“الكتاب الأبيض للمحاماة التونسية”: البحث عن ذاكرة تحصّن دور المهنة


2024-05-11    |   

“الكتاب الأبيض للمحاماة التونسية”: البحث عن ذاكرة تحصّن دور المهنة

يلتحق “الكتاب الأبيض للمحاماة التونسية: قصة غير مكتملة” للعميد السابق شوقي الطبيب، الصادر في 2024، بجملة من المراجع القانونية والتاريخية القليلة حول المحاماة في تونس. يضمّ الكتاب خمسة أجزاء على امتداد 333 صفحة أغلبها وثائق ونصوص قانونية واتفاقيّات بين الهيئة الوطنيّة للمحامين مع الهيئات الصديقة والشقيقة. يهدف الكاتب عبره إلى المساهمة في سدّ فراغ كبير في التأريخ لإحدى المهن التي لعبت أدوارا مهمّة في تاريخ البلاد. وهو يطرح مباشرةً إشكاليّة العلاقة بين المحاماة والسلطة السياسية، التي سبق أن تناولها سابقا في كتابه “المحامون والسياسة في تونس (1887-2011)” الصّادر سنة 2015. ولعل ما يمرّ به الكاتب من ملاحقات وتضييقات وهو بين الإضراب عن الطعام والاعتصام في دار المحامي يجعله شخصيّا في قلب هذه الإشكاليّة. ورغم أن الكتاب محلّ القراءة لا يُقدّم بعدا تحليليا في هذا الاتجاه ولا يتعرّض نقديّا لدور المحاماة بعد 25 جويلية 2021، لكن يمكن البناء على فكرته لاستقراء وضعية “القضاء ومساعديه”.

المحاماة: ذاكرة قطاع العدل المنقوصة

تُمثّل الصورة المستخلصة عن المحاماة في الكتاب مؤشرا أوّليا حول وضعية قطاع العدالة في تونس. فذاكرة هذه المهنة وتاريخها وتشكُّل رمزيتها غير مكتملة. بينما ذاكرة السلطة السياسية بطابعها الاستبدادي هي الأبقى. لذلك نجد أنّ رمزية المحاماة، التي ارتبطت مع الثورة بصورة المحامي بزيّه أمام وزارة الداخلية في الصف الأمامي للمظاهرة التاريخية يوم 14 جانفي، قد تآكلت تدريجيا نحو حصر المحاماة في القطاعية المزمنة والممقوتة في المزاج الشعبي العام. ومن خلفها لم يعدْ لتاريخ المهنة المشرّف في الدفاع عن الحقوق والحريات ومحاربة الاستبداد من رمزية تشفع لها. لذلك يجعل الكتاب من إعادة بناء ذاكرة المهنة رهانا على غاية من الأهمية.

يؤكد العميد شوقي الطبيب، في مواضع عديدة، أنّ الهيئة لا تملك أرشيفا يحفظ تاريخ المحاماة وفقا للمعايير الدنيا لهذه المهنة. إذ يتعذّر الحصول على إحصائيّات ووثائق تؤرّخ لحضورهم مثلا في المؤسسات السياسية وسياقاتها. وهو ما يفتح التحليلات والقراءات حول المحاماة على التأويلات المتحيّزة أو غير الدقيقة (ص. 18 ، ص. 36-37). بل يقول الكاتب أنّه لم يعثر على الملف المهنيّ للعميد السابق توفيق بن الشيخ في أرشيف الهيئة، مما اضطرّه للاستناد إلى الروايات المتداولة حوله من دون القدرة على تأكيدها أو نفيها عبر الوثائق التاريخية (ص. 107-108).

يتواصل شرخ الذاكرة إلى اليوم كما يؤكّد الكاتب. إذ أنّ جهاز إنتاجه وحفظه في القطاع غير مؤهل تماما للعب هذا الدور المهم. ويشير عميد المحامين السابق إلى أنّ إدارة الهيئة الوطنية للمحامين قد بُنيت على سياسة تنظير مع الوظيفة العمومية (ص. 128) فأصيبت بأمراضها. إذ يصفها الكاتب بالبدائية على الرغم من تضاعف عدد المحامين وتضخّم الموارد المالية ومحاولات الإصلاح المتكررة (ص. 127). من الناحية الإجرائية والهيكلية، يتّسم عمل إدارة الهيئة “بالركود والتبلّد” حيث لم يتمّ تطوير دليل إجراءات أو النجاح في إحداث تغيير هيكلي يسمح بمواكبة تطورات القطاع خصوصًا من ناحية العدد وما ينتظره الجيل الجديد من المحامين. فلا وجود لآليات وأدوات وبرمجيات حديثة تسمح برقمنة الخدمات التي تُقدّمها لمنظوريها. بل لا توفّر الهيئة منصّة خاصّة بمنظوريها ولا بريدا إلكترونيا مهنيا. ما يفسر تأخر عملية رقمنة الأرشيف، التي لم يُشرع فيها إلا مؤخرا (ص. 128). كما تغيب سياسة تحفيز للموظفين في هذه الإدارة، ما يجعل مقارنتها بالمنظّمات والجمعيّات في المجتمع المدني تعطي صورة سلبية، بل ومثيرة للسخرية (ص. 128).

يعترف العميد الطّبيب أنّ الجهد المبذول في الكتاب يهدف إلى توفير عدد من الوثائق ويمثل دعوة في الوقت ذاته إلى المنتمين للقطاع والباحثين للعمل على ذلك. فرغم أنّ غياب التوظيف المنهجي والعلمي للمادّة التوثيقيّة يحدّ من القيمة المضافة للكتاب، إلا أنّ العميد السابق لم يدّع أصلا لكتابه طموحا تحليليّا. اختار الكاتب اعتماد خيط ناظم في الكتاب، يتمثل في دور المحاماة في قطاع العدالة كـ”مهنة تشارك في إقامة العدل وتدافع عن الحريات والحقوق الإنسانية”.[1] هذا المعيار المضموني قد نصّ عليه القانون بشكل متأخر بعد الثورة، وهو ما اعتبرته المحاماة حينها مكسبًا لها. لكن التأريخ للروافد المؤدية للاعتراف بهذا الدور يعرف انقطاعات عديدة. إذ اعتُبرت المحاماة طويلا مساعدا للقضاء رغم أن أدوارها التأسيسية تتجاوز القضاء في معناه الضيّق. فنجد أنها محرك نخبوي في الحركة الوطنية والدفاع عن الاستقلال (ص. 26). ولعبت دورا استثنائيا في المجال السياسي، جعلت المحامي-الرئيس الحبيب بورقيبة نفسه يضع المعوقات أمامها في كلّ مرحلة (ص. 47-48 ص. 66)، رغم أنه من ساهم في وضعها على أسس حديثة بتوحيد القضاء وتونسته.

ويبقى مُعطى علاقة المحاماة بمهنة الوكيل الموروثة من المحاكم الشرعية غير واضح. فلا تسمح القراءة التاريخيّة المحدودة، في ظلّ غياب الأرشيف والبحث التاريخيّ المعمّق، بتحديد بداية المهنة في تونس بشكل دقيق، بين من يُدمج مهنة الوكيل ومن يُقصيها. ورغم أن قانون المهنة قد أدمجهم في الجهاز القضائي الوطني بالنظر إلى نقص عدد المحامين التونسيين ومغادرة المحامين الفرنسيين (ص. 23، ص. 51)، يصعب تقدير مدى تأثيرهم ضمن دور المحاماة باستثناء بعده السياسي باعتبارهم أحد روافد التيار المحافظ والقومي داخلها (ص. 51-52). وما يجعل دور الشراكة في إقامة العدل بمعياره المضموني المرتبط بالحريات والحقوق الإنسانية، كما يريد له العميد أن يستقر في الذاكرة الوطنية، لا يزال يحتاج إلى مزيد التأريخ.

من خلاصات الذّاكرة التي أوردها العميد الطبيب في كتابه، هي أن المحاماة في علاقة صراع مع السّلطة السياسية. تحكم هذه العلاقة وفق الكاتب قاعدة مستقرّة مفادها أن كلّ تغيير سياسيّ في تونس يستتبعه تغيير في القانون المنظم للمهنة. وهو ما يمكن أن نفهمه مبدئيّا انطلاقا من أنّ تغيير السّلطة يعني تغييرا في سلطة إصدار القانون (Pouvoir de dire le droit)، وآليا تلجأ السّلطة إلى تحديد وتوزيع الأدوار بين المنافسين على تأويله وتطبيقه، ومن بينهم المحامين، الذين يثيرون توجّس السّلطة ويشكلون مصدر تهديد لها. هذه القاعدة تنطبق أيضا على القضاء وبقية المهن المتصلة به. إذ أنّ ذاكرتنا القريبة حول العدالة الانتقالية مليئة بالنقاشات حول الطبّ الشرعي والخبراء العدليين والمتصرفين القضائيين والمؤتمنين العدليين. فعبرهم كان يتبلور “الحق والواجب” القانونيان وتوزيعهما بين الأفراد، وبين الأفراد والسلطة. ومن خلف هذه الدينامية، كان يتحقّق نسيج الهيمنة السياسية للنظام على المجتمع. تقريبا، يمكن القول أنّ الهيمنة هي التي تكتب الذّاكرة بحيث يتوارى الجميع عنوة خلف السردية السلطوية وما تفرضه في كل مرحلة. ويقوم معطى الفشل الدائم في إصلاح المحاماة والقضاء كدليل مستقرّ على ذلك بالنظر إلى التسييس الدائم لملفّهما. ما يسمح بالقول أن ذاكرة المحاماة وذاكرة قطاع العدل مُستنفرة بمتغيرات خارجية فرضت عليها أن لا تتبلور ذاتيا بالشكل المطلوب.

الذاكرة السياسية المهيمنة على مطلب العدالة ورهانات الإصلاح

من إيجابيات الكتاب أنّه، بما هو عليه من اختزال ونواقصه الأخرى كالطباعة غير الجيدة، يؤكد على أنّ الحاجة للإصلاح ملحّة. والكتاب نقطة في بحر المعوقات والظرفيات والمعطّلات. تحدث الكاتب عن محاولات إصلاح قطاع المحاماة بمبادرة شخصية منه ومن عمداء سابقين قد تعطلت، لأسباب داخلية تتعلّق بالنزاعات داخل الهيئة، أو خارجية، تتعلق خصوصا بالعلاقة مع السلطة (ص. 125-127). هذا البعد الشخصي في المبادرة بالإصلاح يرتبط بشخصية العميد نفسه، لكن له ما يبرره موضوعيا طالما أن الهيئة كهيكل ومؤسسة تفتقد للعمل المؤسسي المنظم والناجع وفي سياق ما تتعرّض له من ضغط خارجيّ. فنلاحظ مثلا أنّ تأسيس جمعيّة المحامين الشبّان، بما له من مبرّرات مشروعة مرتبطة بالقطاع، كان أيضا استجابة وردّ فعل مقاوم للبيئة السياسية. فبدل إصلاح الهيكل الرئيسي جاءت الجمعية أيضا انعكاسا لاستراتيجية الضرورة والتكيّف مع الواقع. كانت جمعية المحامين الشبان، تاريخيا، هيكلا مهما داخل القطاع سمح بتخفيف الضغط عن الهيئة عبر لعب دور “مناوشة السلطة” (ص. 70). فساهمت مثلا في رفع يد السلطة على تعيين العميد خلال فترة ثماني سنوات من عهد الحبيب بورقيبة (ص. 70 وما بعدها، ص. 104).

كما هدفت هذه الاستراتيجية إلى مراكمة المكاسب طالما كان الإصلاح ممتنعا عبر منازعة كل سلطة جديدة على تنقيح القانون المنظم للمهنة. وهو الحال عند إصدار القانون عدد 87 المؤرخ في 07 سبتمبر 1989 (ص. 173) والمرسوم عدد 79 المؤرخ في 20 أوت 2011 (ص. 174). سعت المحاماة في الحالتين إلى ضمان أكبر قدر ممكن من المكاسب القانونية خاصة فيما يتعلق بتنظيمها الهيكليّ ضمانا لوحدتها وبحصانة المحامي بمناسبة مزاولة عمله. لكن بقيت، في عهد بن علي، ثغرة التقدير القضائي في الفصل 46 من القانون المذكور أعلاه. يضمن هذا الفصل حصانة المحامي فلا يمكن تتبّعه من أجل مرافعاته أو تقاريره. لكن في نفس الوقت وضع استثناء “حالة سوء النية” التي يعود تقديرها للقاضي. ومن الأمثلة العملية على استعمال هذا الفصل ملفّا المحامييْن جمال الدين بيدة وفوزي بن مراد (ص. 174).

رغم قصر المواضع التحليلية في الكتاب، إلا أنّها جاءت محمّلة بالأسئلة والرهانات. وما يبدو محوريّا فيها، هي إشكالية دور المحاماة كمساعد للقضاء أو شريك له. بعد الثورة، تمّ تأكيد بُعد الشراكة في إقامة العدل في المرسوم الجديد ضمن الفصل الأول منه، بدل دور المساعد للقضاء. ثمّ جاء الفصل 105 من دستور 2014 مؤكّدا على ذلك.[2] إلاّ أنّ المفارقة هي أنّ النظام الداخلي لهيئة المحامين، في فصلها الأول، جاء مُخففا من هذا البعد التشاركي حيث ينصّ على أنّ المحاماة “تُساهم في إقامة العدل”. وفي قسمه الرابع يتحدث عن “أخلاقيات التعامل مع مساعدي القضاء” (ص. 203-204). بما يسمح لنا بالقول أن استراتيجية الضرورة والتكيّف ومراكمة المكاسب بقيت عينها على المتغيّر الخارجي. ولم يتمّ تعزيزها ذاتيا على المستوى التنظيمي في النصّ والهيكل. ضمن فلسفة دور الشريك، لعب القطاع أدوارًا سياسية على غاية من الأهمية فيما ضاعتْ فرص تعميق المكاسب داخليا. فالذاكرة تحفظ للمحاماة دورها في الحوار الوطني في 2014/2013 إلى جانب منظمات وطنية تاريخية مثلت دائما فاعلا رئيسيا في استعادة توازن المجال السياسي والخروج من الأزمات (نوبل للسلام: ص. 95-98)، وذلك عبر إدارة التفاوض بين الفاعلين السياسيين. هذا التفاوض الذي انبنى على التوفيق بين احترام الوزن التمثيلي (داخل المجلس التأسيسي) لكل طرف وفرض انتهاء الحوار إلى نتيجة تُجنّب البلاد الانهيار.[3] وما سمح للمحاماة بلعب هذا الدور المؤثر، بالإضافة إلى دورها التاريخي،  حضورها المركزي في التخطيط الاستراتيجي للفترة الانتقالية.[4]

لطالما استُدعيت المحاماة للمساهمة في ضمان استقرار المجال السياسي. فكما كانت متشابكة مع السلطة في المؤسسات البرلمانية والحكومات أو المجلس التأسيسي، لازمت أيضا دورها النضاليّ ضدّ الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان. فقدّمت المحاماة، بالأخصّ في إطار دور التضامن القطاعي الداخلي، مواقفَ تاريخيّة ضدّ السّلطة عبر الدفاع عن جميع العائلات السياسية من دون تمييز. لذلك، لم تمتنع السلطة عن محاولة اختراقها من الداخل من خلال إنشاء كيانات مرتبطة بالحزب الحاكم (ص. 48-50) أو عبر المناورة والضغط على المحامين واللجوء للعنف البوليسي. كان التنوع السياسي داخل المحاماة عنصر تدعيم لهذا الدور موضوعيا بما له من أسباب تاريخية، لكنّ المشهد بما له من طابع سياسي صريح منع من أن يتحوّل إصلاح المهنة وقطاع العدالة إلى أولوية قبل الثورة وبعدها. هذه الشبكة الممتدّة تاريخيا من العوامل المتضافرة تجعل قطاع العدالة ككل في مربع التأسيس المرتبك لأسباب سياسية مباشرة لها امتداداتها داخله.

الجزء المفقود من قصة العميد: السلطة والقضاء اليوم

ختم العميد كتابه بـ”كلمة أخيرة”(ص. 331-333)، أكّدت على الحاجة للمحاماة كما في السابق (ص. 333). ما يحيل على السياق الحالي والدور المتوقع منها في ظل العلاقة مع السلطة السياسية. إلا أنّ الكاتب لم يُفصّل في ذلك، خصوصا بعد 25 جويلية 2021 بالحديث عما خسرته أو يمكن أن تخسره من دون الإشارة مثلا إلى دور العمادة أو جمعية المحامين الشبان في دعم مسار 25 جويلية رغم أن أول ضحاياه كان قطاع العدالة نفسه. والكاتب يكتب أنّ في ذاكرة المحاماة قصصًا عن السلطة والفاعلين السياسيين اختار عدم التعرّض لها (ص. 65)، وهو خيار نُقدّر إيجابيته لجهة أن ذكرها مشروط بذاكرة القطاع نفسه التي يجب أن تُكتب في أفق “المحاماة التي نريدها جميعا” (ص. 19). أما والحال أنها تمثل عنصرا وظيفيا حسب الحاجة، فيما هي تنازع من أجل استقلاليتها فسيواصل فرض نفس الدور عليها في ظل التأويلات المختلفة والمصالح المتضاربة غير المحسومة التي تبقى السلطة أكثر قوّة وتحكّما فيها.

تتّسم العلاقة مع السلطة اليوم بالتوتر لتأكيد أنها “…على طرفيْ نقيض مع السلطة عموما رغم محاولات الاختراق والتوجيه وفرض الوصاية” كما كانت دائما، خصوصا بعد بيان الهيئة بتاريخ 20 مارس 2024. يُضاف إلى ذلك ما أشار إليه الكاتب حول إلغاء ذكر المحاماة في “دستور 25 جويلية 2022” وتخوّفه من نسف الإرادة السياسية الحالية لأهم مكسب جاء به المرسوم عدد 89، أي حصانة المحامي. تبقى لذلك القصة غير مكتملة لجهة أنّ الكاتب يواجه، في سعيه لترميم ذاكرة المحاماة، مرة أخرى المعطى السياسي (ص. 175). كما لا يمكن تناول دور المحاماة ومكانتها، بمعزل عن مكانة القضاء محور قطاع العدالة، والذي نُزعتْ عنه صفة السّلطة ليحوّل مجددا إلى وظيفة في نظام سياسي رئاسوي، ومهنة هشّة تحت قصف السلطة وترهيبها. وها هو إذًا يخضع بدوره للمتغير الخارجي، كما لوحظ ذلك خلال فترة ما بعد الثورة بمناسبة التحرّكات القضائية.[5] وليس أدل على ذلك من العلاقة بين جمعية القضاة ونقابتهم، والتي أقلّ ما يقال عنها أنها متوترة وخلافية حول أهم التصورات حول أدوار القاضي والسلطة القضائية.[6] كلّ ذلك يؤثر بدوره في علاقة القضاة والمحامين، من دون أن ننسى أن السلطة بدورها عنصر ثالث في هذه العلاقة. ما يعني أن طبيعة العلاقة وتحولاتها لم تغادر مربعها القديم قبل الثورة، والمتغيرات السياسية المؤثرة على الأطراف الثلاثة في ظل إصلاحات مُعطلة، لم يكن قطاع العدالة نفسه قادرا على إطلاقها وتقديمها في الأجندة السياسية لكل مرحلة.

بمراجعة كتاب العميد شوقي الطبيب وغيره ممّا كُتب، تبقى القصة غير مكتملة بالنسبة إلى قطاع العدالة في تونس. فالإصلاح يتجاوز كلّ قطاع على حدة نحو الحاجة إلى إصلاح أشمل يحدّ من قدرة السّلطة على وضع يدها على شركاء القانون ضمانا لقانون الهيمنة. الحراك الداخليّ لقطاع المحاماة معروفٌ بقوّته، لكن تنظيمه الداخلي يحتاج إلى إصلاح حقيقي، يساهم في بناء ذاكرة مهنيّة مناضلة تقوّض سرديّة السلطة، بعد أن ضاعت فرصة الانتقال الديمقراطي تحت وطأة المعارك الصغرى لأبنائه وسرديّة السلطة الجديدة المشيطنة له.  .


[1] الفصل الأول من المرسوم عدد 79 لسنة 2011 مؤرخ في 20 أوت 2011 يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة:”المحاماة مهنة حرة ومستقلة تشارك في إقامة العدل وتدافع عن الحريات والحقوق الإنسانية”.

[2] ينص الفصل 105 من دستور 2014 على مايلي:”المحاماة مهنة حرة مستقلة تشارك في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات. يتمتع المحامي بالضمانات القانونية التي تكفل حمايته وتمكنه من أداء مهامه”.

[3]عبد اللطيف الحناشي، الحوار الوطني في تونس: الآليات والمآلات، مركز الجزيرة للدراسات، 06/02/2014. الرابط: https://bit.ly/44E8J0P

[4]دور المحامين كأطراف انتقالية فعالة في تونس، تقرير lawyers, conflict and transition، أوت 2015. الرابط: https://bit.ly/3wviRfB

[5] سامر غمرون ونزار صاغية، القضاء العربي في زمن الإستبداد: قضاة تونس ومصر بين قواعد المهنة وضرورات السياسة، المفكرة القانونية، الطبعة الأولى، تونس، 2016، ص250-251.

[6] سامر غمرون، القضاة التونسيون بين السلطة والجمعية والنقابة (مقال نُشر سابقا على موقع المفكرة القانونية)، موقع جدلية، جانفي 2012. الرابط: https://bit.ly/4b2Esex

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني