أصدرت الغرفة الجزائيّة في محكمة التمييز الفرنسية، قراراً في تاريخ 17/10/2023 اعتبرتْ فيه أن الدعوة لمقاطعة إسرائيل أو شركاتها (Boycott) لا تعدّ تحريضا على العنف أو الكراهيّة أو معاداة للسامية أو التشهير بل هي طريقة للتعبير عن الآراء الاحتجاجية. وبذلك، تكون المحكمة تراجعتْ عن الموقف المعتمد منها في قضايا سابقة، حيث قررت أنّ الدعوة للمقاطعة تشكل جرما جزائيا طالما أنها ترشح عن تحريض على “التمييز الاقتصادي”.
ويأتي هذا القرار منسجما مع قرار[1] المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الصادر في 11/6/2020 والذي كان اعتبر أن الدولة الفرنسية تنتهك بفعل معاقبتها الدعوات لمقاطعة إسرائيل، الاتفاقية الأوروبيّة لحماية حقوق الإنسان وبخاصّة المادة 10 منها التي تكفل حريّة التعبير. ومن أهم المبررات التي اعتمدتها المحكمة الأوروبية أن الدعوة للمقاطعة هي في الدرجة الأولى وسيلة للتعبير عن الآراء الاحتجاجية و”أن المادة 10 لا تترك مكانًا لفرض قيود على حرية التعبير في مجال الخطاب السياسي أو في المسائل ذات الاهتمام العامّ مثل القضيّة الفسطينية واحترام القانون الدوليّ العامّ من جانب دولة إسرائيل ووضعية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.”
عدا عن أهمية هذا القرار في حماية حرية التعبير والنشاط السياسيّ المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في وجه إسرائيل بما تمثله من احتلال وفصل عنصريّ، فإنه يكتسي أهمية مضاعفة في ظلّ الحرب الراهنة على غزّة والتفاعلات الرسمية حيالها والتي ذهبت إلى تقييد حرية التعبير بشكل واسع، وصولا إلى منع التظاهر دعما لحقوق الشعب الفلسطيني تحت مسميات مختلفة، أهمها مكافحة الإرهاب ومعاداة السامية وتوجه الاتحاد الأوروبي إلى إدخال آلياتجديدة لتقييد حرية التعبير في هذا الخصوص على وسائل التواصل الاجتماعي ومنها سياسات الحجب المستتر بهدف ضمان هيمنة السردية الإسرائيلية والسرديات الداعمة لها. فكأنما المحكمة العليا سعت من خلال اجتهادها ليس فقط إلى قلب موقفها السابق إنما أيضا إلى قلب الاتجاه المعتمد مؤخرا من السلطات الرسمية الفرنسية والأوروبية في هذا المضمار، في موازاة التذكير بمبادئ حرية التعبير وضوابطه والتنبيه من مساوئ تسخير مفاهيم قانونية لضرب هذه المبادئ.
يندرج في الاتجاه نفسه القرارات الصادرة عن القضاء الإداري الفرنسي في إطار الطعون ضد القرارات الإدارية في منع التظاهر دعما للشعب الفلسطيني ومنها قرار مجلس الدولة في التأكيد على عدم قانونية المنع المطلق للتظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني والصادر في 18 تشرين الأول وقرار المحكمة الإدارية الابتدائية في باريس المؤرخ في 19 تشرين الأول وقرار المحكمة الإدارية في روان في 20 تشرين الأول.
هذه القرارات تشكل رسائل إيجابية من شأنها الإسهام في تغيير المشهد القاتم في تقييد حرية التعبير والعمل السياسي، على أمل أن تستمر هذه الرسائل وأن ينجح القضاء الفرنسي بنتيجتها في لجم شطط السلطات الفرنسية في هذا الخصوص.
[1] CEDH, arrêt du 11 juin 2020, [J] et autres c. France, n° 15271/16 et 6 autres
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.