يبدو أنّنا نشهد آخر أيام الإهراءات كما عهدناها منذ إنشائها عام 1969، حيث يتوقّع انهيار أجزاء من القسم الشمالي منها نتيجة النيران المندلعة فيه منذ السابع من تموز الجاري بفعل تخمّر الحبوب المتروكة فيه، والتي يبدو أنّها أدّت إلى إضعاف أساساته المتصدّعة منذ تفجير الرابع من آب.
وقد أعلن وزير البيئة ناصر ياسين في 27 تموز أنّ أجهزة الرصد سجّلت زيادة خطر سقوط أجزاء من الجهة الشمالية للإهراءات، إذ رصدت تغييرات في سرعة الانحناء من 2 ملمتر في اليوم إلى 2.5 ملمتر في الساعة لمجموعة الصوامع الشمالية التي باتت في خطر السقوط، فيما تبقى الصوامع الجنوبية ثابتة من دون رصد أي تحركات تهدد سلامتها.
وكانت الحكومة والوزارات المعنية طوال أسبوعين من اندلاع الحريق، لم تحرّك ساكناً لإخماد النيران المشتعلة، ولم يوجّه وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال وسام المولوي الدفاع المدني وفوج الإطفاء بالتدخّل لإطفاء الحريق إلّا بعد مرور أسبوعين. فقد أصدر قراراً في 21 تموز بتكليف الجهازين التابعين لإدارته بالتحرّك لتبريد الحريق وعلى الفور تحرّك الفوجان لتبريد الحريق بالماء وباستخدام خراطيم وقواذف موجودة أصلاً ولم يتم استيرادها من الخارج.
وجاء قرار الوزير بعد أسبوع من بيان للدفاع المدني صدر في 14 تموز أوضح فيه أنّه تشاور مع الخبير السويسري إيمانويل دوران الذي حذّر من مخاطر الاقتراب من المكان ومع خبير الحرائق الفرنسي فرانسوا بواشوت الذي أكّد أنّ “محاولة إطفاء الحريق بواسطة أي سائل سوف يؤدي إلى تخمير جديد تنتج عنه غازات أخرى لا تلبث أن تشتعل من جديد بفعل ارتفاع درجات الحرارة”. بناء عليه وجّه الجهازان كتاباً إلى اللجنة الوزارية التي تشكّلت بعد تفجير 4 آب لاتخاذ القرار المناسب.
كذلك جاء قرار الوزير المولوي بعد أن حذّر وزير الأشغال العامّة والنقل علي حمية من الاقتراب مسافة 150 متراً من المنشأة المهدد سقوط أجزاء منها، وهذا يعني عدم تمكّن القواذف المائية لفوج الإطفاء من الوصول إلى النيران. وقال حمية إنّ “الحلّ بحسب الخبراء ترك القمح ليحترق أو كسر الصومع لسحب القمح لكن في هذه الحالة نعود للعملية نفسها بأنّ لا أحد يمكنه الوصول إلى المبنى”.
وكانت طوافات الجيش قد حاولت إخماد النيران في اليوم التاسع للحريق لكنها فشلت “لأسباب لوجستية”. هذا وتوقفت ثلاثة أرصفة في المرفأ عن العمل بعد اخلائها خوفاً من انهيارات جزئية، بحسب ما أفاد المدير العام لمرفأ بيروت، عمر عيتاني، في اتصالٍ بـ”المفكرة”.
التأخر في اتخاذ القرار مردّه إلى حالة التخبّط التي عاشها الوزراء المعنيّون في محاولة لإزاحة المسؤوليات عن كاهلهم خوفاً من انهيار الإهراءات. ويفيد النائب ملحم خلف الذي تابع القضية عن كثب، ل “المفكرة” أنّ المشكلة الأولى كانت في تحديد الجهة المسؤولة والوزارة المعنية المخولة اتخاذ القرار، “استغرقنا أياماً فقط لنعرف من الجهة المسؤولة حتى جمعناهم كلهم مع محافظ بيروت” في إشارة إلى اجتماع عدد من النواب الجدد مع وزير الأشغال والبيئة والاقتصاد في مبنى المحافظة.
