القضاة والمحامون وهيئاتهم المنظِّمة في الأزمة: شرخٌ تعاظم وثقةٌ تآكلت

،
2024-09-17    |   

القضاة والمحامون وهيئاتهم المنظِّمة في الأزمة: شرخٌ تعاظم وثقةٌ تآكلت

لم تؤثّر الأزمة اللبنانيّة منذ 2020 على قضاة لبنان ومحاكمهم فقط. فالتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية الحادّة التي طالت مختلف القطاعات في لبنان، كان لها أثر كبير على الإدارات والهيئات المعنيّة بتنظيم القضاء وفي مقدّمتها وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى وعلى علاقاتها ببعضها البعض وبالقضاة أنفسهم. كما أنّ المهن القانونية الأخرى كالمحاماة والهيئات الناظمة لها (نقابتا المحامين) لم تنجُ من هذه المفاعيل. لم تضرب الأزمة فعالية هذه الهيئات فحسب، إنّما ضربت بشكل أهمّ مشروعيّتها، وبالتالي طبيعة علاقاتها مع القضاة من جهة، والمحامين من جهة أخرى، ومع الناس بشكل عام. لذلك وثّقنا ودرسنا في بحثنا مجموعة مقاربات نقدية، قاسية أحيانًا، سمعناها من قبل عدد من القضاة والمحامين في مقابلاتنا، وقد غيّرت الأزمة نظرتهم إلى هذه الهيئات، وضربت ثقتهم فيها بشكل غير مسبوق.

وفي موازاة التغيّرات هذه في صورة الهيئات القضائية التقليدية، أو بالأحرى كنتيجة منطقية لها، درسنا نشوء مجموعات وحراكات مختلفة وجديدة في الأزمة، إلى جانب هذه الهيئات التقليدية. بعض هذه المجموعات والحراكات بقي فاعلًا واستمرّ وبعضها تراجع نشاطه لاحقًا، إلّا أنّ جميعها نشأت لتغطّي غياب أو عجز الهيئات التقليدية في معالجة عواقب الأزمة القاسية على القضاء والمهن القانونية، أو لحمل صوت آخر يمثّل القضاة والمحامين والمساعدين القضائيين بشكل مختلف، ويعيد صياغة علاقاتهم مع هيئاتهم ومع المجتمع اللبناني ما بعد 2020. وسوف نخصّص هذه الورقة لهذه التحرّكات التي ولّدتها الأزمة داخل العدلية.

إنّ للأزمة إذًا مفاعيل كبيرة وبنيوية، سيكون لها نتائج لسنوات أمامنا على صعيد قدرة بعض الهيئات على التعامل مع الواقع القضائي في لبنان خلال الأزمة ومن بعدها. وسنرسم فيما يلي تحوّلات الجغرافيا المؤسّساتية داخل عالم العدالة، لا سيّما على صعيد المشروعيّة التي تطبع وجود كلّ مؤسّسة وتطوّر الثقة التي تتمتع بها. ومن المهمّ بالنسبة لنا أن نذكّر أنّ هذه المقاربات النقدية لهيئات مهمّة مثل مجلس القضاء الأعلى أو التفتيش القضائي أو نقابة المحامين في بيروت، لا تتطابق بالضرورة مع آراء ومواقف كاتبي هذه الورقة أو مؤسّسة “المفكرة القانونية”، فنكتفي هنا بتحليل ما وجدناه وسمعناه خلال سنتين طويلتين من العمل الميداني الذي سمح لنا بتوثيق مشاعر وأفكار وآراء العديد من القضاة والمحامين والموظفين بالنسبة لهذه المسائل. فإذا قرّرنا تخصيص هذه الورقة لهذه التحوّلات، لم نفعل ذلك إلّا لأنّنا اعتبرنا أنّ حجم وتكرار التساؤلات والانتقادات وغياب الثقة التي لمسناها في الميدان القضائي قد يكون لها مفاعيل مهمّة على مستقبل مؤسّسات العدالة في لبنان. ومن الضروري بالتالي تسليط الأضواء البحثية عليها أملًا في معالجتها قريبًا، إذ أنّ لا مستقبل للقضاء من دون مؤسّسات فعّالة وشفّافة وديمقراطية ترعاه وتسيّر أموره، وتتمتّع بثقة أعضائها والناس، إنْ كان في القضاء أو في المحاماة أو في المهن القانونية الأخرى.

اهتزاز مشروعية مجلس القضاء الأعلى

عرفت علاقة القضاة بمجلس القضاء الأعلى تعقيدات عديدة في سنوات ما قبل الأزمة، وقد شاهدنا بعض فصولها عبر معركة إنشاء نادي القضاة قبل 2018 مثلًا، وكذلك عبر محطّات خلافية عدّة أو حتى تصادمية وثّقت “المفكرة” معظمها. إلّا أنّه مع بداية الأزمة الاقتصادية عام 2020، عرفت هذه العلاقة مرحلة جديدة وغير مسبوقة من التأزّم امتدّت حتى اليوم. واللافت هنا أنّه وبعكس الأزمات القضائية السابقة حيث كان القضاة يصطدمون بمجلس القضاء حول قضيّة ما، وقد يأخذ الخلاف شكلًا علنيًّا وحادًّا، فإنّ الوضع الحالي يبدو أهدأ في الظاهر. إلّا أنّ بحثنا يشير إلى أنّ الهدوء هذا يخبّئ تدهورًا تدريجيًا في العلاقة مع فئة كبيرة من القضاة لم تعدْ ترى في المجلس، تلك الهيئة التي “تسهر (…) على حسن سير القضاء وعلى كرامته واستقلاله وحسن سير العمل في المحاكم وتتّخذ القرارات اللازمة بهذا الشأن”، كما تقول المادة الرابعة من قانون تنظيم القضاء العدلي. فبالرغم من تبنّي مجلس القضاء الأعلى، في بيان صدر عنه في آب 2022 عندما كان القضاة معتكفين في أوْج الأزمة، مطالب القضاة وما استتبعها لناحية الاعتكاف، أتاح لنا عملنا الميداني بين القضاة توثيق تنامي ارتياب جماعي بفعالية مجلس القضاء الأعلى في السنوات الأخيرة، وبقدرته على القيام بهذه المهام في الأزمة، لا بل على اتخاذ أيّ قرار يسمح بتخفيف الأعباء المادية والمعنوية التي يرزحون تحتها. فهؤلاء القضاة شاركونا مرارًا شعورهم بأنّه لم يعد أحد يسهر على القضاء، فيما أنّ كرامته واستقلاله يُنتهكان كلّ يوم، في غياب شبه تامّ لأيّ خطّة أو حتى قرار تفرضه تحدّيات الأزمة. وما فاقم من شكوك القضاة وتساؤلاتهم هو واقع مجلس القضاء الأعلى، وانقساماته الداخلية القضائية والسياسية، لا سيّما وأنّ بعض أعضائه يمثّلون مباشرة القوى السياسية التي نجحت في فرض تعيينهم عملًا بأحكام القانون الحالي. يظهر إذًا هذا الهدوء النسبي بالنسبة للقضاة وكأنّه هدوء الغياب والعجز الذي طبع الهيئات القضائية الراعية، أمام كلّ التحدّيات المالية والمعنوية والسياسية الجسيمة التي يواجهها القضاء اللبناني.

وقبل المضيّ في عرض تراجع العلاقة بين جزء من القضاة والمجلس في الفترة الأخيرة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ جذور هذا التدهور تمتدّ ربما إلى بداية الأزمة الفعلية عام 2020 أو إلى ما قبلها بقليل. كما أنّها ليست مرتبطة دائمًا بنتائج الأزمة بحدّ ذاتها بل بعوامل سابقة لها أحيانًا. يتحدّث بعض القضاة عن عامل لا يمكن تجاهله لدى التحدّث عن تطوّر العلاقة الحالية بين القضاة والمجلس: التشكيلات، قبل الأزمة وبعدها. وإذا كنّا نعرف أثر تشكيلات عام 2017 الكارثية على القضاة النزهاء ومعنويّاتهم، إلّا أنّنا فوجئنا بوقع مشروع تشكيلات العام 2020 (الذي لم يرَ النور) على بعض القضاة، بخاصّة أنّ مجلس القضاء يعتبر هذا المشروع شبه نموذجيّ بالنسبة لمنهجيّة إعداده. وقد رسم هذا المشروع طبيعة العلاقة الحذرة بين العديد من القضاة ومجلس القضاء الأعلى في السنوات التي أعقبته، كلّ بحسب ما إذا أتت التشكيلات المقترحة بحسب ما كان يتوقّع من المؤسّسة أو لنفسه، بعدما انتشر المشروع وأخذ كلّ قاضٍ علمًا بما أعدّه  المجلس له. ولا شك أنّ ما فاقم الأثر السلبي لذلك المشروع هو الخطاب الإصلاحي واسع الانتشار الذي رافق تبلوره وعرضه والذي اعتبر عدد من القضاة أنّه لا ينسجم مع مضمونه على الإطلاق. وقد عبّر قضاة كثيرون لنا عن مدى خيبتهم بنتيجة الآمال والتوقّعات الإيجابية الكبيرة التي تولّدت لديهم تبعًا لتعيين القاضي سهيل عبّود، المعروف باستقلاليّته ونزاهته، رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى.

كلّ ذلك أقنع جزءًا من قاضيات لبنان منذ بدايات الأزمة بأنّ التغيير الحقيقي ما زال بعيدًا، وأنّ رئيس مجلس قضاء لوحده غير قادر على قلب المعادلات المهيمنة على رأس الهرم القضائي وعلى مجلس القضاء، التي ترسّخت داخل المؤسّسة في العقدين السابقين. لا بل عبّر بعض القضاة عن خيبتهم إزاء إعادة مجلس القضاء الأعلى برئاسة عبّود تفعيل قواعد مؤسّساتية وهرميّة معيّنة داخله تنظّم تفاعل القضاة معه، ما جعل هؤلاء يشعرون أنّ “وجودهم غير مرحّب به في فلك مجلس القضاء”[1]. فتعدّدت شكاوى قضاة من أنّ مكاتب المجلس “مش مفتوحة للقضاة”، ويحتاج القاضي إلى موعد للقاء المسؤولين القضائيين الكبار والتحدّث معهم، علمًا أنّ القضاة أنفسهم يقولون إنّ مكتب رئيس المجلس السابق (وكانت مشاكل التيار الإصلاحي عديدة وعميقة معه) كان على خلاف ذلك، مفتوحًا أمام أيّ قاضٍ يتكلّم مباشرةً معه متى أراد[2]. وما جعل المسألة أكثر حساسية هو أنّ هذا التغيير في أسلوب عمل المجلس حصل في أكثر الفترات صعوبة في السنوات السنوات الأولى للأزمة، عندما كان القضاة ينتظرون وفي حاجة لأيّ إشارة ولو رمزية بأنّ سلطة ما تسمعهم وتسهر على مصلحتهم، فيما كان التواصل مع المجلس يزداد صعوبة ومحصورًا بقضاة “الصفّ الأوّل”، مثل الرؤساء الأوائل لمحاكم الاستئناف، حسب قناعة جزء من القضاة على الأقل. كما أنّ حادثة المعهد التي يتناقلها القضاة، وقد كتبنا عنها سابقًا (ومفادها أنّ مسؤولًا قضائيًا كبيرًا قال للقضاة الشباب من خرّيجي المعهد المشتكين في أوائل الأزمة “يلّلي مش عاجبه يفلّ”[3])، ساهمت ببناء صورة مجلس قضاء أعلى بعيد عن هموم وأوجاع قضاته، لا سيّما الشباب منهم. وكبرت القطيعة أحيانًا بين جزء من القضاة والمجلس إلى درجة أنّه اقتضى الأمر وساطة من قبل رئيس أوّل لمحكمة استئناف، ليتمكّن بعض القضاة من التقاء بعض مسؤولي المجلس وتاليًا من التباحث معهم بشأن سوء الواقع المادي والمعنوي الذي يعيشونه في الأزمة. وقد أسرّ لنا بعض القضاة أنّهم شعروا أنّ مسؤولي المجلس “لا يستقبلونهم” بدون وساطة كهذه.[4]

وهنا أيضًا لا بدّ من التذكير أنّنا لسنا في صدد التحقيق في كلّ هذه الأحداث والممارسات، إذ أنّ ذلك ليس موضوع بحثنا، إلّا أنّ ما يهمّنا هنا هو تواجد وتكرار وحجم هذه الشكوك والروايات داخل الجسم القضائي، ما يعطيها حقيقة نفسية وعملية ذات نتائج أكيدة على تفاعل القضاة مع هيئاتهم ومجلسهم، وهو ما يهمّنا  درسه. فحتى لو افترضنا جدلًا أنّ كلّ هذه الروايات التي يتناقلها القضاة غير صحيحة على الإطلاق، إلّا أنّ اقتناع جزء مهمّ من القضاة بها وبصحّتها له مفاعيل حقيقية، إذ أعطاها فعالية واقعية ذات مفاعيل ملموسة على صورة مجلس القضاء ورئيسه وعلى العلاقة مع جزء من القضاة. كما أنّ هذه الحوادث والروايات القضائية تُظهر كيف أنّ إجراءات أو ممارسات يكون هدفها ونيّتها جيّدين أحيانًا (مأسسة عمل المجلس أو الإضاءة على متطلّبات المهنة القضائية الخاصّة والصعبة أحيانًا) ظهرت أمام القضاة كعوارض طلاق بينهم وبين رأس الهرم القضائي خلال فترة صعبة من مسارهم المهني.

ومتى تخطّينا هذه النقاط التي عكّرت العلاقة بين القضاة ومجلسهم، وَضَعَ القضاة الذين التقيناهم علاقتهم بالمجلس تحت عنوان الغياب الكبير منذ بداية الأزمة، وذلك في معظم المحطات التي واجه فيها القضاة تحديات كبرى منذ أربع سنوات. وعليه، غالبًا ما شعروا أنّهم تُركوا يحاربون لوحدهم، عزّلًا، في معركة العوز والحاجة. وإذا كنّا قد وصفنا عملية استقالة القضاة من القضاء بعملية “السلخ” وهو مصطلح ورد في مقابلات عدد من القضاة المستقيلين، برز هنا مصطلح “الشرخ” في توصيف مشاعر القضاة العاملين إزاء مجلس القضاء[5]، وهي مشاعر نمت بشكل كبير مؤخرًا، جاعلة القضاة يشعرونَ بتخلّي مجلس القضاء عنهم.

