في قرار استعجالي صدر عنها بتاريخ 03 أكتوبر 2024، أمرت المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب الدولة التونسية بإيقاف تنفيذ المرسوم رقم 35 لسنة 2022 الصادر في 01-06- 2022 المتعلق بإتمام المرسوم رقم 11 الصادر في 12 فبراير 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء؛ والأمر الرئاسي رقم 516 لسنة 2022 والصادر في ذات التاريخ والمتعلق بإعفاء قضاة. كما طالبتها بتقديم تقرير للمحكمة حول الإجراءات المتخذة للامتثال لهذا الأمر وذلك خلال أجل قدره خمسة عشر يوما من تاريخ استلامه، وذلك في إطار الدعوى عدد 8 لسنة 2024 التي رفعها القضاة المعفيون حمادي الرحماني وخيرة بن خليفة ومكرم حسونة وسامي بن هويدي وحرر لائحتها نائبهم المحامي التونسي إبراهيم بلغيث واتحاد المحامين الأفارقة. وكان القضاة المعفيون قد طلبوا من المحكمة التصريح بمخالفة إعفاءات القضاة والمرسوم الذي أسند لرئيس الجمهورية هذه الصلاحية الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان وبالتالي توجيه أمر للدولة التونسية بالتراجع عنهما.
وقد أسندت المحكمة قرارها باتّخاذ تدابيرها المؤقتة على المادة 27 من البروتوكول المحدث لها التي تجيز لها التصريح بها “في حالة الخطر الداهم والاستعجال وعندما يتبين أنه من الضروري لتفادي وقوع أضرار لا يمكن جبرها على الأفراد”. كما أسندتها على المادة 59 من نظامها الداخلي الذي يعطيها هذه الصلاحية “بناء على طلب أحد الأطراف أو من تلقاء نفسها، في حالة الخطر الشديد والداهم أو الاستعجال ولتفادي إلحاق ضرر يتعذر جبره بالأشخاص”. وبينت المحكمة في قرارها أن تلك الشروط التراكمية توفرت جميعها في دعوى الرحماني ورفاقه لكون “المرسوم المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء المعدّل يمنح رئيس الجمهورية سلطة إعفاء القضاء” مما يشكل حسبها “خطرا حقيقيا قادما من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية” و”تهديدا لاستقلال القضاة على حدة والسلطة القضائية برمتها” وأن “الخطر قد وقع على المدعين وكان حقيقيا” تبعا لتنفيذ ذلك المرسوم في حقهم.
عند هذا الحدّ، ورغم أنها لم تبتّ بعد في أصل الدعوى، تكون المحكمة الإفريقية قد حسمت الأمر لجهة انتهاك مرسوم الرئيس سعيد عدد 35 مقتضيات استقلالية السلطة القضائية كما تضبطها المواثيق التي صادقت عليها الدولة التونسية وعدم شرعية تنفيذه في حقّ كل من شملهم.
ويجدر هنا التذكير بأمرين:
أولا، إلزامية قرارات المحكمة الإفريقية
خلال فترة الانتقال الديموقراطي وتحديدا في سنة 2017، قبلتْ تونس بالولاية القضائية الكاملة للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب والتي تجيز للأفراد مقاضاتها أمامها في صورة مخالفتها لمعاهدات حقوق الإنسان التي صادقت عليها. وعليه، فإنه يصبح لزاما عليها وفق المادة 26 من ميثاق المحكمة “الامتثال للحكم في أي قضية تكون طرفاً فيها، وضمان تنفيذه.”
ثانيا، غياب آليات الإنفاذ الجبري
إلا أنه ورغم إلزامية قرارات المحكمة، إلا أنه لا يوجد حتى اليوم آليات لإنفاذها جبرا، ولا يتوقع من منظومة الحكم التي لم تجد حرجا في عدم تنفيذ أحكام قضائية صدرت بخلاف ما تريد عن محاكمها الوطنية (المحكمة الإدارية التي كانت أوقفت نفاذ إعفاء 49 من القضاة) ووصلت إلى حدّ اعتبار الإذعان لها خطرا داهما. ومما يؤكد هذا التوقع عدم تنفيذها للقرار الذي صدر عن ذات المحكمة بتاريخ 22-09-2022 وأمر بإلغاء المرسوم عدد 117 الصادر في سبتمبر 2021 وضمنا الأوامر الرئاسية المتعلّقة بإعفاء الحكومة وتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب والتمديد في ذلك التعليق إلى أجل غير مسمّى.
ثالثا، رمزية القرار بمعزل عن تنفيذه
في المقابل وبمعزل عن مدى التزام تونس بتنفيذ القرار، فإنّ وضوح منطوقه يجعل منه شهادة مهمّة من مرجع قضائيّ إقليميّ رفيع تؤكد صحة وصف إعفاءات القضاة بمذبحة قضاة تونس وتبيّن أن استعادة دولة القانون لن يتحقق إلا بطيّ صفحتها وبناء القضاء السلطة المستقلة.
وبالنظر إلى أهميته، تنشر المفكرة نصّ قرار التدابير المؤقتة وهي تحيي بالمناسبة شجاعة القضاة الذين اختاروا طرق باب التقاضي دفاعا عن الحقوق والحريات.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.