديد الأقساط. فهي إذ تُبقي على جزء من القسط بالليرة اللبنانيّة والذي تضعه ضمن المُوازنة المدرسيّة، تُطالب الأهالي بدفع جزء آخر من القسط بالعملة الأجنبية وتُبقيه خارج هذه الموازنة، وذلك تحت عناوين مُختلفة، بحجّة ضمان استمراريّة التعليم فيها، ودفع جزء من رواتب أفراد الهيئة التعليميّة بالدولار الأميركي.
وكانت “المفكرة” علّقت على اقتراح القانون المذكور سابقًا واعتبرت أنّه يتضمّن إصلاحات تُساهم في المزيد من الشفافيّة في موضوع مراقبة موازنات المدارس ولكنّها رأت أنّ سماحه بتنظيم موازنات المدارس بالدولار الأميركي يعني السماح لها بفرض الأقساط بالعملة نفسها. وهذا الأمر يُشكّل خطرًا على الأمن التربوي ويخفف من أهمية التعديلات الأخرى المُتعلقة بالموازنة المدرسية وبخاصّة في حال تفاقم انهيار العملة الوطنية خلال السنة الدراسية المعنية.
مخالفات تتعدّى قيمة القسط المدرسي
لم تكن الزيادات التي حدّدتها المدارس هي الإجراء غير القانوني الوحيد، إذ عمد بعضها إلى استيفاء مبالغ ماليّة أخرى بطرق غير قانونيّة ومنها ما لا يدخل ضمن موازناتها. فعلى سبيل المثال حدّد بعضها رسم تسجيل يزيد عن 10% من قسط العام الماضي وهي النسبة القصوى التي يُحدّدها القانون. كما ذهب بعضها إلى إخبار أولياء الأمور أنّ رسم التسجيل لن يتمّ حسمه من القسط المدرسي للمسجّلين للمرة الأولى كونها اعتبرت أنّ جزءًا منه هو بدل فتح ملف.
وفي هذا الإطار تقول ريما إنّ المدرسة طلبت منها دفع 200 دولار رسم تسجيل لابنها في مرحلة الروضة في حين أنّ القسط المدرسي العام الماضي لم يكن يتجاوز 860 دولارًا و16 مليون ليرة. وتضيف ريما أنّ المدرسة نفسها حدّدت 150 دولارًا ومليون ونصف مليون ليرة بدل رسم تسجيل وفتح ملف لابنها الآخر كونه يُسجّل للمرة الأولى في المدرسة وأخبرت أولياء الأمور أنّ هذا المبلغ ومن ضمنه رسم التسجيل، لن يحتسب من القسط المدرسي.
ويعتبر هذا الأمر مخالفة صريحة للقانون الذي ينصّ على عدم جواز أن يتعدى رسم التسجيل 10% من قيمة قسط السنة السابقة وعلى وجوب اعتباره جزءًا من أصل القسط السنوي المتوجّب، كما تؤكّد كلّ من الطويل وحميّة.
وليس بعيدًا تقول سهام إنّ مدرسة أبنائها طلبت في تعميم وزّعته عليهم تحدّد فيه قيمة القسط للسنة المقبلة والذي طرأت عليه زيادة 50%، أن يُسدد المبلغ اللبناني كاملًا (27 مليون ليرة) ومبلغًا يتراوح بي 600 دولار للعائلات التي لديها تلميذ واحد، و1000 دولار لمن لديه أربعة تلامذة وذلك قبل الأوّل من تموز، على أن يسدد باقي القسط على ثلاث دفعات، الأولى قبل 15 أيلول والثانية قبل 15 كانون الأول والثالثة قبل 15 آذار.
وكلّ هذه الإجراءات مخالفة للقانون إذ إنّ يتوجّب على المدرسة أن تستوفي القسط المدرسي على ثلاث دفعات على الأقل، تكون الأولى في الفصل الأوّل من العام الدراسي الجديد (ليس قبل تموز)، وألّا تتجاوز قيمة القسط الأوّل 30% من القسط السنوي للسنة الدراسية السابقة، وذلك كدفعة على الحساب لحين تنظيم الموازنة المدرسية وتحديد الأقساط بشكل نهائي.
لم يتوقف الأمر على فرض المدارس دفع هذه الرسوم بخلاف القانون، بل وصل الأمر ببعضها إلى أن تُحدّد قيمة بدل فتح ملف بمبلغ يكاد يساوي نصف قيمة القسط، إذ يُخبر أحد أولياء الأمور أنّه ذهب لتسجيل ابنه في إحدى المدارس التابعة لجمعيّة خيريّة ففوجئ بالطّلب منه دفع ألفي دولار بدل فتح ملفّ في حين كان القسط المحدّد للصف العاشر (صف ابنه) 4480 دولار و145 مليون. ويشير في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّه حين أبدى اعتراضه على قيمة فتح الملف جاءه الجواب بأنّه يمكن تقسيطه على 3 سنوات.
وفي السياق نفسه تقول سارة التي تبحث عن مدرسة لابنها إنّ ثلاث مدارس في محافظة جبل لبنان طلبت منها بدل فتح ملف بقيمة تراوحت بين 500 و1000 دولار مع إخبارها بأنّ هذا المبلغ لا يعتبر بطبيعة الحال جزءًا من القسط.
وكان وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحلبي، وجّه السبت الماضي كتابًا إلى المدارس الخاصّة غير المجانية، يتعلّق بتحديد نسبة الزيادة على الأقساط المدرسية، مشيرًا إلى أنّ تحديد الأقساط قبل إعداد الموازنة وتوقيعها من لجنة الأهل وإدارة المدرسة وتدقيقها من الوزارة، يشوبه عيب مخالفة القانون، ويرتّب المسؤولية ويستدعي اتّخاذ إجراءات للحؤول دون ترتيب أي نتائج على هذه المخالفة وبالتالي يحول دون التمادي بها.
وذكّر الحلبي في كتابه بضرورة مراقبة التزام المدارس الخاصّة غير المجانية بتقسيم القسط المدرسي على ثلاث دفعات، على ألّا تتجاوز الدفعة الأولى 30% من القسط السنوي للسنة الدراسية السابقة، وبأنّ فرض أي مدرسة رسمًا للانتساب إليها أو للتسجيل فيها مشروط بعدم تخطّيه 10% من قيمة القسط الذي استوفته في السنة الدراسية الماضية، ويوجب في مطلق الأحوال اعتباره جزءًا من القسط السنوي المتوجّب.
ودعا الحلبي المدارس إلى إيداع الإدارة المختصّة في مصلحة التعليم الخاص، كتابًا خطّيًا خلال خمسة أيام عمل، يتضمّن موقفها ممّا تم تداوله إعلاميًا لجهة القسط المدرسي في العام الدراسي المقبل، وتضمينه المبالغ التي دفعتها المدارس فعلًا أو ستدفعها كرواتب وأجور لأفراد الهيئة التعليمية ولباقي العاملين في العام الدراسي الحالي.
المنح المدرسيّة كمبرّر للزيادة
يُخبر بعض أولياء الأمور أنّهم عندما اعترضوا على الزيادة أجابتهم بعض الإدارات بأنّ الحكومة أقرّت زيادة للمنح المدرسيّة للقطاعين العام والخاص. “ولكنّ المنح لا تغطي الجزء اللبناني في بعض المدارس فكيف ذلك المحدّد بالدولار، كما أنّ ليس جميع أولياء الأمور موظفين في القطاع العام والخاص” يقول ولي أمر طالب في إحدى مدارس الجنوب لـ “المفكرة”.
وفي هذا الإطار تقول حميّة إنّ منح التعليم وبعد تعديلها بلغت 12,000,000 ليرة لبنانية للتلميذ الواحد في القطاع الخاص، وبالنظر إلى قيمة أقساط المدارس، فإنّ هذا المبلغ لا يغطي حتّى الجزء اللبناني من القسط، أمّا في ما خصّ منح القطاع الرسمي التي أصبحت بعد تعديلها تتراوح بين 90,000,000 ليرة و171,000,000 ليرة للتلميذ الواحد (حسب المرحلة التعليميّة) فإنّها أيضًا لا تغطي القسط ولا حتى جزءًا كبيرًا منه.
وليس بعيدًا اشتكى عدد من أولياء الأمور الذين قابلتهم “المفكرة” من عدم قدرتهم على تحصيل النسب من القسط التي تخصّصها بعض المؤسسات الخاصة كبدل تعليم وذلك لأنّ المدارس لا تعطي إيصالًا إلّا بالجزء اللبناني الذي تصرّح عنه كقسط مدرسي أمّا الجزء المفروض بالدولار وهو المبلغ الأكبر فتعتبره مساهمة وبالتالي لا تعطي فيه إيصالًا.
وفي هذا الإطار تقول دينا إنّ المؤسّسة التي يعمل فيها زوجها تعطي 35% من قيمة القسط المدرسي إلّا أنّه لا يستطيع تحصيل هذه النسبة، موضحة أنّ قسط ابنها في إحدى مدارس بشامون يبلغ 2500 دولار و45 مليون ليرة إلّا أنّ المدرسة تُعطيها إيصالًا بقيمة الـ 45 مليون فقط ما يجعل الـ 35% بلا قيمة.
الزيادات لا تعود بالنفع على الأساتذة
عند الاطّلاع على التعاميم التي ترسلها المدارس إلى أولياء الأمور معلنة زيادة أقساطها، نلاحظ أنّ المشترك فيها تبرير الزيادة بضرورة “صون كرامة الأساتذة” و”الحفاظ عليهم” و”تحسين أوضاعهم” إلّا أنّ هذه العبارات التي تكرّرت خلال العامين السابقين كحجّة للزيادة بقيت في معظم المدارس حبرًا على ورق حسب ما يُشير نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض. ويوضح في اتصال مع “المفكرة” أنّ النسبة التي حُدّدت بالدولار للأساتذة العام الماضي تراوحت بين 10 و20% ووصلت إلى 50% في المدارس التي تُعتبر مدارس “النخبة”، أي أنّ الزيادة التي طرأت على رواتب الأساتذة كمساعدات بالدولار كانت بنسبة 30% كمعدل وسطي، ما يعني أنّ رواتب الأساتذة تراوحت العام الماضي بين 150 و700 دولار.