 “نحنا ناشدنا مجلس القضاء الأعلى إنّه ما تتركونا نوصل لمطرح ما نعود قادرين نكفّي، من الأوّل بلّشنا نحكي إنّ الأمور عم تتراجع (…)، بس ما صار شي”.[6]

 “الظروف المعيشية مش طبيعية، وظروف لوجستية بالعمل، وبتصرخ بس ما في حدا يردّ عليك”.[7]

يُجمع القضاة على أنّ مجلس القضاء الأعلى (كما الوزارة) لم يتمكّنا من تأمين أيّ حلّ مادّي جدّي وملموس يجنّبهم المأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه. وحتى المحاولات الخجولة التي أقدم عليها هذان المرجعان، بدت للقضاة كأنّها نتيجة احتجاجهم وتحرّكهم، أي أنّها مجرّد ردّة فعل لتهدئة التحرّك القضائي الجماعي، وليست مبادرات وقائيّة أو حمائية هدفها دعم القضاة الذين انتظروا لوحدهم لفترات طويلة. عندما يتمّ تفسير إجراءات إيجابية بهذا الشكل السلبي من قبل القضاة، يعرف المراقب أنّ العلاقة بينهم وبين المجلس (ووزارة العدل أيضًا) ليست على ما يرام. ينقل لنا أحد القضاة كيف يفخر مجلس القضاء الأعلى بمحاولات اعتبرها القضاة “هزلية” مثل المساعدة العراقية (وهي مساعدة أرسلها القضاة العراقيون لزملائهم اللبنانيين بإيعاز من مؤسّستهم)، ويسمّيها “إنجازًا”، ويتنافس على أبوّتها مع صندوق التعاضد ووزارة العدل أمام القضاة الجائعين[8]. وينظر قضاة بتهكّم إلى مشهد التنافس هذا، بين الأجهزة القضائية والوزارة، كدليل على عدم جدّية الحلول التي تمّ طرحها على الطاولة خلال الأزمة. إذ هي لم تحاول معالجة آثار الأزمة بنيويًا، إنّما اكتفت بمساعدات محدودة وضبابية، متى علا صوت القضاة بشكل يهدّد بالخروج عن السيطرة. وتستمرّ الرواية السائدة على هذا المنحى النقدي، فتصف هذه المحاولات وكأنّها أتت بهدف فضّ اعتكاف القضاة بعدما “لم يحرّك المجلس ساكنًا” خلال هذه الفترة، ما خلا دعوته القضاة إلى التحلّي بالصبر والتحمّل، بحجّة أنّهم “ليسوا في فندق”.[9] ويعتبر بعض القضاة أنّ مجرّد اللجوء إلى “آلية” المساعدة (مبالغ يوزعها صندوق التعاضد من خارج الراتب) التي تمّ التوصل إليها ابتداءً من 2022 من أجل تحسين أوضاعهم، هو خير دليل على “سياسة الترقيع”[10] التي اعتمدت، علمًا أنّ هذه الحلول أتت عبر ضغوط “لجنة المتابعة”، ولم تأت عن طريق المجلس، كما يصرّ القضاة على القول.

“يمكننا أن نتحمّل الوضع الصعب. وأنا طبعًا أتحمّل (…)، ولكن هل أتحمّل الذلّ لوقت لا حدود له لكي يفعل مجلس القضاء شيء؟”[11]

ومن ضمن هذه المحاولات التي يعتبرها القضاة تخديرية[12] لغضبهم وتحرّكهم، برزت ظاهرة دعوة مجلس القضاء الأعلى لجمعيات عمومية[13] كلّما توهّج اعتكاف القضاة، أوّلها جمعية عمومية انعقدت في 23 آب 2022 بعد “ثلاث سنوات من التغاضي عن مطالب القضاة”[14]، كما أتت بعدها جمعية أخرى في 18 أيلول 2022 مع بداية سنة قضائية جديدة يطغى عليها أيضًا اعتكاف عدد من القضاة[15] الذين قالوا لنا: “اعتكفنا بعد ما استنفذنا الوسائل مع مجلس القضاء الأعلى”.[16] وما يثير انتباهنا هنا هو أنّ هذه الآليّة، أي جمعيات القضاة العمومية، والتي نعتبرها منذ زمن طويل أداة أساسية وضرورية من أجل إدخال شيء من الديمقراطية والشفافية والتشاركية على أعمال المحاكم والمؤسّسات القضائية، تمّ استعمالها في الأزمة من أجل أهداف مختلفة لا علاقة لها بالمقاربة الإصلاحية، إنّما هدفت بشكل أساسي لاستيعاب غضب قضائي يهدّد بتعطيل المؤسّسة بكاملها. فتعود من خلال الحديث مع القضاة صورة مجلس قضاء يركض خلف الأزمة ومشاكلها وآثارها، من دون أن يتمكّن من استباقها أو حتى اللحاق بها.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّه ليس لمجلس القضاء صلاحيات بخصوص تأمين الموارد المالية للقضاء وإدارته وللمحاكم، ولا حتى صلاحية استشارية بشأن الموازنة المخصّصة له أو للقضاء أو إدارته[17]، وهي نقطة كنّا قد ركّزنا عليها مرارًا في “المفكرة” بشأن استقلالية المجلس والقضاء. ويخفف هذا العامل طبعًا من مسؤولية مجلس القضاء الأعلى ورئيسه بالنسبة إلى عدم القدرة على تقديم حلول جدّية لوضع القضاة المادي. وفي حين يعترف القضاة بأنّ هذه مشكلة أساسية، إلّا أنّهم يسألون لماذا لم يكن للمجلس موقف حازم أمام الرأي العام في مطالبة الجهات التي يقع ضمن مسؤوليّاتها القانونية تحسين أوضاعهم، لإجبارها على القيام بواجباتها: أيّ موقف عالي السقف أخذه مجلس القضاء منذ بداية الأزمة، يسأل القضاة[18]؟ فإذا لم يكن للمجلس الصلاحيات اللازمة لتحسين أوضاع القضاة المادية، فلماذا لم يخض المجلس معركة تحسين أوضاع العدلية سياسيًا وأمام الرأي العام، لكي يضع جميع المسؤولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية أمام مسؤوليّاتهم، ولكي يفضح تواطؤ الطبقة السياسية من أجل إضعاف القضاء اللبناني، وشلّ آخر إمكانيّاته لمحاسبة أيّ كان؟ إنّ تقاعس المجلس عن القيام بهذه المعركة وغيرها من المعارك الضرورية من أجل حماية القضاء اللبناني، وضعت على أكتافه مسؤولية كبيرة أمام القضاة أوّلًا، وأمام اللبنانيين ثانيًا، لا تمحوها مسألة غياب الصلاحيات.

بالإضافة لكلّ ما سبق، وعندما نسألهم عن غياب الصلاحيات في المجلس، يسجّل قضاة أنّ مجلس القضاء، وبغض النظر عن صلاحياته، لم يكن متعاطفًا أو على الأقلّ متفهّمًا لأوجاعهم التي ولّدت اعتكافاتهم، إنّما طلب منهم فكّها مرارًا، “مع إنّه كلمة ممكن تعطي أمل”[19]، إلّا أنّ هذه الكلمة لم تأتِ. كما يعيب القضاة على المجلس أنّه تخلّى عن دوره بحماية القضاة من الحملات الإعلامية والسياسية التي كثرت في السنوات الأخيرة والتي طالت بعضهم، حيث يشعر القضاة بأنّهم يعملون “بين النقاط”، متروكين لوحدهم في حال من الترقّب الدائم، من دون أن يكون هناك رادع لمن يتعرّض لهم، بفعل اكتفاء مجلس القضاء بدور خجول جدًا على هذا الصعيد. فلم يبق للقضاة المعنيين إلّا إرسال كتاب لشرح ما حصل معهم، ليكتفي المجلس بنشره بالحدّ الأقصى. وهو ما يعتبرونه غير كافٍ على الإطلاق في مرحلة يهجم فيها العديد من الفاعلين السياسيين ضدّ القضاء لتعطيل ما تبقّى من قدراته.

“معنويًا لازم يكون في إحساس داخلي إنّه إذا كنت عم تشتغل، مش ما حدا بيدقّ فيك، بس إذا حدا دقّ فيك، في حدا يوقّفه، مش إنت بتتحمّل لوحدك”.[20]

ولفت انتباهنا هنا كيف أنّ بعض القضاة يستذكرون اليوم في الأزمة، القاضي عدنان عضوم، المدعي العام التمييزي ووزير العدل السابق، ودوره، حسب رأيهم، فيما يعتبرونه حماية القضاة اللبنانيين ضدّ الضغوطات والتهديدات التي كانت تأتيهم في فترة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة. وفيما هم يسلّمون بتوجّهاته السياسية التي جنّدت في وقت ما، جزءًا مهمًّا من المؤسّسة القضائية في خدمة مشروع سياسي معيّن، ما ضرب استقلال القضاء في العديد من الأماكن، إلّا أنّهم يصوّرونه على أنّه لم يترك أيّ قاضٍ وحيدًا أمام الحملات أو الضغوطات، إذ كان يصرّ على احترام الأصول والتقاليد القضائية، حتى ولو أدّى به الأمر في النهاية إلى تحقيق الإرادة السياسية بطرق أخرى، إلّا أنّها لم تكن تمرّ على حساب كرامة القاضي. ولا شكّ أنّ هذه المقارنة التي تكرّرت على مسامعنا أكثر من مرّة في السنة الأخيرة، تسمح لنا بفهم ما يحتاج إليه القضاة فعلًا في أوقاتهم الصعبة، أبعد من المطالبات العامّة والمتكرّرة باستقلال القضاء. إنّ عتب القضاة اليوم يعبّر بشكل أساسي عن حاجتهم للشعور بأنّ هناك جهة قضائية تساندهم وتضمن حمايتهم المادية والمعنوية، في ظلّ نظام سياسي يستسهل الجميع فيه وبشكل متزايد التهجّم على القضاء والقضاة الذين يتجرّؤون على فتح بعض الملفّات الحسّاسة، أو على عدم التغاضي عنها. وبعكس سنوات ما بعد الحرب، والتي يعتبرها الكثيرون سوداوية على أكثر من صعيد، لم يجد القضاة اليوم جهة قضائية تحمي كرامتهم، فلجأ بعضهم إلى السياسيين، فيما غرق غيرهم في متاهات الإحباط.

تزايد الارتياب بالهيئات القضائية الأخرى

من نتائج بحثنا أنّ مجلس القضاء الأعلى وبخاصّة رئيسه كان محطّ لوم القضاة أكثر من هيئات أخرى كوزارة العدل، بالرّغم من غياب صلاحيات تنفيذية للمجلس ومن تواجدها داخل الوزارة أو في السلطة التنفيذية. ولا شكّ أنّ هذا العتب على مجلس القضاء ليس وليد قراءة قانونية للصلاحيات، إنّما نتيجة توقّعات وآمال كبيرة وضعها معظم القضاة في رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي صدف تعيينه قبيل أيام من نشوء الأزمة. وما ضاعف من الآمال آنذاك في نهوض العدلية هو انتخاب المحامي ملحم خلف نقيبًا للمحامين في بيروت. فقد بنى حينها العديد من الناس، ومن ضمنهم القضاة طبعًا، آمالًا كبيرة على وصول ما سُمِّيَ حينها بالثنائي الإصلاحي على رأس القضاء والمحاماة في بيروت، وهو ثنائي تحوّل إلى ثلاثي في خطاب البعض على الأقلّ بعد تعيين الأستاذة الجامعية ماري-كلود نجم وزيرة للعدل في حكومة حسّان دياب في كانون الثاني 2020. ولا شكّ أنّ الخيبة كانت بحجم الآمال، على الأقلّ من قبل قضاة انتظروا الكثير من رئيس المجلس فلم يجدوا سوى أصعب سنوات مسارهم المهني في خضمّ أزمة طاحنة. لهذا السبب، تردّدت في حديث القضاة الإشارة إلى هذا الأخير أكثر ممّا تردّدت الإشارة إلى وزارة العدل التي اعتاد ربّما القضاة على تقصيرها، ولم يبنوا عليها يومًا آمالًا كبيرة.

لكن أبعد من مسألة مجلس القضاء الأعلى، افتقدت القاضيات إدارة قضائية قادرة على اتخاذ القرارات الملحّة والضرورية لمواكبة الأزمة، أو استباقها والتخفيف من آثارها. وقد بدا واضحًا لهنّ أنّ وزارة العدل لم ولن تؤدّي ذلك الدور المنتَظَر، إذ لم تستجب لمناشدات القضاة طوال الأزمة، لا سيّما عندما فقدوا كلّ مقوّمات العمل من كهرباء وقرطاسية وغيره. كان الجواب الذي سمعوه “اعملوا اتصالات محلّية”.[21] وقد لجأ بعض القضاة تبعًا لذلك، إلى علاقاتهم الشخصية لتأمين اللازم بالتعاون مع السلطات على الأرض، مثل القائمقامية والمخفر وغيرهما. وهنا أيضًا، لا يعتبر تقصير الوزارة في إمداد القضاة بما يحتاجون جديدًا، إذ أنّ العديد منهم قالوا لنا إنّ غياب مستلزمات العمل كان سائدًا حتى قبل بداية الأزمة. إلّا أنّ القضاة أنفسهم كانوا يتكبّدون كلفة وأعباء تأمينها، لحاجات مكاتبهم وحاجات المحكمة. أمّا وقد أتت الأزمة وضربت قدرة القضاة على القيام بذلك، برز تقصير وزارة العدل بشكل غير مسبوق، بحيث راهن القضاة إذّاك كليًّا على تفهّم وتعاطف مؤسّسات أخرى (قوى أمنية، نقابة محامين، إلخ..) لتأمين حاجات القضاة اليومية، أو على كرم وتقديمات بعض فاعلي الخير، أو أصحاب المصلحة. هنا أيضًا، رأى القضاة أنّ التنافس بين الوزارة ومجلس القضاء على تبنّي أبوّة بعض المبادرات لدعمهم ماديًا، ليس هو إلّا أحد عوارض تعثّر هذه الهيئات وتراجع قدرتها على فرض حلول جدّية، لذا تراها تتهافت على أوّل خبر إيجابي للقضاة لتظهر نفسها وكأنّها وراءه بهدف استعادة ثقة القضاة فيها.

“تركونا كلّهم، الأزمة بدأت بأوّل 2020، سنتين ما حدا تطلّع فينا، انكفأنا، دعينا الدولة تساعد (بدون نتيجة)”.[22]

الأمر نفسه نلحظه بالنسبة إلى التفتيش القضائي. فقد شكا القضاة من انكفاء دوره، وبخاصّة بالنسبة للدور المنشّط والمراقب الذي كان عليه أن يؤدّيه في ظلّ أزمة اقتصادية صعبة، ضخّمت احتمالات الفساد عند قضاة وموظفين وجدوا أنفسهم في وضع مادّي صعب. وهو زمن كثرت فيه أيضًا التدخّلات السياسية في القضاء، وضمنًا من قبل قضاة موالين لقوى سياسية لتأمين منافع شخصية، وهو زمن استسهل فيه البعض عدم احترام الأصول، وكلّها مسائل مرتبطة بالأزمة وتتطلّب وجود تفتيش قضائي نشيط وفعّال وقادر. وكدليل على غياب التفتيش عن أهمّ الملفات التي فضحتها الأزمة، يخبرنا القضاة بشيء من التهكّم هنا أيضًا -وربّما أصبح التهكّم أفضل طريقة عندهم للتعبير عن يأسهم وتعبهم- كيف أرسل التفتيش نموذجًا إلى كلّ القضاة لملئه بمعلومات شخصية مثل الاسم والسنة التي دخل فيها إلى القضاء والمراكز التي شغلها والأبحاث التي قام بها في حال وجودها.[23] ويستهجن القضاة مثل هذه التدابير التي اعتبروها هامشية والتي تجمع معلومات أساسية من المفترض أنّها في حوزة الهيئات الإدارية القضائية منذ سنوات، إنّما يطلبها كلّ رئيس تفتيش جديد عندما يستلم منصبه، في ظلّ غياب الاستمرارية والأهمّ في غياب أيّ إجراءات استثنائية تتماشى مع خطورة الأزمة. هنا أيضًا، يبدو التفتيش بالنسبة للقضاة بعيدًا عن حاجات المرحلة الصعبة وضروراتها.

النادي وقدراته المحدودة

شكّل نادي القضاة بارقة أمل لمعظم القضاة ومراقبي العدلية عند تأسيسه عام 2018، في عهد رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق جان فهد ورغم معارضته، وقد تمّ ذلك بدعم من الرئيس الحالي سهيل عبّود. واللافت أنّ الهيئات القضائية الرسمية شعرت آنذاك بخطر من قبل هذا الفاعل الناشئ وغير التقليدي، ما جعلها تنظر بحذر إليه، بينما أصبح النادي اليوم من الهيئات المركزية في مساحة العدالة في لبنان، الأمر الذي يستوجب درس تطورّه مع تطوّر الهيئات القضائية الأخرى. وقد يتساءل البعض لماذا وضعنا نادي القضاة الحديث النشأة إلى جانب الهيئات القضائية التقليدية في هذه الورقة، بدلًا من وضعه مع المبادرات الناشئة والجديدة التي تطوّرت في السنوات الأخيرة لتسدّ الفراغ الذي تركته الهيئات تلك، والتي سندرسها في الورقة التالية. وبالرغم من تفهّمنا لهذا الرأي، آثرنا اعتبار النادي من بين المؤسّسات الموجودة والتي أضعفتها الأزمة، نظرًا إلى المشروعية الكبيرة التي بناها لنفسه في السنوات الأخيرة، بشكلٍ يجعله فاعلًا أساسيًا لا يمكن تجاهله ضمن أيّ مقاربة لإدارة القضاء أو إصلاحه. وبقدر ما قد يُعتَبَر هذا الخيار قاسيًا على مؤسّسة عمرها بضع سنوات فقط، وما زالت تعاني من اضطهادات كان آخرها الشكوى المقدّمة من وزارة العدل ضدّ جميع أعضاء هيئته الإدارية، إلّا أنّه أيضًا خيار يعطي النادي كلّ حجمه في المعادلة القضائية الحالية والمستقبلية، من دون اعتباره جسمًا أفرزته الأزمة وتحوّلاتها وقد ينتهي معها.

وبعد انطلاقته الجريئة قبل الأزمة، وبعد ما رافق النادي بنجاح، الحراك الشعبي عام 2019 كما الحراك المُطالب بالعدالة بعد انفجار المرفأ، بشكل أشعر عموم الناس أنّ القضاة قريبون منهم في محنتهم، إلّا أنّه سرعان ما أخذ دورًا أكثر هامشية داخل المساحة القضائية بعدما هيمنت الأزمة الاقتصادية وانهيار القيمة الشرائية لرواتب القضاة على الوسط القضائي وأولويّاته. وكان من المتوقّع أن يكون النادي في طليعة المطالبين بحقوق القضاة في الأزمة، بفعل الدعم الشعبي والزخم الذي حصل عليه عند بداياته، إلّا أنّ ذلك لم يحصل، من دون أن يفهم جميع القضاة السبب وراء هذه الموقف الحذر. بقي نادي القضاة متحفّظًا في مجال المطالبات المادية، في حين أصبحت هذه الحاجات في قلب يوميات القضاة منذ أربع سنوات، بينما أكمل وطوّر نشاطه في مجال المطالبات المعنوية. إلّا أنّ النادي دفع ثمن هذا التموضع، بالرّغم من الإنجازات التي حقّقها في أماكن أخرى. وعليه، تُرِكَت المطالبات المادية واللوجستية بين يدي لجنة المتابعة القضائية التي أنشأها القضاة خلال الأزمة (أنظر الورقة التالية)، علمًا أنّ 10 من أصل 12 عضوًا في اللجنة كانوا أيضًا أعضاء في النادي. وعلمنا أنّ النادي قد امتنع عن الانخراط في المفاوضات والمطالبات المادّية بقرار ضمنيّ، التزامًا منه بأولويّة الأهداف المعنويّة، والمرتبطة بفكرة أنّ استقلالية القضاء الشاملة والكاملة وحدها التي تحصّل الحقوق المادية والمعنوية على المدى الطويل. بالإضافة إلى كلّ ذلك، تحوّل في هذه الفترة، الدعم الذي قدّمه سابقًا رئيس مجلس القضاء الأعلى للنادي (قبل أن يعيّن في هذا المنصب) إلى توتّر وقطيعة في زمن الأزمة، لسنتين تقريبًا، إلى أن اجتمع مع أحد أعضائه بالإضافة إلى عدد من القضاة الآخرين في نيسان 2022 بعد اللجوء إلى وساطة.

وتُذكّرنا حساسية موقع النادي اليوم، بالنسبة لهموم القضاة الطارئة، كما بالنسبة للهرمية القضائية، بوضع تجمّعات قضائية أخرى درسناها في المنطقة العربية، مثل جمعية القضاة التونسيين بعد الثورة مثلًا، وعلاقتها بالقضاة وبتحرّكات قضائية منافسة مثل نقابة القضاة التونسيين حينها.[24] ومن الانتقادات الأساسية التي وُجِّهَت إلى الجمعية آنذاك من قبل النقابة، ولكن أيضًا من قبل القضاة الآخرين “الحياديين”، هي أنّ الجمعية أعطت الأولويّة لمطالب إصلاحية بنيويّة عامّة، مرتبطة بالنظام والمجتمع التونسيين ودور القضاء داخلهما، كما لمطالب وحقوق تعني المجتمع التونسي بأكمله وبمختلف مهنه وتياراته، فيما اتُّهِمَت بأنّها أهملت حاجات ومطالب القضاة أنفسهم على المدى القريب والعاجل. وأدّت هذه الاتهامات دورًا مهمًّا في تراجع شعبية الجمعية ومشروعيّتها بين القضاة في فترة من الفترات في سنوات ما بعد الثورة. وإذا كان وضع نادي القضاة في لبنان مختلفًا عن الوضع التونسي، بحكم اختلاف النظام السياسي كما الساحة القضائية، وغياب تجمّعات تمثيلية أخرى للقضاة اللبنانيين تنافس النادي مثل النقابة في تونس، إلّا أنّ هذا التشنّج بين توجّه يُعطي الأولويّة لمطالب معنويّة وبنيويّة وعامّة تعني الجميع في المجتمع، وبين توجّه آخر “نقابي” يعطي الأولويّة للمطالب المادّية أو المهنيّة التي تعني القضاة وحدهم مباشرة، يشكّل معضلة يتعيّن على القضاة اللبنانيين، لا سيّما داخل النادي، التفكير فيها ومواجهتها جدّيًا، للتعلّم من تجارب التجمّعات القضائية الأخرى في البلدان العربية والخارج.

لذلك، أصبح لجزء من القضاة الذين يؤمنون بضرورة النادي وأهمّيته بعض المآخذ عليه، إن كان على أدائه كمؤسّسة أو على أداء بعض أعضائه كأفراد في الأزمة. يأتي ذلك من باب حرص هؤلاء القضاة وخوفهم على النادي الذي شكّل سابقة في إطار الدفاع عن حقوق القضاة وحرّياتهم، وقد ساهم بشكل ناجح في تقريب القضاة من الناس في الفترة الأخيرة، وشكّل منصّة مهمّة لمشاركة القضاة في النقاش العام حول المواضيع القضائية والأساسية، وعرض مشاكلهم على الناس، فيما كان بعض الإعلام والسياسيين يشوّه صورة القضاء والقضاة. وقد يأتي التراجع النسبي للنادي كدليل إضافي على طغيان الهموم المادّية على أيّ نوع آخر من الهموم في لبنان، إن كانت معنويّة أو سياسيّة أو مهنيّة. وقد دفع النادي ثمن هذه التحوّلات في أولويّات القضاة والرأي العام، وهي تحوّلات شعرنا بها نحن في “المفكرة”، إذ رأينا صعوبة التكلّم عن قضايا معنويّة كبيرة كاستقلالية القضاء وإصلاحه، أو عن بعض المبادئ الأساسية الأخرى، في زمن لم يعد معظم القضاة يصغون إلّا لأصوات أولادهم الجائعين، وأوّلًا لصوت مولّد الكهرباء الذي عليهم أن يدفعوا فاتورته الباهظة في آخر الشهر. وعليه، بفعل تمسّكه بأولويّات معنويّة بالغة الأهمية لكن اضمحلّ جمهورها خلال الأزمة، تراجع حضور النادي قليلًا بغضّ النّظر عن إنجازاته في الميادين الأخرى.

نقابة المحامين أيضًا في مهبّ الأزمة

لقد اخترنا إدراج نقابة المحامين في بيروت في بحثنا هذا بشأن تأثيرات الأزمة الاقتصادية على القضاء، نظرًا للدور الكبير الذي تؤدّيه ويؤدّيه المحامون في المرفق القضائي. فعند سؤالنا المحامين عن حياتهم المهنية في السنوات الأخيرة، بدا واضحًا أنّ لومهم لا يقتصر على القضاء وإدارات الدولة المتعثرة، إنّما برزت مآخذهم على أداء نقابتهم وتعاطيها مع ما أصاب المهنة وممارسيها في الأزمة. أكثر من ذلك، لقد وثّقنا من خلال الاستماع إلى المحامين في مقابلاتنا، أنّ هؤلاء لم يعودوا يفصلون بين النقابة والقضاء والنظام السائد، دامجين كلّ الفاعلين من قضاة ومحامين وسياسيين في مقاربات نقدية واحدة للهيئات المسؤولة عن قطاع العدالة في لبنان. لا بل سمعناهم يلومون نقابتهم أكثر من المؤسّسات العامّة الأخرى، لأنّهم ينتمون إليها: فهم كانوا على يقين أنّه ليس من الممكن الاعتماد على مؤسّسات الدولة، وها هم يتفاجؤون في السنوات الأخيرة بأنّه ليس لهم أن يعتمدوا على نقابتهم أيضًا.

 “وصلت لمحلّ قول إنّ النقابة مثل الدولة مثل المنظومة”.[25]

يبدو إذًا محامو لبنان عالقين بين عجز العام وتلكّؤ الخاص: ففي حين عاش العديد منهم أوقاتًا صعبة غداة اندلاع الأزمة مثل سائر اللبنانيين، إلّا أنّهم شاركونا أيضًا معاناتهم من غياب مؤسّساتهم النقابية وعجزها. وشكّل انفجار بيروت إحدى أبرز المحطات التي عبّر المحامون المتضرّرون منه عن افتقادهم فيها لنقابتهم. ففي حين يشيد الجميع بالدور المتقدّم الذي أدّته النقابة في دفاعها عن حقوق ضحايا الانفجار من خلال اللجنة التي أنشأتها لهذه الغاية، إلّا أنّ عتب المحامين الذين استمعنا إليهم، على النقابة، يأتي من منطلق أنّ مساهمتها في التعويض عن أضرار الانفجار التي لحقت بالمحامين ومكاتبهم بقيت “وعودًا إعلامية وخطابات”،[26] ولم ترقَ إلى مساندة فعلية، بالرغم من تسجيل النقابة أسماء المكاتب التي تضرّرت مادّيًا جرّاء هذا الانفجار.[27] لم يطلب المحامون الذين تكلّموا معنا مساعدة على صعيد الخسائر الشخصية التي طالت منازلهم أو أملاكهم، بل على الأقلّ فيما يخصّ مراكز ممارسة مهنتهم أي مكاتبهم. وهم يرفضون كلّ الحجج المقدّمة، مثل عدم توفّر السيولة المادية لدى النقابة للتعويض على المحامين، بحيث أنّ العديد منهم قدّموا اقتراحات كان بإمكان النقابة من وجهة نظرهم أن تأخذ بها من دون أن تكبّدها أيّ مبالغ مالية، مثل التفاوض مع شركات التأمين التي تتلكّأ عن دفع التعويضات عن أضرار الانفجار للمحامين وإرغامها على القيام بذلك، أو تغطية كامل كلفة علاج المحامين المصابين جرّاء الانفجار، أو تأمين مكاتب مؤقّتة للمحامين الذين لم يعد لهم مكاتب، أو مقاضاة المصارف. وكلّها توقّعات ومطالبات وجدت صدى في الخطابات ولكنّ صمتًا تامًّا في الأفعال.

“أنا ما بقي شيء بمكتبي، ما في مكتب، اتّكلنا عالنقابة ولكن ما عملوا شيء لهلق، ما لعبوا دور أبدًا، لا تشعر بأنّ هناك جهاز موجود. اتصال ما في، سؤال شو صار بمكتبك، متابعة ما في، ولكن وعود فاضية، وفقدت الأمل”.[28]

ويقارن المحامون بين النقابة والدولة بعد الانفجار. وإذ كان من المتوقّع أن تخرج النقابة من مقارنة كهذه متقدّمة بالنظر إلى ما وصلت إليه الدولة من انهيار إداري ومالي وسياسي، إلّا أنّ المحامين رأوا أنّ الدولة على الأقلّ أراحت الناس في مكان ما وأبقت رسومها على سعر صرف 1500 ليرة لفترة مثلًا، كما أنّ الجيش أمّن لهم تعويضًا عن الضرر بعد الانفجار، فيما النقابة لم تفعل لهم شيئًا يذكر. وكلّ ذلك جعل أحد المحامين يشكّك أمامنا في صحّة المعتقد الذي كان سائدًا سابقًا، وهو أنّ القطاع الخاص في لبنان أفضل من القطاع العام: بالنسبة للمحامين المتضرّرين، أثبتت النقابة عكس ذلك.

كما شكّل قرار نقابة المحامين بالإضراب منذ أيّار 2021 حتى أيلول 2021 مصدرًا إضافيًا لزعزعة ثقة المحامين في نقابتهم. فيرى العديد من المحامين أنّ الإضراب بدأ لتسجيل موقف، إنّما لم تعد النقابة قادرة على إيجاد مخرج منه يحفظ ماء الوجه. وبالرّغم من تفهّم بعضهم دوافع الإضراب، فهم يدينون قرار الإضراب المفتوح من دون مدّة محدّدة وأهداف واضحة. شكا المحامون من أنّ إضراب القضاة والإدارات العامّة كان كافيًا لعرقلة عملهم وملفّاتهم، ليأتي “إضراب النقابة” ويقضي عليهم تمامًا، وهو دور لم يكن على النقابة أن تؤدّيه بتاتًا في قلب أزمة كانت وما زالت صعبة جدًّا على معظم المحامين. تُتَّهَم النقابة، وهي المكلّفة الدفاع عن مصالح منتسبيها إلى جانب الدفاع عن الحقوق والحرّيات، بأنّها وضعت حاجزًا بين المحامين ولقمة عيشهم، وأجبرت المحامين على التخلّف عن مسؤوليّاتهم المهنيّة تجاه موكّليهم، وهو ما لا يقبل المحامون به إذ يعتبرونه مسًّا بما يشكّل قلب مهنتهم. وقد أدى هذا الخلاف بين المحامين ونقابتهم إلى أن يقرّر بعضهم متابعة ممارسة مهامهم خلال الإضراب ومخالفة قرار نقابتهم “الجائر”، إذ اعتبروا أنّ الملفّات التي يستلمونها ليست لهم فقط، بل إنّها تنطوي على مصالح الناس وحياتهم.

“إذا عندك موقف من السلطة القضائية، عبّر عنه بطريقة ثانية، مش توصل لدرجة إنّ معك ورقة وكالة عن موكّل، تقلّه مأضربين! في مسؤوليات وواجبات”.[29]

كما أنّ الكثير من المحامين لم يفهموا دخول مجلس النقابة، في مرحلة من المراحل، في معارك جانبيّة أضرّت بشكل كبير بصورة نقابة المحامين وسمعتها في لبنان والعالم، وعلاقتها مع الفاعلين الاجتماعيين الآخرين. من الأمثلة على ذلك، قرار مجلس النقابة تقييد حرّية تعبير المحامين وربطها بإذن مسبق من نقيب المحامين عام 2023، وملاحقة المحامين الذين انتقدوا هذه الإجراءات القمعية. قالت لنا أكثر من محامية قابلناها إنّه بالإضافة إلى الأثر الكارثي على صورة النقابة والمهنة للحملة النقابية هذه على الحرّيات والحقوق الأساسية، استغرب العديد من المحامين فتح هذه المعارك غير المشروعة وغير المفهومة، بدل التركيز على أوضاع المحامين السيّئة في الأزمة وصعوباتهم الكبيرة في السنوات الأخيرة، أو على مسائل وملفات كبيرة تهمّ المصلحة العامّة، مثل استقلال القضاء أو إصلاحه، أو الاعتداءات العديدة على حقوق وحرّيات اللبنانيين والمقيمين، والتي تكاثرت في السنوات الأخيرة، بما فيها الحق في محاكمة عادلة، والحق في المحاسبة في مسألة سرقة الودائع، ومن بينها ودائع الآلاف من المحامين والنقابة أيضًا، في ظلّ مواقف أكثر من ضبابية لها حول بعض هذه الملفات.

أما الملفّ الأخير الذي وثّقناه في بحثنا والذي أضعف ثقة المحامين في نقابتهم، فهو ملفّ المعاشات التقاعدية للمحامين الكبار في السّن، والتي انهارت قيمتها مع انهيار العملة الوطنية وسرقة الودائع، فيما كانت سابقًا تقدّم للمحامين المتقاعدين الأكثر هشاشة شيئًا من الطمأنينة. ساهم هذا الملفّ الحسّاس أيضًا بتدهور مشروعيّة النقابة في الأزمة، بحيث ظهرت مظهر المؤسّسة غير القادرة على حماية أعضائها فيما هم بأمسّ الحاجة إلى هذه الحماية. وقد وصف لنا محامون متقاعدون ما يعانون منه للحصول على المعاش التقاعدي الذي أصبحت قيمته رمزية في سنوات الأزمة. إنّما حتى ذلك المبلغ الرمزي، أصبح الحصول عليه بحدّ ذاته مشقّة، حيث بات على هؤلاء المحامين، وهم في السبعين أو الثمانين من أعمارهم، الانتظار دوريًا في “طابور” النقابة أمام مكتب التقاعد.

“فوضى، عجقة كثير، تقف بالصف، mal organisé (غير منظّم) ، ما عندهم تدبير، وحدة بدها تقبّض، بدها تناولهم دولار، وتعطيهم شك، ونحنا بالصف، في ناس مرضى”.[30]

وبعد الحصول على الشيك ذي القيمة الضئيلة، كان عليهم إيداعه في حساباتهم المصرفية المحجوزة من المصارف خلافًا للقانون، ليعودوا ويسحبونه على دفعات متقطّعة زهيدة، متروكين لرحمة المصرف. كلّها أمور لم يعتدْ عليها هؤلاء المحامون طوال مسارهم المهني. فبعدما كانوا ينشطون في قصور العدل والمحاكم، أصبحوا ينتظرون في الصف لتقاضي مبلغ لا يكفيهم لبعض الأيام، ويشعرون بالذلّ تحت أنظار الناس والمحامين. تجربة الذلّ هذه، يحمّلون مسؤوليّتها للنقابة، بخاصّة أنّهم يتّهمونها بالتلكّؤ في مقاضاة المصارف المسؤولة ولو جزئيًا عن سرقة أموال النقابة المودعة فيها كما أموالهم، بالرّغم من المواقف والخطابات والوعود على هذا الصعيد، وهي في نظرهم أموال كافية لانتشال المحامين المسنّين والمحتاجين من البؤس الذي رمتهم الأزمة فيه.

“منروح عالنقابة، منوقف بالصف، بتلاقي المحامين، ختيار معتّر، ما قادر يمشي، بتتذكره من أيام زمان كيف كان un grand maître de la Cour (محامي مهم)، ختيار وعم يمشي بالصف، واقفين مذلولين، والعالم رايحة وجاية بالنقابة ونحنا واقفين بالصف، ما حدا بيطلّع فينا”.[31]

“ما عم حسّ إنّو في نقابة”: هكذا يصف محامٍ متقاعد شعوره بالنسبة لغياب مؤسّسة انتمى إليها معظم سنيّ حياته مهنيًا ووجدانيًا. لم يفسّر لهم أحدٌ في النقابة ما يحدث ولا ما سيحدث، إنّما وجدوا أنفسهم فجأة لوحدهم في بداية الأزمة، في مواجهة وضع مادّي صعب لم يتحضّروا له. ومتى لجؤوا إلى النقابة لطرح الأسئلة والاستفهام، واجهوا تعاملًا “قاسيًا” من موظّفي النقابة. أخبرنا أحدهم أنّه عندما حاول الاستفسار عن سبب ضآلة الراتب التقاعدي بعد 2020، سأله الموظف عن اسمه، فلم يُجبه، خوفًا من غضب أو عقاب قد يطاله، ومن خسارة حفنة الدولارات التي كان يتلقّاها: في ذهن المحامين المتقاعدين، انتقلت النقابة في الأزمة من موقع المؤسّسة الحامية الضامنة المطمئنة إلى مكان يشعرون بالذلّ عندما يذهبون إليه، وبالخوف عندما يحاولون التواصل معه. إلّا أنّهم يتحمّلون كلّ ذلك، لأنّهم يتمسّكون بالمدخول الضئيل الذي لم يعد لهم غيره.

“في أيام، بقرّر إتّصل عالتلفون (بالنقابة)، شوف كيف بيحكونا عالتلفون، “تعوا بكرا” كأن غنم نحنا، تعوا الجمعة الجاي مش هلق، أنا بحس حالي…  كنّا محامين ماشيين شايفين حالنا، صاروا يؤمرونا “تعوا بكرا”… ما في احترام للواحد”.[32]

بالنسبة للمحامين الذين التقيناهم، إنّ نقابة تسمح بمعاملة قدامى المحامين بهذا الشكل لم تعد تؤدّي الدور المناط بها. وبغضّ النظر عن النقاشات الحادّة التي قد تحصل بين المحامين حول هذا الموضوع، إلّا أنّ ما يهمّنا هنا هو تشابه مصير بعض الهيئات القضائية والنقابية عند القضاة والمحامين، من ناحية تراجع معيّن في مشروعيّتها، لا سيّما بالنسبة لما يشكّل قلب مهمّتها النقابية وهي حماية مصالح المحامين المنتسبين إليها.

ختامًا، تبقى صورة القضاة والمحامين الذين التقيناهم في بحثنا الميداني طوال سنوات الأزمة، وبالرغم من بعض التحسينات المحدودة مؤخرًا، هي صورة قضاة ومحامين متروكين من قبل مؤسّساتهم، أُجبِروا على مواجهة الأزمة وصعوباتها المادية والنفسية لوحدهم، ما أثار عند العديد منهم مشاعر سلبية بالنسبة للهيئات التي كان من واجبها حمايتهم في هذه المحنة. إنّ مشروعيّة الهيئات القضائية كما النقابية كانت من أهمّ ضحايا الأزمة، ليُنتج تعثّرها ضحايا آخرين في القضاء وفي المحاماة، كما في المجتمع. إلّا أنّ هذا التراجع الكبير في مرجعية ومشروعية هذه الهيئات الرسمية كان له آثار أخرى، إذ شجّع على نشوء حراكات ومجموعات جديدة داخل القضاء والمحاماة وحتى المساعدين القضائيين، حاولت التعامل مع آثار الأزمة قدر الإمكان، لتعويض غياب وتراجع تلك الهيئات. وسوف نخصّص ورقتنا اللاحقة لهذه القوى الجديدة وغير الرسمية التي نمت على رماد الأزمة وغيّرت جغرافيا المراجع والفعاليات داخل مجال العدالة في لبنان.


[1]  مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[2] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[3]  مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[4] مقابلة مع قاضٍ، آذار 2023.

[5] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[6] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[7] مقابلة مع قاضٍ، حزيران 2023.

[8] مقابلة مع قاضٍ،  آذار 2023.

[9] مقابلة مع قاضٍ، آذار 2023.

[10] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[11] المصدر السابق.

[12] رئيس “القضاء الأعلى” يتآمر على زملائه لتنفيس الاعتكاف؟، لينا فخر الدين، الأخبار، 24 آب 2022.

[13] انعقدت قبلها جمعية عمومية للقضاة لم يحضرها مجلس القضاء الأعلى ومكتب شورى الدولة ومجلس ديوان المحاسبة في 10/3/2022: “الجمعية العمومية الاستثنائية لقضاة لبنان: على مجلس النواب إقرار قانون استقلالية فعلية للقضاء”، الوكالة الوطنية للإعلام.

[14] الأخبار، 24 آب 2022، المقال المذكور سابقًا.

[15]  انتهاء الجمعية العمومية للقضاة والسنة القضائية تنطلق عرجاء، صوت لبنان.

[16] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[17] القضاء العادي في جميع محطاته: رسم بلون الماء، ص.37، المفكرة القانونية، 2018.

[18] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[19] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[20] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[21] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[22] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023

[23] مقابلة مع قاضٍ، حزيران 2023.

[24] Ghamroun Samer, 2016, « À qui s’adressent les juges ? Les magistrats tunisiens et égyptiens face aux aléas de la représentation professionnelle », in Des justices en transition dans le monde arabe ? Contributions à une réflexion sur les rapports entre justice et politique, Rabat : Centre Jacques-Berque.

[25] مقابلة مع محامٍ، حزيران 2023.

[26] المرجع السابق.

[27] المصدر السابق.

[28] المصدر السابق.

[29] المصدر السابق.

[30] مقابلة مع محامٍ متقاعد، تموز 2023.

[31] المصدر السابق.

[32] المصدر السابق.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني