“الموت عنّا مُصابان، مُصاب الموت نفسه ومصاب الكلفة، وفي كلّ تفصيل نشعر بأننّا نتوسّل لندفن موتانا بأقلّ ما يحفظ كرامتنا وكرامتهم”، يقول لاجئ سوري في مخيّم الريحانيّة في عكّار.
هنا، مع موت الأحبّة، يعيش اللاجئون مأساة حقيقيّة لا ترتبط بالفاجعة فقط، بل تطال كلّ تفاصيل المراسم المتوجّبة لهذا الفقد، ولو بحدّها الأدنى، بدءًا من حفظ الجثّة قبل دفنها، مرورًا بنقلها وتكفينها، وصولًا إلى الدفن. صحيح أنّهم يتشاركون بعض العوائق مع اللبنانيّين لا سيّما بعد الانهيار الاقتصادي، إلّا أنّ صفة اللاجئ سواء كان فلسطينيًا أو سوريًا، يجعله فريسة سهلة للاستغلال، حتى في الموت.
يتحدّث اللاجئون السوريون عن الموت كأزمة بعيدًا عن مأساة الفجيعة نفسها، تبدأ بإخراج الميت من المستشفى ولا تنتهي مع الدفن في قبور مجهولة بلا شواهد وفي أماكن بعيدة تصعب زيارتها.
عائلة أبو محمود مثلًا اضطرّت لإخراج جثّة قريبها من المستشفى قبل تأمين قبر لها، وإبقائها ليلة كاملة داخل المخيّم. “ليس لدينا رفاهية الوقت، البرّاد مكلف، قالوا لي يجب أن تخرج الجثّة اليوم أو دفع 100 دولار لإبقائها في البراد، لا أعرف إن كانت كلفة البرّاد 100 دولار للّيلة، ولكن هذا بالضبط ما حصل معنا”، يقول خالد أحد سكّان المخيّم، فيما تكتفي أم محمود بهزّ رأسها موافقة على ما يقوله خالد، وتقول بصوت خافت: “ما كان في مصاري يا خالتي، البرّاد بدّه مصاري، حطّيناله تلج طول الليل وشغّلنا المراوح”.
يضطرّ اللاجئون السوريون، حسب ما يخبرون “المفكرة” إلى ما يسمونه “غضّ النظر عن أمور أساسيّة تتعلّق بحرمة الموت أو الميت: “نحن لا نملك حتى ثمن الكفن، عندما توفّي والد زوجتي هنا في المخيّم كفنّاه بقماش أبيض عادي، لم نستطع جمع 50 دولارًا ثمن الكفن، وهذا موجع جدًا” يقول أبو محمد، مضيفًا: “تقضي حرمة الميت ألّا ننقله وهو على مرأى الجميع، ولكنّ ميتًا واحدًا لم يخرج من هذا المخيّم بسيارة إسعاف أو سيارة دفن موتى، عمّي نقلناه بسيّارة بيك آب على مرأى من الجميع، إلى مدافن تل معيان والتي تبعد ثلاثة أرباع الساعة، وهذا مؤذٍّ جدًا لنا”.
الـ “بيك آب” والميني باص والسيارة العادية التي لا تتسع حتّى لوضع الميت كما ينبغي وضعه، هي وسائل نقل الموتى المعتمدة في هذا المخيّم وهو من أكبر المخيمات في عكّار إذ يضمّ 200 عائلة. “لا ترضى سيارات الإسعاف للجمعيات في المنطقة هنا بنقل موتانا، نضطّر إلى نقله بالموجود والأقل كلفة، والكلفة أصلا لا تقلّ عن ثلاثة ملايين ليرة إذا ما تمّت مراعاتنا” يُردّد أشخاص نقلوا موتاهم مؤخرا من المخيّم إلى المدفن القريب.
نقل الجثّة وإيجاد سيارة وتأمين كلفتها لا تقتصر على المقيمين في هذا المخيّم بل يُعاني منها معظم اللاجئين السوريين إذ إنّ المدافن المخصّصة لهم أو تلك التي تستقبلهم تتمركز بشكل أساسي في عكّار (مدافن تل معيان) وطرابلس (مقبرة الغرباء) والبقاع (سعدنايل) وغالبًا ما يُنقل اللاجئ السوري من أيّ منطقة توفّي فيها في لبنان إلى هذه المدافن. وإذا كانت كلفة النقل من مخيّم الريحانيّة في عكّار إلى مدافن تل معيان في المنطقة نفسها تفوق ثلاثة ملايين ليرة، فكلفة النقل من بيروت أو صيدا إلى إحدى هذه المقابر قد تتجاوز 200 دولار. “وصلنا مرّة ميت اضطرّ ذووه إلى نقله جالسًا في سيّارة عادية من بيروت إلى طرابلس، كانت هذه الوسيلة الوحيدة المقدور عليها لنقله ونقلهم، وضعه ذووه في الوسط وأجلسوه كأنّه على قيد الحياة” يقول عامل في مقبرة الغرباء في طرابلس، مضيفًا أنّ تأمين سيارة نقل موتى وكلفتها هي من العوائق الأساسيّة التي تواجه اللاجئين السوريين، وأنّهم غالبًا ما يحاولون المساعدة عبر التوسّط مع جمعيات معنية أو “الخيّرين” لدفع المبلغ أو إيجاد من يرضى بنقل الجثّة مقابل ثمن البنزين فقط.
كلفة مرتفعة والذاكرة شواهد مجّانيّة
تتراوح كلفة الدفن في المقابر التي تستقبل لاجئين سوريين أو تلك المخصّصة لهم بين 4 ملايين ليرة (مدافن تل معيان في عكار) أو 50 دولارًا في سعدنايل في البقاع و100 دولار مقبرة الغرباء في طرابلس، وهي مبالغ تُشكّل عبئًا على أهل الميت إلّا أنّه “لا أحد يبقى بلا دفن، في النهاية يتكفّل أهل الخير بالأمر، أو تراعي الجهات المسؤولة عن القبر من لا يستطيع تأمين المبلغ”، حسب ما يؤكّد القيّمون على هذه المدافن. ويقول الشيخ فراس بلّوط، رئيس القسم الديني في دائرة أوقاف طرابلس المسؤولة عن “مدافن الغرباء” إنّ “ما يؤخذ من ذوي المتوفّين هو كلفة العاملين في المدفن وإنّ من يقول إنّه عاجز يدفع ما يتوفّر معه”.
لا ينفي اللاجئون السوريون الذين التقيناهم أنّه تتمّ مراعاة ظروفهم في ما خصّ كلفة الدفن في مقابر الغرباء “بس بدك واسطة وتترجّي فلان وعلّان”، تقول إحدى اللاجئات السوريات. إلّا أنّ الشيخ بلّوط ينفي هذا الأمر ويقول “نحن نطلب، في حال عبّر أحد اللاجئين عن عدم قدرته دفع الكلفة، شخصًا معرّفًا يؤكّد أنّ ذوي المتوفّى عاجزون عن تأمين المبلغ وبالتالي يدفعون ما يتوفّر معهم.
وفي الإطار، تقول المتحدثة الرسمية باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دلال حرب إنّ المفوضية تعي حجم الصعوبات التي يواجهها بعض اللاجئين السوريين لدفن موتاهم في لبنان، وإنّه عندما يتمّ إعلام المفوضيّة بحالة موت لاجئ في لبنان، نحيل الأمر إلى شركائها المحليين لمساعدة اللاجئين وإلى المعنيين من سلطات محلية ودينية والبلديات.
ما يقوله الشيخ بلّوط عن مراعاة أوضاع الأشخاص غير القادرين على دفع تكاليف الدفن يكرّره “أبو عرب” الذي ورث الاهتمام بمقبرة الغرباء أبًا عن جد، ولكنّه يتحدّث عن طلب القيّمين على المقابر ورقة “فقر حال” وعن صعوبة الأخذ بالورقة إذا ما كان المتقدّم بها سوري الجنسيّة “بقولولك عم يقبض دولار ليش بدنا نساعده” يقول.
يروي أبو عرب أنّه شخصيًا يقوم بدفن أشخاص مجانًا لأنّهم فقراء وأنّه غالبًا ما يعود عليه الأمر بتأنيب من إدارة المدافن. ويطرح كلام أبو عرب سؤالًا عمّن يضمن عدم المتاجرة بالقبور واستغلال الناس في هذه المقبرة تحديدًا، لا سيّما أنّ القبور تبدو غير منظّمة والكثير منها بلا شواهد، والمدافن غير مسيّجة وتُدار من أبو عرب والأوقاف كما يُفهم من كلام الناس في المنطقة.
يجيب الشيخ بلّوط عن هذا السؤال بأنّ الفوضى التي تبدو على شكل المدفن قديمة وأنّ الأوقاف وتحديدًا ما بين العامين 2012 و2015 وبعد أن استلمت المدفن، عملت على تنظيم الأمور إذ عيّنت ناطورين فضلًا عن وجود جداول بأسماء من يدفن في المقبرة بحيث لا يمكن دفن أيّ شخص من دون علم الأوقاف. أمّا عن وجود أبو عرب ودوره، فيقول الشيخ بلوط إنّه كان موجودًا قبل أن تستلم الأوقاف وإنّ الأوقاف نظّمت عمله بحيث لا يمكنه دفن أيّ شخص أو التصرّف بالمقبرة من دون علم الأوقاف.
بسبب ارتفاع كلفة الدفن، لا يضع معظم اللاجئين السوريين رخامًا أو شاهدًا على القبر، “ذاكرتنا شواهد القبور، نحن نحفظ مكان قبر أقربائنا، الشاهد يكلّف كثيرًا، ونحن بالكاد أمنّا كلفة النقل والحفر” تقول إحدى اللاجئات التي توفيّت شقيقتها مؤخرًا وتضيف: “دفعنا 3 ملايين للدفن، و5 ملايين و500 بدل غسيل، ومن أحضر المغسّلة أخذ مليونين بدل أجرة طريق، هذه مبالغ جمعناها من أقاربنا، الشاهد رفاهيّة، أحفظ قبر أختي في ذاكرتي”. وعدم وضع شاهد على القبر ليس تفصيلًا بالنسبة لأهل الميت فالخوف من نسيان مكان القبر أو سرقته يبقى هاجسًا حقيقيًا بالنسبة لهم.
الأماكن لا تزال متاحة
حتى العام 2019 عانى اللاجئون السوريون من مشكلة حقيقيّة في تأمين أماكن لدفن موتاهم، ومنذ العام 2016 قامت المفوضية وبالتنسيق مع البلديات المعنية ودار الفتوى وسكان المناطق بتوسعة 8 مدافن وإعادة تأهيلها في البقاع وبعلبك الهرمل تستقبل لبنانيين وسوريين. وأشارت حرب في تصريح لـ “المفكرة” إلى أنّ المفوضية قرّرت تقديم هذا الدعم بعد أن وردت تقارير من البلديات عن قلّة المساحات المتاحة لدفن السوريين موضحة أنّه ليس للمفوضية أي دور في عملية الدفن.
وفي الإطار نفسه يوضح الشيخ حسن عبدالله، المعني بموضوع دفن السوريين في منطقة البقاع، أنّ الأوضاع حاليًا أفضل من قبل بالنسبة لأماكن دفن السوريين، شارحًا لـ”المفكرة” أنّ المشكلة الأساسيّة كانت في منطقة البقاع التي كانت تستقبل مدافن بلداتها السنية السوريين من مختلف المناطق القريبة والبعيدة ما شكّل ضغطًا على مقابر المناطق البقاعية فبدأت ترفض استقبال الموتى السوريين. ويوضح عبدالله أنّه تمّ شراء أرض تبرّع بثمنها تجار وميسورون بمساحة 3 دونمات في منطقة “حوش الحريمة” في العام 2016 ولكنّها امتلأت بدورها، فتمّ شراء أرض جديدة في العام 2011، “سهل سعدنايل”، مساحتها 4 دونمات ونصف الدونم وهي لا تزال تتسع حتى اللحظة.
وليس بعيدًا يقول عدنان تلاوي مسؤول الإغاثة في عكار في اتحاد الجمعيات الإغاثية التنموية “أوردا” إنّ السوريين حاليًا لا يواجهون مشاكل في ما يتعلّق بمكان الدفن، موضحًا أنّ مدافن تل معيان التي أنشئت قبل سنتين بمساحة 10 آلاف متر لا تزال تتسع وإن كان نصفها تقريبًا قد امتلأ.
أما مدافن الغرباء في طرابلس التي تستقبل سوريين كما مختلف الجنسيات فيبدو أنّها بالكاد تتّسع للمزيد من الموتى: “انضغطت هلأ، بالكاد نؤمّن أمكنة، نستعين بقبور مهجورة دفن فيها سوريون وأهلهم سافروا إلى أوروبا، لا سيّما تلك التي بلا شواهد، نفتح القبر المهجور منذ 5 سنوات مثلًا، نعزل العظام، ونضع ميتًا جديدًا، إجمالًا لا نقرب من القبر الذي لا يزال أقارب الميت موجودين”.
لاجئون فلسطينيون: ضاقت الشواهد بأعداد موتاهم في القبر الواحد
“هنا في هذا القبر دُفن أبي وأختي وأخي، وفي ذلك القبر عمّاتي الثلاث” يقول رجل ستيني يجلس جنب أحد القبور في مدافن “مثوى شهداء فلسطين” في شاتيلا، بيروت. يمسح القبر بيده ليرينا الأسماء: “مضطرّون لدفن موتانا فوق بعضهم البعض، والمقبرة القريبة أحسن من البعيدة، لو دفن أبي خارج المخيّم ستصبح زيارته صعبة، ونحن يا بنتي من عاداتنا زيارة الميت كل اثنين وخميس”.
يعتبر هذا الرجل نفسه محظوظًا فهو لم يضطر إلى دفن أقاربه في مدافن سبلين البعيدة بالنسبة له، المدافن التي صارت ملجأ كلّ فلسطيني أو سوري فلسطيني ليس لديه قبر قديم في مدافن المخيّمات التي امتلأت بمعظمها.
هنا في مدافن “شهداء فلسطين” يبدو القبر المحفور عليه اسم واحد، إن وُجد، استثناء، فالقبور بمعظمها تحمل أسماء عدّة تصل إلى ستة، تمامًا كما القبر الذي تشير إليه إحدى السيدات عندما نسألها عن أزمة المدافن، والذي يعود تاريخ أول دفن فيه إلى العام 1973 وآخر دفن إلى العام الماضي، وما بينهما 4 أشخاص دفنوا فوق بعضهم البعض.
فضلًا عن الشواهد التي لم تعد تتّسع لمزيد من الأسماء، يمكن لأيّ زائر لهذه المدافن ومن لحظة دخولها، ملاحظة ضيق المكان بالموتى، فالقبور قريبة من بعضها البعض من دون ترك مجال لأيّ ممرّ، فلا ممرّات في هذه المدافن سوى الممرّ الرئيسي “استفدنا من كلّ مساحة متاحة، واليوم لا مجال لأيّ قبر جديد” يقول حارس المدافن.
يروي أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم شاتيلا ناجي دوالي، أنّ تاريخ المدفن الأوّل لمخيّم شاتيلا يعود إلى ستينيات القرن الماضي وأنّه أساسا بُني لـ “الشهداء العسكريين” وسميّ “مدافن شهداء فلسطين” لتعود منظمة التحرير وفي سبعينيات القرن الماضي وتشتري مدافن أكبر. ويقول “مدافن الشهداء” امتلأت سريعًا لا سيّما مع حرب المخيّمات والاجتياح الإسرائيلي. “أما المدافن الجديدة فامتلأت مؤخرًا، ولا مجال لأيّ قبر جديد”.
في ضاحية بيروت الجنوبية وفي مخيّم برج البراجنة لا تبدو الأمور أحسن حالًا. “يوجد مدفن واحد في المخيّم، ومن لديه قبر يدفن فوق قريبه ومن لا يملك قبرًا يتّجه إلى سبلين” يقول مسؤول العمل الاجتماعي في الجبهة الشعبية فؤاد ضاهر، مضيفًا: “كان المدفن في السابق يستقبل من خارج مخيم البرج وكنّا ندفن الفلسطيني السوري. ولكن منذ حوالي 4 سنوات وبسبب محدودية الأماكن، لا نستقبل إلاّ الفلسطيني، أمّا من يعيش في محيط المخيّم أو الفلسطيني السوري فيذهب إلى سبلين”.
بخلاف مدافن شاتيلا، تحافظ مدافن مخيّم برج البراجنة على الممرّات بين القبور ليسهل الوصول إلى أيّ قبر. ولكنّ نظرة سريعة على الشواهد تردّنا إلى المكان نفسه فقليلة هي الشواهد التي تحمل اسمًا واحدًا. “منذ شهر تقريبًا حفرنا آخر قبر جديد في آخر مساحة متاحة هنا، لم يعد هناك أيّ مكان لقبر جديد” يقول سليم حارس مقبرة مخيّم برج البراجنة.
يعود تاريخ إنشاء هذا المدفن إلى العام 1981 يوم اضطّر سكّان المخيّم استحداثه بعدما منعت الحرب القائمة حينها أهالي المخيّم من الوصول إلى مدافن الرمل العالي حيث كانوا يدفنون موتاهم، كما يشرح سليم، مشيرًا إلى أنّه منذ 15 عامًا ومع بدء امتلاء المقبرة، بدأ اعتماد دفن الموتى من العائلة نفسها فوق بعضهم البعض، كما وسّعت المقبرة في العام 2006 على أرض مشاع، وكانت بالأساس مخيمًا لأشبال “فتح”، ولكنّ كلّ هذه التدابير لم تمنع امتلاء المقبرة، واضطرار من ليس له قبر قديم إلى التوجّه إلى سبلين.
المشكلة التي تعاني منها مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت تمتد أيضًا إلى مخيّم عين الحلوة، إذ يقول عدنان الرفاعي عضو اللجنة الشعبية الفلسطينية في المخيم إنّه منذ زمن طويل منعت الأوقاف دفن الفلسطينيين في مدافن صيدا، وإنّ مدافن المخيّم في “درب السيم” والتي كانت تستقبل سكانه من فلسطينيين ولبنانيين وسوريين امتلأت، مكررًا ما سمعناه في المخيّمات الأخرى: “من له قبر قديم يدفن فوق أقربائه، أو يتّجه إلى سبلين”.
شمالًا، تبدو الأمور أحسن حالًا ولكنّها متجهة أيضًا في الاتجاه نفسه حسب ما يشير عضو اللجنة الشعبيّة في مخيّم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين أبو نزار خضر، مضيفًا أنّ المقابر الأساسية في المخيم امتلأت منذ عشرات السنوات وأنّ الأزمة بلغت ذروتها منذ ثلاث سنوات. “حينها واجهنا مشكلة حقيقية وسّعنا إحدى المقابر ولكنّها أصبحت على طريق الامتلاء، فهي تستقبل فلسطينيين وفلسطينيين سوريين، حاليًا ندفن فوق بعض الأقرباء”.
يُّشار إلى أنّه في العام 2009 قدّم رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط قطعة أرض في بلدة سبلين لتكون مقبرة للفلسطينيين مساحتها 10 آلاف دونم، دفن فيها منذ حينها حوالي 500 شخص ولا يزال أكثر من نصفها فارغًا.
الكلفة مرتفعة والبعض يُتاجر بالموت
لا يُواجه اللاجئون الفلسطينيون في المخيّمات مشاكل تتعلّق بتأمين سيّارات نقل موتى أو كلفتها، أو مشاكل تتعلّق بكلفة البرّاد أو الكفن كما حال اللاجئين السوريين، “في كلّ مخيّم جمعيّات معنيّة، منها الشفاء والهلال الأحمر الفلسطيني تنقل الموتى مجانًا، كما يوجد برّادات للموتى في معظم المخيّمات” يقول منعم عوض أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينيّة في لبنان لـ “المفكرة”.
أمّا كلفة الدفن فتختلف من مدفن مخيم إلى آخر فهي ما بين 500 و250 دولار (حسب نوع الرخام) في بيروت أيّ في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا وحوالي مليون ونصف المليون في مخيّم نهر البارد، وبحدود 100 دولار في مدافن سبلين، الأمر الذي يشكّل عبئًا على الفلسطينيين. “500 دولار اليوم مش كلمة بالتم ولكنّها بتدّبر بالآخر” يقول أحد اللاجئين.
يطرح اختلاف كلفة الدفن لا سيّما أنّ هذه الرسوم لا تشمل في أي مخيم بدل إشغال أرض (الأرض مجانيّة) سؤالًا عن الاستنسابيّة، إلّا أنّ الأمر يعود حسب عوض إلى اختلاف أجرة العامل (الحفر وبناء القبر ووضع الشاهد) من منطقة إلى أخرى، ولكنّ بعض من التقيناهم يتحدّثون عن محسوبيّات. “إذا عندك واسطة يمكن إيجاد قبر جديد لك في بيروت حتى، لا تزال هناك مساحة محدودة للمحظيين، وحتى السعر حسب الواسطة” يقول أحدهم.
كما يتحدّث آخرون عن تحكّم حرّاس بعض المدافن بالناس واشتراطهم دفع مبلغ شهري يصل إلى حدود 100 دولار مقابل الاهتمام بالقبر، إذ يخبر أحد اللاجئين أنّ حارس أحد المدافن طلب منه 50 دولارًا للاهتمام بالقبر شهريًا وعندما رفض، تعرّض قبر قريبه للعبث وتمّ كسر الرخامة الخارجية.
وليس بعيدًا، يتحدّث مصدر في لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عن تحويل موضوع الموت والمدافن إلى تجارة وعن مندوبين للأمن الوطني وبعض الفصائل الفلسطينيّة في عدد من المدافن يديرون هذه التجارة على حساب وجع النّاس، مشيرًا في حديث مع “المفكرة” إلى ورود شكاوى عدّة إلى اللّجنة منها فرض “خوّة شهرية” للاهتمام بالقبر واشتراط مبالغ كبيرة لإيجاد قبر.
لا ينكر منعم عوض إمكانيّة حصول أمور مماثلة يضعها تحت إطار المخالفات، ليؤكّد أنّها إذا حصلت لا تصل نسبتها إلى 1% ولا تشكل ظاهرة، وأنّه في حال وصول أي شكوى للجان المقابر تقوم بحلّ الموضوع فورًا ومحاسبة المخالفين.
ويشير عوض في تصريح لـ “المفكرة” إلى أنّ التكاليف غير إجباريّة أي أنّه لا يحصل أن يتمّ رفض دفن ميت أو اشتراط دفع المبلغ لدفنه. ويقول: “من لا يستطيع الدفع هناك جمعيات تتكفّل بالأمر، ونحن بطبيعة الحال نحتاج هذه الأموال، لا شيء مجاني فبالإضافة إلى أجرة العامل في المدفن والمواد اللازمة، تجمع اللجان المسؤولة عن المدافن ما يتبقّى من أموال للاستفادة منها لاحقًا في توسعة المدافن وشراء أرض جديدة. وفي هذا الإطار كان تمّ جمع 150 ألف دولار لشراء أرض لتكون مدفنًا لمخيّم عين الحلوة إلّا أنّ الأموال علقت في المصرف.
نشر هذا المقال في العدد 69 في مجلة المفكرة القانونية- لبنان
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.