القضاء التونسي في 2013 (1): الحراك القضائي، من معركة لإنشاء الهيئة المشرفة على القضاء الى معركة لصونها ضد التدخل


2014-03-03    |   

القضاء التونسي في 2013 (1): الحراك القضائي، من معركة لإنشاء الهيئة المشرفة على القضاء الى معركة لصونها ضد التدخل

للسنة الثانية، تتولى المفكرة القانونية نشر تقارير سنوية عن المجال القضائي في بعض الدول العربية (2013)، في سعي الى رصد تأثيرات الحراك الحاصل في هذه الدول في هذا المجال. التقرير الأول الذي سننشره على حلقات خلال الأسبوع الأول من شهر آذار/مارس سيتناول القضاء في تونس (المحرر).  
أدى تعطل مسار اصلاح القضاء خلال سنة 2012 الى الدفع بهياكل القضاة نحو مزيد من الضغط داخل المشهد العام بغاية تحقيق استحقاقات قطاعهم، دون ان يمنع ذلك من تواصل الحراك داخل الهياكل وفيما بينها في إطار الاستحقاقات الانتخابية وتحديات التعددية النقابية. وفي إطار القضاء العدلي وبعدما كان النصف الاول من سنة 2013 محل منازعة من اجل ارساء الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، عرف النصف الثاني من ذات السنة تحولا في سمة الصراع الذي تحول من صراع مطلبي الى صراع بين المؤسسات بغاية تعزيز استقلالية الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي وحمايتها. أما في إطار القضاء الإداري، فقد تحول الحراك من سياق التدافع النقابي الى إطار الدفاع عن استقلالية المحكمة في ظاهرة ميزت المحكمة وأوجدت توجهات جديدة صلبها.
الحراك داخل الهياكل: تميزت سنة 2013 بتعدد الاستحقاقات الانتخابية داخل إطار الهياكل القضائية اذ عقدت نقابة القضاة التونسيين في 27/10/2013 مؤتمرها الانتخابي الثاني تحت شعار “لا وصاية سياسية على السلطة القضائية” وأسفرت الانتخابات عن تجديد الهيئة الادارية للنقابة بانتخاب أعضائها التسعة من ضمن 15 مترشحا بما افضى الى اعادة تكليف القاضية السيدة روضة العبيدي بمهمة رئاسة النقابة لمدة ثانية. وسبق الحدث الانتخابي حركة احتجاجية وسط منخرطي الهيكل النقابي تبعها انشقاقات داخلية في حراك داخلي يبدو ان له علاقة بتطور نشاط الهيكل وسعي هياكله للقطع مع عدد من الاعضاء المؤسسين الذين تحوم شبهات حول استعمالهم للهيكل للتصدي لمطالب الإصلاح. ومن أبرز تجليات هذا الانشقاق،إعلان كاتب عام النقابة السيد عصام الاحمر يوم 18/11/2013 استقالته من الهيئة الادارية للنقابة على خلفية قرار هياكلها المشاركة في الاضراب الذي اعلنته جمعية القضاة يومي 19 و20/11/2013 بعد ان اتهم النقابة بالانحراف عن اهدافها والعمل وفق اجندات سياسية[1]. واذ ادت الصراعات الداخلية بين التيار المحافظ والتيار الاصلاحي الى حسم النزاع داخليا لصالح هذا الأخير، الا أن ذلك اقترن بتراجع عدد المؤتمرين من 340 خلال المؤتمر التأسيسي الاول لنقابة القضاة الذي عقد بتاريخ 22/5/2011 الى 154 بمناسبة مؤتمرها الثاني. ويسجل تميز أشغال المؤتمر الثاني بالشفافية على مستوى العملية الانتخابية بما يشكل تطورا نوعيا مع المؤتمر التأسيسي الذي حامت شبهات حول شفافية اشغاله[2]. وفي الجهة المقابلة، عقدت جمعية القضاة التونسيين مؤتمرها الانتخابي الحادي عشر في 7و8/12/2013 تحت شعار “استقلال السلطة القضائية استحقاق ثورة الحرية والديموقراطية” وأفضت الانتخابات الى فوز اعضاء قائمة”الثبات والعمل من اجل سلطة القضاء المستقل” التي تكونت من مرشحين يساندون توجهات المكتب المتخلي بكل مقاعد المكتب التنفيذي الاحد عشر بعد ان شارك 550 مؤتمرا في العملية الانتخابية. وآلت رئاسة المكتب التنفيذي للجمعية للقاضية السيدة روضة القرافي التي تحسب على التيار الاستقلالي وكانت تشغل نائبة رئيسة النقابة خلال المدة النيابية السابقة. ويتضح من قراءة نتائج المؤتمرين أن جمعية القضاة التونسيين حافظت على مكانتها بوصفها الهيكل النقابي الأكثر تمثيلية للقضاة التونسيين وعلى صفتها كهيكل مهني يجمع مختلف أصناف القضاء – القضاء العدلي والاداري والمالي –وان كانت مجالسها الوطنية ومؤتمرها الانتخابي قد كشفا عن تراجع نسبي لقدرتها على استقطاب المنخرطين من القضاة مع بروز توجه داخلها للتمسك بذات خطها في التعاطي مع الاستحقاقات خلال المرحلة المقبلة. ورغم اهمية المواعيد الانتخابية لهياكل القضاة الكبرى في تحديد ملامح الحراك القضائي خلال سنة 2013 الا انها لم تشكل اساس الحراك على اعتبار ان الحراك القضائي انحصر في جانبه الاكبر حول الهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء العدلي سواء في إطار صراع من اجل ارسائه او في سياق دفاع عن استقلاليتها.
الحراك القضائي لإنشاء الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي: انتهى عمل المجلس الوطني التأسيسي يوم 2/8/2012 حول مشروع قانون الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي الى فشل ذريع بعد ان تم اسقاط مشروع قانونها من قبل الجلسة العامة. وحاول الساسة إثر ذلك ترحيل قانون الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء لما بعد نهاية المرحلة الانتقالية الا ان التحركات الاحتجاجية التي قادتها جمعية القضاة التونسيين اعادت لقانون هيئة الاشراف على القضاء العدلي صبغته كأولوية تشريعية في سياق الاصلاح الثوري لمؤسسات الدولة. وقبل نهاية سنة 2012، تعهدت الاطراف السياسية الفاعلة بالعمل ببعث الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي تحت مفعول ضغط جمعية القضاة التونسيين التي نجحت في حشد دعم حقوقي لمواقفها. وانتهى آخر مجلس وطني لجمعية القضاة التونسيين في سنة 2012 الذي انعقد بتاريخ 23/12/2012 الى الدعوة لبعث الهيأة قبل موفى شهر جانفي 2013 وحمل الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي مسؤولية التأخير الحاصلبعدما اعتبر أن التأخير الحاصل في بعث هيئة الاشراف على القضاء العدلي أضر بالثقة لعامة في القضاء.[3] بنهاية سنة 2012 أثمر ضغط جمعية القضاة التونسيين تعهدا من رئيسة لجنة التشريع بالمجلس الوطني التأسيسي بمباشرة لجنتها النظر في صياغة مشروع جديد لقانون الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي بمجرد مضي اجل الستة أشهر عن تاريخ عرض مشروع القانون الاول المتعلق بذات الهيئة[4]. وكان بالتالي ينتظر ان يشرع المجلس الوطني التأسيسي في مناقشة مشروع جديد لقانون الهيئة تعده اللجنة بالاستناد للمشروع الاول وللمقترحات التعديلية التي قدمتها وزارة العدل حوله ولملاحظات هياكل القضاة بمجرد انقضاء الاجل القانوني. وساهمت الازمة السياسية التي عرفتها تونس عقب اغتيال الشهيد شكري بلعيد في 6/2/2013 والتي صادف تزامنها مع عودة الحديث داخل المجلس التأسيسي عن قانون الهيئة في إنضاج التعاطي السياسي مع الاستحقاق التشريعي بعد ان تمسكت الاحزاب المعارضة بشرط بعث هيئة للقضاء تستجيب لتطلعات القضاة اثناء الحوار الوطني الذي اجرته الاطراف السياسية لإيجاد توافق وطني[5]. وفي سياق سياسي غابت عنه التجاذبات السياسية التي أجهضت مشروع القانون الأول، تولت لجنة التشريع العام بالمجلس الوطني التأسيسي اعداد مشروع جديد لقانون الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، وقد تواصلت أعمالها من 13/2/2013 حتى موفى شهر مارس 2013. وقد اثار مشروع القانون الذي اعدته اللجنة قبل احالته للنقاش العام بالجلسة العامة بالمجلس الوطني التأسيسي موجة استياء في اوساط القضاة. فقد رفضت النقابة ما تضمنه مشروع القانون من انفتاح للهيئة على غير القضاة في عضويتها، داعية للتصدي لمشروع القانون واسقاطه. وذهبت الجمعية في الاتجاه نفسه بالاستناد الى توصية لجنة البندقية في تقريرها المؤرخ في 13/03/2010 حول استقلال السلطة القضائية من ان “وجود اطراف من خارج المؤسسة القضائية او تعيينها بواسطة هيكل سياسي في الديموقراطيات الناشئة التي تتسم بهشاشة المؤسسات وصعوبة الرقابة عليها، قد يؤدي الى تشريك اطراف تحكمها الانتماءات الحزبية والتجاذبات السياسية في الاشراف على القضاء وادارة شؤون القضاة والى ارتهان الطرف المعين لجهات سياسية معينة وهو ما يتعارض مع مبدأ استقلال السلطة القضائية وحياد أعضائها”[6]. الا أن موقفها بدا هنا أكثر اعتدالا، بحيث رأت أن التشدد في الرفض الذي دعت اليه النقابة “سينجر عنه تحميل القضاة المسؤولية عن ذلك وزيادة عزلهم واضعاف موقعهم ومداومة وضعية الفراغ المؤسساتي وانفراد السلطة التنفيذية بالشأن القضائي لسنين قادمة”[7]. في موازاة ذلك، أصرت لجنة التشريع على بنود مشروع القانون دون التفات لاعتراضات الهياكل المهنية للقضاة. ومن أكثر مواقف أعضائها تعبيرا هو تصريح أحدهم بأن “اشتراط حضور عضو يمثل المجتمع المدني ويعينه رئيس الحكومة اعمال مجلس التأديب الخاص بالقضاة الغاية منه اجراء رقابة على القضاة