بتاريخ 02-09-2024، وبمناسبة إعلانها القائمة النهائية للمترشّحين للانتخابات الرئاسية التونسية المقرّر إجراؤها يوم 06-10-2024، امتنعت هيئة الانتخابات عن تنفيذ القرارات التي صدرت عن الجلسة العامة للمحكمة الإدارية في مادة النزاع الانتخابي والقاضية بقبول طعون كل من عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي وعماد الدايمي وقبول مطالب ترشحهم للانتخابات الرئاسية. برّر أعضاء الهيئة في مرحلة أولى، موقفهم بعدم توصلهم بلوائح القرارات المعنيّة في الآجال القانونية رغم مطالبتهم المحكمة بها بما ينفي علمهم القانوني بها ويمنعهم بالتالي من تنفيذها،.وهو الادّعاء الذي فنّدته المحكمة الإدارية والناطقون باسمها وممثلو هياكل القضاة. وقد استند تفنيد هؤلاء إلى ثلاث حجج هي الآتية:
-إن القانون الانتخابي نصّ صراحة على تنفيذ قرارات الجلسة العامة للمحكمة الإدارية في مادة نزاع الترشحات للانتخابات الرئاسية على المسودة بعد الإعلام بها من كتابة المحكمة بأي شكل يترك اثرا كتابيا. وهو ما تمّ بمجرد صدور الأحكام وخلال الأجل المتمسك به من هيئة الانتخابات.
-فيما سبق من النزاعات الانتخابية التي تمّت في ظل ذات القانون الانتخابي، كانت الهيئة تنفّذ قرارات الجلسة العامة بعد إعلامها بمنطوقها ومن دون طلب منها للائحتها بما يؤكد وجود عرف في الموضوع يلائم القانون،
-إن الروزنامة الانتخابية المعلنة من الهيئة ضبطت تاريخ 03-09-2024 كأجل أقصى لإعلان القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية وكان على الهيئة انتظار انقضائها قبل إعلان موقفها خصوصا وأنّ المحكمة مكّنتها من لوائح الأحكام في الأجل المذكور بما انتفى معه واقعيا ما تمسّكت به من دفع إجرائي.
قوة حجة الإدارية، وانتصار المختصين في القانون والحقوقيين لموقفها اضطرّ هيئة الانتخابات لأن تطور تسبيبها في بيانها في تاريخ 03-09-2024 حيث عادت واعتبرت أنه بصرف النظر عن عدم إعلامها ضمن الأجل القانوني، فقد “ثبت قطعا” لها من الاطلاع على قرارات الجلسة العامة للمحكمة الإدارية أن هذه الأخيرة “لم تقضِ بصفة واضحة وصريحة بإدراج المترشحين الطاعنين بالقائمة النهائية للمترشحين بل كانت أحكاما موقوفة على شرط تثبت الهيئة من تمتع المترشحين المرفوضين بجميع حقوقهم المدنية والسياسية وعليه فإن ذلك يؤكد تعذر تنفيذ تلك الأحكام حتى ولو تم إعلامها بها في الآجال القانونية”[1]. وقد استند الفريق القانوني للمكي إلى هذا البيان وما ادّعته هيئة الانتخابات من غموض في منطوق قرار الجلسة العامة المتعلق به ليتقدم يوم 05-09-2024 بطلب للجلسة العامة في المحكمة الإدارية لشرح قرارها.
تاليا وبتاريخ 10-09-2024، أصدرت الجلسة العامة للإدارية قرارها الذي ردّ على ما اعتبرته هيئة الانتخابات غموضا علق بقرارها[2] الخاص بالطالب. وأكدت الجلسة العامة أن القرار المراد شرحه قضى بإدراج طالب الشرح بالقائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية ولم يكن معلقا على أيّ شرط وكان “واضح المعاني لا يعتريه أيّ لبس فيما قضى به”. كما أكدت الجلسة العامة أن هيئة الانتخابات “ملزمة” بتنفيذه “وذلك بإدراج المترشح في قائمة المترشحين النهائية”. ويطرح هذا القرار السؤال حول آلية تنفيذه وفي صورة عدم تنفيذه حول أثر ذلك على المسار الانتخابي الجاري.
أي سبل ممكنة لتنفيذ قرار الشرح؟
يدّعي القائمون على هيئة الانتخابات أن الدستور أسند لها ولاية كاملة على المسار الانتخابي وأن لها بالتالي صلاحية تقييم الأحكام التي تصدر في مادة النزاع الانتخابي وتحديد إن كانت ستطبقها أو ترفض تطبيقها. ولا ينتظر منها لهذا الاعتبار أن تذعن لقرار الشرح أو أن تسعى لإيجاد مخرج يصلح الخطأ الذي اعترى قائمة الترشحات النهائية التي صدرت عنها. في سياق متصل وبعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات، ينتظر ان يطعن المكي والمترشحان الزنايدي و الدايمي فيها. وحينها سيكون ما صدر لفائدتهم من أحكام وقرار الشرح من أهم أدوات معركتهم القضائية والتي سيكون عنوانها الأهمّ نزع الشرعية عن الرئاسية.
قرار الشرح ونزعه الشرعية عن الانتخابات الرئاسية
من جهة الشكل، حصر فقه قضاء المحكمة الإدارية حق المنازعة في النتائج الانتخابية الرئاسية في المترشحين لها دون سواهم[3].ويكشف قرار الشرح الذي صدر عن الجلسة العامة عن كون المرجع القضائي المذكور أكد توفّر صفة المترشح للرئاسية في جانب المكّي بقوة منطوق القرار القضائي النهائيّ والباتّ الذي صدر لفائدته. ويفترض بالتالي متى انطلقت مرحلة المنازعات الانتخابية في نتائج الانتخابات ألا تثير صفة المكي والدايمي والزنايدي إن رفعوا قضايا في إلغائها أي منازعة جدية وكذلك مصلحتهم في التقاضي.
أما من جهة الأصل ومتى نظرت الإدارية في قضايا كتلك يتم التمسك في مستنداتها بعدم شرعية المسار الانتخابي لخرق قائمة المترشحين الفادح للقانون، فالمرجّح ألا تخالف الإدارية سبق حكمها وأن تصرّح تأسيسًا عليه بإلغاء النتائج الانتخابية لما اعتراها من حرمان لمرشّحين من خوض الانتخابات من دون وجه قانوني. ويعدّ هذا المآل شبه المتأكد من حتميّته خطرا ينبّه له قرار الشرح.
خطر الخروج عن الشرعية: منزلق خطير ينبه له قرار الشرح فهل من متعظ؟
عادة يقترن الحديث عن شرعية المسارات الانتخابية التي تجري في ظلّ الحكومات الشمولية، محليّا بالمعارضة والمجتمع المدني وفي الخارج بالهيئات الإقليمية والدولية ولا يتوقّع صدوره عن مؤسسات الدولة المعنية لضعفها. لكن خلاف ذلك، انتصرت أحكام الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية في النزاع الانتخابي للحقّ في الترشح للانتخابات الرئاسية بحدّه الأدنى. وكشف قرار الشرح الذي صدر عن ذات المحكمة عن إصرار منها على إنفاذها هذه الأحكام ويمكن أن نصنف هذا الموقف من قبيل المقاومة المؤسساتية لمحاولات السلطة الحاكمة في تعليب الانتخابات تمهيدا للتحكّم في مسارها ومآلها. وتفرض هذه المقاومة الوازنة، على السلطة ممثلة في هيئة الانتخابات خيارين لا ثالث لهما: أولهما الإذعان المتأخر للشرعية وإعادة الانتخابات مع تحمل ما سبق من عبء تضييع أموال عمومية في مسار انتخابي وهو الخيار الأمثل وثانيهما المضي في تجاهل الشرعية وهو الاختيار الأسوأ لما يؤدي له من خروج عن الشرعية يزيد في تعميق الأزمة السياسية القائمة.
وبفعل خطورة المآل الثاني على قيم الجمهورية، قد يكون من المتعين في هذه المرحلة الدعوة لإصلاح الأخطاء قبل أن تستفحل وذلك بتنفيذ قرارات القضاء كما هو واجب قانونا حماية لتونس وضمانا لحق مواطنيها في اختيار من يحكمهم هذا الحق الذي كان لكبار قضاء الإدارية شرف قيادة معركة الدفاع عنه بشجاعة نأمل أن تنتقل عدواها لغيرهم وفي مقدمتهم هيئة الانتخابات وزملائهم في المحاكم العدلية ممن يتعهدون بنظر التتبّعات الجزائية التي أثيرت ضدّ المترشحين من المعارضين.
للاطلاع على قرار شرح قرارا الجلسة العامة للمحكمة الادارية عبد اللطيف المكي .pdf
[1] من بلاغ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الصادر بتاريخ 03-09-2024 والذي ورد فيه “يهم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ان توضح انه بعد اطلاعها على نسخ الاحكام الصادرة عن المحكمة الادارية تحت عدد 24003579 بتاريخ 27 اوت 2024 و عدد 24003591 بتاريخ 29 اوت وعدد 24003592 بتاريخ 30 اوت والتي تم اعلام الهيئة بها خارج الآجال القانونية المنصوص عليها بالفصل 47 فقرة اخيرة من القانون الانتخابي وبعد مصادقة مجلسها على القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، فقد ثبت قطعا ان تلك الأحكام لم تقضي بصفة واضحة وصريحة بإدراج المترشحين الطاعنين بالقائمة النهائية للمترشحين بل كانت أحكاما موقوفة على شرط تثبت الهيئة من تمتع المترشحين المرفوضين بجميع حقوقهم المدنية والسياسية في غياب وجود البطاقة عدد 3 المشترطة في القرار الترتيبي للهيئة، وعليه فان ذلك يؤكد تعذر تنفيذ تلك الاحكام حتى ولو تم اعلام الهيئة بها في الآجال القانونية.”
[2] للاطلاع على نص القرار انقر هنا
[3] قرار استئنافي اداري عــدد2014410062 بتاريــخ 20 ســبتمبر 2014، قرار اســتئنافي اداري عــدد 201430002 بتاريــخ 8 أكتوبر 2014