أعلنت وزارة الدفاع في تونس، بداية نوفمبر 2023، فتح مناظرة خارجية لانتداب 24 ملحقًا قضائيا عسكريا[1]، توازيًا مع إصدار قرار وزاري جديد[2] لتعديل برنامج المناظرة ونظامها، في اتجاه فصلها تماما عن مناظرة القضاء العدلي. وكان انتداب القضاة العسكريين يتمّ قبل الثورة في أجواء تسودها السريّة وعدم الشفافية. فجر الثورة، أفرد المرسوم عدد 70 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم القضاء العسكري انتداب الملحقين العسكريين بمناظرة علنيّة مع تأجيل التطبيق بانقضاء سنتين من دخول هذا المرسوم حيز النفاذ. ولكن اقتضى انتظار 2018 لتنظيم أول مناظرة بعد الثورة وقد لحقتها مناظرة أخرى عام 2020 لانتداب 8 ملحقين، في كلّ منهما، للتكوين بالمعهد الأعلى للقضاء. بذلك تكون المناظرة المُعلنة مؤخرًا الثالثة بعد الثورة، وبالأخصّ، الأكبر في تاريخ القضاء العسكري.
يعزّز تفريد مسار انتداب الملحقين العسكريين في تثبيت مكانة القضاء العسكري. تثبيتٌ لا يعود فقط لدستور 2022 الذي غيّب تنظيمه على خلاف دستور 2014 الذي كان أوجب تخصّصه في الجرائم العسكريّة من دون أن يستتبع ذلك تعديل تشريعيً. بل يعود هذا التفريد أيضًا لموجة مراسيم صدرت فجر الثورة في مناخ عامّ محفّز للثقة تجاه المؤسسة العسكرية برمّتها. تباعًا، تصاعد توظيف المحاكم العسكرية في تتبع المدنيين طيلة السنوات اللاحقة، خصوصا على نحو غير مسبوق بعد انقلاب 25 جويلية 2021. وضع يحذّر من تنامي نفوذ القضاء العسكري بالتوازي مع وضع يد السلطة السياسية يدها على القضاء العدلي.
تعديل برنامج المناظرة ونظامها: تثبيت الخصوصية
نسخ برنامج مناظرة القضاء العسكري[3] المعتمد عامي 2018 و2020 ذات البرنامج المعتمد في مناظرة القضاء العدلي، على مستوى الاختبارات الكتابية والشفاهية على حدّ سواء. وعليه، باتت المناظرة تتميّز ببرنامج خصوصي بالاكتفاء بثلاث اختبارات كتابية (الثقافة العامة والقانون الجزائي والقانون المدني) مع التخلي عن اختبار القانون التجاري. وكذا، تقلّصت الاختبارات الشفاهية من خمسة إلى ثلاثة باستبعاد مواد الفقه الإسلامي والقانون الدولي الخاص، وإضافة مادة القانون الجزائي العسكري. تثبّت هذه التعديلات خصوصية القضاء العسكري بوصفه قضاءً جزائيًا متخصصًا، بما يؤسس للتخلّي عن المواد المستغنى عنها في برنامج المناظرة، وإضافة امتحان المعارف لمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية.
كما تضمّن نظام المناظرة تعديلًا لافتًا بالتنصيص على الترفيع في الرتبة العسكرية للملحق العسكري من ملازم إلى ملازم أوّل وهي ذات الرتبة الدنيا لقاض لدى المحكمة الابتدائية العسكرية. ترفيع قد لا يكون أساسه إلا تيسير دورية الارتقاء تباعًا في الرتب العسكرية الدنيا المستوجبة لإسناد الوظائف للقضاة العسكريين (على سبيل المثال، يشترط إشغال خطة مساعد وكيل الجمهورية أن يكون للقاضي العسكري خمسة أعوام أقدمية في رتبة نقيب أو ملازم أول).
ثبّت نظام المناظرة، في الأثناء، شرط الحصول على شهادة ماجستير للترشّح تنزيلًا لتنقيح المرسوم عدد 70 بمقتضى قانون تعديلي في جويلية 2023 بعنوان توحيد معايير وشروط انتداب القضاة بمختلف أصنافهم. بيد أن اللافت، في هذا الجانب، تخصيص فصل ينصّ على أن “يتمّ إثبات الحصول على الشهادة العلمية التي تخوّل الترشّح للمناظرة بالإدلاء بالوثيقة الرسمية والنهائية المعتمدة وفق التراتيب الجاري بها العمل والتي تفيد شكلًا ومضمونًا حصول المترشّح على الشهادة المطلوبة للترشح للمناظرة قبل مباشرة العمل”. هي إضافة من قبيل لزوم ما لا يلزم وقد جاءت بالتزامن مع الأمر الحكومي المتعلق بتدقيق عمليات الانتدابات وتماهيا مع الافتراض الوارد فيه بوجود “ظاهرة” في المناظرات العمومية عنوانها الشهائد المزوّرة، رغم أنه لم تُثر حتى اليوم أيّ شبهة لانتداب قاضٍ ترشّح بشهادة علمية مزوّرة. وعليه، يبدو الهدف من هذه الإضافة هو دعم افتراض أمر ليس هنالك حتى الآن أي دليل رسمي عليه.
وتعزيز خصوصية مناظرة الملحقين العسكريين يتأكد، في جانب آخر، بالتنصيص على أنّ عقوبة الغش في المناظرة باتت المنع من الترشح لمدّة أقصاها خمس سنوات في جميع مناظرات وزارة الدفاع فقط، فيما كان سابقًا المنع يشمل جميع المناظرات أو الامتحانات الإدارية. والملاحظ، في ذات السياق، هو عدم التنصيص على شرط “الوضعية القانونية تجاه الخدمة الوطنية” على خلاف الحال بالنسبة للملحقين العدليين. غياب قد لا يعود إلا لتغافل أو سهو. إذ يصعب تصوّر وجود إرادة في لزوم تسوية الخدمة العسكرية للمترشح لمناظرة القضاء العدلي فقط، والحال من باب أولى وأحرى أن يتوفّر ذلك الشرط للمترشح للقضاء العسكري.
تبقى ملاحظة أساسية واجبة في هذا السياق. فلئن تميّز قرار وزير الدفاع المتعلّق ببرنامج المناظرة مضمونًا بإكساء خصوصية مقارنة بمناظرة الملحقين العدليين على النحو المبين، فهو اعتمد شكلًا في صياغة القرار على مستوى التبويب وترتيب الفصول على قرار وزيرة العدل ليلى جفّال المتعلق ببرنامج مناظرة “العدليين”. لكنّه أسقط فصلا “مبدئيّا” مهمّا، ينصّ (في قرار وزيرة العدل) على أنّ إجراء المناظرة يتمّ “وفق الضمانات الأساسية التي يقرّها التشريع الجاري به العمل وخاصّة مبادئ الكفاءة والشفافية والمساواة”[4].
التخلّي عن هذا الفصل، بالتوازي مع اشتراط مناظرة الملحقين العسكريين تقديم المترشحين سيرا ذاتية على خلاف مناظرة الملحقين العدليين، يعزّز القناعة عن خرق واقعي للمبادئ المذكورة. باعتبار أن السير الذاتية تتعارض، ظاهرًا، مع اعتماد نظام التقييم على أساس نتائج الامتحانات الكتابية والشفاهية. اشتراط يؤسسه البعض لخصوصية موقع القاضي العسكري كمباشرته لقضايا تتضمّن معلومات حسّاسة تتعلّق بالمؤسسة العسكرية، بما يقتضي أخذ الماضي المهني للمترشح بعين الاعتبار. ولكنه اشتراط قد يخفي تمييزًا ومفاضلة بين المترشحين على أسس غير موضوعية، بما يخفّض، واقعًا، من الشفافية والمساواة.
القضاة العسكريون: مستقلون عن السلطة العسكرية أم ممثلون لها؟
“القضاة العسكريون مستقلون في ممارسة وظائفهم عن السّلطة العسكريّة”: هذا ما يقتضيه التشريع نصًا[5]، ولكنّ الضمانات لا تؤمنه. لا يتعلق الأمر بالاستقلالية عن السلطة العسكرية ولكن أساسًا السلطة السياسية. في هذا الموضع، يعدّ مجلس القضاء العسكري حجر الأساس في إدارة القضاء العسكري، باعتباره يختصّ بتسمية الملحقين القضائيين وترقية القضاة العسكريين ونقلهم وتأديبهم والنظر في مطالب الاستقالة ورفع الحصانة بل وبصورة عامّة في كلّ ما يتّصل بسير الشأن الوظيفي للقضاة العسكريين[6].
يترأس المجلس وزير الدفاع وينوبه عند الاقتضاء وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري، مع عضوية الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف العسكرية والوكيل العام بها وثلاثة قضاة عسكريين عن كلّ رتبة قضائية يقع اختيارهم حسب الأقدمية. هذه التركيبة السباعية مختلطة على مستويات متعددة: رئيس المجلس له صفة سياسية وليس قضائية، ونائبه له صفة إدارية وليس قضائية، مع عضو وحيد ممثل للقضاة العدليين (الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف العسكرية). يسيطر تباعًا القضاة العسكريين على المجلس، في حين يرأسه ممثل السلطة السياسية. بل أن وزير الدفاع يختصّ لوحده وحصرًا بالدعوة للانعقاد. ويتبيّن تهميش القضاة العدليين بأنّ المجلس بمناسبة انتصابه كمجلس تأديب يتركّب من أعضائه من القضاة العسكريين فقط. ويغيب مطلقًا مبدأ انتخاب القضاة لممثليهم في المجلس: لا شيء غير التعيين. أيضًا، لا يقع التصريح بالعقوبات التأديبية إلا بمقتضى قرار من وزير الدفاع عدا عقوبة العزل التي تصدر بمقتضى أمر. فالسلطة السياسية دائمًا ما تبسط يدها. فضلا عن كلّ ذلك، يكتنف عمل المجلس منذ إنشائه عام 2011 التعتيم المطلق إذ يفرض الفصل 18 من مرسوم 2011 على أعماله، وليس فقط مداولاته، شرط السريّة. تتعزّز صورة هذا المجلس بذلك بوصفه الغرفة المظلمة التي تحكم القضاء العسكري.
ولا ينحصر ضعف استقلالية القضاة العسكريين في إشكاليات إدارة مساراتهم المهنية والتأديبية، وإنّما يشمل في الواقع، الوسط الذي يمارسون فيه عملهم، والذي تحكمه التراتبية العسكرية، خصوصا وأنّهم هم أنفسهم يتولون رتبًا عسكرية. في هذا الموضع، تتصاعد، في العمق، الأخلاقيات العسكرية القائمة على الانصياع للأوامر والانضباط للأعلى رتبة على حساب الأخلاقيات القضائية. فالقضاء العسكري بالنهاية “هو هيكل قضائي في صلب وزارة الدفاع الوطني” كما يعرّفه الموقع الرسمي للوزارة.
والقضاة العسكريون هم إجمالًا عصب المحاكم العسكرية مقابل حضور غير فاعل للقضاة العدليين. ففي حالة السلم، وهي الحالة الاعتيادية، يسيطر “العسكريون” على جهاز النيابة العمومية (وكيل الجمهورية ومساعديه بالمحاكم الابتدائية العسكرية الدائمة ووكيل الدولة العام ومساعديه بمحكمة الاستئناف العسكرية)، وأيضًا على جهاز التحقيق في الطور الابتدائي (قاضي تحقيق عسكري) إلى جانب تعويض أحد مستشاري دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف حين تنظر في القضايا العسكرية بقاض عسكري. في المقابل، يتولى القضاة العدليون رئاسة المحاكم العسكرية والدوائر الجنائية والجناحية. وهي خطط يتولاها القضاة العسكريون في “حالة الحرب أو حالة زمن الحرب”. فالمواقع المفصلية إجمالًا يتولاها القضاة الخاضعين للغرفة المظلمة: مجلس القضاء العسكري.
القضاء العسكري مستفيدًا ممتدّا زمن ثورة أو انقلاب
معاينة تطوّر التنظيم التشريعي للقضاء العسكري منذ الثورة، ينبئنا بتوسّع صلاحياته ونفوذه، وتبعا لذلك، تيسير توظيفه من السلطة السياسية، قبل انقلاب 25 جويلية وبالأخصّ بعده. هي مفارقة. عام 2011، أصدرت السلطة المؤقتة مرسومين[7] كرّسا ضمانات لتدعيم المحاكمة العادلة في القضاء العسكري كإرساء مبدأ التقاضي على درجتين والقيام بالحق الشخصي. ولكن النصّين دعّما أيضا صلاحيات المحاكم العسكرية عبر تمدّد المعيار الذاتي ليشمل محاكمة العسكري بغض النظر عن طبيعة الجريمة، وكذلك محاكمة المدني بجرائم حقّ عامّ ضد العسكري أثناء مباشرته لخدمته أو بمناسبتها. تدعيم لم يثرْ رفضًا حقوقيًا صارمًا أخذًا بالسياق العام الدّاعم لمؤسسة الجيش والمتحفّز بالخصوص وقتها لتعهيد القضاء العسكري بقضايا شهداء الثورة وجرحاها.
بيد أن تعطّب استحقاق المحاسبة في هذا الملف وتزايد إحالات المدنيين أمام القضاء العسكري مع تنامي الوعي الحقوقي، عزّز توجّه السلطة التأسيسيّة لحصر اختصاص المحاكم العسكرية في الجرائم العسكرية، عملا بتوافق صريح داخل اللجنة التأسيسية المختصة على عدم جواز محاكمة المدنيين أمامها “بأي حال من الأحوال”[8]، باعتبار أن ذلك يخالف المبادئ الدولية لحقوق الإنسان[9].
إلا أن االتنصيص الوارد في الفصل 110 في دستور 2014 اقتضى وجوبًا تنقيح مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية على النحو المبيّن في الأحكام الانتقالية[10]، وذلك في اتجاه منع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. هو استحقاق تشريعي لم يكن أولوية للبرلمان طيلة مدّتيْن نيابيّتيْن، رغم تقديم ثلاثة مقترحات قوانين من كتل نيابية مختلفة: الأول في أكتوبر 2016 (مجموعة نواب) والثاني في نوفمبر 2018 (الكتلة الديمقراطية) والثالث في جويلية 2020 (ائتلاف الكرامة). كذلك لم يكن الإصلاح المطلوب أولويًا لدى السلطة التنفيذية بعدم تقديمها أي مشروع قانون للغرض. تأكّد تباعًا أن غياب هذا الإصلاح تحوّل ليس فقط إلى مثال نموذجي لعدم تنزيل دستور 2014 تشريعيًا وواقعيًا، ولكن أيضًا إلى كلفة باهظة حقوقيًا.
استغلّ الرئيس قيس سعيّد هذه الثغرة، حتى قبل انقلابه على الدستور في 25 جويلية 2021. حيث بدأت تتبعات مدنيّين أمام المحاكم العسكريّة من أجل “الإساءة لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة“.
تعزّز هذا التوجّه إثر الانقلاب، حيث مثّلت المحاكم العسكرية بوّابة مثالية لمحاكمة المعارضين. وانطلق إسهال الإحالات العسكرية نهاية جويلية 2021 بإيداع أربعة نواب في البرلمان (سيف الدين مخلوف ومحمد العفاس وماهر زيد ونضال سعودي) والمحامي مهدي زقروبة بسجن الإيقاف بقرار من قاضي التحقيق العسكري على خلفية ما عُرفت بقضية “المطار” رغم سابقية تعهّد القضاء العدلي منذ مارس 2021 في القضية نفسها. كما أُثيرت تتبعات مُلحقة بإصدار أحكام بالإدانة والسجن ضد ثلاثة نواب في قضايا عسكرية منفصلة على خلفية تصريحات أدلوا بها (ياسين العياري وبشر الشابي وعصام البرقوقي). وشملت التتبعات الصحفي عامر عياد والنائب عبد اللطيف العلوي فيما يُعرف بقضية “أحمد مطر”. وكذلك العميد السابق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني الذي أُودع بسجن الإيقاف إثر مطالبته لأعوان أمن باحترام القانون على خلفية منعهم لمحامين من دخول مستشفى يُعالج داخله النائب نورالدين البحيري بعد إضراب جوع رفضًا لوضعه تحت الإقامة الجبرية. كما أُحيلت الناشطة السياسية المعارضة شيماء عيسى على التحقيق العسكري بطلب من وزير الداخلية على خلفية تصريح إذاعي دعت خلاله الجيش لعدم تأمين الانتخابات التشريعية.
يكفي استحضار الأرقام لندرك حجم تكاثر المحاكمات العسكرية. إذ تمّت إثارة قضايا عسكريّة ضد 16 مدنيًا على في الفترة الممتدة من 25 جويلية 2021 إلى مارس 2022 (8 أشهر)، بما يتجاوز كل الإحالات على مدى عشر سنوات (2011-2021) وعددها 10[11]. والملاحظ أن رئيس الدولة أقال وزير الدفاع وأعفى وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري، أي رئيس مجلس القضاء العسكري ونائبه، تزامنًا مع إعلان “التدابير الاستثنائية” يوم 25 جويلية 2021. إقالة وإعفاء لا يمكن قراءتهما إلا كتمهيد لتوظيف النيابة العسكرية لتتبع “المناوئين”.
وفي دستوره، تعمّد رئيس الدولة قيس سعيّد عدم التعرّض للمحاكم العسكرية بما يعني التخلّص من مبدأ تقييد تخصيصها بالجرائم العسكرية، وتاليا التخلّص من الإلزام الدستوري بمراجعة مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية. رفع سعيّد بذلك “الحرج الدستوري” في إحالة المدنيين أمام القضاء العسكري. هذا القضاء الذي تزايد نفوذه وامتدّ زمن الثورة وكذلك الانقلاب.
القضاء العسكري: السيف المصلت إلى حين
يظلّ القضاء العسكري عنوانًا أساسيًا لغياب ضمانات المحاكمة العادلة، بالنظر إلى هشاشة استقلاليته إن لم يكن انعدامها في ظلّ سيطرة السلطة السياسية على منافذ إدارته، بما تعكسه تركيبة مجلس القضاء العسكري مثالًا. وقد أدّى تأجيل تقييد اختصاصه بالمعيار الموضوعي إلى غاية التخلّي عن الرافعة الدستورية للإصلاح المطلوب، إلى تعزيز تموقعه في المشهدية القضائية في سياق حقوقي مشوب بارتفاع المحاكمات السياسية، ليبقى بذلك سيفًا مصلتا إلى حين.
في الأثناء، لا يعكس التراجع النسبي لعدد القضايا المثارة من النيابة العسكرية ضد المعارضين والناشطين في المدة الأخيرة مقارنة بالأشهر اللاحقة للانقلاب قبل عامين، ممارسة فضلى مبناها نأي القضاء العسكري بنفسه عن السلطة السياسية، بل يعود لعدم الحاجة إلى توظيف المحاكم العسكرية، مقيّد الاختصاص بطبعه، وذلك بعد إتمام وضع اليد على القضاء العدلي الذي بات أداة طيّعة وخاضعة قادرة على تأمين ما تطلبه السلطة السياسية.
[1] قرار من وزير الدفاع الوطني مؤرخ في 3 نوفمبر 2023 يتعلّق بفتح مناظرة خارجية بالاختبارات لانتداب ملحقين قضائيين عسكريين برتبة ملازم أول مباشر لتكوينهم بالمعهد الأعلى للقضاء بعنوان سنوات 2020 و2021 و2022.
[2] قرار من وزير الدفاع الوطني مؤرخ في 3 نوفمبر 2023 يتعلّق بضبط نظام وبرنامج المناظرة الخارجية بالاختبارات لانتداب ملحقين قضائيين عسكريين برتبة ملازم أول مباشر لتكوينهم بالمعهد الأعلى للقضاء.
[3] قرار من وزير الدفاع الوطني مؤرخ في 29 ديسمبر 2017 يتعلق بضبط نظام وبرنامج المناظرة الخارجية بالاختبارات لانتداب ملحقين قضائيين عسكريين برتبة ملازم مباشر لتكوينهم بالمعهد الأعلى للقضاء.
[4] الفصل 2 من قرار من وزيرة العدل مؤرخ في 20 جانفي 2022 يتعلق بضبط نظام وبرنامج مناظرة الدخول لمرحلة التكوين الأسـاسي للملحقين القضائيين بالمعهد الأعلى للقضاء.
[5] الفصل 5 من المرسوم مرسوم عـدد 70 لسنة 2011 مؤرّخ في 29 جويلية 2011 يتعلق بتنظيم القضاء العسكري وضبط النظام الأساسي الخاصّ بالقضاة العسكريين
[6] الفصل 15 من المرسوم السابق ذكره.
[7] المرسوم عدد 69 والمرسوم عدد 70 المؤرخان في 29 جويلية 2011 المتعلقان بتنقيح مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وتنظيم القضاء العسكري وضبط النظام الأساسي الخاص بالقضاة العسكريين على التوالي.
[8] تقرير لجنة القضاء العدلي والإداري والمالي والدستوري بالمجلس الوطني التأسيسي، نوفمبر 2012، ص. 19.
[9] بيان الملاحظات الأولية للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بإستقلال القضاة و المحامين السيدة قابريالا كناول حول الزيارة الرسمية لتونس (من 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 إلى 05 كانون الاول/ديسمبر 2014).
[10] أورد الفصل 149 من الدستور أنه “تواصل المحاكم العسكرية ممارسة الصلاحيات الموكولة لها بالقوانين السارية المفعول الى حين تنقيحها بما يتماشى مع أحكام الفصل 110”.
[11]وحيد الفرشيشي، تونس مجدّدًا أمام مجلس حقوق الإنسان (2): التنكيل بالقضاء في مرآة جنيف، المفكرة القانونية، 14 مارس 2023.