الفصل الرابع من معركة إسقاط السريّة المصرفيّة: مدخل لاستبعاد الودائع غير المشروعة؟


2025-04-16    |   

الفصل الرابع من معركة إسقاط السريّة المصرفيّة: مدخل لاستبعاد الودائع غير المشروعة؟

بعد مسار دام قرابة خمس سنوات من المماطلة والمواربة في التشريع، عاد موضوع رفع السريّة المصرفية إلى أروقة مجلس النواب، مرفقا بممانعة من قوى وازنة تعارض هذه الإصلاحات المؤجلّة. فقد أحالت رئاسة الحكومة، في تاريخ 2/4/2025، إلى مجلس النواب مشروع القانون الرامي إلى تعديل بعض مواد القانون القانون رقم 306 الصادر بتاريخ 28/10/2022 والمتعلّق بالسريّة المصرفية. هذا وكان مجلس الوزراء، وبناء على المشروع المعروض عليه من وزارة المالية، أقرّ مشروع القانون في تاريخ 27/3/2025, ومن أبرز التعديلات التي تضمنها الآتية: 

  • تمكين مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع من الحصول على جميع المعلومات المصرفية، من دون أن يربط طلب المعلومات بأيّ هدف معيّن، 
  • تخويل الجهات المذكورة وبهدف إعادة هيكلة القطاع الـمصرفي والقيام بالأعمال الرقابية عليه، المطالبة ب “معلومات محميّة بالسرية المصرفية دون تحديد حساب معين أو عميل معين، بما في ذلك إصدار طلب عام بإعطاء معلومات عن جميع الحسابات والعملاء”. وقد هدف التعديل المقترح بشكل خاصّ إلى حذف عبارة “من دون أسمائهم (أي أسماء العملاء)” من الطلبات العامّة للمعلومات، على نحو يخوّل هذه الجهات الحصول على أسماء العملاء، على نحو يتيح لها تحليل الودائع لدى المصرف وتصنيفها، وبخاصة لجهة استكشاف احتمال وجود شبهات بشأنها انطلاقا من هوية صاحب الوديعة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المرصد كان وثّق تمسّك غالبيّة نيابيّة في رفض إعطاء هذه المراجع صلاحية الوصول إلى معلومات مصرفية خاصة بحساب مصرفي بعينه خلال النقاشات السابقة لإقرار القانون عام 2022. كما كان وثق مداخلات من النائبين جورج عدوان وميشال معوض، اللذين كانا رفضا بشدّة خلال مناقشات الهيئة العامة (2022) تمكين الهيئات الرقابية من الاطلاع على الأسماء في سياق رقابتها العامة، وذلك على الرغم من تحذيرات نائب رئيس مجلس الوزراء آنذاك سعادة الشامي الذي كان أكّد أنّ صندوق النقد الدولي يطالب بإمكانية منح هذه الجهات صلاحية رفع السرية عن حسابات معينة. 

في المقابل، يُلحظ أنّ المشروع أبقى إمكانية الاعتراض على هـذه الطـلبـات أمام قاضي الأمور المستعجلة من دون أي تفسير.

  • فضلا عن ذلك، شمل التعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف لعام 1963، على نحو يمثّل تحوّلا جوهريّا في أحكامها. ففي النصّ الحالي، لا يحقّ لمراقبي المصرف المركزي أن يلزموا مديري المصارف الإفشاء عن أسماء زبائنهم، باستثناء أصحاب الحسابات المدينة. كما يُمنع عليهم التواصل مع أي طرف غير مدير المصرف، أو الاطلاع على أي شأن ضريبي أو التدخل فيه أو الإبلاغ عنه. وقد ذهب التعديل في اتجاه معاكس، للتأكيد على رفع السرية المصرفية بشكل كامل وغير مقيّد تجاه كل من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وأيّ طرف يتمّ تكليفه بمهام تدقيق أو رقابة من قبل أيّ منهما، وذلك في إطار ممارسة عمل الرقابة والتدقيق أو القيام بأي دور آخر منوط بأيّ منهما في أيّ من القوانين الصادرة أو التي قد تصدر. ولم يعد التمييز في رفع السريّة قائمًا بين الحسابات المدينة والحسابات الدائنة، وشمل جميع أنواع الحسابات، وأي سجلّات ومستندات ومعلومات عائدة إلى شخص معنوي أو حقيقي يتعامل مع أيّ مصرف أو مؤسسة خاضعة للرقابة بما فيها تلك المحمية بالسرية المصرفية تجاه أطراف أخرى. 

ويُلحظ أن هذا التعديل لم يتوقف عند رفع السرية في سياق ممارسة المهام المستقبلية، بل ذهب إلى حد تطبيقه بأثر رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون. كذلك، أتاح التعديل تبادل المعلومات بين الجهات الرقابية المعنية. 

أمّا من الناحية الإجرائية، فقد استُبدل أسلوب تنظيم دقائق التطبيق، بحيث باتت تحدّد وعند الاقتضاء هذه الدقائق بقرار من وزير المالية بدلًا من مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية وبعد استطلاع رأي المجلس المركزي لمصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف كما هو الأمر في النص الحالي.

وقد انبنى مشروع القانون، وبحسب ما ورد في أسبابه الموجبة، على اعتبارات عدّة، أهمها الآتية:

1- إنّ القانون الحالي أوجد التباساً في تفسير النص، إذ يُمكن أن يكون النص هدف إلى حصر صلاحية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف في طلب المعلومات المحكومة بالسرية المصرفية في إطار إعادة هيكلة المصارف فقط،

2- إنّ المصارف تنظر إلى علاقتها مع الزبائن بصورة مختلفة عن نظرة أي سلطة نقدية أو رقابية لهؤلاء الزبائن،

3- إنّ المصارف يجب أن لا تعمل من دون رقابة ولكن أيضاً يجب أن لا تدير الرقابة عمل المصارف؛ وأنّ صندوق النقد الدولي يرغب في إطلاق يد الرقابة والسلطة النقدية في المتابعة والتدقيق لكل الحسابات دون قيد أو شرط وبالشكل المناسب لمهام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف.

وقبل المضي في مناقشة مضمون هذا الاقتراح، يجدر إجراء تذكير مقتضب بأهمّ المراحل التي قطعتها ورشة رفع السرية المصرفية. 

تذكير مقتضب بأهم مراحل رفع السرية المصرفية 

من المهم المحطات التشريعية التي قطعها استحقاق إلغاء السرية المصرفية المصرفيّة في السنوات الأخيرة، الآتية: 

  1. المرّة الأولى التي أقرّ فيها البرلمان اقتراح قانون “تعديل أحكام السرية المصرفية” كانت في 28 أيار 2020، حيث أقرّه مفرّغا من أي مضمون بعد حصر صلاحية رفع السرية المصرفية بهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان (التي يرأسها حاكم مصرف لبنان نفسه وكان لها أصلا هذه الصلاحية وفق القوانين السابقة). وقد أعاد  رئيس الجمهورية السابق ميشال عون إلى المجلس النيابي القانون في حزيران 2020 طالبا منح النيابات العامة والقضاء صلاحية مماثلة. استغرق الأمر سنة و4 أشهر، قبل أن تحسم لجنة المال والموازنة برئاسة النائب إبراهيم كنعان موقفها، لتمنح القضاء صلاحية الولوج إلى السرية المصرفية في قضايا الإثراء غير المشروع وفق القانون الناظم للإثراء غير المشروع (أي بشرط المرور بهيئة التحقيق الخاصة) وفي قضايا الغش الانتخابي. وقد بدا إذ ذلك أنّ تعديلات اللجنة شكلية لا تتضمن أيّ تعديل ذات وإن أوحت بذلك شأن كما بينّا في تعليقنا آنذاك. وهذا ما حملنا إلى الحديث عن سوء النية. 
  2. في آذار 2022، ورد مشروع قانون لتعديل أحكام السرية المصرفية من الحكومة في إطار التفاوض مع صندوق النقد الدولي. تمّ إقرار هذا المشروع بعد إدخال تعديلات عليه من قبل لجنة المال والموازنة ومن بعدها الهيئة العامة لمجلس النواب في تموز 2022 وسط فوضى عارمة. وهنا أيضا تمّت صياغة القانون على نحو يوحي بتوفّر آليات عدة لرفع السرية المصرفية فيما أن لا صلاحية في الحقيقة لرفع السرية المصرفية إلا من خلال هيئة التحقيق الخاصة، وهي آليات أثبت التدقيق فيها أنها غير فعّالة. 
  3. أعاد رئيس الجمهورية السابق المشروع الذي تمّ إقراره لأسباب عدة أسهبت المفكرة القانونية على خلفية في تبيانها، في موازاة رفض صندوق النقد الدولي للتعديلات لجهة كونها غير كافية. كما خصصت المفكرة القانونية مقالا لتبيان كيفية تعامل لجنة المال والموازنة مع هذه الملاحظات، معتبرة إياها مرة أخرى نموذجا عن سوء النية في التشريع.
  4. أقرّ مجلس النواب في جلسته المنعقدة في 18 تشرين الأول 2022 مشروع القانون المتعلق بتعديل أحكام السرية المصرفية بعدما أدخل تعديلات عدة عليه. من ثم، تعين انتظار 6 أيام كاملة قبلما يوقع رئيس المجلس نبيه بري على الصيغة النهائية للاقتراح. 

وإذ سجّلت المفكرة القانونية أنذاك إدخال تحسينات على القانون المعدّل، لكنّها بالمقابل أعربت عن قلقها حيال كونه ما يزال مشوبا بثغرات أهمها حرمان الهيئات الرقابية إمكانية طلب معلومات عامة تشمل أسماء عملاء المصارف، وتعليق سريان رفع السرية لصالح الإدارة الضرببيّة لمراسيم ناظمة لها،  فضلا عن تضمينه مجموعة من النصوص والآليات المعقدة والمُلتبسة والتي من شأنها تعطيل فعاليتها أو الحدّ منها. 

ومن أهم ما ورد في القانون الذي تم إقراره آنذاك هو إسقاط السرية المصرفية عن فئات من الأشخاص الذين لا تطبق عليهم أحكام السرية المصرفية، منهم الموظفين العامين والقائمين بمسؤوليات وخدمات عامة ورؤساء ومدراء الجمعيات السياسية والمرشحين لوكالات عامة، ورؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف ومدرائها التنفيذيين ومدققي الحسابات الحاليين والسابقين كما ورؤساء وأعضاء مجالس إدارة الشركات التي تدير أو تملك الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية، فضلا عن هيئات المجتمع المدني (وهو تعريف مبهم). 

أما بالنسبة للفئات الأخرى التي ما تزال تستفيد من السرية المصرفية، فقد منح القانون هيئات عدة إمكانية رفعها مباشرة، ملزما المصارف بالاستجابة لها تحت طائلة التعرض لعقوبات جزائية.

ومؤخرا، وبالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، بادر النائب فؤاد المخزومي في آب 2023، إلى تقديم اقتراح مُماثل تضمّن إدخال تعديلات على القانون المتعلّق بالسريّة المصرفيّة الصادر عام 2022. وفيما شمل اقتراح المخزومي التعديلات المشمولة في مشروع القانون، فإنه كان أضاف إليها تعديل المادة 23 من قانون الإجراءات الضريبية 44/2008، والمتعلّقة بآلية طلب المعلومات المحميّة من المصارف والتي كان يفترض أنّ تحدد بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء. وقد سلّم مخزومي هذا الاقتراح إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون في آذار المنصرم بحسب موقع الرئاسة، ليصار بعدها إلى إحالته إلى وزارة المالية. وقد نقّحت الوزارة هذه النسخة مع حذف تعديل الإجراءات الضريبية، وهو المنحى الذي اعتمده مشروع القانون. 

ملاحظات بشأن مضمون مشروع القانون 

يستدعي مشروع القانون الملاحظات الآتية:

أولا: تعديلات تتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي للتعافي

تأتي هذه الخطوة قبيل الموعد المُرتقب لسفر الوفد اللبنانيّ إلى واشنطن في سياق “اجتماعات الربيع” مع صندوق النقد الدولي، واستجابة لطلبات الصندوق الصريحة لتعديل قانون رفع السريّة. فقد اعتبر هذا الأخير أنّ تعديلات قانون السرية المصرفية المقرّة بموجب القانون رقم 306 الصادر في 28/10/2022 غير كافية ولا تفي بغرض التدقيق في حسابات المصارف تمهيداً لاعادة الهيكلة. هذا إضافة إلى عدم صدور المراسيم التطبيقية للقانون والتي يفترض أن تتيح للهيئات المعنيّة رفع السريّة. 

ثانيا: توسيع صلاحيات الهيئات الرقابية مدخل للتدقيق في مشروعية الودائع  

كما سبق بيانه، هدف مشروع القانون إلى تعديل القيود على صلاحية الهيئات الناظمة والرقابية للمصارف (مصرف لبنان، لجنة الرقابة على المصارف ومؤسسة ضمان الودائع) بطلب معلومات محكومة بالسرية المصرفية، ليجعل صلاحية هذه الهيئات برفع السريّة غير مقيّدة ولا محصورة. 

فهي من جهة، لم تعدْ ترتبط بالضرورة بعمليّة إعادة الهيكلة أو الرقابة فقط، بل بات بإمكان الهيئات الرقابية الحصول على جميع المعلومات المطلوبة لأيّ غاية تدخل ضمن صلاحياتها ومن دون الحاجة إلى تحديد الغاية منها. 

وهي من جهة ثانية، مكّنت هذه التعديلات الجهات الرقابية أن تحصل على معلومات وافية عن جميع حسابات عملاء المصارف وضمنا أسمائهم، مما سيخوّلها استكشاف أيّ شبهة فساد بشأن الحسابات المذكورة وتاليا الفصل بين الودائع المشروعة الجديرة بالحماية والودائع غير المشروعة.  

فضلا عن ذلك، ذهب مشروع القانون إلى تكريس إمكانية تفويض سلطة الاستعلام والنفاذ للمعلومات المصرفية إلى هيئات أخرى، وفق ما نستشفه من التعديل المقترح على المادة 150 من قانون النقد والتسليف. 

بالمقابل، يسجل أن المشروع أبقى على إمكانية الأشخاص المعنيين من الاعتراض أمام القضاء المستعجل على طلبات المعلومات، على أن يوقف الاعتراض تنفيذ الطلب. وهو الأمر الذي يخشى أن يؤدي إلى تعسّف في استعمال هذا الحقّ ويعرقل عمل الهيئات في الوصول إلى المعلومات المطلوبة.

ثالثا: ضمان حق الهيئات الرقابية في الاستعلام عن الماضي، ضمانة أم خطوة إلى الوراء؟  

نصّ مشروع الحكومة على تطبيق أحكام استعلام الجهات الرقابية بأثر رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون، وذلك بعد أنّ عدل مجلس الوزراء الصيغة المقدمة أمامه من قبل وزارة المالية، والتي كانت تنصّ على التطبيق بأثر رجعي إلى تاريخ صدور القانون الرقم 306 تاريخ 28/10/2022 في ما يختصّ بالأعمال المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي ومن تاريخ صدور هذا القانون في ما يتعلق بالمهام الرقابية العادية أو المهام التي يحدّدها كل من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف خطياً مع كل مهمّة. وقد ذهبت بعض التحليلات إلى ربط هذا المفعول الرجعي بإرادة المشرع منح الهيئات الرقابية إمكانية الاستعلام عن أي معلومة مصرفية منذ تاريخ بدء الهندسات المالية.  

وهنا برزت تأويلات عدّة لهذا التعديل. ففيما رأى البعض أنها تكرس حق الهيئات الرقابية في الاستعلام بصورة رجعية، رأى البعض الآخر أنها تشكل خطوة إلى الوراء طالما أن المادة 2 من القانون كانت أسقطت السرية المصرفية عن فئات واسعة منذ 1988.

إلا أنه عند التدقيق بها، أمكن تسجيل الآتي: 

  • إن المفعول الرجعي ارتبط في هذا التعديل بممارسة صلاحيات الهيئات الرقابية حصرا. وتاليا، هو يبقى دون أثر بشأن المفعول الرجعي المنصوص عنه في قانون 2022 لجهة إسقاط السرية المصرفية عن الفئات المذكورة أعلاه (الموظفين العامين والمصرفيين والإعلاميين والجمعيات غير الحكومية). 
  • كما أنه يبقى من دون أثر على أحقية القضاء والمراجع الأخرى المخولة قانونا (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والإدارة الضريبية وهيئة التحقيق الخاصة) في المطالبة بمعلومات مصرفية من دون أي حدود زمنية. وكانت المفكرة ذكرت في سياق مناقشة مشروع قانون السريّة المصرفية عام 2022 “المفكرة القانونية” أن مبدأ عدم رجعية القوانين ينطبق حصرا في الحالات التي تنشئ جرائم جديدة أو تشدّد عقوبات على جرائم سابقة، في حين أنّ القانون الآيل إلى إلغاء جرم أو تضييق حالاته (جرم إفشاء السرية) أو المتصل بوسائل الإثبات أو الاطلاع على مستندات، ينطبق فور صدوره وبصورة رجعية ومن دون الحاجة لذكر ذلك صراحة. فمثلا، إذا نص قانون جديد على أصول لتفتيش المنازل من دون ورود نصّ صريح على رجعيته، لا يتخيّل أنه يطبّق فقط على تفتيش المنازل التي يتمّ تشييدها بعد صدوره بل يطبّق فور نفاذه على جميع المنازل بمعزل عن تاريخ إنشائها ويكون أي قول معاكس مجرّد عبث. وهذا تحديدًا ما ذهب إليه الرأي القانونيّ الصادر عن صندوق النقد الدولي الذي ذكر أن القانون يكون من حيث المبدأ قابلا للتطبيق على الحسابات والقيود السابقة أيضا طالما أنه لا يرتّب أي التزامات عن الماضي، حتى ولو لم يتضمن نصّا صريحا بهذا الشأن وإن انتهى إلى الترحيب بوضع نص صريح بهذا الشأن منعا لمزيد من اللغط.

رابعا: مشروع يتجاهل باقي ثغرات قانون العام 2022

من دون التقليل من أهمية مشروع القانون، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أنه أغفل معالجة ثغرات أخرى هامة، من شأنها أن تعيق أعمال المحاسبة أو أن تكافح التهرب الضريبي. أهم هذه الثغرات التي يمكن معالجتها في اللجان المشتركة أو الهيئة العامة، الآتية: 

  1. الإبقاء على تعليق صلاحيات الإدارة الضريبية 

كما سبق بيانه، منح قانون 2022 الإدارة الضريبية صلاحية رفع السرية المصرفية إلا أنه علق ممارسة هذه الصلاحية على صدور مرسوم لاحق يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية، من دون وضع أي مهلة زمنية لهذه الغاية. منذ ذلك الحين، لم يصدر المرسوم مما يبقي الإدارة الضريبية حتى اللحظة عاجزة عن ممارسة صلاحيتها. 

وفيما سعى اقتراح النائب مخزومي إلى معالجة هذه المسألة من خلال إلغاء شرط صدور المرسوم واستبداله بآلية طلب معلومات يضعها مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، فإن وزارة المالية حذفت هذا التعديل من مسودة مشروع القانون، ليبقى مشروع القانون الذي أقرته الحكومة خاليا من أي معالجة في هذا الشأن، ولا حتى من باب إلزام الحكومة بإصدار مرسوم خلال مهلة معينة. 

  1. حصر صلاحيات القضاء المختصّ في طلب معلومات مصرفية:

ربط قانون 2022 صلاحية القضاء في طلب المعلومات المصرفية في الحالات التي يوجد فيها دعوى قائمة. هذا الأمر قد يفهم منه عمليا تجريد النيابات العامة من إمكانية طلب معلومات في إطار الاستقصاء وتكوين الملف قبل اتخاذ قرارها بإقامة دعوى عامة. الأسوأ أنه يمنع أي مرجع قضائي مختص من طلب معلومات بشأن أشخاص يتمتعون بحصانة ما إلا بعد الحصول على إذن مسبق بالملاحقة، طالما أن الدعوى لا تعد متكونة إلا بعد الحصول على إذن مماثل. ونأمل تاليا أن يصار في سياق مناقشة هذا المشروع إلى معالجة هذه المسألة من حيث إعلان صلاحية جميع الهيئات القضائية الحصول على المعلومات المصرفية ضمن اختصاصها من دون أي قيد. 

بقي أن نأمل أن يتم إقرار مشروع القانون بعد معالجة ثغراته المشار إليها أعلاه. أول الفرص للقيام بذلك مناقشته في إطار اللجان المشترك اليوم. فلنراقب. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، إقتراح قانون ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني