اللبنانيون “العالقون” في العراق يُناشدون دولتهم لإعادتهم: تسيير رحلات إضافيّة ليس الحلّ 


2024-12-24    |   

اللبنانيون “العالقون” في العراق يُناشدون دولتهم لإعادتهم: تسيير رحلات إضافيّة ليس الحلّ 
لبنانيون في مطار بغداد (وكالة الأنباء العراقية)

منذ الثامن من كانون الأوّل الجاري واللبنانيون الذين قصدوا العراق هربًا من العدوان الإسرائيلي على لبنان، يُناشدون الحكومة اللبنانيّة التدخّل لتسهيل عودتهم إلى بلدهم، وهم الذين لم يكلّفوها فلسًا واحدًا خلال فترة نزوحهم، ولم يقصدوا العراق إلّا بعد أن ضاقت بهم السبل في وطنهم، حيث عجزت خطّة الطوارئ التي وضعتها على استيعاب أعداد النازحين ولم تتدخّل الدولة للجم أسعار الإيجارات في المناطق الآمنة.

في الأيّام الأولى التي تلت إعلان وقف إطلاق النار بدأ اللبنانيون الاستعداد للعودة، بعضهم عاد بالفعل إمّا برًّا تمامًا كما ذهب، أو جوًّا على حسابه الخاص، ومنهم من عاد عبر رحلات مجّانيّة سيّرتها الحكومة العراقيّة على متن الخطوط الجويّة العراقيّة. إلّا أنّه بعد الثامن من كانون الثاني باتت جميع هذه الخيارات معدومة. فالحدود البريّة مع سوريا أقفلت والخطوط الجويّة العراقيّة أعلنت وقف رحلاتها إلى لبنان نظرًا لـ “التطورات الأمنية الراهنة في الأجواء السورية”. كما أنّ من أراد العودة على حسابه على طيران آخر ولا سيّما طيران الشرق الأوسط لم يجد حجوزات قريبة عدا عن ارتفاع سعر التذكرة.

مُناشدات اللبنانيين لم تلق آذانًا صاغية لدى الحكومة اللبنانيّة، وكلّ ما قامت به هو إعلان وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية أنّه بعد التواصل مع رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، تم التوافق على تسيير رحلات إضافيّة للشركة من العراق إلى لبنان، الأمر الذي ساهم بعودة عدد إضافي من اللبنانيين ولكنّه لم يحلّ المشكلة على حدّ تعبير أكثر من عائلة لبنانيّة في العراق تواصلت معها “المفكرة”. وأشارت هذه العائلات إلى أنّ حوالي 20 ألف لبناني ما زالوا غير قادرين على العودة، والعائق الأساسي هو تأمين سعر تذكرة السفر ولاسيّما أنّ معظم من قصد العراق هم عائلات كاملة كانت تعوّل على العودة برًّا “جزء كبير منّا أتى مجّانًا على حساب “العتبات”، ولو كان يملك ثمن تذاكر السفر لكان استأجر في لبنان” كرّر أكثر من شخص تواصلنا معه.

وكالة الأنباء العراقية

عالقون حتّى إشعار آخر

الحكومة ضغطت من أجل تسيير رحلات إضافيّة، ولكن 80% من اللبنانيين الذي هربوا إلى العراق لن يتمكّنوا من العودة على متن هذه الرحلات، فسعر التذكرة مرتفع جدًّا بالنسبة لنا” يقول علي الذي قصد العراق بعد توسّع العدوان هو وزوجته وأولاده الخمسة وأخته تاركًا بلدته طاريّا، مشيرًا إلى أنّ عودته إلى لبنان حاليًا ستكلّفه 2700 دولار وهم أصلًا قصدوا العراق برًّا. 

علي الذي يتواصل مع اللبنانيين العالقين في العراق، يشير إلى أنّ معظم من قصد العراق هم عائلات فقيرة وجزء كبير منها نساء وأطفال وكبار بالسّن وأنّهم متروكون من قبل الحكومة اللبنانيّة بينما كان العراق يهتمّ بهم.

الأمر نفسه بالنسبة إلى آمنة التي وصلت إلى العراق قبل شهرين، والتي تقول إنّ عائلتها مؤلّفة من سبعة أفراد وهذا جعل الحجز على طيران الشرق الأوسط مكلفًا جدًا بالنسبة إليهم “سعر التذكرة  بحدود الـ 400 دولار، ما يعني أنّ عودتنا ستكلّف 2500 دولار”. 

تروي آمنة لـ “الفكرة” أنّه مع توسّع العدوان الإسرائيلي نزحت من الجنوب نحو إحدى القرى في جبل لبنان، ولكنّها لم تستطع تكن قادرة على تحمّل كلفة الإيجار ولاسيّما مع اعتقادها أنّ الحرب ستطول، فتكفّلت إحدى قريبات زوجها بسعر تذكرة سفر لها ولزوجها إلى العراق حيث كانت سبقتها عائلة زوجها، ولاسيّما أنّ الإقامة مجّانية هناك.

وفي حين تُشير آمنة إلى أنّ أحدًا في العراق لم يطلب من اللبنانيين المغادرة وأنّ إقامتها لا تزال مجّانيّة توضح بأنّها تتكبّد مصاريف يوميّة ما عادت قادرة على تكبّدها، هذا غير الحاجة لاستئناف عملها وعمل زوجها “ما معنا من مال نفد، نحن بحاجة إلى العودة إلى العمل لتأمين مدخول” تقول.

لا تُطالب آمنة كما معظم العالقين في العراق بأن تتكفّل الدولة بعودتهم، بل كانت تأمل أن تؤمّن لهم رحلات طيران بأسعار مقبولة، أو أن تؤمّن عودتهم برَّا.

وفي هذا الإطار يقول المحامي سميح بركات إنّ اللبنانيين الموجودين في العراق هم مواطنون وهم مسؤوليّة الدولة التي كان بإمكانها مثلًا أن تتعاون مع طيران الشرق الأوسط بحيث يُحدّد سعرًا مقبولًا لتذكرة السفر للبنانيين الذين يرغبون في العودة يختلف عن السعر المعتمد في الأعياد، ومن ثمّ تتكفّل الدولة بجزء من سعر التذكرة ولاسيّما أنّ هؤلاء لم يقصدوا العراق إلّا بعد أن ضاقت بهم السبل في لبنان ولم يكلّفوا الدولة قرشًا واحدًا خلال فترة النزوح، “لا نُريد أن يقلّنا طيران الشرق الأوسط مجّانًـا، ولكن أيضًا ألّا يتعامل معنا من منطق تجاري والعرض والطلب فقط” يقول.

ويُشير بركات في حديث مع “المفكرة” وهو الذي كان يُحاول العمل على الوصول إلى اللبنانيين العالقين هناك لإيصال صوتهم، إلى أنّ العراق استقبل اللبنانيين واهتمّ بهم كأنّهم مواطنوه وبعد إعلان وقف إطلاق النار اتخذ قرارًا بالتكفّل بالعودة طوعيًا لمن يرغب وأمّن عودة مجانيّة على طائراته قبل أن تتوقّف هذه الرحلات بسبب ما حصل في سوريا.

وبالفعل كانت وزارة الهجرة والمهجرين العراقيّة أطلقت ما أسمته “عملية العودة الآمنة للراغبين بالعودة” من ضيوف العراق عبر تنظيم رحلات للأسر الراغبة بالعودة إلى لبنان مجّانًا عبر الخطوط الجوية العراقية. ونظّمت رحلتين ضمّت كلّ واحدة 150 لبنانيًّا قبل توقّف رحلال الخطوط الجويّة العراقيّة إلى لبنان. فقد أعلنت الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية الطيران العراقي يوم الأحد 8 كانون الأوّل الجاري إيقاففها مؤقتًّا الرحلات الجوية بين بغداد وبيروت بما في ذلك الرحلات المجانية المخصّصة لنقل ضيوف العراق من اللبنانيين الراغبين بالعودة طوعًا إلى بلدهم، وذلك “حرصًا على سلامة المسافرين وامتثالًا لمعايير الأمن والسلامة الجوية الدولية”.

وقالت الشركة في بيان إنّ هذا القرار يعود إلى “التطوّرات الأمنية الراهنة في الأجواء السورية التي تُعدّ الممر الجوي الرئيسي لهذه الرحلات”.

وفي حين يُردّد بعض اللبنانيين الذين تواصلنا معهم أنّ العائق أمام الطيران العراقي هو عدم إعطاء أذونات في لبنان وفرض رسوم إضافيّة، أشار وزير الأشغال علي حميّة يوم الجمعة الماضية خلال مؤتمر صحافي من المطار إلى أنّه منذ اليوم الأوّل لوقف العدوان الإسرائيلي طلبت الخطوط الجوية العراقية استئناف رحلاتها الى بيروت وقد تمّت الموافقة على ذلك في اليوم نفسه، مضيفًا: “بطبيعة الحال ومع الأحداث التي حصلت في سوريا فإنّ الخطوط الجوية العراقية تقوم باتصالاتها حتى تستطيع العبور فوق الأجواء السورية وهذا موضوع يحتاج إلى أيام”.

وكان مصدر في طيران الشرق الأوسط أشار في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّ الشركة سيّرت بالفعل رحلات إضافيّة عن الرحلات الاعتياديّة، وأنّ عدد الرحلات يرتفع تدريجيًا، مشيرًا إلى أنّه من 19 حتى 24 كانون الأوّل وصل إلى لبنان على متن الرحلات الإضافيّة بحدود 3800 شخصّ بالإضافة إلى 1600 على متن الرحلات العادية معظمهم لبنانيون، من دون معرفة إن كانوا من المقيمين في العراق أو من النازحين إليه.

واعتبر المصدر أنّ الشركة لم ترفع سعر التذكرة رغم كلفتها الإضافيّة إذ تخرج من لبنان مع صفر ركّاب.

وكالة الأنباء العراقية

استدنّا ثمن تذكرة عودتنا 

يؤكّد جميع اللبنانيين العالقين في العراق الذين تواصلنا معهم أنّ إقامتهم لا تزال مؤمّنة مجّانًا إضافة إلى بعض الاحتياجات الأساسيّة وأنّ العراق حكومة وشعبًا عاملوهم كضيوف وأكرموهم إلّا أنّهم بدأوا يشعرون ومع تخلّي الحكومة اللبنانيّة عنهم بأنّهم كالضيف الثقيل، كما أنّهم ما عادوا قادرين على تحمّل تبعات بقائهم بلا عمل مع تكبّدهم مصاريف إضافيّة أو تعطّل أولادهم عن الدراسة. لذلك لجأ بعضهم إلى استدانة ثمن التذكرة “يعني دين 400 دولار أفضل من بقائي بلا عمل لشهر إضافي” يقول أحمد الذي عاد قبل يومين على متن الرحلات الإضافيّة التي سيّرها طيران الشرق الأوسط.

قبل إعلان وقف إطلاق النار بأسبوع تقريبًا وصل أحمد من لبنان إلى العراق برًا بعد رحلة استغرقت أكثر من 30 ساعة معتبرًا أنّه سيعود برًّا أيضًا بعد انتهاء الحرب كون التكلفة أقلّ بكثير من الجو، وبعدما ضاقت به السبل كما يقول، إذ كان نزح من قريته يُحمر إلى قبّ إلياس لأسابيع أيضًا.

 وبعد إعلان وقف إطلاق النار وبينما كان يستعدّ للعودة، أقفلت المعابر الحدوديّة العراقيّة السوريّة بعد الثامن من كانون الأول فما عاد هذا الاحتمال واردًا. لم يبق أمام أحمد غير خيار العودة جوًا كما يقول إلّا أنّ رحلات الطيران العراقي متوقّفة وهو غير قادر على تكبّد تكاليف تذكرة سفر على خطوط شركة الشرق الأوسط.

كما أحمد تُخبرنا رنا التي وصلت أمس الخميس إلى بيروت آتية من العراق، أنّها استدانت ثمن تذاكر السفر، بعدما شعرت بأنّ الحكومة اللبنانيّة تخلّت عنها وأنّ العام الدراسي لولديها وهما في صفوف شهادة رسميّة بات على المحك “استدنت ثمن 4 تذاكر سفر، 1600 دولار عبء كبير عليّا، ولكن يجب أن أعود أنا وزوجي إلى العمل وكذلك يجب أن يعود ولداي إلى المدرسة” تقول.

تشعر رنا التي تركت منزلها في الضاحية الجنوبيّة لبيروت في السابع والعشرين من أيلول أي بعد أيّام قليلة من توسّع العدوان أنّ دولتها تخلّت عنها مرارًا خلال الحرب، مرّة حين لم تلجم أسعار إيجارات البيوت ما حال دون تمكّنها من استئجار منزل في مكان آمن في بلدها، ومرّة حين كان خروجها من لبنان مجانًا على حساب العراقيين، ومرّة حين كانت الدولة العراقيّة تتكفّل بها ودولتها غائبة وأخيرًا حين تقاعست الدولة عن إعادتها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، مقالات ، العراق ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني