ساحة الأمويين في دمشق ليل 9 كانون الأول وتبدو زحمة السيارات الداخلة إلى العاصمة
بأصوات مبحوحة فرحًا خلتها للوهلة الأولى للشخص نفسه، يخبرني اللاجئون السوريون في لبنان عن عودتهم القريبة. يتحدّثون عن أمًّ بات عناقها ممكنًا بعدما خافت وخافوا لسنوات أن يحول الموت دون ذلك العناق، عن قبور لهم فيها آباء ماتوا حزنًا من وحشة منزل تفرّق أبناؤه كلٌّ في بلد. يتحدّثون عن منازل ستكون جدران غرفها آمنة وعن شوارع سوف يستعيدونها، ويمشون فيها من دون خوفٍ من أن يعبّروا فيها عن آرائهم ومعتقداتهم. وعن زوال الخوف لديهم من ترحيل قسريَ قد يوصلهم إلى الموت. “نعم سنعود قريبًـا، وما أجمل العودة، سقط الأسد وسقط خوفنا” يُكرّرون.
لا يعتبر من التقيتهم أنّ سوريا ستتحوّل بين ليلة وضحاها إلى بلد مثالي، فهم يعرفون أنّ أيّ مرحلة انتقاليّة قد تشوبها الفوضى وأنّ أمامهم مسيرة طويلة نحو بناء بلدهم، ولكنّهم يُجمعون على أنّ سقوط الخوف الذي لازمهم عشرات السنوات مع سقوط النظام سيجعل عودتهم إلى بلادهم ممكنة وبالتالي المساهمة في بنائها.
يتحدّث بعضهم عن عودة إلى سوريا خلال شهر أو شهرين ريثما تتّضح صورة الحكومة الجديدة من جهة وريثما يؤمّنون مكانًا للعيش لاسيّما الأشخاص الذين دمّرت بيوتهم، ويقول البعض الآخر إنّ العودة ستكون تدريجيّة إذ سيرسلون عائلاتهم قريبًا ومن ثمّ يلتحقون بها بعدما يصفّون أعمالهم في لبنان أو ينقلونها إلى سوريا أو بعد أن ينتهوا من ورش استلموها مؤخرًا.
صحيح أنّ سقوط النظام أسقط عائق العودة بالنسبة للكثيرين ممّن تحدّثت معهم إلّا أنّه ترافق أيضًا بالنسبة لآخرين بظهور عائق جديد وهو احتلال إسرائيلي لقراهم “غصّتي لا تُشبه غصّة أحد، لن أعود مع رحيل النظام، فقريتي باتت شبه محتلّة” يقول شادي ابن القنيطرة لـ “المفكرة”.
وإلى جانب التوغّل الإسرائيلي في عدد من القرى جنوب غرب البلاد، يمنع استمرار الاشتباكات في بعض القرى في شمال شرقها، يمنع بعض النازحين من العودة حاليًا أيضًا.
(كل الأسماء الواردة في هذا المقال مستعارة)
ضرورة توفّر الظروف المناسبة للعودة الطوعية
لا توجد أرقام رسمية لأعداد السوريين الذين غادروا لبنان ولكنّ أكثر من مصدر يُشير إلى أنّ الأعداد قليلة ولا تتجاوز بضعة الآلاف منذ يوم الأحد 8 كانون الأوًل، وأنّ العدد الأكبر خرج عبر معابر غير رسمية وذلك لسببين أوّلهما أنّ المصنع هو المعبر الرسمي الوحيد الذي يعمل حاليًا، وثانيهما الخوف من ختم “عدم العودة” من الأمن العام. وهذا ما يعني أنّ عودة هؤلاء قد لا تكون نهائيّة.
