في أول سابقة قضائية اجتهادية ومبدئية بالمغرب، أقرت المحكمة الإدارية بالرباط في حكم صدر حديثا[1]الصبغة الالزامية لتوصية مؤسسة الوسيط[2]. وقضت بترتيب المسؤولية الادارية للدولة عن عدم تنفيذها. ويتعلق الأمر بالاجتهاد القضائي الصادر في "قضية مكي ضد الدولة المغربية، وشركة الخطوط الملكية الجوية المغربية".
وقائع القضية
بتاريخ 12/2/2015 تقدم عامل سابق بشركة الخطوط الملكية المغربية، بدعوى أمام المحكمة الادارية بالرباط يعرض فيها أنه كان يعمل بشركة الخطوط الملكية المغربية، وحصل على قرار الإعفاء من الخدمة بسبب فقدان القدرة البدنية، واستفاد من جميع الامتيازات الممنوحة لموظفي الشركة المذكورة. إلا أنه فوجئ مؤخرا بقرار حرمانه من الاستفادة من التذاكر مخفضة السعر، كحق مكتسب بعلة أنه كانت تربطه بالمؤسسة
علاقة شغل، وأنه أصبح في حكم المستقيل عند فقدانه لقدرة العمل، ومن ثم لا حق له في الاستفادة من التسعيرة المنخفضة.
وأضاف بأنه استصدر توصية من مؤسسة الوسيط بتاريخ 26/12/2012 بأحقيته في الاستفادة من هذا الحق ومطالبة الشركة بتمكينه منه، الشيء الذي بقي حبرا على ورق نتيجة تعنت الشركة وعدم امتثالها لهذه التوصية. وأسند مطلبه على المادة 31 من القانون المحدث لمؤسسة الوسيط والتي تنص على رفع تقرير لرئيس الحكومة بقصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصية من طرف الإدارات، مؤكدا بأن رئاسة الحكومة لم تقم بذلك مما يعد خطأ مرفقيا موجبا لمسؤوليتها.
والتمس تحميل الدولة في شخص رئيس الحكومة ووزارة التجهيز والنقل والشركة الوطنية للخطوط الملكية الجوية، المسؤولية الادارية للضرر اللاحق به جراء عدم إقرار إستقادته من التذاكر المنخفضة، مع تعويض مسبق قدره 100 درهم مع الصائر، وتسوية وضعيته الإدارية والمالية بتمكينه من الاستفادة من التذاكر المنخفضة، وفقا لدرجته باعتباره متقاعدا في الوظيفة وكذا زوجته وأبنائه[3].
بالمقابل، طلبت المدعى عليها (شركة الخطوط الملكية المغربية) الحكم بعدم الاختصاص النوعي لكون موضوع النزاع يخرج عن حالات اختصاص القضاء الإداري المنصوص عليها في المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، على أساس أنها شركة مساهمة خاضعة في علاقتها بأجرائها الممارسين والمتقاعدين لأحكام مدونة الشغل وللنصوص القانونية المرتبطة بها والمطبقة كقاعدة على أجراء ومستخدمي القطاع الخاص، وأن الطلب يتعلق بتنفيذ التزام ناشئ عن علاقة شغل انتهت بفقدان الأجير لقدرته عن العمل وهي حالة منظمة بمقتضى قواعد مدونة الشغل وتخضع للقانون الخاص، ولا يندرج ضمن تسوية الوضعية الفردية للموظفين، وهو ما ينزع الاختصاص عن القضاء الإداري لفائدة المحكمة الابتدائية.
وطلبت المدعى عليها أيضا من حيث الموضوع رفض الطلب لكون توصية مؤسسة الوسيط غير إلزامية.
تعليل الحكم
أقرت المحكمة الادارية بالرباط في حكمها أعلاه الصبغة الالزامية لتوصية الوسيط، واستعانت بحيثيات غير مسبوقة لترتيب المسؤولية الادارية للدولة عن عدم تنفيذ توصيات الوسيط، حيث جاء في حكمها :
"وحيث إن تقدير مدى القوة الملزمة لتوصيات الوسيط في علاقتها بالإدارة المشتكى بها يرجع في تحديده أولا إلى النظر في طبيعة هذه المؤسسة ومجالات وأدوات تدخلها، باعتبارها مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة تتولى في نطاق العلاقة بين المرتفقين مهمة الدفاع عن الحقوق والإسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية والسهر على تنمية تواصل فعال بين الأشخاص والإدارات العمومية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العامة وباقي المنشآت والهيئات الأخرى الخاضعة للمراقبة المالية.
ولما كان مناط تدخل هذه المؤسسة يتحدد فيما تكشف عنه الشكايات المقدمة أمامها من حالات يثبت فيها تضرر الأشخاص من تصرف صادر عن الإدارة يكون مخالفا للقانون، خاصة إذا كان متسما بالشطط في استعمال السلطة أو منافيا لمبادئ العدل والإنصاف كما تقضي بذلك المادة الخامسة من الظهير المحدث للمؤسسة، فإن التوصيات التي يصدرها هذا الأخير تستمد قوتها الإلزامية بداية من إلزامية القانون ذاته، ما دام أنها تهدف لإعادة تصرفات الإدارة إلى دائرة المشروعية والتقيد بالقانون الذي يبقى ملزما لأشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص على السواء،عن طريق تصحيح الخلل الذي اعترى عملها في علاقتها بالمرتفقين من خلال تعيين الإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك، ولهذا جاءت المادة 14 من الظهير المذكور واضحة في الدلالة على الطابع الملزم لهذه التوصيات من خلال صيغتها التي حددت الأجل الذي "يتعين" على الإدارة القيام خلاله بالإجراءات اللازمة للنظر في القضايا موضوع التوصيات المحالة إليها وجعلت مدته شهرا واحدا قابلا للتمديد، وألزمتها أن تخبر الوسيط كتابة بالإجراءات التي اتخذتها بشأن التوصيات والاقتراحات الموجهة إليها، كما أنها تستمد هذه القوة كذلك من اعتبار الشكوى التي تفتح باب إصدار الوسيط لتوصياته، ليست طلب مساعدة أو إحسان، بل هي حق في إطار علاقة المواطن بالدولة، لذا فليس للإدارة العامة أن تمتنع عن الاستجابة لمبادرات وتوصيات الوسيط إذا ثبت خطؤها أو وجود خلل في عملها،لأنّ غاية كل من الإدارة العامة ومؤسسة الوسيط هي تحقيق المصلحة العامة، لما في ذلك من حفظ للحقوق وترشيد لعمل الإدارة الحكومية بشكل يساعد على تطور عملها، وإعطاء كل ذي حق حقه".
وشدد هذا الحكم المبدئي لإدارية الرباط على أنه: "عندما تخالف الإدارة المنظومة التشريعية العامة للدولة، ويثبت عدم امتثالها للقانون فإنّ قرار الوسيط يكون ملزما لها مهما كان شكله. كما أن هذه المؤسسة جاءت لتعزيز مفهوم جديد وحضاري للشكوى والتظلم من الإدارة، واستجابة لضرورات النزاهة والشفافية في العلاقة بين المواطن والإدارة العامة بحيث يدرك المشتكي كيف ومتى ولمن يشتكي، وتدرك الإدارة أن الشكوى الموجهة ضدها لا تستهدف شخصا بعينه بقدر ما تستهدف قرارا أو إجراء يجب تصويبه أو ممارسة يجب الحد منها".
منطوق الحكم
و تطبيقا للعلل أعلاه قضت المحكمة الإدارية بالرباط شكلا بقبول الطلب.
وفي الموضوع: بأداء الدولة ومؤسسة الخطوط الملكية المغربية تضامنا بينهما تعويضا إجماليا لفائدة المدعي قدره 178.946,70 درهما وتحميلهما الصائر .
[1]-الحكم رقم : 4444، الصادر بتاريخ 20/10/2015، في الملف رقم 86/7112/2015، غير منشور.
[2]-الوسيط هو هيئة مستقلة ومتخصصة تم إنشاؤها لتحل محل «ديوان المظالم»، وذلك بموجب الظهير رقم 1.11.25 الصادر في 17 مارس
2011، تتولى في نطاق العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، مهمة الدفاع عن الحقوق، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، إشاعة مبادئ العدل والإنصاف والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية
.
ويتميز التنظيم الجديد لهيئة الوسيط بتعيين مندوبين جهويين (إقليميين) يدعون «الوسيط الجهوي»، للنهوض عن قرب بحماية حقوق الناس العاديين، من خلال إنصاف المشتكين المتضررين من أي تصرف إداري، متسم بالتجاوز أو استغلال السلطة، وذلك في نطاق سيادة القانون
.
وقد تم تخويل «مؤسسة الوسيط» صلاحيات البحث والتحري والقيام بمساعي الوساطة والتوفيق، واقتراح المتابعة التأديبية، أو إحالة الأمر إلى النيابة العامة، طبقا للمقتضيات القانونية، وإمكانية إصدار توصيات بتقديم المساعدة القضائية، لا سيما للأشخاص الذين ليست لديهم إمكانات أو فقراء ومعوزين
.
[3]-طبقا للفصل 1.2 من البند الرابع من القانون الداخلي للشركة الوطنية للخطوط الملكية الجوية.