وكانت النيران قد اشتعلت في الجهة الشرقية للجزء الشمالي لمبنى الإهراءات، وهي الجهة التي لم يتم تفريغها من الحبوب بحسب مدير الإهراءات أسعد حداد الذي أفاد في اتصال مع “المفكرة” أنّه تمّ تفريغ أكثر من 70% من الحبوب من الجهة الغربية للإهراءات (بقسميه الشمالي والجنوبي)، في حين كان هناك استحالة للاقتراب من الجهة الشرقية (منطقة التفجير) لما فيها من خطورة على الطاقم والعمّال.
وكان نوّاب من الكتائب وقوى التغيير قد تقدّموا في 16 نيسان و21 تموز باقتراحي قانون معجّل مكرّر يهدفان إلى حماية الإهراءات من الهدم وإعلانها معلماً للتراث الوطني الإنساني يخلّد الفاجعة، والعمل على تدعيم المبنى للحفاظ عليه. وأدرج الاقتراحان على جدول أعمال الجلسة التشريعية الاولى للهيئة العامة للمجلس النيابي الجديد التي عقدت في 26 تموز، إلّا أنّ رئيس المجلس نبيه برّي رفع الجلسة بعد إشكال على خلفية آلية التصويت على صفة العجلة للمقترح المقدّم من الكتائب والذي بحسابات نوّاب قوى التغيير والكتائب كان لصالح إبقاء صفة العجلة على الاقتراح.
وبالتزامن نفّذت الحملة التضامنية لحماية الإهراءات وقفة تضامنية تزامناً مع انعقاد جلسة المجلس النيابي في 26 تموز للضغط باتجاه إقرار اقتراحي القانون وسبق أن أصدرت نداءً في 18 تموز، جددته اليوم، إلى السلطات المعنية لتحمّل مسؤولياتها والعمل فوراً على إخماد الحريق، واعتماد الشفافية في التعاطي مع قضية الإهراءات وإشراك ممثلين عن نقابة المهندسين في بيروت وعن لجنة أهالي ضحايا تفجير المرفأ في النقاشات والقرارات ذات الصلة.
في ظلّ كلّ هذه المعطيات حول القسم الشمالي من الإهراءات الذي بات تحت خطر الانهيار جزئياً، تتوجّه الأنظار نحو ضرورة حماية القسم الجنوبي الذي هو بحسب كل الدراسات الهندسية منشأة ثابتة ومتينة، ويكمن الخوف اليوم في اشتعال الحبوب المتبقية فيه. من هنا تأتي أولوية إيجاد الحلول لتفريغه وتنظيفه كضرورة للحفاظ عليه كشاهدٍ باق على الجريمة.
في هذا التحقيق ستسلط “المفكرة” الضوء على أسباب الحريق، ومسار إطفائه، وتبحث في أسباب ترك الحبوب في المرفأ، مع الخيارات المتاحة لكيفية إنقاذ القسم الجنوبي وحمايته من حريق محتمل.
أسباب الحريق ومسار إطفائه
بعد ثلاثة أيام من إطلاق حملة “الشاهد الصامت” التضامنية للحفاظ على مبنى الإهراءات في 4 تموز، استفاق الناس على حريق جديد في المبنى، حريق جدّد بلهيبه النار المستعرة في قلوب أهالي الضحايا الذين يعتبرون أنّ أشلاء وأجزاء من ضحاياهم لا تزال عالقة هناك. وكانت الحكومة قد اتخذت في نيسان قراراً يقضي بهدم الإهراءات، إلّا أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي علّق العمل به استجابةً لمطالب الأهالي الذين اعتبروا أنّ الحريق ربما يكون مفتعلاً لإضعاف المبنى بالتالي استنهاض ذرائع جديدة لهدمه أو هبوطه تلقائياً. وما عزّز تلك الفرضية هو عدم مسارعة المعنيين إلى اتخاذ القرار بإطفاء الحريق، وانتظار أكثر من أسبوعين إلى أن أتت النيران على الأساسات المهترئة. فما الذي جرى خلال هذين الأسبوعين؟
في اتصال مع “المفكرة” اعتبر الخبير البيئي ناجي قديح، أنّه طالما هناك كميات من القمح المتروك لمدة سنتين في ظروف تخزين غير صحية، فأنّ اندلاع الحريق هو أمر متوقع،ً موضحاً أنّ الحبوب المتراكمة والمتخمّرة ينبعث منها غاز الميثان وثاني أوكسيد الكاربون وإتش 2 إس. والميثان هو بمثابة الغاز الطبيعي، يشتعل تلقائياً وبسرعة إذا وصل لكثافة معيّنة والتقى بعدها بالهواء. وهذا ما حدث في الحبوب المتراكمة والتي تخمّرت إلى نسبة معيّنة واحترقت عندما التقت بالهواء. وشرح قديح أنّ إخماد الحريق بالمياه لن يحلّ المشكلة جذرياً، بل يجب أن تتفكّك أسباب اندلاعه وإلّا فالحريق سيتجدّد بعد فترة نتيجة التخمّر مرة ثانية، والحلّ برأيه هو بتفريغ كميات القمح المتبقية ومعالجتها، مؤكداً أنّ الغازات المنبعثة والمحترقة تؤثر سلباً على الجهاز التنفسي للمواطنين في الأماكن المجاورة.
كيف تعامل الوزراء المعنيون مع الحريق؟
في حديث لـ”المفكرة” مع النائب ملحم خلف يسرد ما حدث معهم كنوّاب من قوى التغيير حاولوا متابعة القضية منذ بداية الحريق، فقد عمدوا منذ اللحظة الأولى إلى اجراء اتصالات بالجهات المعنية كافة ليتّضح، والحديث لخلف، أنّ الوزراء لا يعلمون من هي المرجعية ومن هي الجهة المخولة اتخاذ قرار معالجة ازمة الحريق. ويتابع خلف: “جمعنا وزارة الأشغال والبيئة والإقتصاد والمحافظ بس لنقدر نعرف مين هي المرجعية”، أما اللجنة الوزارية المخولة متابعة موضوع الإهراءات برئاسة وزارة العدل، فيقول خلف إنّه بعد اتصال بوزير العدل القاضي هنري خوري تبيّن أنّ عمل هذه اللجنة محصور بقرار هدم الإهراءات أو عدمه، وأنّ لا دخل للجنة بأمور منشأة الإهراءات. بعدها اتخذ القرار بتحرّك طوافات الجيش إلّا أنّها واجهت صعوات لوجستية، وخلص خلف إلى أنّ الوزراء المعنيين يتهرّبون من التدخّل في موضوع الإهراءات خوفاً من تحمّل تبعية هبوطها، وأنّ قرار الإطفاء اتخذ تحت الضغط. ويشدد على ضرورة تحديد المرجعية “الناس عندها فوبيا من الحريق”. ويضيف أنّهم خلال فترة الحريق حاولوا إجراء اتصالات خارجية لمعرفة المواد المتوجّب استعمالها في عملية الإخماد، “قالولنا نستعمل مادة الفوم، لكن لا نعلم إذا كانت الاجراءات صائبة، فنحن بالنهاية نوّاب ولسنا وزراء”.
هذا التخبّط بدا واضحاً في تصريحات الوزراء، فقد اعتبر وزير الأشغال العامّة والنقل في حكومة تصريف الأعمال، علي حمية في تصريحٍ: “أنّه يفضّل احتراق الحبوب على السماح لأحد بالاقتراب من الإهراءات والإطفاء وتحمّل مسؤولية الأرواح. يحترقوا القمحات”. وأضاف أنّ الوزارة أمام خيارين “إما إطفاء الحريق بمواد معيّنة أو بكسر الصومعة من تحت وهذه ليست توصية وزارة الأشغال العامة إنّما توصية الخبراء في الحرائق عالميين ومحليين”. واعتبر أنّ الامر لا يعالج إلّا بمشروع كامل متكامل للإهراءات، “أنا امشي بما يقول القانون والعلم، وغير مستعد للتضحية بحياة أي فرد على أرض مرفأ بيروت مقابل قمح يحترق”.
بدوره وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، صرّح في مؤتمر صحافي عقده في 21 تموز من مرفا بيروت، “أنّ الحريق سيستمر إذا بقيت هذه المواد داخل الأهراءات (القمح)، ما سيؤدّي إلى انهيارها بشكل تلقائي”، وأنّ استمرار هذه الحرائق سيؤدي إلى تآكل كميّات القمح وستُفرّغ الإهراءات من محتواها، ومن المُمكن أن يحصل انهيار جزئي للجانب الأضعف من الإهراءات.
وفي حديثٍ أجرته “المفكرة” مع سلام ، أفاد أنّ القرار بالإطفاء متروك بعهدة وزير الأشغال الذي من أولوياته الحفاظ على السلامة العامة، وهو من يمنع أحداً من الاقتراب مسافة 150 متراً.
وعن عدم اتخاذ قرار بتدعيم الإهراءات، قال سلام إنّه لطالما دعا المهندسين في النقابة إلى تقديم دراسات واقتراحات بديلة عن الهدم، لكن دعوته لم تلق آذاناً صاغية. “المفكرة” أوضحت للوزير بأنّ نقابة المهندسين دعت إلى تدعيم الإهراءات ولكن وضع دراسة يحتاج إلى ميزانية لا يستطيع مهندسون متطوّعون تحمّلها، لذا كان حرياً بالحكومة التي سبق وكلّفت شركة “خطيب وعلمي” بوضع دراسة للهدم أن تكلّفها بوضع دراسة للتدعيم. فجاء رد الوزير مقتضباً حيث قال: إنّ الحكومة على علمٍ بأن كلفة التدعيم باهظة وأنّه في ظلّ أزمة اقتصادية وشحٍ في الميزانية، الأجدى الاستفادة من الأموال ببناء إهراءاتٍ جديدة لإنقاذ الأمن الغذائي، مؤكداً أنّ الإهراءات يجب أن تكون لامركزية في بيروت وطرابلس والبقاع. في المقابل، أشار النائب إبراهيم منيمنة خلال جلسة مجلس النوّاب إلى أنّ للهدم كلفة باهظة أيضاً، في حين صرّح نقيب المهندسين عارف ياسين لقناة “الجديد” بأن تكلفة التدعيم تساوي تكلفة الهدم.
لماذا تركت الحبوب في الإهراءات كلّ هذه المدة الزمنية؟
تفريغ محيط الإهراءات
يشرح وزير الاقتصاد أنّه بُعيد التفجير كان هناك مساعدة من قبل الدولة الفرنسية لتفريغ الحبوب، إلّا انهم تمكّنوا فقط من تنظيف محيط المبنى، وتُركت أطنان الحبوب لخطورة الوصول إليها، اليوم جزء من هذه الكمية هو الذي تسبّب بالحريق بسبب تفاعله مع الهواء.
أما مدير الإهراءات، أسعد حداد، فيشرح بدوره أنّه في أيلول العام 2020 تمّ تشكيل لجنة من الخبراء ضمّت كلّاً من وزارة الاقتصاد برئاسة راوول نعمة، ألكسندرا غروس نائبة المستشار الإقليمي للزراعة من فرنسا، المهندس إيمانويل دوران، رئيس قسم المهندسين وسيم رافائيل في الجامعة اليسوعية، ومهندسين من الجامعة الأميركية وشركة “خطيب وعلمي”. وقد تمّت في الاجتماع الأوّل مناقشة مصير الحبوب، وبعد اختبارات عدة تقرّر عدم إمكانية استخدامها حتى كعلف للحيوانات، وفي 3-11 -2020 صدر عن وزارة الزراعة أنّ الحبوب للتلف، إلاّ ان المتعهد مروان رزق الله، مدير شركة موندوس لإدارة النفايات وهي تابعة لشركة mann، والتي قامت بتفريغ الحبوب من الاهراءات ونقلها، قال في اتصالٍ مع “المفكرة” أنّ الحبوب جرى نقلها لتسبيغها وإعادة تدويرها في منطقة زحلة.
بعدها بدأ العمل على تفريغ الكميات وتنظيف المحيط، إلّا أنّ الماكينات لم تستطع استخراج الحبوب من الصوامع الداخلية نظراً لخطورة الوضع، وأضاف حداد أنّه اليوم يتم التعامل مع الحبوب والإهراءات ككتلة واحدة، موضحاً أنّ الكمية المتبقية اليوم في الإهراءات (بقسميها الشمالي والجنوبي) هي حوالي 22 ألف طن تقريباً، وأنّ الكمية التي كانت موجودة في الإهراءات قبل التفجير فكانت 45 ألف طنّ.
معوقات لوجستية حالت دون تنظيف الجهة الشرقية
بدأت شركة “موندس” عملت بإشراف من الشركة الفرنسية “روسي” بدعم من السفارة الفرنسية ،أعمالها بتنظيف الحبوب في شهر تموز العام 2021، واستمرّ العمل لحوالي ستة اشهر.
وأفاد رزق الله أنّه قبل البدء بالأعمال، كان الجيش اللبناني قد أحدث فجوات في صفّ صوامع الحبوب الممتلئة من جهة الغرب، ساهمت هذه الفجوات بتسرّب الحبوب إلى الخارج، وبقي في هذه الصوامع كميات قليلة مكدّسة تحت مستوى الفجوة، ولم تتمكّن المعدّات من الوصول إليها لتفريغها.
أما صف الصوامع من الجهة الشرقية لمبنى الإهراءات بقسميها الجنوبي والشمالي، وهي صوامع مفتوحة بسبب التفجير، فلم تحصل فيها أي عمليات تنظيف كونها معرّضة للانهيار خاصّة القسم الشمالي، بحسب المهندسين المشرفين ومنهم السويسري إيمانويل دوران. أما التنظيف في القسم الجنوبي فتعتريه صعوبات لوجستية عدّة منها أنّ الحبوب مخلوطة بالكتل الباطونية المعلقة. برأيه كان مجرّد المسّ بأي كتلة باطونية قد يؤدي إلى خلخلة المبنى، ولا يمكن استعمال معدّات خفيفة كونها سيعلق بها قطع باطونية تؤدي إلى تلفها.
كما أنّه كمتعهّد غير مستعد لخسارة أرواح أي من العاملين، وتحطّم أي من معداته في حال حدوث أي انهيارات، بخاصّة وأنّ شركات التأمين رفضت كفالة أي من المعدات والآليات.
ويشرح رزق الله الصعوبات التي واجهت عملهم فهو كان يومياً يراقب المجسّات الموضوعة على المبنى ليراقب مدى تحرّكه بفعل أعمال التنظيف اليومية، فيتوقف حين تكون الخطورة مرتفعة. وقد استعمل في عملية التفريغ جرّافات وشاحنات، كذلك اعترت عملية التنظيف عوائق منها وجود حشرات وطيور وجراذين وفئران تجاوزت أعدادها المئات، ما توجّب الاستعانة بشركة “بويكيرز” لرش المبيدات الحشرية.
كيف أثر الحريق على القسم الشمالي؟ وما مصير الجنوبي؟
يؤكد المهندس المدني يحيى تمساح أنّ الحريق سيؤثر حكماً على المبنى ويؤدّي إلى إضعاف المنشأة، ويعطي مثالاً أنّ المهندسين عند وضع أي من الخرائط الهندسية، يأخذون بعين الاعتبار إمكانية مقاومة المبنى للحريق بمعدّل أربع ساعات وهي المدة التي سيتمكّن فيها السكان من إخلائه. بعد تخطّي المدة التي تحدّدها الدراسات لمقاومة الحريق، يصبح المبنى خطراً على السلامة العامّة. ويضيف أنّ حريق الإهراءات الذي استمر لأكثر من 15 يوماً يزيد من احتمال انهيارات جزئية.
ورداً على وزير الاقتصاد الذي قال إنّ تفريغ الحبوب وتفريغ المبنى كان سيؤدي إلى هبوطه، قال تمساح إنّها ذريعة غير دقيقة علمياً كون تفريغ الحبوب يساهم في التخفيف ثقل عن الأساسات. ويؤكّد أنّه كان بالإمكان تفريغ وتنظيف الأقسام الشرقية كما جرى مع الصوامع الغربية العام الماضي لكن بمعداتٍ خفيفة وأسلوب يدوي يحافظ على سلامة العمّال. فقد كان باستطاعة الجيش والتقنيين الدخول والعمل على التفريغ، كما دخل هو وتلامذته وزملاؤه الذين عملوا على الدراسة من قبل.
اليوم يعتبر تمساح أنّ الأولوية في تفريغ الجهة الجنوبية من الإهراءات، تفادياً لاندلاع أيّ حريق جديد يضعف من أساساتها المتينة وبالتالي يخسر اللبنانيون احتمال الإبقاء عليها كشاهد على الجريمة.
ورداً وعن القدرة على تفريغها يدوياً وبمعدّات خفيفة، اعتبر مروان رزق الله أنّ المسألة صعبة للغاية وهي شبه مستحيلة، فهناك كتل باطونية كبيرة تتدلّى من الأسطح معلّقة بقضبان حديدية خفيفة “المنظر تحت مرعب بتحس بأيّ لحظة ممكن يوقع عليك شي”.
وشرح مدير الإهراءات حداد أنّ الحلّ للحبوب المتبقية في المبنى الجنوبي، هو باتخاذ قرار واضح من قبل الحكومة إما بدعم الإهراءات أو هدمها، معتبراً أن ما يجري اليوم هو ردّ فعل على المستجدات الطارئة وليس حلولاً جذرياً، “لازم يقرروا أو منروح عالهدم أو الإبقاء مع تدعيم”.
معاناة سكان المنطقة في ظل الحريق والتحذيرات
يعيش سكان المنطقة المجاورة للإهراءات، قلقاً وخوفاً حقيقيين، حيث تذكّرهم رؤية الحريق بما جرى في الرابع من آب، وتثير لديهم قلقاً من تعرّضهم لخضّة جديدة عبر انهيار المبنى. هذا عدا عن تنشّقهم الروائح والغازات المنبعثة التي تجبرهم على إقفال النوافذ في ظل انقطاع دائم للتيار الكهربائي وموجة حرّ كبيرة. وزاد من خوفهم تحذير وزارتي البيئة والصحة من مغبّة سقوط أجزاء من الإهراءات والذي سيؤدي إلى انبعاث غبار مكوّن من مخلّفات البناء وبعض الفطريات من الحبوب المتعفّنة وانتشاره في الهواء.
واعتبر محمد من سكان منطقة الكارنتينا، في اتصالٍ مع “المفكرة” أنّه يعاني وعائلته من الخوف والقلق، بخاصة بعد التحذيرات، وانّه خلال الأسبوعين الماضيين عانى كما جميع السكان من روائح كريهة. اليوم يفكر محمد بالخروج من المنطقة والهرب إلى القرية، فهو بحسب قوله لا يريد اختبار أي تجربة او صوت يذكّره بفاجعة الرابع من آب.
بدوره عصام من سكان منطقة المدوّر والمصاب بإعاقة جسدية جرّاء التفجير، فاعتبر أنّ الحكومة اللبنانية “عودتنا على كل شيء سيئ”، وأنه بعد ما عايشه في التفجير، لن يهاب سقوط الإهراءات، وأنّه لن يترك المنطقة “أنا عندي 5 أشخاص برقبتي، إذا سكّرت الكاراج كيف بعيش مثلاً ما عندي مورد ثاني لو بدها تخرب الدني بدي ضلّ”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.