وفي حين أشار محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر إلى أنّ بلدة عرسال شهدت عودة طوعية لحوالي 2500 لاجئ سوري إلى بلادهم وأنّه تمت إزالة الخيام التي كانوا يقيمون فيها باعتبار أنّ عودتهم إلى بلدهم نهائية، أوضح عماد اللبكي محافظ عكار التي تستضيف وحدها 70 ألف لاجئ سوري لـ “المفكرة” أنّ أعداد السوريين الذي غادروا من عكّار قليلة جدًا وأنّ المعابر في المنطقة كلّها مقفلة. وفي الإطار نفسه قال رئيس بلدية القاع التي تستضيف 30 ألف نازح سوري أنّ من عاد منهم إلى سوريا عدد قليل جدًّا وأنّ بعض من ذهب عاد إذ كان الهدف من العودة تفقّديًّا.
من جهتها تُشير مفوّضية الأمم المتحدّة لشؤون اللاجئين، إلى أنّه لا يوجد أرقام رسميّة حول عدد السوريين الذين عادوا من لبنان بعد إعلان سقوط النظام، إلّا أنّ تقارير عدّة تُفيد بأنّ معبر المصنع الحدودي في البقاع وكذلك المعابر غير الرسمية في مناطق مثل وادي خالد شهدت حركة عودة للسوريين، لاسيّما أنّ المعابر الحدودية الرسمية في شمال لبنان مغلقة حاليًا.
وكانت “المفكرة” أكّدت في بيان أنّه مع سقوط نظام الأسد الاستبدادي في 8 كانون الأوّل 2024، سقط حاجز الخوف الذي كان يمنع العديد من اللاجئين السوريين والفلسطينيين من العودة إلى بلادهم في سوريا، وأنّه على الرغم من التحوّلات الإيجابية الناجمة عن سقوط نظام الحكم، يجدر التنبيه إلى أنّ الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا لا تزال غير مستقرّة نظرًا للضبابية التي تتسم بها هذه المرحلة الانتقالية، واستمرار المعارك في بعض المناطق السورية، وتعدّد الفصائل المسلّحة وتواجد قوّات أجنبية عدّة على الأرض السورية، فضلًا عن توسيع الجيش الإسرائيلي احتلاله للأراضي السورية جنوبًا.
وفي حين قال مصدر في الأمن العام لـ “المفكرة” إنّه منذ السبت الماضي دخل إلى لبنان عبر المعابر البريّة 6200 شخص غادر منهم كثر من 5 آلاف عبر المطار وأنّ من بقي هم من حملة الإقامة الصالحة، سجّلت “المفكرة” حركة دخول لعدد تجاوز حتى اللحظة عشرات آلاف السوريين الذين غادروا سوريا على خلفية توجّسهم من سياسات نظام الحكم الجديد فيها.
ولفتت “المفكرة” في بيانها إلى ضرورة أن تعمل السلطة اللبنانيّة مع السلطات السورية الانتقالية ومفوّضية اللاجئين، على ضمان توفّر الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة لجميع السوريين واللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا، ووقف عمليات الترحيل القسري في حق جميع المواطنين السوريين واللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا، لفترة ستّة أشهر قابلة للتمديد، إلى حين استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا، واتخاذ الإجراءات اللازمة، بالتعاون مع مفوّضية الأمم المتحدّة لشؤون اللاجئين، لضمان الدخول الآمن والقانوني للأشخاص الذين يغادروا سوريا خوفًا على حياتهم وحرّيتهم، والاعتراف بحقّهم بالتقدّم بطلبات لجوء أمام المفوّضية التي يعود إليها التثبّت من مدى استيفائهم شروط اللجوء وعدم ارتكابهم جرائم خطيرة، وذلك تفاديًا لتكرار أخطاء الماضي.
كما دعت “المفكرة” إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل إجراءات التنقّل بشكل قانوني بين لبنان وسوريا بهدف تشجيع الزيارات التفقّديّة إلى سوريا تمهيدًا للعودة إليها، وذلك من خلال تطبيق قرار مجلس شورى الدولة رقم 421 تاريخ 8/02/2018، وتاليًا إلغاء جميع القرارات الصادرة عن المدير العام للأمن العام المتعلّقة بتنظيم دخول وإقامة السوريين في لبنان لعدم قانونيتها، والبحث في إعادة العمل بالاتفاقية الثنائية بين سوريا ولبنان التي تضمن حرّية الحركة للمواطنين اللبنانيين والسوريين بين لبنان وسوريا.
العودة قريبة جدًّا
“كيف لا نعود قريبًا أنا وعائلتي، ونحن الذين حاولنا مرارًا ألّا نترك البلد”، تقول ليلى لـ “المفكرة” راوية كيف انتقلت ومع بداية الثورة من القصير إلى الرقة ومن ثمّ إلى المعضّمية والنبك لتضطرّ في 2017 وبعدما لم يبق لها مكان آمن، إلى النزوح إلى لبنان.
تؤكّد ليلى أنّ عودتها إلى سوريا ستكون خلال أشهر، تحسم توقيتها إمكانيّة إكمال أطفالها العام الدراسي الحالي في سوريا وإنجاز بناء غرفة في منزلها المدمّر تسكن فيها “بتنطروني لعمّر غرفة؟” تسأل وتضيف: “منزلي ومنازل أقاربي مهدّمة في القصير، اتفقنا أن نبني غرفة وراء غرفة لنستقرّ فيها، كلّنا نريد العودة”.
قبل أقلّ من عام تمكّنت ليلى وبعد محاولات عدّة من الحصول على إقامة في لبنان على أساس بطاقة نقابة المعلمين السورية، ما هدّأ حينها خوفها من عودة قسريّة واليوم تجد نفسها عائدة قريبًا وطواعيّة “وما أجمل من عودة إلى الوطن” تقول.
بطرس ابن مدينة حمص يعبّر عن شوقٍ لمدينته يعجز عن التعبير عنه، يتحدّث عن والدته التي تنتظره منذ عشرة أعوام، وعن والده الذي توفّي بعد 5 أيّام من تركه وأخوته سوريا هربًا من النظام في العام 2015 “سأعود قريبًا، سيكون قبر أبي محطّتي الأولى، مات حزنًا علينا بعدما فرغ البيت إثر رحيلنا، سأضمّ والدتي طويلًا، سقط النظام، عمرها 84 عامًا” يضيف.
يقول بطرس إنّ عودته قريبة جدًا ولكن ليس قبل شهر أو شهرين فهو يُريد أن يطمئنّ أكثر لتعاطي السلطة الجديدة مع أهالي مدينته “ما ينقله لي أقاربي من طرق تعامل السلطة الانتقاليّة مطمئن، وكذلك البيانات التي تصدر وتؤكّد أنّ سوريا للجميع، ولكنّنا نحتاج إلى وقت لنرى مدى الالتزام بما يعلنون عنه، ورغم التجارب السابقة مع بعض الفصائل الإسلاميّة، لديّ شبه يقين بأنّ الوضع سيكون أفضل ولن تكون سوريا إمارة إسلامية، سنعود جميعًا” يقول.
ليس بحوذة بطرس إقامة في لبنان، فهو دخل بتأشيرة سياحية مؤقتة بناء على حجزٍ فندقي ولم يتمكّن بعد انتهاء صلاحيتها من الحصول على إقامة وتسوية وضعه إذ كان يُطلب منه مبالغ مالية كبيرة مقابل الكفالة، ثمّ إنّه وقع ضحيّة سماسرة أكثر من مرّة، ولكن كونه مسيحيًّا كان يعتمد على بطاقة حصل عليها من المطرانيّة السريانيّة (المطران جوزيف صليبا) سهّلت عليه الحركة لاسيّما في بيروت وكسروان “كان حيّز الأمان ضيّقًا، لم أزر الشمال ولا الجنوب والضاحية مرّة، كانت تنقّلاتي محدودة” يقول.
يأمل بطرس أن يستقرّ في بلده التي يُطيل الحديث عن شكله الجديد “يمكن من كثرة الفرح أُبالغ بالآمال، ولكنّنا نستحقّ دولة جامعة لنا، دولة القانون والمؤسّسات، دولة سنعود لنبنيها” يقول، مضيفًا أنّه بعدها طبعًا سيزور لبنان حيث له ذكريات وأصدقاء.
“سأعود سأعود سأعود” يكرّر محمود عندما نسأله عن العودة إلى سوريا مشيرًا إلى أنّه يعمل على أن تكون العودة بداية العام المقبل وتدريجيّة “بدّي ارجع بس طولوا بالكم بس حتى تشكيل الحكومة الجديدة” يقول.
لا يملك محمود الذي جاء إلى لبنان وهو في السادسة عشرة من عمره هاربًا من المعارك في منطقة إدلب العام 2013 إقامة، ولم يستطع تسوية وضعه القانوني بناء على تسجيله كلاجئ لدى المفوضيّة لأنّه كان يعمل ولم يتمكّن من تسوية أوضاعه من خلال الحصول على كفالة شخصيّة إذ كان يأتيه الرفض مرارًا من الأمن العام. لذلك لن يذهب هو للتحضير لانتقال العائلة “سيذهب أخي بداية لأنّه يملك إقامة وبالتالي يستطيع العودة في حال ساءت الأوضاع، سيؤمّن مكان سكن ننقل عليه عائلاتنا، ومن ثمّ سنعمل على تصفية أعمالنا أو نقلها من لبنان إلى سوريا، لننتقل تدريجيًا، لا أستطيع أن أترك فجأة عملًا بدأته قبل 11 عامًا”.
العودة التدريجيّة أيضًا ستكون خيار غيث ابن مدينة حلب الذي دخل لبنان العام 2012 “سأعود حتمًا، سأبدأ بالانتقال تدريجيًّا، ولكنّني أريد حفظ خط العودة، أريد وقتًا لأرى أداء الحكومة الجديدة ومدى التزامها بما يُعلن حاليًا”.
يعمل غيث حاليًا على الحصول على إقامة مجاملة بعدما تزوّج لبنانيّة “لو كنت أملك إقامة لكنت ذهبت فور إعلان سقوط النظام، ولكنّ خوفي من عدم إمكانيّة عودتي إلى لبنان منعني من الزيارة حاليًا”.
وعلى الرغم من سقوط النظام، لا يزال غيث يخاف من الترحيل ولكنّ شكل الخوف تبدّل “كان الترحيل كارثة كان يعني إمكانيّة تعذيبي بالسجون أو حتى قتلي، اليوم أصبح مشكلة يُمكن حلّها قانونيًا” يقول.
العودة المؤجّلة
مقابل من يتحدّث عن عودة خلال أشهر هناك من يربط العودة بتوقّف الاشتباكات في مناطقه ولاسيّما من كان من الشمال الشرقي مثل الرقة والحسكة حيث تدور حاليًا بعض الاشتباكات بين فصائل سورية مدعومة من تركيا وقوات سورية الديمقراطية (قسد).
“لا يزال هناك معارك في منطقتي، ثمّ إنّ لا بيت لي في قريتي وأهلي أصلًا نزحوا إلى إدلب” يقول أحمد مشيرًا إلى أنّ عودته إلى سوريا مؤجّلة حاليًا، على الرغم من نيّته في إعادة عائلته عند استقرار الأمن في قريته.
خوفًا من الترحيل يعمل أحمد حاليًا على تجديد إقامته بناء لتسجيله لدى المفوضيّة والتي كانت انتهت صلاحيتها خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان “أسكن في الجنوب ونزحت إلى طرابلس وقت الحرب ولم أتمكّن من تجديد إقامتي، وبالطبع أخاف من الترحيل” يقول.
يُخبرنا أحمد أنّه مواليد لبنان وأن والديه موجودان في لبنان منذ التسعينيات، لذلك ستكون عودته إلى سوريا صعبة “أنا أعمل في شركة لصيانة الآليات الثقيلة، وعملي هنا مستقرّ، من الصعب الانتقال حاليًا لأبدأ البحث عن عمل جديد، هذا عائق آخر، سأرسل عائلتي عندما تهدأ الأحوال وأبقى بين لبنان وسوريا” يقول.
الأمر نفسه يُكرّره أبو غيث، ابن الرقّة “في الوقت الحالي لا نيّة لديّ للعودة، قريتي غير آمنة فالاشتباكات لا تزال دائرة” يقول.
يعيش أبو غيث في لبنان منذ العام 1997 وهو لديه إقامة صالحة وعمله هنا مستقر، لذلك يُفكّر في إعادة عائلته عندما تستقرّ الأوضاع الأمنيّة ويبقى هو هنا “بالإضافة إلى الأوضاع الأمنيّة سيكون من الصعب عليّ البدء من جديد، سأبقى هنا وأرسل عائلتي على الأرجح” يقول.
غصّة أهالي القنيطرة
على الرغم من رغبته الكبيرة في العودة، إلّا أنّها تبدو بعيدة بالنسبة لشادي، فهو ابن قرية في محافظة القنيطرة ومصيرها غير معروف بعدما توغّلت القوّات الإسرائيلية إلى داخل المحافظة وحاصرت عددًا من القرى ومنها قريته ومنعت سكّانها من التجوّل.
“لا يزال من المبكر الحديث عن العودة، سأنتظر لأرى كيف ستسير الأمور، أنا وضعي مختلف، إسرائيل في قريتي تقريبًا” يقول، مضيفًا: “أتوق إلى العودة، أنا لم أحاول السفر إلى أي بلد أجنبي، أردت أن أبقى قريبًا، مَن مِن السوريين يحبّ أن يكون بعيدًا عن عائلته، عن بلده، أن يعيش الغربة، غصّتي اليوم مختلفة”.
يُخبرنا شادي أنّ إقامته انتهت منذ شهر تقريبًا وإقامة زوجته وأبنائه ستنتهي مع نهاية العام ولا يُمكن له تجديدها إذ كانت على عقد الإيجار فقد تمّ إلغاء هذه الفئة في أيّار الماضي، ما يجعله يشعر بعدم أمان وخوف من الترحيل “في حال ترحيلنا أين سنذهب، هل قرانا آمنة، هل يُمكن العيش فيها بأمان، لا نعرف” يقول.
العودة يجب أن تكون طوعيّة
صحيح أنّ سقوط النظام السوري سيُزيل عائقًا أساسيّا أمام عودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلدهم، إلّا أنّ هذا لا ينفي أبدًا وجوب أن تبقى العودة طوعيّة حسب مفوضيّة اللاجئين التي أكّدت في تصريح لـ “المفكرة” أنّه في حين تُعطي التطورات الأخيرة في سوريا أملًا في إنهاء أكبر أزمة نزوح في العالم، يجب ضمان أن يتمتّع جميع اللاجئين بالحق الأساسي في العودة إلى بلدهم الأصلي في الوقت الذي يختارونه. وشدّدت على ضرورة أن تكون جميع عمليات العودة طوعية وكريمة وآمنة، مع ضرورة منح السوريين خلال فترة عدم الاستقرار الحاليّة، فرصة تقييم ظروف المعيشة عند العودة، عبر زيارات مسبقة لمعاينة الوضع على الأرض.
وفي حين أشارت المفوضيّة إلى حركة عودة شهدها لبنان بعد سقوط النظام، لفتت إلى أنّ ملايين اللاجئين السوريين حول العالم لا يزالون خارج سوريا ويقيّمون عودتهم لجهة الأمان أو احترام حقوقهم قبل أن يتمكّنوا من اتخاذ قرار طوعي بالعودة.
وأكّدت المفوضية أنّها على أهبة الاستعداد لدعم اللاجئين العائدين عندما تسمح الظروف بذلك، وأنّه مع تدمر البنية التحتية واعتماد أكثر من 90% من السكان في سوريا على المساعدات الإنسانية، لا بدّ من توفير مساعدة عاجلة مع اقتراب فصل الشتاء، بما في ذلك مساعدات خاصة بالمأوى والغذاء والمياه والتدفئة. وأكّدت أنّها تلتزم بتقديم هذه المساعدات، داعية جميع الأطراف إلى تسهيل تقديمها، والجهات المانحة إلى ضمان حصول المفوضية وشركائها على الموارد اللازمة للاستجابة السريعة والفعالة، بما في ذلك في البلدان المجاورة التي لا تزال تستضيف ملايين اللاجئين، بما في ذلك لبنان.
في الإطار نفسه تعتبر مؤسّسة “سينابس” Synaps البحثية التي تُعنى بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية أنّ عدداً من السوريين المتواجدين في لبنان سيعودون إلى سوريا بعد سقوط النظام ولكنّ هذا لا يعني أبدًا أنّ سوريا باتت آمنة لعودة جميع السوريين وبالتالي لن يصبح ترحيلهم جماعيًّا مبرّرًا. فالتعامل مع هذا الملف وصولًا إلى إقفاله، يتطلّب حاليًا تصنيف السوريين المتواجدين في لبنان بطريقة عقلانية وبالتعاون بين المفوضية والدولتين اللبنانية والسورية بهدف تحديد من يمكنه العودة فورًا ومن ستكون عودته تدريجيّة. وتُشير “سينابس” إلى أنّ مبادئ العودة الطوعيّة تشمل إعطاء اللاجئين الفرصة للقيام بزيارة تفقدية للمعاينة مع السماح لهم بالعودة الى لبنان في حال كان بقاؤهم في سوريا غير ممكن أو يشكل خطرًا عليهم.
ولا تكمن أهميّة هذه الخطوة، حسب “سينابس”، في الحفاظ على سلامة العائدين فحسب، بل أيضًا في المساعدة في إقفال هذا الملف إذ أنّ طمأنة اللاجئين سيحفّزهم على العودة إلى بلادهم بشكل طوعي، مع ضرورة العمل على ضبط الحدود.
وتلفت “سينابس” إلى أنّ معوقات العودة الفوريّة حاليًا قد تكون مثلًا عند من ينحدرون من الشمال الشرقي حيث تدور اشتباكات، بالإضافة إلى المناطق التي كانت تعاني من تفشّي العنف الإجرامي والاقتتال بين الفصائل المسلحة، والذي من المتوقع أن يزداد سوءًا قبل أن يتحسّن ثانية، بما في ذلك على وجه التحديد في درعا والسويداء في الجنوب. وكذلك ربما التهديد الأمني للقاطنين في محافظة القنيطرة ومناطق جبل الشيخ حيث بدأ الجيش الإسرائيلي بالتوغّل.
بالإضافة إلى ما ذكر سابقًا، تُشير “سينابس” إلى أنّ أي انتقال من سلطة إلى أخرى تشوبه فوضى وهو ما يُسهّل العمليات الانتقاميّة الفرديّة، فهناك فئة تخاف من عمليات الانتقام والثأر. بالإضافة للسوريين والسوريات الذين قد لا تقتصر مخاطر عودتهم الى سوريا على النظام حصرًا ولكن من قبل مجتمعاتهم بسبب الاختلاف، على سبيل المثال أفراد مجتمع +LGBTQ وبعض المتزوجين من أديان مختلفة. لذلك يجب أن يدرس حل العودة على أساس فردي بعيدًا عن التعميم.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.