وفي حين يُشير محفوض إلى أنّ النقابة تطالب بأنّ تُحدّد نسبة الدولار من الراتب (لا يتجاوز 3 ملايين ليرة) هذا العام بـ 65%، يشدّد على أنّ حتى هذه النسبة لا تستوجب الزيادات التي تقرّها المدارس والتي أعادت القسط المدرسي إلى ما كان عليه قبل الأزمة وكأنّ رواتب الأساتذة عادت إلى ما كانت عليه أيضًا.
ويعتبر محفوض أنّ ما تقوم به المدارس يُهدّد مستوى التعليم إذ إنّ 25% من الأساتذة تركوا التعليم في المدارس الخاصة منذ بداية الأزمة حتى اليوم، فهؤلاء إمّا هاجروا أو التحقوا بأعمال أخرى ومعظمهم من الأساتذة الذين يتمتعون بكفاءات وخبرات عالية مشيرًا إلى أنّ عددًا كبيرًا من المدارس تستبدل أساتذة أقلّ خبرة وكفاءة وبرواتب متدنيّة، بهؤلاء.
ويدعو محفوض الأهالي إلى التأكّد ومن خلال الأدوات المتاحة ولاسيّما لجان الأهل من أنّ الأموال التي يدفعونها للأساتذة تصل فعليًا إليهم، معتبرًا أنّ أكثر ما يشجّع المدارس الخاصة على زيادة أقساطها ليس فقط غياب الدور الحقيقي لمجالس الأهل بل أيضًا القضاء على المدرسة الرسميّة ما جعل الخاص الخيار الوحيد.
لجان الأهل والمجالس التحكيمية المعطّلة
أمام هذا الواقع يحاول أولياء الأمور مواجهة المدارس بالأطر القانونيّة المتاحة أمامهم كما حصل في إحدى المدارس في قضاء النبطيّة. إذ بعد أن أعلنت المدرسة زيادة القسط بنسبة تقرب 100% ورفعته من 1000 دولار و17 مليون ليرة إلى 1800 و27 مليون، احتجّ الأهالي في وقفة أمام المدرسة، وعبر توجيه كتاب إلى رئيس لجنة الأهل فنّدوا فيه المخالفات، والتي كان أبرزها تحديد القسط قبل إقرار الموازنة وتوقيع لجنة أهل منتهية الصلاحية على مشروع الموازنة.
ويقول أحد أولياء الأمور في هذه المدرسة لـ “المفكرة” إتّ رئيس اللجنة تمنّع عن استلام الكتاب مرات عدّة، ويشير إلى أنّه بعد التأكّد من وصول الكتاب وفي حال عدم الردّ في المهل المحدّدة قانونيّا سيلجأ الأهالي إلى الوزارة والقضاء.
ويُضيف ولي الأمر أنّ أعمال معظم سكّان الجنوب تأثّرت بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة المتكررة وأنّ المدارس لا تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
هذا وذهبت إحدى المدارس في الجنوب إلى تهديد الأهالي الذين قرّروا عدم تسجيل أبنائهم العام الدراسي المقبل فيها لأنّهم نزحوا ويفضلون الالتحاق بمدرسة حضوريًا وليس عن بعد، بعدم تسجيل أبنائهم بعد انتهاء العدوان وعودتهم. ويقول أحد أولياء الأمور إنّه عندما أعلم المدرسة بعدم رغبته التسجيل للعام الدراسي المقبل جاءه الردّ من أحد المعنيين بالمدرسة: “اذهبوا عند من تسبّب بالحرب واطلبوا منه إيقافها”، مشيرًا إلى أنّ المدرسة ذاتها ردّت على ولي أمر آخر كان يطلب إمهاله وقتًا ولاسيّما أنّه نازح من منزله، لتأمين القسط، بالمعنى نفسه.
وفي الإطار نفسه يقول ولي أمر آخر إنّ أولياء الأمور باتوا مؤخرًا أكثر دراية بحقوقهم وبالأطر المتاحة لهم للدفاع عن هذه الحقوق إلّا أنّ وصول لجان أهل مقرّبة من الإدارات وعدم فعالية بعض هذه اللجان يصعّب الأمور على الأهالي ولاسيّما في ظلّ عدم التزام المدارس بتعاميم وزارة التربية وفي ظلّ تعطيل المجالس التحكيميّة أي المحاكم المخصّصة للنظر في النزاعات الناشئة بين أولياء الأمور والمدارس.