لكيلا يتواطأ القضاة فيما بينهم وأثار التصريح في آنه موجة احتجاجات وسط القضاة، بحيث بادرت النقابة الى اعلان اضراب احتجاجي عن العمل بمختلف المحاكم يوم 28/3/2013 بغاية الضغط على المجلس التأسيسي، وقد فاجأت الجمعية الرأي العام بإعلانها في 26/3/2013 مساندة الاضراب والمشاركة في فعالياته. وفي الاتجاه نفسه، أصدر سامي القضاة التونسيين (وهم الرئيس الاول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب ووكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية والمتفقد العام بوزارة العدل والرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بتونس والوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتونس والرئيس الاول للمحكمة العقارية) في 29/3/2013 بيانا عبروا صلبه عن رفضهم لنص مشروع قانون الهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء العدلي في جانبه الذي يتعلق بالسماح لغير القضاة بالمشاركة في أعمالها. وقد أدلوا أنهم يرفضون تدخل غير القضاة في عمل الهيئة ويعتبرون ذلك مدخلا لتسييس القضاء وانتهوا الى تأكيد رفضهم المشاركة في أعمال أي هيئة تكون مكونة من غير القضاة.شكل موقف السبعة الكبار حدثا فارقا على اعتبار أنها المرة الاولى في تاريخ كبار القضاة التي يخرج فيها المتحكمون الفعليون في المؤسسة القضائية عن صمتهم ويلتحمون بالقاعدة القضائية. فقبل بيان 29 مارس، كان كبار القضاة يحسبون آليا في الشق الذي يوالي اختيارات السلطة ويعمل على إنفاذها ولو تعارضت مع مصلحة القضاء[8]وتولت جمعية القضاة التونسيين في ذات السياق صياغة ملاحظات حول مشروع القانون بشكل تفصيلي على نحو يبين مدى تمسكها بضرورة اقرار مشروع القانون وقامت باستغلال شبكة العلاقات التي تمتلكها داخل المجلس وخارجه لحماية مشروع القانون وتطوير أحكامه. ونظم مكتبها التنفيذي وقفة احتجاجية أمام المجلس التأسيسي في تاريخ شروع أعضائه في مداولاتهم بشأن قانون الهيئة للمطالبة يوم 4/4/2013 “بالتعجيل بتركيز الهيئة مع استكمال ضمانات استقلالها وللمطالبة بمنحها صلاحية اعادة النظر في ملفات القضاة المعفيين[9]” تكريسا “لمبدأ محاسبة القضاة طبق ضمانات الشفافية وحق الدفاع حسب اجراءات المحاكمة العادلة”. وقد أثمرت التحركات تعديلات جوهرية على مشروع القانون اذ تم بفعل الضغط، تعديل عدد من فصوله خصوصا فيما تعلق بتركيبة هيئة القضاء العدلي او فيما تعلق صلاحياتها[10]. ويلاحظ في هذا الإطار تعدد تحركات القضاة التونسيين، رغم اختلاف مواقفهم، خلال الفترة التي فصلت بين تعهد الجلسة العامة للمجلس التأسيسي بمشروع قانون هيئة الاشراف على القضاء العدلي وتاريخ المصادقة على القانون بتاريخ 24/4/2013 والتي تراوحت بين التحركات الجماعية الاحتجاجية والندوات الصحفية وصياغة المقترحات ومشاريع التعديلات التي وزعت داخل المجلس بواسطة اعضائه ومحاولات انتاج مساندة حقوقية لمطالب القضاة بالندوات العلمية. وعدا عن أن هذه التحركات نجحت في تعديل بعض مواده، فإنها حمت مشروع القانون من السقوط مجددا في فخ التجاذبات السياسية. وقد بين القضاة (أقله قضاة الجمعية) من خلال جملة المواقف التي نجحوا في صياغتها تطورا في حسهم المطلبي بين قدرتهم على القبول بالتوافقات وقدرتهم على صناعتها. وفيما رحبت جمعية القضاة التونسيين بسن قانون احداث الهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء العدلي وحرصت على ارسائها فعليا قبل نهاية السنة القضائية 2012-2013 ليتسنى لها اعداد الحركة القضائية، تمسكت نقابة القضاة التونسيين بصلابة موقفها داعية أنصارها الى مقاطعة انتخاباتها. غير ان دعوات المقاطعة لم تمنع الهيئة من استكمال تركيبتها بعد ان تم بتاريخ 7/7/2013 انتخاب 10 من اعضائها القضاة من قبل 810 قاضيا من جملة 1859 قاضيا مرسمين بجداول المقترعين ويمثلون جملة القضاة العدليين[11] وبعد ان تولى المجلس الوطني التأسيسي انتخاب الخمسة اعضاء من غير القضاة. ذات القدرة في التحرك وتنويع الاساليب الاحتجاجية عاودت البروز بعد تركيز هيئة القضاء العدلي ولكن في سياق يهدف هذه المرة للدفاع عن المؤسسة الوليدة وضمان استقلاليتها.
حراك القضاة دفاعا عن هيئة الاشراف على القضاء العدلي: أدّى تركيز الهيئة الوقتية للقضاء العدلي لإعادة تشكيل المشهد القضائي اذ برزت على الساحة القضائية الهيئة كمؤسسة ذات شرعية انتخابية وتمثيلية تعبر عن المشهد القضائي علاوة على اشرافها على المسارات المهنية للقضاة. وتوضح سعي الهيئة الى احتلال موقعها بالمشهد العام من خلال مبادرتها الى تعيين القاضية السيدة وسيلة الكعبي ناطقة رسمية باسمها وذلك في جلستها الاولى بتاريخ 19/7/2013. فلاختيار ناطق باسم الهيئة بالطبع دلالات على رغبة المؤسسة الوليدة في تجاوز ما ارتأته لها النصوص القانونية الى مجال أرحب يقوم على التواصل مع القضاة والمجتمع المدني والاعلام. ومن دون انتظار توفير حاجات عملها، باشرت الهيئة اعداد الحركة القضائية لسنة 2013-2014 ونجحت في 13/9/2013 وقبل يوم واحد من بداية السنة القضائية الجديدة في نشر باكورة أعمالها: حركتها القضائية، قاطعة بذلك للمرة الأولى مع ممارسات الحقبة السابقة من خلال الالتزام بشروط موضوعية، أبرزها الأقدمية، من دون التفات لمعايير الولاء والانسجام المعتمدة سابقا. واذ رحب جانب من القضاة بالحركة بعد ان اعتبروها فاتحة لنهاية عهد وصاية وزارة العدل على المسار المهني للقضاة، عاب جانب آخر منهم على الحركة اعتمادها لمعايير شكلية تغلب معيار الأقدمية على معايير الكفاءة. بادر وزير العدل التونسي بمجرد صدور الحركة القضائية الاولى التي تجرى دون ان يكون للوزير دور فيها الى إعلان حرب من جانب واحد على الهيئة. وقد كان تعطيل نشر الحركة القضائية في الجريدة الرسمية بشكل غير مألوف أول اجراء اعتمده الوزير في هذا الشأن. ويبدو أن الغاية من ذلك كانت ايجاد حالة امتعاض في صفوف القضاة من هيئة القضاء التي سيحملونها مسؤولية التأخير الحاصل الذي يضر بمصالح جانب هام منهم خصوصا وان نشر الحركة القضائية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية يمكّن من لهم مآخذ على التنقلات من الاعتراض. كما تتعطل من جراء التخلف عن النشر مصالح القضاة الذين استفادوا من ترقيات صلب الحركة القضائية. كما تولى الوزير اعلان معركة التشكيك في صلاحية الهيئة من منصة المجلس الوطني التأسيسي، في مناسبة جلسة استماع له في 19/9/2013، اعتبر فيها الهيئة “بناء فوضويا”. وقد بلغت معركته ذروتها في 14/10/2013 حين أصدر حركة قضائية مصغرة بمذكرات عمل شملت سبعة قضاة. ويبدو أن ممثل السلطة التنفيذية سعى لإرساء تقليد يسمح للوزير بإصدار مذكرات نقل قضاة خلال السنة القضائية، على نحو يحفظ له ما تمتع به أسلافه من سلطات داخل القضاء[12]. وقد شملت الحركة القضائية الوزارية عضوين من القضاة المعينين بحكم صفاتهم بهيئة القضاء وهما المتفقد العام لوزارة العدل ورئيس المحكمة العقارية فكانت في أحد اوجهها اداة للتأثير على أعمال الهيئة من خلال التدخل في تركيبتها. وأدى شمول الحركة للقضاة المعينين الى خروج هؤلاء عن تحفظهم السابق بعدما استشعروا أن وحدتهم مع عموم القضاة باتت خير سبيل لهم لمنع السلطة التنفيذية من تواصل الاستهانة بمكانتهم الاعتبارية. وقد أدى ذلك الى ايجاد لحمة بين أعضاء هيئة القضاء العدلي تمثلت في عدد من المواقف التصادمية الصادرة تحت شعار استقلالية القضاء. وفي17/10/2013، أعلنت الهيئة انها تعدمذكرات الوزير بحكم المعدومة لكونها صدرت عن جهة ادارية غير مختصة، طالبة من جميع القضاة الذين شملتهم هذه المذكرات بالبقاء في مراكز عملهم السابقة. ومن هذا المنطلق، ساهم وزير العدل من حيث لم يرد في توحيد توجهات الهيئة في جبه المذكرات الصادرة عنه وعمليا في إعادة تأسيسها على نحو نقل اليها بسرعة قياسية عبء قيادة معركة تحقيق استقلال القضاء. وما زاد من أهمية الدور المناط بها هو لزوم الطبقة السياسية والحقوقية التونسية الصمت إزاء هذه المذكرات، بسبب انشغالها بالملفات السياسية وبالحرب على الارهاب. وقد اختارت الهيئة أن يكون انهاء التمديد لمن بلغوا السن القانوني للتقاعد واجهة المعركة، فدعت في بلاغ صادر في 22/10/2013 القضاة الى الترشح لشغل منصب وكيل عام لدى محكمة الاستئناف بتونس وذلك رغم تداول اخبار في الاوساط القضائية تؤكد اعتزام السلطة التنفيذية التمديد للوكيل العام الحالي. ولم يكن اختيار محاربة التمديد اعتباطيا على اعتبار أن هذه الآلية استخدمت قبل الثورة وبعدها لشراء ولاءات سامي القضاة للسلطة السياسية. وقد كان اعلان الشغور تحديا في مواجهة السلطة التنفيذية على نحو يعكس مقولة أن السلطة تحد السلطة. فاجأت قدرة هيئة القضاء على المقاومة ونجاحها في الهجوم دفاعا عن ذاتها وزير العدل الذي كان اعتبرها “جسما غريبا عن القضاء”[13] وقدر انها ضعيفة لانقسام أعضائها وانقسام القضاة حولها. وتحول الارتباك لأول مرة للجهة التي كانت سابقا تربك القضاء وتتحكم في مفاصله. وردا على ذلك، شن وزير العدل هجوما لاذعا على هيئة القضاء متهما إياها بغصب السلطة والحكم بالأهواء والرغبة في التسلط مع سعي واضح منه الى وضع خلافه معها في خانة الصراع السياسي بين السلطة الحاكمة والمعارضة. وللإحاطة بالمشهد كاملا، لا بد من مقارنة إصرار الوزير على محاربة الهيئة بتراجعه السريع في مواجهة أخرى مع المحامين على خلفية صلاحية تعيين مدير معهد المحاماة. فما أن اعترضت هيئة المحامين على تفرده بممارسة هذه الصلاحية، حتى أعلن رضوخه لإرادتهم والتزامه مستقبلا بالتشاور معهم قبل القيام بذلك، ويبدو أن سعي الوزير للتسليم السريع بهزيمته في مواجهة هيئة المحامين كان لغاية ضمان تحييدهم في صراعه مع هيئة القضاء بعدما قدر أن معركة التعيينات القضائية هي جبهته الأهم. وفي إطار رد الحكومة على الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي في رفضها لآلية التمديد أصدر رئيس الحكومة بتاريخ 07/11/2013 أمرين في التمديد لقاضيين بلغا سن التقاعد هما الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس وقاضية بالمصالح المركزية لوزارة العدل -في تحد صريح لقرار هيئة القضاء فتح باب الترشح لمنصب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس-. جابهت هيئة القضاء تعنت الحكومة تجاهها بتعليق نشاطها في حركة بينت استعداد أعضائها لإيجاد حالة فراغ مؤسساتي في صورة عدم قبول الحكومة باحترام استقلاليتها كما تولى عضواها المشمولان بأوامر التنحية من خططهما الوظيفية اي رئيس المحكمة العقارية والمتفقد العام لوزارة العدل تكليف أحد اعضاء الهيئة من المحامين برفع قضايا لدى المحكمة الادارية لغاية الغاء الاوامر التي تعلقت بهما. وردت هياكل القضاة اي الجمعية والنقابة القضاة من جهتهما على تعنت الحكومة بإعلان اضراب بشكل منفصل بمختلف المحاكم يومي 19 و20 نوفمبر. واتى الاضراب الذي حقق نجاحا كاملا ليتوج تحركات احتجاجية قادتها جمعية القضاة التونسيين وتمثلت في وقفات احتجاجية وتعليق للعمل لمدة ساعتين يوم 14/11/2013. ومن جهته، أعلن مرصد استقلال القضاء مساندته لهياكل القضاة في تحركاتها وأصدر عددا من البيانات التي كشفت للرأي العام والمتتبعين خلفيات الصراع. وبذلك، دفعت هجمة السلطة التنفيذية على القضاء وهيئة القضاء العدلي الى ايجاد حالة من الوحدة غير المسبوقة في فضاء القضاء. فقد أدت اهمية المعركة لدفع هياكل القضاة دون سابق انذار لتنسيق مواقفها وتجاوز حالة القطيعة فيما بينها. وانخرطت الهياكل في تحركات مشتركة وساهمت قياداتها في حملة علامية لمواجهة حملة الجهات الرسمية وهو ما يدفع للقول كون ازمة التعيينات ألزمت القضاة بقبول واقع التعديدية في المشهد القضائي. وهو أمر كان لوقت قريب غائبا عن الذهنية القضائية التي كانت تميزت بالصراع بين النقابة من جهة والجمعية ومرصد استقلال القضاء من جهة اخرى في إطار من تبادل الاتهامات وسعي لنفي تمثيلية الآخر وبشكل أضر كثيرا بمصداقية القضاة. نجحت التحركات الاحتجاجية للقضاة وما ابرزته من توحد خلف هيئة القضاء العدلي وتجاوز للتجاذبات الهيكلية التي كانت سابقا تستغل من قبل الساسة لتجاهل مطالبهم في انهاء حالة تجاهل الساحة العامة لقضيتهم. اذ اصدرت الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية لحقوق الانسان والاتحاد العام التونسي للشغل بيانات مساندة للقضاة في مطالبهم تضمنت ادانتها لمحاولة السلطة التنفيذية استعمال التعيينات القضائية للتأثير سلبا على استقلالية القضاء. وكانت مساندة المنظمات المذكورة للقضاة هامة في اعتبار مصدرها خصوصا وإنها من المنظمات الاربع الراعية للحوار الوطني. وبالتوازي، اعلنت احزاب سياسية محسوبة على المعارضة اليسارية عن رفضها للتعيينات المنازع فيها. لم تؤثر وحدة القضاة في مواجهتهم لقرارات التعيين والتمديد وما لاقته من دعم في الساحة الحقوقية والسياسية، في الموقف الحكومي بعد ان تمسكت السلطة بقراراتها ورفضت التراجع عنها بدعوى انها قرارات شرعية. ووجد وزير العدل الذي يصنف سياسيا في تركيبة الحكومة التونسية كمستقل دعما كاملا من الطيف السياسي المكون للأغلبية الحاكمة. وعادت السلطة السياسية لتستعمل شعارات الفساد القضائي في دفاعها عن قرارات التعيين. فتم تنظيم حملة دعائية شملت وسائل الاعلام التونسية حاولت ابراز رفض القضاة لقرارات الوزير كما لو كان تصديا منهم لمجهوده في اصلاح القضاء وتطهيره كما تم اعتبار مساندة شق من المعارضة لمطالب القضاة مؤشرا على اتهامات السلطة لهياكل القضاة بالتورط في العمل السياسي المعارض لها. حولت الدعاية السياسية صورة الصراع بين هيئة القضاء العدلي ووزارة العدل الى صراع بين السلطة السياسية التي تتمسك بإصلاح القضاء والمعارضة التي نجحت في اختراق المؤسسة القضائية وتستغل خوف القضاة من المحاسبة لتستعملهم في تعطيل عمل الحكومة. فيما سعى وزير العدل في ظهوره الاعلامي الى احتلال المشهد تحت شعار الحرص على تطبيق القانون فأكد انه يتمسك بتنفيذ القانون ويناضل من اجل منع القضاة من التملص من احكامه. ويبدو توجه جزء من المشهد السياسي لمساندة قرارات الحكومة يتجاوز منطق التضامن الحكومي والالتزام الحزبي ليرتبط بتصور مبدئي سبق لجهات سياسية ان عبرت عنه بمناسبة مناقشة اصلاح القضاء بالمنابر العامة والمجلس الوطني التأسيسي، قوامه وجوب ارجاء تكريس استقلال القضاء على أساس أن القضاء لم يتم اصلاحه وتطهيره بعد مما يجعل استقلاليته خطرا على السلطة[14]. اختارت هياكل القضاة والهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي الالتزام بالمواجهة مع الحكومة في حدود التحركات الاحتجاجية والاشتغال على الجبهة الاعلامية والحقوقية لإبراز عدالة قضيتها والتنبيه لخطورة ازمة التعيينات على استقلالية القضاء. واذ رفضت هذه الهياكل الالتجاء الى القضاء الإداري لإبطال القرارات الإدارية المتجاوزة لصلاحيات الهيئة بدعوى ان هذه القرارات معدومة ولا يمكن الاعتراف بها ولو من خلال طلب الغائها، فان قاضيين ممن تمت تنحيتهم –وهما خالد البراق الذي يشغل خطة المتفقد العام لوزارة العدل ونوري القطيطي رئيس المحكمة العقارية، وهما عضوا في الهيئة بحكم صفتيهما-رفعا قضيتين أصليتين امام المحكمة الادارية طلبا فيها الغاء القرارات التي شملتهما. كما توليا نشر قضيتين استعجاليتين امام ذات المحكمة لإيقاف تنفيذ هذه المقررات لحين نظر المحكمة في أصل الدعويين. وقد شكل التداعي القضائي في هذا المجال رغم طابعه الفردي نقلة نوعية في اساليب ادارة الصراع حول التعيينات بين الحكومة والقضاة. وكان من آثاره أن اصدرت رئاسة المحكمة الادارية بتاريخ 22/11/2013 القرارين الاستعجاليين بتأجيل تنفيذ اوامر رئيس الحكومة المتعلقة بتعيين متفقد عام جديد لوزارة العدل ورئيس جديد للمحكمة العقارية لحين تمام البت في مطلب ايقاف تنفيذ لقرارين[15]. حاول وزير العدل التملص من تنفيذ احكام المحكمة الادارية بعد ان تمسك بانه تم الشروع فعليا في تنفيذ قرارات التعيين على نحو يجعل من المستحيل ارجاء تنفيذها. الا أن المحكمة الادارية اصدرت بتاريخ 09/12/2013 قراريها بإيقاف تنفيذ أوامر التعيين الى حين البت في أصل النزاع. وبينت المحكمة في قراريها أن ايقاف التنفيذ حتمي أملته “الأضرار التي يصعب تلافيها والتي تنجم عن تنفيذ أوامر الحكومة على سير مرفق العدالة وعلى هيئة القضاء العدلي”، وذلك بعد ان أوضحت ان الاستناد للفصل السابع من القانون الاساسي لسنة 1967 لإجراء تعيينات في المناصب القضائية العليا يشكل خرقا صريحا للدستور المؤقت للجمهورية التونسية وللقانون الاساسي المتعلق بإحداث الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي. حسمت قرارات المحكمة الادارية رغم صبغتها الاستعجالية المنازعة بين السلطة التنفيذية والهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي بعد ان اكدت على استقلالية الهيئة بمجال اختصاصها. وأدت ازمة التعيينات القضائية لإيجاد وحدة نوعية بين القضاة المعينين بصفاتهم والقضاة المعينين وبين عموم القضاة من اعضاء الهيئة واعضائها من غير القضاة. كما ابرزت ذات الازمة التفاف القضاة في دفاعهم عن استقلالية هيئتهم. وأدى الصراع الى تطور الوعي الاستقلالي للهيئة بما يبين ان الصراع حول الاستقلالية عاضد السند التشريعي في بناء مؤسسات القضاء المستقل. وفيما يعد تتويجا لتطور الوعي القضائي بأهمية دور القضاة في الدفاع عن استقلالية القضاء، قاد قضاة المحكمة العقارية بتونس تحركا نوعيا تمثل في رفضهم القبول برئيسة المحكمة التي عينت من قبل الحكومة. فقد تولوا تحرير لائحة أكدت على تمسكهم بمن اعتبروه الرئيس الشرعي لمحكمتهم وعبروا فعليا عن رفضهم التعامل مع سواه بما أسفر عن العودة الفعلية لرئيس المحكمة العقارية الى مباشرة مهامه بفضل السند المعنوي والفعلي الذي وفره قضاة المحكمة[16]. وسمح التفاف القضاة حول الهيئة وانتصار القضاء لموقفها بمعاودة عقد جلساتها. كما أثمر ضغط القضاة الى نشر الحركة القضائية بالجريدة الرسمية بعد ان تراجع رئيس الحكومة عن تعطيل امضائها. وأصدرت الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي بتاريخ 10/12/2013 حركة قضائية مصغرة شملت 63 قاضيا. ورغم ان الحركة المعلنة تعلقت اساسا بالاستجابة لعدد من الاعتراضات وطلب المناقلات التي سجلها القضاة على إثر نشر الحركة القضائية للسنة القضائية 2013-2014، الا انها – الحركة المعلنة – كانت في أحد ابعادها اداة للحسم في صراع التعيينات التي لم تشملها المنازعة القضائية. ويلاحظ ان هيئة القضاء العدلي تعاطت بمناسبة حركتها الجزئية مع اوامر التعيين التي باشرتها رئاسة الحكومة التونسية وتعلقت بخطتي المدير العام للمعهد الاعلى للقضاء ومدير مركز الدراسات القضائية. وتولت الهيئة الاعتراف في مرحلة اولى بأثر تلك الاوامر على المشمولين بها لتقوم لاحقا بمراجعة التعيينات واجراء تعيينات جديدة نقلت بموجبها المدير العام للمعهد الاعلى للقضاء المعين الى خطة مدير عام لمركز الدراسات القضائية وتولت تعيين المدير العام للمعهد الاعلى للقضاء الذي تولى رئيس الحكومة تنحيته من خطته مديرا عاما للمعهد الاعلى للقضاء لتنتهي الى تعيين المدير العام لمركز الدراسات القضائية الذي نصبته رئاسة الحكومة في خطته القضائية الاصلية اي رئيس دائرة بمحكمة التعقيبويمكن القول في هذا السياق ان الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي سعت الى حسم معركة التعيينات بأسلوب يضمن انهاء الصدام مع الحكومة دون ان يؤدي لتنازلها عن صلاحياتها. ويلاحظ هنا ان هيئة القضاء العدلي ابرزت روحا هامة للمسؤولية في اعمالها خصوصا بعد ان اعادت تعيين أحد القضاة الذين شملتهم القرارات الحكومية بخطة وظيفية هي مدير مركز الدراسات القضائية في رسالة تؤكد ان خلافها مع وزير العدل لا يمكن أن يؤدي لخروجها عن اصول التعامل ازاء المعينين من قبله[17]. الا أن الرد الحكومي على ذلك جاء على شكل جرعة إضافية من التصلب. فقد وجه وزير العدل التونسي بتاريخ 26 ديسمبر 2013 مراسلة ادارية لمختلف المشرفين على المحاكم والمؤسسات القضائية دعاهم صلبها “الى ابقاء القضاة المشمولين بالحركة القضائية الجزئية التي أجرتها هيئة القضاء العدلي بتاريخ 10 ديسمبر 2013 بمراكز عملهم الاصلية الى حين اشعار آخر”. وبرر الوزير دعوته” بالخشية من اضطراب العمل بالمحاكم“.وقد استند المقرر الوزاري في تعطيله فعليا للحركة القضائية للمراسلة التي وجهها رئيس الحكومة التونسية لرئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والتي تضمنت قراره رفض المصادقة على الحركة القضائية لاعتراضه على مشاركة المتفقد العام لوزارة العدل ورئيس المحكمة العقارية، بصفتيهما عضوين فيها، في اعدادها. ومرد هذا الاعتراض هو إصرار رئيس الحكومة على وجوب إحلال القاضيين اللذين عينتهما الحكومة في هذين المنصبين بدلا عن ذينك العضوين، علما أن المحكمة الإدارية كانت أوقفت تنفيذ قراري التعيين. ولم تكتف الحكومة بالتنكر لمقررات المحكمة الإدارية، بحيث ذهب رئيس الحكومة أبعد من ذلك، ساعيا الى إلزام هيئة القضاء العدلي بعدم تطبيق الاحكام القضائية، على نحو يتعارض مع سبب وجودها الذي هو ضمان استقلال القضاء. كما رفض رئيس الحكومة اشتمال الحركة تعيينات المدير العام للمعهد الاعلى للقضاء والمدير العام لمركز الدراسات القضائية لكونه يعتبر ذلك من صلاحيات الحكومة ويخرج عن ولاية الهيئة. شكلت لمراسلتان في موضوعهما انقلابا على حركة الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي وابرزتا تجانسا في المواقف بين رئيس الحكومة ووزير العدل. كما بينتا اصرار الحكومة على رفض القبول بولاية هيئة القضاء على التعيينات في المناصب القضائية العليا خلافا للأحكام من المحكمة الادارية. وكشف التوجه الحكومي عن رغبة في الاطاحة بقانون الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي من خلال التقويض الممنهج لكل احكامه. فبعد ان تعمدت الحكومة اجراء تعيينات وتحركات قضائية خارج الهيئة ودون الرجوع اليها، عادت ذات الحكومة لتستهدف الاستقلالية الادارية للهيئة.ادى الموقف الرسمي لتجدد صراع مؤسسات الدولة والتف القضاة مجددا حول هيئتهم وتولوا تنفيذ الحركة القضائية رغما عن معارضة الوزير. وتبعا لذلك، استمرت الازمة الى ما بعد نهاية سنة 2013 الى حين استقالة حكومة العريضي وتولي حكومة توافقية مقاليد السلطة بدلا عنها في مطلع سنة 2014. وقد أذنت الحكومة الجديدة بانتهاء الأزمة بعد أن أعلن وزير العدل الجديد عن التزامه باحترام استقلالية الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي. ويمكن في إطار البحث عن اساليب التحرك والاحتجاج التي تبناها القضاة وهياكلهم طيلة سنة 2013 من اجل الضغط لإرساء هيئة للقضاء العدلي تستجيب لطموحاتهم أو بعد ذلك في سياق الدفاع عن الهيئة في مواجهة سعي السلطة التنفيذية لانتزاع اختصاصاتها ملاحظة تعدد اساليب التحرك والاحتجاج بشكل بين عمق تجربة القضاء التونسي في المجال واتساع مجال حرية التحرك والاجتماع امامه بفضل مكتسبات ثورة 14 جانفي 2011. الا أن استعمال القضاة لحق الاضراب كان الاسلوب الاحتجاجي الاكثر اثارة للجدل. كما كان سعي القضاة لإيجاد تحالفات لهم بالمجتمع المدني وللتعريف باستحقاقاتهم في الساحة السياسية تسبب بهجمات عدة ضدهم.
اضرا

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني