القانون وجها لوجه مع الارادة السياسية: حق العمل لذوي الحاجات الخاصة نموذجا


2012-01-26    |   

القانون وجها لوجه مع الارادة السياسية: حق العمل لذوي الحاجات الخاصة نموذجا

“للمعوق كما لسائر أفراد المجتمع الحق في العمل وفي التوظيف، يكفلها ويفعلها هذا القانون”. بهذه العبارة،  اعلن “قانون حقوق المعوقين” في 2000 حق العمل للمعوقين، وفي المناسبة نفسها وللمرة الاولى في قانون وضعي وطني، حق العمل للمواطنين كافة. ولم يكتف القانون باعلان الحق، انما سعى الى “اعادة التوازن المفقود” فعليا بين الأشخاص المعوّقين ومن ليسوا كذلك، وذلك من خلال الزام القطاعين العام والخاص بتخصيص وظائف لهؤلاء ومن خلال ضمان حقوقهم بالاستفادة من تعويض البطالة وهو التعويض الاول من نوعه في لبنان.
لكن الحكومات المتتالية ما تزال تتقاعس في تنفيذ هذا القانون وفي وضع هذه الحقوق موضع التنفيذ، على اساس حجج يدلى بها كعقبات اساسية فيما ان غالبها حجج مبتذلة او على الاقل يسهل تجاوزها. فكأنما ثمة منظومة تعاند القانون وتهدف رغما عن احكامه الى الحفاظ على النهج التقليدي المتمثل في عزل المعوّق عن مجتمعه وابقائه رهينة الشفقة أو العطف أو الرعاية، بمنأى عن منطق الاندماج والمواطنة والحق (العبارات الاخيرة مستمدة من الأسباب الموجبة للقانون).
مجلس الخدمة المدنية يخطئ التقدير، فتنتسى الكوتا
رغم صدور القانون بتكريس كوتا 3% من الوظائف في القطاع العام للمعوقين، رأى مجلس الخدمة المدنية عدم امكانية تطبيقها الى حين اصدار مرسوم يحدد الوظائف التي يسمح للمعوقين الاشتراك فيها تبعا لنوع الاعاقة وبما يتلاءم وطبيعة كل وظيفة من الوظائف العامة.[1] وقد ادّى ذلك الى رفض المجلس قبول عدد كبير من الطلبات المقدمة من اشخاص معوقين. وقد رفضت جمعيات الاعاقة هذا الموقف معتبرة انه يشكل تمييزاً بحقهم اذ يجدر على المجلس ان يحدد مواصفات الوظيفة والكفاءات المطلوبة بدلا من تصنيف الاشخاص على اساس اعاقاتهم، ولا سيما ان القانون كرس الحق من دون تعليقه بصدور اي مرسوم.
ومن اللافت ان هذه الحجة، التي صورت على انها قاطعة وادت الى حرمان شريحة واسعة من حقوقها لما يزيد عن عقد ونيف، بدت في نهاية المطاف حجة مبتذلة وغير صحيحة. وهذا ما نقرؤه في التغير الحاصل في موقف مجلس الخدمة المدنية في العام 2010 عندما اكد تنظيمه لمباريات تسمح للمعوقين بالاشتراك “على أن لا تحول الإعاقة دون ممارسة المرشح لمهام الوظيفة المتقدم إليها بشكل كفؤ وسليم.” كما اعلن عن تعيين معوق في منصب مهندس زراعي،[2] وعن حجز نسب من الوظائف لأصحاب الاعاقات الذين ينجحون الامتحانات دون الخضوع لأي تراتبية أو أي تسلسل نجاح.[3]وهكذا، انقلب المجلس على نفسه ولم يعد يشير الى ضرورة اصدار مرسوم لتحديد الوظائف التي يمكن للمعوقين اشغالها، او لاستفادة هؤلاء من الكوتا الممنوحة لهم.
خلاف بين وزارتي العمل والمالية فيتحرر القطاع الخاص من موجب التوظيف
فيما ضمن القانون التزام ارباب العمل (صاحب كل عمل أو مؤسسة في القطاع الخاص التي لا يقل عدد الأجراء فيها عن ثلاثين) بموجب تخصيص وظائف للمعوقين في القطاع الخاص من خلال معاقبة من لا يلتزم به (فرض مبالغ مالية)، بدت الادارة وكأنها تعيق عمدا تنفيذ الحق من خلال استمرار الاختلاف بين وزارتي المالية والعمل على صلاحية تحصيل المبالغ المذكورة وحيازة الصندوق الذي ستودع فيه.
فقد نص القانون على ان الغرامة المترتبة على رب العمل الذي لم ينفذ احكامالقانون (مبلغ سنوي قدره ضعفي الحد الادنى للاجور عن كل معوق غير مستخدم) تسدد لوزارة العمل، وانيطت مهام اعداد لوائح باصحاب العمل المخالفين واستيفاء المبالغ المتوجبة عليهمبدائرة حماية العائلة والجمعيات في وزارة العمل.[4] الا ان وزارة المالية اعترضت على اعطاء هذه الصلاحية لوزارة العمل لكونها الجهة الوحيدة التي يحق لها جباية مبالغ مماثلة، مما أدّى الى تجميد استيفائها. وقد ادّى هذا الخلاف الى تجميد تنفيذ موجب تخصيص الوظائف في القطاع الخاص دون ان تظهر اي مبادرات جدية لحلّه، علما ان بعض المعنيين يرون ان هذا الاشكال القانوني “مفتعل” “عن سابق تصور وتصميم”[5] وان تجميد تنفيذ القانون ليس نتيجة للخلاف بين الوزارتين بل ان الخلاف، على الاقل استتبابه دون اي مبادرة للحل، هو نتيجة لارادة تجميده.
والواقع ان تجميد تنفيذ القانون ادى ليس فقط الى استمرار الادارة في اعمالها كما لو ان القانون لم يصدر، بل ايضا الى معاودة ممارساتها السابقة. وهكذا، عاود الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اصدار براءات ذمة لارباب العمل دون التثبت من التزامهم بتوظيف نسبة معينة من المعوقين. وهو كان قد امتنع عن اصدار براءات ذمة مشابهة خلال الاشهر الاولى بعد صدور القانون في حال عدم الالتزام بهذا الشرط، مما انعكس ايجابا على نسبة توظيف المعوقين في المؤسسات الخاصة. وقد برر الصندوق موقفه بعدم اصدار المراسيم التطبيقية التي قد تحّل الخلاف القائم بين وزارة المالية ووزارة العمل، والذي يظهر هنا ايضا وكأنه عقبة غير قابلة للحل.
وتعويض البطالة؟
واسوأ من هذا وذاك، هو ما آل اليه تعويض البطالة. فقد اصدرت الحكومة مرسوما سرعان ما تبين انه يهدف الى تضييق مدى الحق بدلا من تفعيله. فقد اعتمدت شروطا ومعايير للاستفادة من هذا التعويض لا تنطبق الا في حالات قليلة ويستبعد منها عدد كبير من المعوقين، كالمعوقين غير القادرين على ممارسة عمل ما، والذين لم يتمكنوا من الالتحاق بسوق العمل لمدة ستة اشهر بشكل متواصل، والذين لم يفقدوا عملهم اضطراريا.[6] واكثر من ذلك، فقد حددت الموارد المالية لتسديد هذا التعويض بالغرامات التي تجبى من ارباب العمل، مما ادى هنا ايضا الى اغراق هذا الحق في شباك الخلاف المستتب بين وزارة المالية ووزارة العمل وفق ما اشرنا اليه اعلاه.
اي مفعول رمزي للقانون؟
ولكن، هل ادى القانون الى تعزيز مشاعر هذه الفئة بمشروعية مطالبها، او الى تعزيز مشاعر الآخرين ب”موجباتهم” الاجتماعية تجاه فئة ذوي الحاجات الخاصة مما قد يسهم في تنفيذ طوعي لاحكامه، بمعزل عن قوتها التنفيذية او ايضا عن الارادة السياسية في تنفيذها؟ وبالطبع، ان سؤالا كهذا يفترض دراسات اجتماعية مطولة، انما نكتفي هنا بلفت النظر الى عدد من المبادرات التي تصب في هذا الاتجاه، وابرزها المبادرات التي قامت بها عدد من الجمعيات الممثلة لهذه الفئة بهدف اقناع القطاعات الخاصة بمشروعية هذه الحقوق – وعلى رأسها حق العمل – والتشارك معها لتفعيلها. وبالفعل، فقد نجحت بعض هذه الجمعيات مثلا بادراج قضية الاعاقة في جدول اعمال غرف التجارة والصناعة والزراعة وفي انشاء شراكة بينها وبين مؤسسات خاصة تحت عنوان “الهيئة الداعمة للتنوع في مكان العمل” وهي هيئة تهدف الى تأهيل وتدريب وتوظيف اشخاص لهم حاجات خاصة.كذلك نجح اتحاد المقعدين اللبنانيين بايجاد وظائف لمئات الاشخاص من خلال مكاتب توظيف تعمل في مختلف المناطق اللبنانية لاستلام طلبات التوظيف من الاشخاص ذوي الحاجات الخاصة والبحث عن الوظائف الشاغرة التي تتلاءم مع مؤهلاتهم وكفاءاتهم.
وقد تعاونت في هذا المجال الهيئات الممثلة لارباب العمل وان آثرت تبرير التعاون بالأهمية الاجتماعية للدمج، او ايضا للضمير الوطني او للواجب الانساني،[7] من دون اي اشارة صريحة الى القانون، بل احيانا مع التأكيد بانهم غير ملزمين ببنود القانون.[8] واللافت ان وزارة الشؤون الاجتماعية – وهي الوزارة التي انيطت بها مهمة تنفيذ القانون – بدت وكأنها تؤثر اعطاء القطاع الخاص ذمام المبادرة في تنفيذ القانون وفق الشروط التي يرتضي بها بدلا عن  تفعيل الاحكام القانونية الملزمة وهذا ما نقرؤه بوضوح من خلال الدعوة التي وجهتها الى القطاع الخاص بوجوب “إفساح المجال في مؤسساتهم لتقديم فرص العمل لهؤلاء المعوقين طوعا، دون إرغام الوزارة على الاستعانة بالقوانين الموجودة في وزارة العمل“.[9]

نشر هذا المقال في العدد الثالث من مجلة المفكرة القانونية.

[1] كتاب مجلس الخدمة المدنية رقم 3157/2002 تاريخ 18/3/2003 الموجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية
[2] كتاب مجلس الخدمة المدنية رقم 2670 تاريخ 2/8/2010 الموجه إلى رئاسة مجلس الوزراء (متوفر على الموقع الالكتروني للمجلس)
[3] أبو فاعور أعلن آلية تطبيق قانون توظيف المعوقين، الوطنية 9-8-2011
[4] المادتين 8 و23 من المرسوم رقم 8352 تنظيم وزارة العمل الصادر في 30-12-1961 (المعدلة بموجب المرسومرقم 7999 تاريخ 7/6/2002)
[5] وليد المرعي، “القانون 220 في عامه الرابع: جردة حساب لا تسر صادقا ولا صديقا”، في مجلة اصداء المعاقين، ملف العدد 47، ص XX
[6] المرسوم رقم 7784 الشروط والمعايير الواجب توفرها في الشخص المعوق للاستفادة من تعويض البطالة الصادر في 15/4/2005
[7] رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان (محمد شقير) في كلمته خلال اطلاق مشروع “المركز الوطني لدعم توظيف الاشخاص المعوقين في لبنان”، الوكالة الوطنية للاعلام، 29/11/2011
[8] اجتماع مع عامر مكارم، رئيس جمعية الشبيبة للمكفوفين، اجتماع مع د. نواف كبارة، رئيس الجمعية الوطنية لحقوق المعاق
[9] وزير الشؤون الاجتماعية (وائل ابو فاعور) في كلمته خلال اطلاق مشروع “المركز الوطني لدعم توظيف الاشخاص المعوقين في لبنان”، الوكالة الوطنية للاعلام، 29/11/2011
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني