
أصدرت المحكمة الادارية التونسية في 11/11/2013 ثلاثة أحكام بإلغاء قائمة المترشحين لعضوية هيئة الانتخابات والتي كانت وضعتها اللجنة الخاصة بالمجلس الوطني التأسيسي المكلفة بدراسة وفرز ملفات الترشح لعضوية هذه الهيئة. وتؤدي القرارات القضائية التي استقبلتها الساحة السياسية برفض وتشكيك في حياديتها الى افشال محاولة أعضاء السلطة التأسيسية الافلات من رقابة القضاء على اعمالهم.
وكانت المحكمة الادارية قد قضت في تاريخ سابق بإبطال قائمة اولى تولت لجنة الفرز اعدادها معللة حكمها بأن عملية الانتقاء للترشحات لم تلتزم بالسلم التقييمي المنصوص عليه بالقانون الاساسي المنظم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وبالواقع، أن الطبقة السياسية كانت قد توافقت في إطار حواراتها وصفقاتها على اعتماد التوافق بينها في تعيين اعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات. فقد بادر نواب المجلس التأسيسي في إطار التزامهم بقرارات الحوار الوطني الذي جمع بين الاحزاب التي تمثل اغلبيتهم الى تنقيح قانون هيئة الانتخابات طبق الصياغات التي اقترحها الساسة وخبراء القانون الاداري والدستوري الذين انخرطوا في منظومة السعي للبحث عن الحلول القانونية. ودعا رئيس المجلس الوطني التأسيسي لجنة الفرز التي يرأسها لتعاود اعمالها وفق ما اضحى لديها من سلطة تقديرية على نحو يجعلها بمنأى عن رقابة المحكمة الإدارية فيما وجه مكتبه النص القانوني للمحكمة الادارية ليعلمها بالإجراءات الجديدة التي فرضها. وكانت ان عاودت المحكمة الادارية التدخل مجددا في الوقت الذي كان يطلب منها ان تلتزم الصمت فذكرت المشرعين ان النص الذي ارسلوه لها لا يعد قانونا لكونه لم يختم بعد من رئيس الجمهورية ولم ينشر بالجريدة الرسمية. أحرج تدخل المحكمة الساسة مجددا وكان مناسبة لمعاودتهم اتهامها بالسعي للعب دور سياسي فيما ادت صلابة الموقف القانوني للمحكمة برئاسة الجمهورية الى الاسراع الى ختم التعديل التشريعي على امل انهاء سجال قانوني أزعج أطراف الحوار الوطني وبات يهدد جدوله الزمني.
سعى القانون في صياغته الجديدة الى جعل اعمال اللجنة المنبثقة عن المجلس التشريعي محصنة عن رقابة المحكمة في إطار قضاء الالغاء بعد ان جرد الاختيار عن الضوابط الموضوعية ليجعله مرتهنا بسلطة تقديرية حرة. غير ان احكام 11 نوفمبر 2013 رفضت القانون ومارست رقابة عليه بعد ان تولت اجراء رقابة دستورية على مضمونه لتنتهي الى فرض الالتزام مجددا بالسلم التقييمي احتراما لمبدأ المساواة بين المترشحين. اعتبرت المحكمة الادارية ان افتقار المؤسسة القضائية لمحكمة دستورية تمارس رقابة على دستورية القوانين يفتح الباب امامها للقيام بهذا الدور وفرضت مجددا على الطبقة السياسية سلطة القانون في مقابل ما كانت تسعى له من توافقات.
تضع احكام المحكمة الادارية مجددا المجلس الوطني التأسيسي ومن خلفه الطبقة السياسية في موقع الازمة بعد ان افشلت سعيهم للإسراع باختيار اعضاء هيئة الانتخابات في إطار التزامهم بمقتضيات الحوار الوطني. وأتت احكام المحكمة الادارية لتشكل امتحانا جديدا لرعاة الانتقال الديموقراطي قد يكشف عن حقيقة التزامهم ببناء دولة القانون والمؤسسات وان كانت تصريحات الساسة الاولية عاودت انتاج خطابات التشكيك في المحكمة ملمحة الى امكانية تجاوز قراراتها.
الصورة منقولة عن موقع ورقات تونسية
متوفر من خلال: