المؤسسات العمومية والمنافسة وسياسة السوق


2025-03-19    |   

المؤسسات العمومية والمنافسة وسياسة السوق

مقدمة

يتناول النص العلاقة المعقدة بين السياسات الاقتصادية وسياسات المنافسة، مع تسليط الضوء على دور الشركات المملوكة للدولة (SOE) وتأثيرها على السوق. فهناك إجماع دولي واسع على كفاءة وفاعلية سياسات المنافسة في تحقيق السياسات التنموية وفي دعم الرفاه الاقتصاديّ العامّ. لكن علاقة التكامل هذه لا تخلو من التّعارض في بعض المجالات، بسبب اختلاف الأولويات بين السياسات الاقتصادية (والتنموية) وسياسات التنافس، كذلك بسبب اختلاف الأهداف الربحية للمؤسسات الاقتصادية، وأيضا بسبب علاقة الدولة بالفاعلين الاقتصاديين. فكيف يمكن تحقيق أقصى حدّ من التكامل والتوازن بين السياسات الاقتصادية والمنافسة الفعّالة وذلك بمشاركة مختلطة بين المؤسسات العمومية والخاصة؟

اعتمدتُ في هذا الملخّص على أعمال ودراسات منتدى المنافسة العربي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في موضوع العلاقة بين سياسات المنافسة والشركات المملوكة للدولة. كما أتوجه بالشكر للأستاذين المتخصصين علي الشابي ورياض بن جليلي لما قدموه لي من ملاحظات ثرية واقتراحات قيّمة.

العلاقة بين سياسات المنافسة والسياسات الصناعية

السياسات الصناعية هي أداةٌ استراتيجيّة تستخدمها الحكومات لتحقيق مختلف المصالح العامة ولتوجيه التنمية الاقتصادية، ولتحقيق أهدافٍ اجتماعية. من ذلك تطوير البُنى الأساسية، وتحقيق استقرار الإمدادات، والحفاظ على التشغيل، وتحفيز النمو المُستدام في قطاعات أو صناعات محدّدة وتسخير التكنولوجيات الجديدة.

ومن منظور اقتصاد السوق، تكمل سياسات المنافسة السيّاسات الصناعية من خلال تحقيق أقصى قدر ممكن من الكفاءة والقدرة التنافسية في السوق. تهدف سياسات المنافسة إلى تهيئة بيئة تنافسيّة تتوافق مع أقلّ تشوّه ممكن للأسعار النسبية. وكلما زاد امتصاص الإطار التنافسي للتشوّهات، زاد استقرار الأسعار، وكان تخصيص الموارد أفضل، وزاد النمو، وزادت الخيارات امام المستهلك، وتحسّنت نوعية السلع والخدمات، وزادت الإنتاجية والنمو الاقتصادي وفرص العمل.

ولكن سياسات المنافسة لا تضمن النمو والتنمية الشاملين، لأن ذلك مرتبط بسياسة الدولة الاقتصادية. وعلى الرغم من أنّ السيّاسات الاقتصادية وسيّاسات المنافسة غالباً ما تتكامل، لكن قد تتضارب أحياناً بسبب تباين أولوياتها وآليّات تنفيذها. ورغم صعوبات تحقيق التكامل والتوازن بينها لاختلاف الأولويات، لكن ذلك حاسم لتعزيز بيئة اقتصادية حيوية وتنافسية تدعم التنمية المستدامة والمتوازنة وتشجع على الابتكار. وتمثل هذه العلاقة “ركيزةً للحوكمة الاقتصادية تولد آثاراً عميقة على ديناميات السوق والابتكار والرفاه الاقتصادي العام.”

وتبطل بعض السياسات الاقتصادية النتائج المنتظرة للسياسات التنافسية: مثل الآليات المعتمدة في إعادة التوزيع، والسياسات التنظيمية (التعديلية) الظرفية (المالية أو النقدية) التي تهدف إلى تثبيت الأسعار أو توسيع الحيّز المالي، وكذلك الاختيارات الاستراتيجية التنموية بين متوازنة أو غير متوازنة. كذلك تدخُّل الدولة للمحافظة على المؤسسات العامة التي تعاني من نقص هيكليّ والتي تستخدم كآلية للتوزيع الاجتماعيّ (تشغيل غير مدروس، وسياسة الأجور المدعومة، وضعف الحوكمة، وانعدام المنافسة مع القطاع الخاص). ويواجه تدخّل الدولة معارضة قوية للإصلاحات، وعدم القدرة على بتّ النقاش (القديم) ولكنه لا يزال قائماً في دور الدولة والسوق. وبشكل عام، فإن تدخّل الدولة من خلال الشراءات والخدمات العامة يولّد بطبيعته عوامل خارجية. وهذه العوامل الخارجية، سواء كانت إيجابية أو سلبية، هي بالضرورة مصادر تشوّهات في الأسعار النسبيّة وعائقٌ أمام التنمية.

وتُعدَّل سياسات المنافسة لمواكبة تسارع وتيرة التقدُّم التكنولوجي وتغيّر أولويات المستهلكين، ودعم الرفاه الاقتصادي، وتعزيز النمو الشامل. ويقيّم المنتدى العربي للمنافسة تشريعات الأعمال بناءً على خمسة مجالات رئيسية وهي: المنافسة، والاستثمار الأجنبي المباشر، ومكافحة الفساد، وحماية المستهلك، وقانون الشركات.

وتتوسع العلاقة مع سياسات المنافسة لتشمل سياسات التنمية المستدامة والتقدم التكنولوجي والاقتصاد الرقمي، والتحكم في تغيّر المناخ، والانتقال الطاقي. وعلى مستوى الشركات، تفتقر البلدان العربيّة إلى أحكام تشريعيّة تتوخّى الاستدامة وتُراعي معايير البيئة والمجتمع والحوكمة، ولا تزال الجهود الرامية إلى تعميم ممارسات الاستهلاك المستدام في مرحلة أولية.

وترتبط المنافسة في السوق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة (كما حدّدتها الأمم المتحدة)، من خلال:

·       5-أ: حقوق متساوية في الموارد الاقتصادية والمُلكية والخدمات المالية.

·       8-2: التنويع والابتكار والارتقاء بمستوى التكنولوجيا من أجل الإنتاجية الاقتصادية.

·       8-3: تعزيز السياسات التي تدعم فرص العمل ونمو المشاريع.

·       10-3: ضمان تكافؤ الفرص وإزالة الممارسات التمييزية.

·       16-3  تعزيز سيادة القانون وضمان تكافؤ فرص وصول الجميع إلى العدالة.

·       5-16: الحدّ بدرجة كبيرة من الفساد والرشوة بجميع أشكالهما.

·       6-16: إنشاء مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات.

أشير أيضا الى موضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي قد يطرح تحدّيات للمنافسة لاختلاف مبادئه وأهدافه عن المؤسسات الاقتصادية الأخرى، مثل الغاية الاجتماعية والتضامنية على راس المال، وإعادة استثمار الجزء الأكبر من الفواضل الصافية، وتغلب المصلحة المشتركة على المصلحة الفردية.

المؤسسات العمومية

ليس هناك تعريف عالميّ موحّد للشركات أو المؤسسات المملوكة الدولة، ويرتكز إحداثها على عدّة أسس وأسباب منطقية، يمكن تصنيفها كما يلي:

•     دعم المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الوطنية،

•     توريد السلع والخدمات،

•     دعم الأهداف الاجتماعية،

•     ضمان استمرار الملكية الوطنية للمؤسسات،

•     الاحتكار الطبيعي،

•     معالجة تنظيم السوق غير الفعّال.

الشركات المملوكة للدولة، سمة ثابتة في الاقتصادات السياسيّة في جميع أنحاء المناطق العربية، ولها تأثير كبير على جميع اقتصاداتها. وهي أكثر شيوعاً في الصناعات التي تعتبر “احتكارات طبيعية”، مثل الغاز وإمدادات المياه والنقل. وغالباً ما تتجاوز أهدافها مجرّد النجاح التجاري، فهي كثيراً ما تُستخدَم لأغراض استراتيجية مثل توفير السلع والخدمات العامة الرئيسية، أو لدعم الأهداف الاجتماعية مثل التشغيل (الإسكوا، 2023). وفي تونس، تعتبر المؤسسات العمومية من ركائز الاقتصاد، ولقد تم تشكيلها منذ الاستقلال وفرضت مكانتها كجزء لا يتجزّأ من النسيج الاقتصادي والاجتماعي.

سيّاسات المنافسة

منذ ثمانينات القرن العشرين، تحوّلت السيّاسات الحكوميّة نحو تعزيز المنافسة في القطاع الخاصّ من خلال تحرير التجارة وتشجيع الخوصصة وإزالة القيود التنظيمية، معترفةً بالدور المحوري للمنافسة في تحقيق النمو الاقتصادي والازدهار. ويعكس ارتفاع عدد الدول التي لديها قوانين للمنافسة (من 12 دولةً في عام 1970 إلى قرابة 140 دولة في عام 2023) توافقاً عالمياً في الآراء بشأن أهمية المنافسة.

وقد أثبتت الدراسات أن تنفيذ سياسات المنافسة تنفيذاً فعّالاً يمكن أن يزيد من فرص العمل المُنتِجة، ويعزِّز النموَّ الاقتصادي ويؤدّي إلى انخفاض الأسعار وتحسين جودة السّلع، ويساعد في زيادة الابتكار وإنتاجية الشركات. وترتبط القدرة التنافسيّة الشاملة للاقتصاد ارتباطاً وثيقاً بمعدّل انتشار المنافسة الفعّالة داخل أسواقه. وتعزّز سياسات المنافسة: الشفافية، ومكافحة الاحتكار، والابتكار وإنتاجية الاقتصاد وتنافسيّته.

وأصدرت بلدان المنطقة العربية قوانين المنافسة منذ أواخر تسعينات القرن الماضي وذلك بهدف دعم استحداث أسواق ديناميكية وتنافسية، وتوفير فرص عمل، ودفع عجلة التنمية المستدامة. وتسارعت التطوّرات الإيجابيّة في قوانين المنافسة وسياساتها في السنوات الأربع الماضية، وساهمت في تعزيز مناخ أعمال أكثر إنصافاً وتنافسيّة.

وقد اعتمدت تونس قانون المنافسة والأسعار منذ 1991، وقامت بمراجعته عدة مرات، قبل استبداله بالقانون عدد 36 لسنة 2015 المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة والأسعار للارتقاء به لمستوى التشريعات والممارسات الدولية (خاصة الأوروبية)، “ولتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني ونزاهة المنافسة وشفافية المعاملات في السوق وتحسين الحوكمة الاقتصادية”.

وينصّ الفصلان 1 و2 من قانون المنافسة والأسعار على أن الهدف من القانون هو ضمان توازن السّوق والكفاءة الاقتصادية ورفاه المستهلك، فضلا عن حرية تحديد الأسعار (إلّا في ظلّ ظروف استثنائية وقتية)، مع مراعاة قواعد المنافسة وإجراءاتها.

ويطبّق قانون المنافسة في تونس على نطاق واسع ليشمل كل شركة/ مؤسسة/ جمعية/ كيان يمارس نشاطًا اقتصاديّا يمكن أن يؤثر في السوق المحلية بما في ذلك الشركات المملوكة للدولة. وتجدر الإشارة إلى أنّ العديد من مفاهيم المنافسة (مثل التواطؤ، والمزاحمة، والاحتكار، والاتفاقات الرأسية/ الأفقية) غير معرّفة في قانون المنافسة.

وقد نشط مجلس المنافسة في أداء مهامه، واضطلع بالعديد من الأنشطة في مختلف القطاعات، بما في ذلك الصحة والمصارف والاتصالات، وقد نشر عددًا من قراراته. وقدّم الاجتهاد القضائي لمجلس المنافسة أفكاراً قيّمة بشأن تطبيق قانون المنافسة على المؤسسات المملوكة للدولة (المنتدى العربي للمنافسة، 2024).

الشركات المملوكة للدولة والحياد التنافسيّ

بدايةً، أشير إلى أنّ إشكالية المنافسة الفعّالة تُطرح أيضًا في نشاط الشركات المملوكة من دول أجنبيّة. إذ كيف يمكن لقانون المنافسة أن يعالج تشوّهات السوق التي تحدثها الشركات الأجنبية المملوكة أو المدعومة من دولة أجنبية وآثار ذلك على الاستقلال الاقتصاديّ وسلاسل القيمة والبنى التحتية الحيوية المحلية؟

ومحليّا، تضطلع المؤسسات المملوكة من لدولة بمسؤولية تنفيذ السياسات التنموية الوطنية وإتاحة الخدمات الأساسية. ومن بينها التي تساهم في إيرادات الميزانية، وتقوم بالاستثمار العام نيابة عن الحكومة، ولها تفاعلات مالية معقدة، وذلك يؤثر على الشفافية في إدارة هذه الشركات وحوكمتها.

فهذه المؤسسات تهدف إلى تحقيق أقسى قدرٍ من الربحيّة الاجتماعية، عكس نظيرتها من القطاع الخاص التي تركز على الربح المالي. ونظراً للدور الذي تؤديه هذه المؤسسات، فإنها غالباً ما تلقى معاملة تفضيلية من الحكومات، بما في ذلك في الإعانات والإعفاءات من بعض الضرائب. ويُعَدّ الدّعم الحكومي انتهاكاً لمفهوم الحياد التنافسي، عندما يحمي الشركات المملوكة من الدولة إزاء قوى السوق، ويسمح بالنشاط التجاري غير الفعّال في القطاعات الاقتصادية الرئيسية (المنتدى العربي للمنافسة، 2023).

لذلك تعتبر المؤسسات المملوكة للدولة والشركات غير الرسمية من بين التحدّيات في إنفاذ قوانين المنافسة إنفاذاً فعّالاً في العديد من البلدان، مما يؤدّي إلى ضعف المنافسة في الأسواق. وهناك العديد من الدراسات والبحوث في هذه المسألة: احتكار القلة المختلطة بين شركات عمومية وخاصة mixed oligopoly)).

كما يتطلب تصنيف المؤسسات العمومية حسب مدى استراتيجية نشاطها ونوعيته (مرافق عمومية، نشاط احتكاري، أو تنافسي). وتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسات والمنشآت العمومية وإصلاح حوكمتها لضمان فعاليّتها واستدامتها وشفافيتها وتواصل تأمينها للمرافق العموميّة المكلّفة بها على أحسن وجه.

من جهة أخرى، يسجّل وجود قطاع غير رسميّ كبير من شأنه أن يولّد عقبات عدّة أمام تنفيذ سياسات المنافسة، ومنها:

·       تشويه المنافسة: الشركات في القطاع الرسمي التي تلتزم باللوائح وتدفع الضرائب قد تتعرض للظلم مقارنة بالشركات في القطاع غير الرسمي التي تتجنّب هذه الالتزامات، وتعمل خارج الإطار القانوني والتنظيمي.

·       تقليل فعاليّة السياسة العامة: يمكن أن يحد وجود قطاع غير رسمي كبير من فعالية السياسات العامة، بما في ذلك سياسة المنافسة.

·       تشجيع الممارسات المناهضة للمنافسة عند الشركات في القطاع الرسمي لمواجهة القطاع غير الرسمي.

·       صعوبة دمج القطاع غير الرسمي في الإطار القانوني، يجعل من الصعب تطبيق سياسة عادلة وفعالة للمنافسة، بخاصّة عند وجود العديد من اللوائح التقييدية في القطاع الرسمي التي تمنع دخول القادمين الجدد.

الإعفاءات في قانون المنافسة دعما للسياسات الصناعية

على الرّغم من أن الرأي السّائد يُفيد بضرورة تطبيق قانون المنافسة على جميع القطاعات والشّركات التي تزاول أنشطةً تجارية، لكن كثيراً ما تُمنَح إعفاءاتٌ من قانون المنافسة لاعتبارات اجتماعية واقتصادية وسياسية. وهي وسيلة لتحقيق تكامل وتوازن بين أهداف قانون المنافسة والسياسات الصناعية. ومن منظور السياسات الصناعية، تسهم الإعفاءات المتصلة بالبحث والتطوير والملكية الفكرية في إعادة هيكلة الاقتصاد وتوجيهه نحو صناعات أكثر استدامة وأكثر اعتماداً على التكنولوجيا أو المعرفة.

الحياد التنافسي؟

تعرّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الحياد التنافسي بأنه مبدأ يتيح لجميع المؤسسات مجالاً متكافئاً في السوق. فلا يؤدّي التدخّل الحكومي، مثلاً من خلال التنظيم أو دعم الدولة، إلى تشويه المنافسة في الأسواق. ويسمح الحياد التنافسيّ للشركات بالمنافسة على أساس المزايا بصرف النظر عن عوامل مثل الملكية أو الجنسية أو الشكل القانوني. وتؤكّد التوصية التي اعتمدتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في ماي 2021 التزام البلدان الأعضاء في المنظمة بضمان تكافؤ الفرص بين الشركات، بمعزل عن ملكيّتها، وبالتالي تعزيز بيئة تنافسية وفعّالة في السوق. وهذا التعريف للحياد التنافسيّ لا نجده في ممارسات الدول ويتضارب مع سياساتها في العديد من النشاطات والقطاعات الاستراتيجيّة. وعلى الصعيد العالمي، يختلف تطبيق الحياد التنافسيّ والتشديد على أهميته، ولا سيما في الدول النامية التي تؤدّي فيها الشركات المملوكة للدولة دوراً محورياً.

وتتدخل الدولة في الأسواق بطرق عدّة، وذلك عند:

•                 إنشاء وإنفاذ الأُطُر التنظيميّة، بما في ذلك قانون المنافسة.

•                 السياسات المالية والدعم العام: عندما تقدّم الحكومات مزايا مالية انتقائية إلى شركات معينة على حساب شركات أخرى. ويتجلّى هذا الدّعم في ثلاثة أوجه أساسية: الإعفاءات الضريبيّة الانتقائيّة، الحوافز المالية المستهدفة، الوصول التفضيليّ إلى الأراضي والمرافق العامة.

•                 تفضيل شركات وطنية عملاقة من خلال مشاركة الحكومة في الصفقات الاستراتيجية.

•                 المشتريات العامة: التصرف كمشتري أو مورد للسلع والخدمات.

•                 التأثير على خيارات الموردين من خلال دعم الدولة.

•                 دعم تقديم الخدمات العامة من جانب المؤسسات المملوكة للقطاع العام أو المملوكة للقطاع الخاص.

ويتوقّف التطبيق المحايد لقانون المنافسة على استقلال سلطة المنافسة. ومن توصيات منتدى المنافسة العربي الخامس (تونس، ماي 2024) للحفاظ على الحياد التنافسي في أداء السوق:

·       تجنُّب منح مزايا غير مبرَّرة يمكن أن تشوّه المنافسة، مثل القروض التفضيلية، أو المعالجات الضريبية، أو استثمارات الدولة التي لا تتماشى مع مبادئ السوق.

·       تحديد بَدَل ملائم ومتناسب لقاء التزامات الخدمة العامة، وضمان الشفافية ومنع الدعم التناقلي (cross-subsidization).

·       إنفاذ القواعد الهيكلية وقواعد الحوكمة للشركات المملوكة للدولة منعاً للتشوهات على صعيد المنافسة، بما يتماشى مع توصيات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بشأن حوكمة الشركات والفصل الهيكلي.

ملاحظات ختامية (في تنفيذ سياسة المنافسة)

إن إرساء علاقة متوازنة بين السياسات الاقتصادية وسياسة المنافسة أمر ضروري لتحقيق الأهداف التنموية بكفاءة وفعالية. “ووفقاً للمادة 12 من قانون المنافسة التونسي، فإن مجلس المنافسة مكلف بالنظر في عوامل لا تقتصر على المنافسة الاقتصادية في تقييم عمليات الدمج، بل ترتبط بمعالجة أهداف السياسات الصناعية مثل تعزيز القدرة التنافسية للشركات الوطنية إزاء المنافسة الدولية. وهذا يوسع نطاق التحليل ليشمل قضايا شائكة مثل حماية الصناعات المحليّة ورعاية الشركات الوطنية الكبيرة (المنتدى العربي للمنافسة، 2024).

