بتاريخ اليوم، أصدر رئيس دائرة التنفيذ القاضي فيصل مكي قرارا هائلا في مفاعيله لجهتين: أولا، لا يتمتّع حاكم مصرف لبنان بأي حصانة وبإمكان أي متضرر منه أن يداعيه جزائيا؛ وثانيا، من المرجّح أن سلامة ارتكب مخالفات جزائية أدت إلى الإضرار بسيولة المصارف وتاليا بحقوق جميع المودعين. جمع هاتين النتيجتين يعني أن بإمكان أي مودع أن يطلب حجز أموال سلامة الشخصية إيفاء للضرر الذي تكبّده. هذا القرار صدر تبعا للاعتراض الذي قدمه سلامة ضد قرار الحجز الملقى على أمواله بطلب من مجموعة من المحامين (الدائرة القانونية في مجموعة “الشعب يُريد إصلاح النظام”) بصفتهم مودعين.
من أبرز ما تضمنه القرار ما معناه:
أنه يرجح عدم تمتع حاكم مصرف لبنان بأي حصانة. وأكثر تحديدا، يرجح عدم خضوعه للمادة 61 من نظام الموظفين التي تعلّق الملاحقة الجزائية في الجرائم الناشئة عن الوظيفة على موافقة الإدارة التي ينتمي إليها، لأنه خاضع فقط للنصوص التي ترعى مصرف لبنان عملا بفلسفة قانون النقد والتسليف وأيضا المادة 40 من قانون موازنة العام 1984 التي تضمنت نصا صرحيا بهذا الشأن. وما يؤكد ذلك وفق مكي “أن الحصانات والضمانات، ومن ضمنها الإذن بالملاحقة، تشكل شذوذا على قاعدة المساواة أمام القانون، وبالتالي فهي من قبيل الاستثناء التي لا يجوز التوسع في تفسيرها ولا يمكن تطبيقها على حالات لا تعنيها ولا القياس عليها لتشمل حالات غير ملحوظة فيها”،
أنه يرجح أن سلامة ارتكب مخالفات جسيمة من خلال الموافقة على إقراض الحكومة مبالغ طائلة بما يخالف المادة 91 من قانون النقد والتسليف ويشكل جرما سندا للمادة 363 من قانون العقوبات التي عاقبت كل من أوكل إليه بيع أو شراء أو إدارة أموال منقولة وغير منقولة لحساب الدولة … فخالف الأحكام التي تسري عليها إما لجرّ مغنم ذاتي أو مراعاة لفريق إضرارا بالفريق الآخر أو إضرارا بالمصلحة العامة أو الأموال العمومية أو ارتكب الخطأ الفادح الجسيم”.
وللوصول إلى هذه النتيجة، نقل القرار عن لائحة الحاجزين بعض أقوالهم والتي لم يتكبد سلامة عناء الإجابة عليها فبقيت من دون حجة مقابلة من قبله، وفق ما جاء في قرار مكي. ومفادها:
أن حوالي 98% من الزيادة في الدين العام خلال السنوات الخمس الماضية جاء تمويلها مباشرة من مصرف لبنان إذ وصلت حصته من إجمالي الدين العام إلى أكثر من 40% في نهاية العام 2019 مقارنة ب 20% في نهاية العام 2014،
أنه جرى اعتماد نموذج تمويل الاقتصاد اللبناني على الفوائد المرتفعة لجذب الودائع، ما أدى إلى توسّع كبير في قاعدة الودائع وزيادة الاستدانة وتكبيل النمو،
أن ازدياد عمليات الهندسة المالية أدت إلى بلوغ نسبة الودائع لدى مصرف لبنان حوالي 60% من مجمل أصول المصارف مقابل 44% في العام 2015 إذ وفرت هامش عوائد عالية على ودائعها بالدولار، حيث تقدر الفوائد المتراكمة على ودائع المصارف لدى مصرف لبنان بما يتراوح بين 8 و10 مليار دولار في العام 2018. وتظهر هذه الهندسات (التي يرجح أن الحاكم تسبب بها) أن تعثر القطاع المصرفي هو أولا مسألة نقدية نتجت عن انخفاض السيولة لدى هذا القطاع من العملات الأجنبية بسبب استقطابها من مصرف لبنان.
وإذ يؤكد مكي في قراره هذا على صحة قرار الحجز السابق على أموال الحاكم الذاتية، فإنه يشكل شاهدا آخر على أهمية الدور القضائي في حماية الحريات وتحديد المسؤوليات. وما يزيد من أهمية هذا القرار هو توقيته، حيث أنه أتى في غضون أقل من أسبوع من جلسة المجلس النيابي التي انتهت إلى قرار مائع بشأن التدقيق الجنائي على حسابات مصرف لبنان.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.