ثار قطاعان أمس الثلاثاء على السلطة فعلياً. الأول، وهو القطاع السياحي، ممثلاً باتحاد النقابات السياحية من فنادق ومجمّعات سياحية بحرية ومطاعم ومقاهٍ وملاهٍ ومحلّات حلويات (باتيسري) وأسمى تحرّكه “العصيان المدني والثورة السياحية وثورة حطام الكراسي والطاولات”، والثاني هو القطاع التجاري، من جمعيات ولجان أسواق ونقابات تجارية في لبنان، الذي دوّر الزوايا، وإن انتهى إلى إعلان فتح أبواب المؤسسات المعنيّة بالقطاعين السياحي والتجاري، خلافاً لقرار التعبئة العامة الصادر عن وزير الداخلية. قرار ما لبث القطاع التجاري أن تراجع عنه ليلاً في إثر اتصالات مكثفة من قبل السلطة، وفق ما علمت “المفكرة القانونية”.
واعتبر رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار أشقر في حديث لـ”المفكرة”، أنّ قرار التعبئة العامة الأخير “غير قانوني كونه يحتاج إلى مرسوم صادر عن مجلس الوزراء”، مؤكداً أن الإتحاد بأركانه كافة قد أعدّ العدّة القانونية لمواجهة أيّ إجراءات من قبل وزارة الداخلية من محاضر ضبط أو إحالات إلى القضاء. وقال: “تم تحضير المطالعة القانونية التي سنقدمها إلى القضاء وإذا لم يأخذ به فسنتجه إلى مجلس شورى الدولة”.
وأكّد أشقر أنّ المرافق السياحية غير المتضرّرة (من تفجير المرفأ) كافة ستفتح أبوابها اليوم، مشيراً إلى خسائر كبيرة تكبّدها القطاع الذي يضم 4 آلاف مطعم ومقهى وملهى وباتيسري، تضرر منها في إطار بيروت الكبرى ما مجموعه 2060 مؤسسة، فيما نال الضرر 163 فندقاً من أصل 265. والضرر هنا لم يطل المؤسسات فقط بل نحو 75 ألف موظف يعتاشون من القطاع”. واحتجّ أشقر على تهاون السلطات في مكان وتشددها في أمكنة أخرى: “بطرابلس ومناطق أخرى ما حدا بيحكي معهم، بينما يهددوننا في بيروت وجبل لبنان”.
“ثورة حطام الكراسي والطاولات”
وظهر أمس، نظم اتحاد النقابات السياحية وقفة احتجاجية في شارع باستور في مار مخايل وسط الأبنية والمنازل وبعض المطاعم المنكوبة في انفجار المرفأ، وسط حضور لبعض أصحاب المرافق السياحية وبعض الموظفين، فيما شارك في الوقفة من الشرفات بعض الأهالي الصامدين في منازلهم المتضررة أو ممن كانوا يعملون على تنظيفها. وتميّز اللقاء بنبرة عالية جداً في وجه السلطة، وصولاً إلى إعلان نائب رئيس الإتحاد، نقيب أصحاب المطاعم والملاهي والمقاهي والباتيسري طوني الرامي مقرّرات الإتّحاد “متضامناً ومتكافلاً وموحّداً”، كما قال.
ونصّت القرارات التي تلاها الرامي على:
- انضمام الإتحاد بكل المؤسسات والنقابات المنضوية تحت لوائه إلى الدعوة القضائية التي تقيمها نقابة المحامين في بيروت والهادفة إلى تحميل الدولة كامل المسؤولية عن الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بمؤسساتنا وروادنا وأجرائنا، وإلزامهم بالتعويضات المناسبة بعد مسح الأضرار بموجب استمارات تخمينية عن كل مؤسسة متضررة بالدولار الأميركي على أن تضم الملفات إلى الدعوى بناء على توجيهات نقيب المحامين ملحم خلف.
- تقدّر خسائرنا بمليار و315 مليون دولار فقط للمطاعم. ولن ينفع إلّا عقد مؤتمر دولي شبيه بـ”سيدر” متخصص فقط لدعم القطاع السياحي وتحت عنوان “السياحة نبض لبنان”. إذ أنّ أيّ تمويل على الصعيد المحلي لن يكفي لتغطية الأضرار والخسائر الفادحة. باشرنا منذ الأسبوع الأول بالاتّصال بالدول المانحة وبالمجتمع الدولي المانح وبالمصارف الدولية المانحة والصناديق المانحة لنتفاوض مع هذه الجهات للتواصل معنا مباشرة بأمور التعويضات من دون المرور بالسلطة الغائبة، وبإشراف ثلاثي من قبل نقابة المحامين ونقابة خبراء المحاسبة المحلفين واتحاد النقابات السياحية، وبعدما يكون مكتب مراقبة دولي معتمد قد دقق بالإستمارات المقدمة التي ارسلناها لكي نمنح الثقة للمجتمع الدولي، وبعد وضع آليات شفافة وواضحة لإيصال المساعدات اللازمة.
وأشار الرامي إلى أنّ “ثورة حطام الكراسي والطاولات تنطلق اليوم على كامل الأراضي اللبنانية”، ليعلن “إقفال حساباتنا مع السلطة واستصدار براءة ذمة ولو من جهة واحدة. وبذلك تكون الدولة قد استوفت منا كل الضرائب والرسوم والطوابع والإشتراكات وأخذنا صك براءة ومخالصة”. وأضاف “أوقفنا الدفع ولن ندفع بعد اليوم فلسا واحدا قبل وجود دولة جديدة وجديرة تعرف كيف تستثمر أموالنا لبناء أرضية صلبة وبنى تحتية سياحية، حينها نتفاوض ونساوم”.
كما أعلن باسم الإتحاد “انفصال الشراكة عن الدولة”، مؤكّداً أنّه “في المرحلة المقبلة نحن من سيرسم السياسة السياحية لأننا أصحاب الخبرة وأم الصبي والمرجع الأول والأخير ولن نطرق أبواب السلطة مرة ثانية لأنها فاسدة ومهترئة ونريد أن نعرف مصير ومسار لبنان قبل بدء عملية الترميم وإعادة الإعمار”. وقال “قرارات الإقفال العشوائية والغوغائية جزئياً أو كلياً لا تعنينا لأي سبب بعد الآن، نحن شركاء القرار، ولا تعنينا إلا القرارات الحكيمة والمنطقية والعملية والصحية”. وأضاف “علينا التعايش مع كورونا ولدينا معادلة ذهبية وقلناها لهم: حيث الدولة تتحمل مسؤولياتها، وحيث أصحاب القطاع هم ضباط الإيقاع، والرواد خير حسيب ورقيب. وعليه، لن نقفل أبوابنا بعد اليوم، إلّا بالتفاهم بين القطاعين العام والخاص”.
وذكّر أن القطاع السياحي كان أوّل المبادرين إلى الإقفال، وأن نقابة أصحاب المطاعم كانت أول من أقفل أبوابه في آذار الماضي لأن صحّة موظفيها وروادها أولوية وفعل إيمان”. وبعدما قال “ما حدا يزايد علينا بكورونا . يا بيسكّر البلد كله، يا بيفتح كله”، توجه إلى أصحاب المؤسسات بالقول “غداً صباحاً كل واحد منكم بيعمل لي بيلاقيه مناسب وبيتكّل ع الله. وبالنسبة لي ولعائلتي فاتحين بكرا مؤسساتنا وسنتقاسم رغيف الخبز مع موظفينا، ولبدّه إياها يجي ياخدها. ليس لدينا ما نخسره وأهلاً وسهلاً بكلّ إجراء تأخذونه بحقي وحق الزملاء”. وأعلن أنّ “إدارة كازينو لبنان ومطاعمها متضامنة معنا بالنسبة لكورونا”، وختم أنّ وقفة اليوم حصرت بالعائلة السياحية، “المرة الجاية رح تكون مليونية”.
وكان رئيس الإتحاد ونقيب أصحاب الفنادق بيار أشقر افتتح الوقفة بالإشارة إلى أنّ الدولة “تخلّت عنّا ولم يتّصل بنا وزير السياحة ولا حتى قام جولة تفقدية للمرافق السياحية”، معتبراً أن “الدولة استقالت منا، وعندما تستقيل منا نحن نستقيل منها”. وقال للمتجمهرين “أؤكّد لكم أنّ دول العالم تطلّعت فينا أكثر مما تطلعت فينا دولتنا” كاشفاً عن اتصالات من قبل “الإتحاد الأوروبي والبنك الدولي والوكالة الأميركية للتنمية والتعاون الدولي، ومن الجمعيات التي طلبت منا من ألفين إلى 3 آلاف غرفة لتأمين سكن للذين هجرهم الإنفجار من منازلهم، ولكن هؤلاء فضلوا البقاء فيها مقفلين نوافذهم وأبوابهم بالنايلون”. وقال “ونحن مثل أهل بيروت لن نترك مؤسساتنا نحن وموظفينا الذين لا يقبض بعضهم رواتبهم ومع ذلك لم يتركوا مؤسساتهم”.
وقد شوهدت القوى الأمنية تقفل بعض المقاهي والمطاعم التي فتحت أبوابها في بيروت اليوم.
“لن يكون القطاع السياحي مكسر عصا بعد اليوم”
بدوره، اعتبر أمين عام اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية جان بيروتي أن القطاع السياحي “كان مؤخراً مكسر عصا، كلما احتاجوا إلى المال يزيدون علينا الضرائب”. ورأى أن الدولة لا تدفع مستحقات المستشفيات الخاصة ولذا لا تساهم الأخيرة ما يكفي في مواجهة كورونا، وعليه تعب القطاع الطبي ويريدون التخفيف عنه، فقرروا إقفال مؤسساتنا”. وبعدما اعتبر أن إهمال السلطة هو الذي دمر بيروت والبلد في 4 آب، لاحظ أنّنا مع ذلك نرى اليوم أن المحاصصة ما زالت الوسيلة الوحيدة في تشكيل الحكومة “يعني بعدهم ما تعلّموا”. ورأى أنّ القطاع السياحي يعتبر أنه يجب أن يكون هناك “مشروع إنقاذ إقتصادي ومالي وإجتماعي وليس خلافاً على الأسماء، بل نشكل الحكومة بعد المشروع وبأشخاص ينفّذونه”. وبعدما دعا كل القطاعات الإقتصادية إلى التضامن معاً، طالب بيروتي “بالشراكة في أي قرار، بإعفاءات شاملة عن كل الرسوم الثابتة داخل مؤسساتنا مثل الأملاك المبنية والبلدية والضمان وبدل إشغال أملاك عامة منها أملاك بحرية وأرصفة، وبدولار سياحي وبقرار يسمح باستيفاء الدولار من السائح الأجنبي”.
وكانت “المفكرة” أشارت مراراً إلى المخالفات القانونية الجسيمة الواردة في قرارات الحكومة المستقيلة ووزير الداخلية المتصلة بإعلان التعبئة العامة وبخاصة لجهة تجاوزها مبدأي التناسب والضرورة. كما كانت أشارت مراراً إلى الخلل في النظام القضائي، والذي يخلو من آلية اللجوء بالصورة المستعجلة لوقف القرارات الإدارية المخالفة للقانون.
القطاع التجاري يتريّث
وفي إثر الوقفة الاحتجاجية التي نظّمها القطاع السياحي، أصدر القطاع التجاري بياناً أكّد فتح مؤسّساته كافّة أبوابها اليوم الأربعاء. وردّ وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة محمد فهمي ملوّحاً بتحرير محاضر ضبط للمخالفين. وحذّر فهمي في بيان من أنّ وزارة الداخلية “لن تتهاون في تطبيق ما تنص عليه القوانين بحق المخالفين، من تنظيم محاضر ضبط وصولاً إلى الاحالة على القضاء المختص، خصوصاً وأن الأمر يتعلق بالسلامة العامة وصحة جميع المواطنين في ظل التزايد الخطير لأرقام الإصابات بالوباء وفي أعداد الوفيات المسجّلة بسببه، بالإضافة إلى ارتفاع أصوات مدراء المستشفيات المحذرة من عدم توفّر أسرّة في غرف العناية الفائقة لاستقبال الحالات الدقيقة للمصابين”.
وبعد 4 ساعات على بيان وزير الداخلية، وتحديداً عند العاشرة والنصف ليل أمس، أصدر القطاع التجاري بياناً ثانياً قرر فيه “التريّث في إعادة فتح المحال التجارية والمؤسسات لساعات وذلك بغية عقد اجتماعات مكثفة مع مستشارة رئيس الحكومة للشؤون الصحية د.بترا خوري، ووزير الداخلية للتداول في كيفية إعادة فتح الأسواق التجارية بالاستناد إلى بروتوكول وقائي واحترازي رسمي يحمي كل من التجار وموظفيهم وزبائنهم والمواطنين عامة”.