“
بعد عامين بالتمام على كشف أكبر شبكة إتجار بالأشخاص، والشهيرة بقضية “شي موريس” (نيسان 2016) التي كشفت تشغيل 75 سيدة سورية بالدعارة، وضع القضاء اللبناني يده على ثاني أكبر شبكة إتجار بالأشخاص (وفق قرار الهيئة الإتهامية في بيروت في 25 نيسان 2018) تقوم بتشغيل 35 سيدة فيلبينية في المجال نفسه. يتم استقدام السيدات على أساس العمل في التدليك، بينما يكتشفن في لبنان أنه عليهن تقديم خدمات إضافية كتدليك الأعضاء التناسلية للزبائن وممارسة الجنس الكامل في مكان العمل مع من يرغب منهم (من الزبائن)، وكذلك الإنتقال إلى فنادق لممارسة الدعارة. ويقبض أصحاب العمل عن هذه الخدمات الإضافية 20 دولاراً عن الجنس الفموي ومئة دولار لممارسة الجنس في مكان العمل و300 دولار للإنتقال إلى الفندق. في المقابل، تتلقى كل عاملة 300 دولار كراتب شهري. جوازات سفر هؤلاء محجوزة، وهن لا يعلمن بطبيعة العمل الحقيقية قبل استقدامهن.
لكن القرار الإتهامي في دعوى السيدات الفليبينيات لم ينح المنحى نفسه لتحقيقات وقرار الهيئة الإتهامية في قضية شي موريس لناحية اعتبار السيدات ضحايا إتجار يحتجن للحماية، بل تم في قضية الفليبينيات الظن بهن بالمادة 523 (ممارسة الدعارة السرية). مع العلم بأن القرار الإتهامي يحوّل جميع المتهمين والمظنون بهن إلى محكمة الجنايات في بيروت التي يعود لها النطق بالحكم.
فماذا في التفاصيل؟
بتاريخ 8/8/2016 أوقفت دورية من فرع معلومات بيروت في محلة عين المريسة أحد المدعى عليهم، من الجنسية اللبنانية (تتحفظ المفكرة عن ذكر الأسماء)، لوجود العديد من الأحكام والمذكرات العدلية بحقه، وضبطت بحوزته جهازيّن خلوييّن، وسلمته إلى فرع التحقيق في شعبة المعلومات. وأخلي سبيله بتاريخ 17/10/2016 لقاء كفالة نقدية.
نتيجة التحقيقات تبين وجود كتاب معلومات بحقه يتعلق بقيامه بتسهيل أعمال الدعارة، في أحد مراكز التدليك وله خمسة فروع: الأول في الحمرا، والثاني في الروشة، والثالث في عين المريسة، ويقع الرابع في محلة سن الفيل، إضافة الى فرع جديد افتتح في محلة جونية مؤخراً. يتشارك في ملكية وإدارة هذه الفروع خمسة أشخاص لبنانيين تمّ الادعاء عليهم، وأخلي سبيلهم جميعا لقاء كفالة نقدية في عامي 2016 و2017).
يعمل في كل ناد حوالي عشرين سيدة من الجنسية الفيلبينية، ستة منهن موجودات في لبنان بموجب مستندات صحيحة لجهة الإقامة، وإجازة العمل، فيما لا تملك الأخريات أي مستند رسمي قانوني. تتركز طبيعة عمل هذه المحلات على ممارسة الدعارة لقاء مبلغ مئة دولار أميركي عن كل عملية، ويبلغ العمل ذروته أيام السبت والأحد من كل أسبوع.
ونتيجة التحقيق مع أحد المتهمين بتاريخ 8/8/2016، أفاد أنه يقوم بالعمل منذ حوالي خمس سنوات في محلين من سلسة نوادي التدليك التي يملكها بالشراكة المتهمون الخمسة، ويتواجد أحد هؤلاء في تايلاند حيث يقوم بتوظيف عاملات جديدات إلى لبنان. أما هو، فيشرف على العمل داخل فرعي سن الفيل وعين المريسة، فضلاً عن التواصل والتنسيق مع الزبائن للحضور إلى هذيّن المحلين، وأنه يتقاضى من أرباب عمله مقابل ذلك مبلغاً شهرياً، قدره 2500 دولار أميركي، وأن الفتيات الفليبينيات في فرعي سن الفيل وعين المريسة يقمن بوظيفة عاملات تدليك، بالإضافة إلى خدمات أخرى هي عبارة عن مداعبة الأعضاء التناسلية وجنس فموي أو جنس بالكامل حسب المبلغ المدفوع من الزبائن وبناء على طلبهم. واعترف أنه يسمح بهذه التجاوزات لجذب الزبائن، وأنه يقوم بتأمين فتيات لبعض الزبائن في الفنادق لمدة ساعة بناءً على رغبتهم مقابل مبلغ 300 دولار أميركي. وتتم العملية إثر تواصل الزبائن معه للإختيار من بين الفتيات، فيحضر الزبون إلى المركز، ويتم الإتفاق على سعر الخدمات الإضافية وحجمها.
وأقرّ هذا المتهم بعلمه بالتجاوزات الجنسية التي تحصل بين الزبائن والمدلكات، وكذلك بعلم الشركاء الخمسة (كان نفى علم بعضهم في التحقيقات الأولية طمعاً أن يتمكن النافذون من بينهم بإخراجه من السجن، كما أكد لدى التوسع في التحقيق في مكتب الإتجار بالأشخاص والآداب).
كما أكد أن الفتيات اللواتي يعملن داخل نوادي التدليك تفاجأن لدى وصولهن إلى لبنان بأنهن سيعملن في مجال الدعارة تحت ستار أعمال التدليك. وحين كانت الفتاة ترفض هذا الأمر، يحضر أحد الشركاء (تحديداً الذي استقدمها من الخارج) ويهددها بإعادتها إلى بلدها، ويفرض عليها إعادة المبلغ الذي صرفه عليها لإحضارها إلى لبنان، ويبلغها أنها ستتكفل بشراء تذكرة الطائرة. عندها ترضخ الفتاة للأمر الواقع.
وقال أن أحد أصحاب العمل كان يطلب منه إرسال فتاة مع أحد الزبائن الذين يخصونه، على أن تكون الفتاة تتقن ممارسة الجنس جيداً، وأنه يوجد الكثير من الزبائن المميزين الذين يتصلون به (صاحب العمل) لطلب فتاة لهذا الغرض، وكان يُطلب منه تجهيز فتاة للخروج مع الزبون، وتلبية جميع رغباته، وعدم طلب المال منه.
وفيما أنكر الشركاء أصحاب العمل حصول أيّ أفعال مُخلة بالآداب في مراكز التدليك، وما أسند إليهم، تبين للقائم بالتحقيق من مراجعة ملفات مكتبه أن هناك كتاب معلومات موضوعها تسهيل الدعارة بحقهم جميعاً خلال عامي 2014 و2015. كما أجمعت المدعى عليهن، من المظنون بهن، أن المتهم، الذي كان يستقدمهن، وهو من الشركاء، أصحاب العمل، هو من أصحاب النفوذ، وأنهن في حال قمن بإزعاج الزبون كان يهدد بترحيلهن إلى الفيليبين، وأن أوراقهن الثبوتية تبقى بحوزة صاحب النادي داخل الخزنة، وأنهن يمنعن من مغادرة مقر إقامتهن، باستثناء يوم واحد في الأسبوع.
وعليه، وبعد استناد الهيئة الإتهامية في بيروت إلى الوقائع والأدلة والقانون، اتهمت أصحاب العمل الشركاء الخمسة والموظف لديهم بجناية إتجار بالأشخاص، وأصدرت مذكرة إلقاء قبض بحق كل منهم، مع إحالتهم إلى محكمة الجنايات في بيروت لأجل محاكمتهم بما اتهموا به، وإحضارهم إلى محل التوقيف الكائن لديها. وقد رأت الهيئة أن هؤلاء يؤلفون شبكة للإتجار بالفتيات، ويتوزعون الأدوار فيها، بحيث يقومون باجتذاب العاملات الأجنبيات من الجنسية الفيليبينية ونقلهن إلى لبنان وإيوائهن فيه، عن طريق الخداع في نوعية العمل المطلوب منهن، واستعمال القوة والتهديد بإعادتهن إلى بلدانهن وإرغامهن على دفع التكاليف المالية في حال لم يمتثلن ويمارسن الجنس مع الزبائن، بهدف إستغلالهن وتسهيل إستغلالهن من الغير في الدعارة.
كما ظنت بالمدعى عليهن، السيدات الفيليبينيات، بالجنحة المنصوص عليها في المادة 523 من قانون العقوبات، وإتباعها بالجناية للتلازم.
- نشر هذا المقال في عدد | 56 | تموز 2018، من مجلة المفكرة القانونية. لقراءة العدد انقر/ي على الرابط ادناه:
هل حقا نريد ردع الإتجار بالبشر؟ هل حقا نريد حماية ضحاياه؟
“