وبالنسبة إلى تونس، ولترشيد السياسة العامة فيما يتعلق بالمنافسة، سيكون من الضروريّ البتّ في المسائل الأساسية التي لا تزال عالقة: (1) ما هو الحجم الأمثل للقطاع العام؟ (2) ما هي الموازنة بين المدى القصير والمتوسط في السياسة الاقتصادية والتنموية، (3) ما هي استراتيجية التنمية؟: بين النمو المتوازن وغير المتوازن، (4) وأيّ مكانةٍ للسياسة التجارية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟

كما يتطلب تنفيذ سياسة المنافسة تذليل عدة عقبات:

·       وعي وفهم غير كاف بقواعد المنافسة أو بأهميتها عند الشركات، بخاصّة الصغيرة والمتوسطة.

·       نقص الموارد المؤسسية: تفتقر هيئات الرقابة إلى الموارد البشرية والمالية لمراقبة وتطبيق القواعد بشكل فعال.

·       الفساد والمحسوبية: يمكن أن يؤثر الفساد والممارسات المحابية على القرارات المتعلقة بالمنافسة.

·       غياب ثقافة المنافسة: يمكن أن تعوق ثقافة الأعمال التي تفضل العلاقات الشخصية والشبكات على المنافسة الفعّالة.

·       تعقيد القوانين: قد يكون تعقيد وغموض القوانين عائقًا أمام تنفيذها وتطبيقها بشكل موحد.

·       تركيز السوق: في بعض القطاعات، قد يحدّ التركيز المفرط للسوق من المنافسة ويجعل من الصعب إدخال سياسات جديدة.

·       مشاكل قانونية: قد تكون الإجراءات القضائيّة للطعن في القرارات أو الممارسات غير التنافسية طويلة ومكلفة.

·       غياب آليات الطعن الفعالة: قد تفتقر الشركات والمستهلكون إلى الوسائل المناسبة للطعن في الممارسات غير التنافسية أو قرارات الهيئة الرقابية.

وقد وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (جوان 2024) “مجموعة أدوات الحياد التنافسي” لدعم تنفيذ مبادئ الحياد التنافسي وتكافؤ الفرص. وهي مجموعة من نُهج الممارسة الجيّدة التي تستند إلى أمثلة مستمدّة من التجارب الدولية بشأن إجراءات الحياد التنافسيّة. وتشمل الإطار القانوني، بما في ذلك قانون المنافسة وإنفاذها، والأُطُر التنظيميّة والمشتريات العامّة والإجراءات التي يمكن أن تعزز أداء المنافسة، مثل دعم الدولة والتعويض عن التزامات الخدمة العامة.

وتعمل تونس حاليا على تعزيز الإصلاحات المؤيدة للمنافسة، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

قدم هذا النص مجموعة من التوصيات لتحقيق التكامل بين السياسة الاقتصادية وسياسة المنافسة وتعزيز الحياد التنافسي للشركات المملوكة للدولة، هذه التوصيات تحتاج إلى تفاصيل أكثر حول كيفية تنفيذها عمليًا في السياق التونسي، وأيضا الاستفادة من الدراسات المفصلة لحالات محلية.

نشرت هذا التمهيد في الملف الخاص لمجلة المفكرة القانونية-تونس العدد 32

لقراءة وتحميل العدد 30 بصيغة PDF
لقراءة وتحميل الملف بصيغة PDF

المراجع

·   مخرجات منتدى المنافسة العربي الخامس، ماي 2024

·       ملخص الأُطُر التشريعية لبيئة الأعمال في البلدان العربية، قانون المنافسة، الإسكوا، 2023

·       مخرجات منتدى المنافسة العربي الرابع، ماي 2023

·       تقرير حول متابعة الإصلاحات الكبرى رئاسة الحكومة التونسية، ديسمبر 2019

·       التقرير التأليفي حول اصلاح وحوكمة المؤسسات والمنشآت العمومية، الحكومة التونسية، ماي 2018

·       State intervention and competitive neutrality, OECD, June 2024

·       Competitive Neutrality Toolkit: Promoting a Level Playing Field, OECD, 2024

·       The Role of Guidelines in Fostering Competition Policy in Tunisia, OECD, February 2024.

·       OECD, OECD Peer Reviews of Competition Law and Policy: Tunisia, November 2022

·       SOE in Middle East, North Africa and Central Asia, IMF, Sept. 2021

·       China’s state-owned enterprises and competitive neutrality, Policy Contribution 05/2021, Bruegel

·       How can European competition law address market distortions caused by state-owned enterprises? Bruegel, Dec. 2019

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني