الكلمة الافتتاحية للمفكرة القانونية لمنتداها السنوي حول: “لمن القانون في لبنان؟”


2012-12-17    |   

الكلمة الافتتاحية للمفكرة القانونية لمنتداها السنوي حول: “لمن القانون في لبنان؟”

(انعقد المؤتمر في 14-12-2012 في مسرح دوار الشمس، بيروت)
مع هذا المنتدى، تؤسس المفكرة القانونية لعمل دوري من نوع مختلف، من نوع جديد، يتماشى مع الأسباب التي انوجدت لأجلها. وهو سعي الى تقييم الأعمال القانونية والى تعريتها والغوص في أعماقها في اتجاه فهم أبعادها وتأثيراتها الاجتماعية.
وأهمية هذا العمل تكمن في أربعة أمور:
أولا، لجهة موضوعه: فلمن القانون في لبنان؟ وما هي المحاور التي يقوم عليها القانون أو المصالح والاعتبارات التي يخدمها؟ وما هي المصالح التي تؤخذ بعين الاعتبار في أعمال القضاء أو البرلمان أو الحكومة أو أيضا في الحراك الاجتماعي حول القانون؟ وبكلام آخر، ما هي مظاهر المحاصصة والمجاملة والزبائنية في أعمال كلا من هذه السلطات ومكانتها، وما هي المقابل مكانة المواطن والمصلحة العامة في هذه الأعمال، وبوجه خص على أصعدة الحريات العامة والحقوق الأساسية الخ..؟ وبالطبع، نحاول في هذا المجال من باب الموضوعية قياس هذه الاعتبارات وتقييمها بعيدا عن أي رؤية مانيكية، فالأمور قلما تكون سوداء أو بيضاء بالكامل، بل غالبا ما يظهر وجود معين للاعتبارات العامة (ولو شكلي) في القوانين أو الأعمال الأكثر التزاما بمصالح النظام، كما يتدخل غالبا النظام لوضع سقف أو حدود لكثير من الحقوق التي قد تجد الدولة نفسها ملزمة بتكريسها لسبب من الأسباب أو في مرحلة من المراحل. تاليا، المسألة تصبح مسألة درجات: فما مكانة كلا من هذه الاعتبارات في أعمال هذه السلطات أو في الحراك الحقوقي العام؟ وبالطبع، لا نخفي أن هذا العمل يحتمل كما كبيرا من المساءلة.
وثانيا، لجهة شموليته: ففيما سعت المفكرة القانونية في سنة عملها الأولى 2011 الى رصد أهم الأحكام القضائية وأعمال البرلمان كلا على حدى، فقد سعت في 2012 الى توسيع اطار عملها ليشمل المراسيم الحكومية والقرارات الوزارية ومشاريع القوانين الخ.. فضلا عن الحراكات الاجتماعية المبنية على المطالب الحقوقية والتي تابعتها المفكرة على طول السنة من خلال باحثيها ولكن أيضا من خلال عدسة حسام مشيمش الحاضرة صوره فيما بيننا، وكل ذلك في منتدى واحد. وبالطبع، نأمل في السنة القادمة أن نوفر موارد أكبر لتأمين تغطية أكثر شمولية لكلا من هذه المواضيع. والمفيد في هذه الشمولية أنها تسمح لنا باجراء مقارنات بين أعمال هذه السلطات. وهذا ما يتجلى من خلال أسئلة من قبيل: أي السلطات أو المؤسسات بدت الأكثر حرصا أو الأكثر حساسية للحقوق الاجتماعية خلال سنة 2012؟ فهل هو القضاء الملزم بتبرير أحكامه بالقانون، أم الحكومة الأكثر تعرضا للنقد أم البرلمان الذي هو وحده القادر في غالب الأحيان على تكريس قواعد عامة ملزمة؟ وهل يمكن تفسير هذا الأمر من خلال طبيعة عملها أو طبيعة قراراتها أو مدى تعرضها للرقابة الاعلامية؟ وهنا، يهمنا أن نوضح منذ بدء هذا المنتدى أننا اخترنا عمدا –وربما نكون مخطئين على هذا الصعيد- أن نكون أكثر حساسية للايجابيات في أعمال القضاة (ولا سيما القضاة الشباب الذين يبقون عموما على مسافة من السلطة بمعناها الواسع) فيما نحن أكثر حساسية للسلبيات في أعمال السلطتين التنفيذية والبرلمانية. وهذا الخيار مبرر حسب وجهة نظرنا طالما أن للسلطتيين التشريعية والتنفيذية منابر كثيرة تمجد بهم أو يعمدون من خلالها الى التمجيد بأنفسهم، فيما قلما يتناول الاعلام القضاء الا من خلال بعض الدعاوى الشهيرة والتي غالبا ما تكون سياسية ويتولاها قضاة هم في أعلى الهرم وهم أكثر ارتباطا بالسياسة من القضاء ومنطق القانون. والواقع أن لا مجال للحديث عن أعمال القضاء من دون الحديث المسهب عن كيفية تنظيمه، وتحديدا مدى توفر ضمانات لاستقلالية القضاة: فما يصور على أنه أعمال قضائية، غالبا ما يكون بالواقع أعمالا سياسية من خلال أدوات قضائية بفعل ضآلة هذه الضمانات.  
وثالثا، لجهة طابعه السنوي: فأن يكون بحثنا هذا دوريا يسمح لنا من جهة بمراكمة الخبرة وتطوير المنهجية سنة فسنة، كما يسمح لنا باجراء المقارنة اللازمة في هذا الخصوص. فطالما أن المسألة ليست مسألة أسود أو أبيض انما مسألة درجات، فانه يكون لازما أن نقارن ليس فقط بين السلطات أو المؤسسات، انما أيضا بين الأعمال الحاصلة خلال سنوات متفرقة. فهل تزداد مكانة اعتبارات النظام عن السنة السابقة أم هي تتضاءل؟ وهل هنالك تحول في اتجاه واحد أم أن الأمور تشهد مدا وجذرا، فتتسع حينا مساحة هذه الاعتبارات لتضيق أحيانا أخرى؟    
ورابعا، أن هذا العمل يأتي ليملأ فراغا كبيراوهو تحجيم دور القانون وتهميشه وكأنه مسائل تقنية لا تهم الناس في ظل طغيان الحديث عن التجاذبات الحاصلة بين أعيان الطبقة السياسية والتي تتمحور طبعا كلها حول مصالح هذه الطبقة. والغاية اذا منه أن نتعامل مع القضاء كمسرح لمناقشة القضايا الاجتماعية والمطالبة بها، أن نتعامل مع الحكومة أو مع البرلمان كحلبات تتصارع فيها لغة الحق مع لغة المصالح، فتضبطها وتؤطرها أو على الأقل تحرج المتحدثين بها. ومن هذا المنطلق، تسعى المفكرة القانونية الى استخدام موقعها كمؤسسة اعلامية بحثية مختصة، لاطلاق هذه الورشة المضنية والكبيرة جدا. وهي تأمل أن تنجح في هذا المجال ليس فقط في تطوير مواردها البشرية على نحو يمكنها لاداء هذا الدور، انما أيضا أن تنجح في اقناع عدد كبير من الباحثين والاعلاميين والناشطين ومجمل المعنيين بالشأن العام على أهمية هذا العمل التقييمي/التقويمي، بحيث يصبح تدريجيا عملا تشاركيا ومناسبة يلتقي فيها هؤلاء لاجراء نقد وطني شامل للنتاج القانوني على اختلافه، من زاوية السلطة ولكن أيضا من زاوية القوى الاجتماعية بما تحلم به من قوانين.  
وتاليا، تأمل المفكرة من المنتدين أن يشاركوا في هذه المراجعة النقدية كشركاء، وأن يعدوا هذا المنتدى كتعهد احتفالي من قبل المفكرة في مواجهة هذا التحدي بشكل سنوي دوري أكثر مما هو عمل منجز وخالص. فما زال هذا العمل يحتاج كما سبق ذكره الى كثير من التطوير والتحسين، وهو عمل نأمل أن نفعله سنة بعد سنة. 
وأخيرا، يهمني أن أشكر كل من أسهم في تنظيم هذا المنتدى وعلى رأسهم الصديقين سامر غمرون وسعدى علوه اللذين شاركا في تصميم محاوره، كما شكر موصول لحسام مشيمش الذي رافقنا طوال هذه السنة بالتزام كامل في جميع الحراكات التي قام بتغطيتها من خلال عدسته، فولد نموذجا جديدا: نموذج "المصور المتظاهر"، كما أشكر فريق المفكرة القانونية ومنهم غيدة فرنجية وكريم نمور وايمان بشير وكريستيل الفغالي، وبوجه خاص الشباب الطلاب الذين ركبوا معنا باخلاص ركاب هذا التحدي والذين شكل وجودهم أملا في نجاح هذه التجربة الجديدة هم تباعا لما كرامة وجو رومانوس وعلاء مروه. كما أشكر rights castعلى شراكتها للمفكرة بتصوير ومنتجة وعرض ندواتها ومؤتمراتها وشركة ستوديو سفر وعبير غطاس. وأخيرا لابد من شكر مسرح دوار الشمس وخصوصا روجيه عساف على ترحابهم بنا. وأخير وليس آخرا منظمة open societyالتي يعود لها فضل تمويل كثير من هذه الجهود لانجاح هذا المنتدى. راجيا أن يكون هذا المنتدى مفيدا وممتعا. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني