
من اهم المسائل التي اثارت الجدل داخل المجلس الوطني التاسيسي وخارجه، هي المطالبة باقصاء اطارات حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحزب الذي كان يحكم البلاد قبل الثورة وتم حله تبعا لها بحكم قضائي ـمن المحطات الانتخابية التي تستعد تونس لخوضها موفى سنة 2014. اذ وبمناسبة طرح مشروع القانون الانتخابي للتداول، أصر شق من المشهد السياسي على فكرة الاقصاء بعدما اعتبروا أن منع قيادات الحزب الحاكم من معاودة الظهور في الساحة السياسية يترجم مقولة تحصين الثورة من الثورة المضادة. بالمقابل، تمسك شق آخر بحق الشعب في ان ينتخب ممثليه دون وصاية عليه من اي كان بما في ذلك المجلس الوطني الوطني التأسيسي والنخب السياسية. وخلف المواقف المبدئية المعلنة من الشقين، برزت الحسابات الانتخابية كمبرر للإقصاء وكسبب لرفضه لدى بعض من خاضوا في الامر. فقد انتهت بعض الاحزاب والكتل السياسية التي قدرت ان اصوات التجمعيين القاعديين يصلح ان يكون خزانا انتخابيا لها الى مساندة المدافعين عن منع التجمعيين من الترشح في المواعيد الانتخابية، فيما تمسكت الاحزاب التي لا تخفي ارتباط قيادتها بمرحلة ما قبل الثورة وتلك التي تسعى للتحالف مع الاحزاب ذات المرجعية الدستورية في المرحلة القادمة الى رفض فكرة العزل السياسي.
انتهى الصراع الى حصول الفصل 167 من مشروع القانون الانتخابي الذي كان يؤطر العزل السياسي على أغلبية اصوات نواب المجلس الوطني التأسيسي الذين شاركوا في عملية التصويت، من دون أن تكون هذه الاغلبية كافية لتحويل المشروع الى فصل قانوني آمر، على أساس أن المشروع كان يحتاج الى مائة وتسعة اصوات كحد ادنى ليمضي الفصل القانوني.
ادى السقوط الصعب لفكرة تحصين الثورة والعزل السياسي الى تكريس توجه تشريعي جديد ينبئ بالانتقال من مرحلة حكمتها الشعارات الثورية الى مرحلة أخرى يبدو أنها تهيئ لمصالحات بين أعضاء الطبقة السياسية تتجاوز مقولات العدالة الانتقالية وتعتد بالمصالح الانتخابية وتوازنات القوى الانتخابية. وفي الوقت نفسه، يبشر سقوط قانون العزل السياسي قانونا بانحسار التعدي "تحت غطاء الثورة وبتبرير منها" على مبادئ الحق الانتخابي وأصول العقوبات. فوفق هذه المبادئ، لا يمكن حرمان أي كان من حق من حقوقه الأساسية الا بحكم قضائي، يصدر في اطار محاكمة عادلة تضمن له حق الدفاع.
وبامكاننا القول أنه، على خلاف الظاهر، فان سقوط "فكرة تحصين الثورة " انما يعكس نجاح الثورة، ولو بفارق صوت واحد، في بناء فكرة دولة القانون، التي من المنطقي أن تكون أقوى حصن.
الصورة منقولة عن موقع www.babnet.net
متوفر من خلال: