في العام 2019، تبيّن أنّ ثلث اللبنانيين يعتمدون على المساعدات الغذائية في معيشتهم. ووفقًا للأمم المتّحدة، فإنّ الأمن الغذائي للبلاد سيكون مُهدَّدًا أكثر مستقبلًا في غياب المساعدات الدولية، إذ يعتمد السكّان الأشدّ فقرًا على المساعدات الغذائية العينية والمساعدات المالية. وبحسب تقرير الأمم المتّحدة للربع الأوّل من العام 2021، يوجد اليوم في لبنان أكثر من 2.3 مليون محتاج[1]، منهم 1.3 مليون سوري و850 ألف لبناني، و170 ألف فلسطيني، و30 ألف فلسطيني من سوريا. تتوافق هذه الأرقام مع تقديرات البنك الدولي، التي تقدّر أنّ 850 ألف لبناني باتوا يصنّفون في خانة الفقراء جدًّا، و1.7 مليون فقير (46٪ من السكّان اللبنانيين)[2].
وبعد بدء الأزمة في العام 2019، أُنشِئت برامج وصناديق عديدة لتقديم المساعدة المالية، بما في ذلك شراء الموادّ الغذائية. دعم البرنامج الوطني لمواجهة الفقر في حالات الطوارئ المجتمعات اللبنانية والسورية الضعيفة في لبنان. إلّا أنّه من المؤسف أنّ الدولة اللبنانية لا تصنّف هذه السياسات العامة إلّا كإجراءات طارئة، لا تتناسب بعدُ مع النهج القائم على الحقوق، وفي مقدّمتها الحقّ في الأمن الغذائي.
وبالفعل، يتمّ دعم السياسة الغذائية حاليًّا، وبشكل أساسي، من خلال مجموعة متنوّعة من البرامج والقرارات التي تتّخذها الحكومات بشكل فردي وثنائي ومتعدّد الأطراف وعالمي، والتي تؤثّر في إنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه. هنا تظهر أهمِّيّة تخطّي الاستنسابية في الخطط الغذائية، وضرورة دعم الحركات التضامنية والتعاونية كنماذج تسهم في بناء أمن غذائي مبنيّ على الحقّ في الوصول إلى الغذاء تماشيًا مع ما يقتضيه مؤتمر القمّة العالمية للأغذية لعام 1996.
1- محاولات خجولة للاعتراف بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني في لبنان
تنحصر المحاولات الجادّة للاعتراف بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني بتجارب نادرة حتّى الآن، ومن أهمّها تلك التي تسير في اتّجاه فرض اعتراف القطاع العام بمبادرات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، كمؤتمر الجمعية الدولية لرؤساء البلديات الفرنكوفونية الذي عُقِد في لبنان في عام 2016، والذي وضع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على جدول أعماله، بمشاركة من بلديات بيروت وجبيل وغزير وطرابلس وزحلة وزغرتا-إهدن، وهي أعضاء في الجمعية التي انضمّت إليها ظرفيًّا بلديّتا البترون وصور[3].
وريثما يصدر قانون يمكّن من التعريف والتمييز بين هيكليات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتحديد المعايير والمبادئ التي تحكمها، يشهد لبنان العديد من المبادرات التضامنية من الجمعيات الدينية، أو المدنية، أو التجارية، أو الجمعيات غير الهادفة للربح، في المناطق الريفية أو الحضرية، حيث تشترك جميعها في الرغبة في الابتكار من أجل توفير حلول جماعية لمشكلات الإنتاج والتسويق وتمويل المؤسّسات الاجتماعية[4].
بالإضافة إلى ذلك، حاولت تعاميم مصرف لبنان لعام 2018، بدون جدوى، إعطاء دفع جديد للتمويل التشاركي لمبادرات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. حتّى ذلك الحين، كان مصرف لبنان ينظّم التمويل الصغير جدًّا والميكروي وفقًا لإدارة تقليدية لا تأخذ بعين الاعتبار التوجّهات الاجتماعية للقروض الصغيرة أو ارتباطها المباشر بالاقتصاد الإنتاجي، وذلك بشكل أساسي من خلال التعميم رقم 93 لعام 2004 المتعلّق بالقروض الصغيرة، والتعميم رقم 2 لعام 1998 بشأن إنشاء وُسطاء ماليين. لذلك، لا يُعرّف الائتمان الأصغر إلّا بحجمه، بحسب مصرف لبنان، أي إنّه أقلّ من 30 مليون ليرة، ولا يتجاوز 6 سنوات، وهو موجّه إلى الشركات الصغيرة التي يقلّ عدد أفرادها عن 4 أشخاص، ما يُقصي التعاونيات حكمًا. وتصحيحًا لهذا الواقع، تمّ تصميم التعميمَين 505 و506 لعام 2018 عشيّة انهيار النظام الاقتصادي والمالي في عام 2019، وقد تأخّرا في بثّ نبض جديد وحياة جديدة في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني[5].
وبفعل القيود المصرفية المفروضة بعد أزمة المصارف منذ أواخر عام 2019، تُواجه المؤسّسات العاملة في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، كسائر المنظّمات والعملاء الاقتصاديين في لبنان، خطر نضوب مصادر التمويل، نتيجةً للقيود والمخاطر في عمليات الصرف، وبسبب العراقيل والأعباء المُجحِفة التي يفرضها اليوم القطاع المصرفي على المودِعين وعلى التحويلات المالية[6]. مع العلم أنّ مؤسّسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تتأثّر سلبًا بتلك المعوقات المصرفية والمالية، ويفوق تأثّرها هذا بقيّة المنشآت الإنتاجية التجارية التي تحتفظ بهامش من الحركة في التأقلم من خلال التسعير المضخّم أو شراء الدولارات في الأسواق السوداء أو الشيكات المصرفية للاحتماء من تغيُّر سعر الصرف.
وبالعكس، غالبًا ما تكون القيود المالية والممارسات التعسّفية التي تفرضها البنوك اللبنانية على مؤسّسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تناقض تامّ مع مطالب الجهات المانحة أو شروطها، ممّا يتطلّب من تلك الأخيرة بذل جهود إضافية للمحافظة على الطابع الأخلاقي لتمويل أعمالها.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، ينبغي عدم التقليل من الإمكانات التنموية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني اليوم، لأنّ الابتكار الاجتماعي الذي يحتويه غالبًا ما يكون، في أصله، موجّهًا خصّيصًا نحو حلّ مشكلات اجتماعية واقتصادية تتّسم بالمخاطر القصوى.
2- زخم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في لبنان على خلفية الأزمات المتعدّدة
تستفيد فرص الاقتصاد الاجتماعي والتضامني حاليًّا من زخم تضامن نشأ في أعقاب الحركة الاجتماعية لعام 2019، وقد احتدمت طوال الأزمة الاقتصادية والصحِّية من خلال آلاف المبادرات المحلِّية والدولية.
ظهرت مبادرات جديدة بعد الحراك الاجتماعي في تشرين الأوّل عام 2019، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مبادرة “سوسيال غروسري” (Social Grocery) في طرابلس لتسهيل تصريف الإنتاج الزراعي، ومشروع “سيزار” (Cezar) في الباروك لتأمين البذور ذات الجودة العالية، ومبادرة “واحد” في طرابلس وهي حملة تمويل تضامني. والجدير بالذكر نشوء مبادرات عدّة لخلق شبكات اجتماعية تجمع بين المزارعين والمستهلكين، وبين المقيمين والمغتربين ومنها: “منتشرين” و”مغتربين مجتمعين” و”حبق” أو أيضًا “فروم ذا فيلاج” (From The Villages).
أصبحت منظّمة (Impact Lebanon) رمزًا لهذه الحركات التضامنية، منذ أن تأسّست في اليوم التالي لتعبئة 17 تشرين الأوّل 2019، وهي تهدف إلى هيكلة العمل الاجتماعي والإنساني حول شبكات اللبنانيين في الشتات، وتعمل منذ ذلك الحين “كحركة اجتماعية حاضنة” لعشرات المبادرات الاجتماعية التي تقودها الجمعيات أو المنظّمات غير الحكومية تحت لوائها.
في أعقاب تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020، تمكّنت المنظّمة من جمع ما لا يقلّ عن 8 ملايين دولار من خلال مصادر التمويل الجماعي Fبما في ذلك أحيانًا نظام النجوم، بتبرّعات من “كلوني” (Clooney) أو “مادونا” (Madonna)].
وبشكل أكثر تحديدًا، تضاعفت المبادرات المُنضوية في خانة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من أجل دعم المُنتِجين الزراعيين على مدار العقدَين المنصرمَين على الأقلّ، والتي يبدو أنّها باتت تمثّل الآن أولويّة بالنسبة إلى المانحين الدوليين. وهذا ما يُظهره أيضًا نموذج (Fair Trade Lebanon) التي أبرمت مع منظّمة “أرتيسان دو موند” (Artisans du Monde)[7] شراكة لتطوير مبادرة لدعم التعاونيات الزراعية، لا سيّما في المناطق الأكثر حرمانًا في البلاد.
مرّةً أخرى، يثبت تدخُّل مبادرة التضامن هذه في سياق الأزمة أنّ النموذج الاجتماعي المُبتكر يفتح الطريق أمام إمكانيات متعدّدة لم يتمّ استغلالها بعد. وبالفعل، فإنّ نموذج الإنتاج والتسويق الخاص بهذه المبادرة يتجاوز العلاقة البسيطة بين المحلّات التجارية أو النقابية أو التعاونية، لأنّه يجلب معها التعاون في مجال التعليم والتدريب، وتطوير مشاريع السياحة الثقافية.
كما يجدر التوقف عند تجربة منظّمة وضع العلامات التجارية العادلة (Fairtrade Labeling Organization) FLO[8]؛ إنّ تلك العلامة التجارية في مجال التجارة العادلة تعوّض عدم وجود علامة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في مجال التجارة، فتسمح، في الوقت الحالي، بمنح تعاونيات زراعية معيّنة شهادة بالطبيعة الاجتماعية العادلة لأعمالها، كما الحال، على سبيل المثال، في التعاونية “كوتو هيليوبوليس” (Coteaux Heliopolis)، التي تعمل في شمال البقاع وتحديدًا مع مجموعة من المزارعين من 11 قرية في المنطقة؛ أو تعاونية عين إبل في الجنوب، المتخصّصة في إنتاج الحلويات؛ أو جمعية عيتا الفخّار التعاونية في البقاع، المتخصّصة في المُنتَجات المحلِّية. هنا أيضًا، تقترن فرص التسويق والتصدير (بفضل مُلصَق التجارة العادلة) بالدعم المالي والتقني من الخارج الذي تستفيد منه المؤسّسة الاجتماعية بسبب الطبيعة المبتكرة والمدمجة لنشاطها الاقتصادي (من البلديات الأوروبية، اليونيفيل، وسواها).
يُشار إلى أنّ أكثر المُنتَجات التي استفادت من مُلصَق التجارة العادلة حتّى الآن هي زيت الزيتون، والخرّوب، والعسل، والنبيذ، والمُنتَجات الحرفية المتنوّعة للمُنتَجات المحلِّية (المُخلَّلات، والجبن، والحلويات الشرقية، وسواها). تُعَدّ تعاونية نجمة الصبح، التي تديرها 11 امرأة من المحيدثه (البقاع)، رمزًا لهذا الإنتاج المختلط الذي يركّز على تراث الطهي في البلاد. تشتري الجمعية التعاونية أكثر من 50% من الإنتاج الزراعي للمنطقة، وبالتالي تصدّر مُنتَجاتها إلى عدّة دول أوروبية (وصفات قديمة مثل المربّيات والزعتر والفواكه المجفّفة أو حتّى شراب الورد)، ويُعاد توزيع حصيلة البيع على النساء بحسب عدد ساعات العمل[9].
يمكن دمج نماذج الإنتاج التعاوني تلك بسهولة مع خطط الادّخار والتمويل التضامنية و/أو التشاركية، عندما يكون لدى الأعضاء إمكانية الادّخار التضامني[10]. بالنسبة إلى أعضاء التعاونية، يمكن أيضًا البحث في نماذج شبيهة لخطّ ادّخارات تضامنية و/ أو مشاريع إعادة تمويل من خلال شراكتهم، كجزء من خطّة ادّخار للمؤسّسة، أو كجزء من مدّخرات لتقاعد العاملين[11].
3- تعاونيات التسليف كأحد الحلول الممكنة لمشكلات تمويل الاقتصاد الزراعي في لبنان
سعتْ الدولة اللبنانية مرارًا، في فترات ما قبل الحرب، إلى إنشاء صناديق للتسليف الاستثماري، منها للزراعة وللصناعة وللإسكان، بهدف الدفع بعجلة الاستثمار الوطني؛ كذلك، وضعت خططًا ضمن المشروع الأخضر لإنشاء صندوق التسليف الزراعي. إلّا أنّ مجموعة المشاريع تلك أُجهضت في لحدها ولم يُبصر منها النور إلّا صندوق الإسكان ومصرف الإسكان، في الوقت الذي يغيب فيه دور الدولة في دعم القروض الاستثمارية الأخرى، مع ملاحظة بعض الاستثناءات، كالقروض الصغيرة المدعومة من خلال برنامج كفالات، والتي أدّت دورًا هامشيًّا في فترة ما بعد الحرب .
بغياب صناديق التسليف الزراعي، يبقى الاتّحاد الوطني للتسلیف التعاوني القناة الوحيدة للتمويل الحكومي، لكنّها تبقى حكرًا على الجمعيات التعاونية ولا ترقى إلى مكانة الأداة التمويلية للقطاع الزراعي ككلّ.
كما أنّ الاتّحاد الوطني للتسلیف التعاوني الذي أُنشئ بمرسوم 9813 الصادر في تاريخ 4/5/1968 ليس مؤسّسة مصرفية، أي إنّه لا يخضع لأحكام قانون النقد والتسليف ولا يقدر على تأمين الحاجات الائتمانية أو على خلق الاستثمارات الزراعية، فينحصر دوره بكونه مؤسّسة مالية مركزية للقطاع التعاوني تجمع الموارد المالية الطليقة في القطاع التعاوني من أجل منح القروض والخدمات للتعاونيات التي تحتاج إلى تمويل، أي إنّه يؤدّي دور الوسيط بين التعاونيات ذات الحاجة إلى التمويل وتلك التي تتمتّع بفائض تمويل، مع إمكانيّة الحصول على سلفات خزينة من الدولة لسدّ الفجوات .
وفي حين تشهد فيه سياسات الإنفاق الحكومي اضمحلالًا، يبقى هذا الاتّحاد المؤسّسة المالیة المركزیة للقطاع التعاوني، ما يطرح ضرورة تفعيل دوره في تمويل الاقتصاد المُنتج، علمًا أنّ العجز المالي للدولة يُصعّب إمكانية الاعتماد على قروض حكومية لإطلاق القطاع الزراعي اليوم.
وفقد سبق لنا في الفصل السابق أن تطرّقنا إلى مسألة التمويل الحكومي وإلى التهميش المنهجي للسياسات الزراعية في موازنة الحكومات المتعاقبة منذ نهاية الحرب، لذا نكتفي هنا بالتذكير بأنّ إستراتيجية وزارة الزراعة تشدّد بإلحاح، ومن دون نتيجة، منذ عام 2015، على ضرورة إعادة تفعيل دور الاتّحاد الوطني للتسلیف التعاوني، المُعطَّل كلِّيًّا بسبب غياب التمويل العام[12].
كان لتصلُّب شروط تمويل الاقتصاد الحقيقي عواقب مباشرة على الزراعة، ولا سيّما على التعاونيات الزراعية، وقد انسحبت هذه العواقب على الهيكليات الأخرى في الجمعيات والمؤسّسات الاجتماعية غير الزراعية.
في الواقع، كان المزارعون يشترون المُدخلات والموادّ الأولية واستهلاكاتهم الوسيطة عن طريق الائتمان، ولا سيّما الائتمان الممنوح لهم من مُورّدي المدخلات أو تجّار الجملة والوسطاء، وعادةً ما كانوا يسدّدون بعد الحصاد. ولكن، على الرغم من اعتياد المزارعين على الظروف الاقتصادية الصعبة في الماضي، إلّا أنّهم تعرّضوا لمزيد من الضغوط بسبب الأزمة الحالية، وذلك بسبب الافتقار إلى الائتمان لشراء مدخلات جديدة، وبسبب مطالبة المزوّدين والتجّار بدفع المتأخّرات. وفي الوقت نفسه، اضطرّ المزارعون إلى شراء المدخلات نقدًا، بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية، وفقَ أسعار الصرف في “السوق السوداء”، أي بسعر السوق المتقلّب. ومع ذلك، رفع جميع المستوردين أسعار المدخلات لحماية أنفسهم من أخطار الصرف.
أخيرًا، لا بدّ من أنّ نشير إلى أنّ تجّار الجملة كانوا، في الماضي، يزوّدون المزارعين بالموارد المالية في بداية الموسم لضمان التدفّق النقدي، على أن يسدّد المزارعون التكاليف العينية (كجزء من الإنتاج) في وقت الحصاد. كان تجّار الجملة، مثلهم مثل مورّدي المدخلات، يستفيدون حينها من التسهيلات الائتمانية التي تقدّمها البنوك التجارية، غير أنّ هذه التسهيلات الائتمانية انقطعت، فتأخّرت المدفوعات للمزارعين بسبب الأزمة المالية.
وبالفعل، تُظهر آليّات تمويل القطاع الزراعي شيوع مصادر التمويل المباشر بين الدائن والمدين من دون الحاجة إلى وساطة مالية من المصارف؛ تلك العمليات التمويلية كانت وما تزال المحرّك الأساسي للاستثمار الزراعي، وهو ما تظهره العلاقات التمويلية المباشرة بين المزارعين ومورّدي المدخلات من ناحية، أو بين المزارعين والتجّار من ناحية أخرى.
الاتّحاد الوطني للتسليف التعاوني: أهدافهوآليّاتعمله
الاتّحاد الوطني للتسليف التعاوني: هو بمثابة مؤسّسة مالية مركزية للقطاع التعاوني، لها صفة الجمعية التعاونية وميزاتها وخصائصها، وتُمثَّل الحكومة فيها بمفوّض عنها (مدير عام التعاونيات أو موظّف) وفقًا للبند 5 من المرسوم 14128، مرسوم تحديد دقائق تطبيق أحكام قانون إنشاء اتّحاد وطني للتسليف التعاوني، الصادر في تاريخ 25/3/1970. أُنشئ الاتّحاد الوطني للتسلیف التعاوني بموجب المرسوم رقم 9813 الصادر في العام 1968. تمّ التصديق على نظامه الأساسي بموجب المرسوم رقم 2981 الصادر في العام 1972. لا يخضع الاتّحاد الوطني للتسليف التعاوني، كما لا تخضع تعاونيات التوفير والتسليف المحلِّية، لأحكام قانون النقد والتسليف بموجب البند 4 من المرسوم رقم 9813. يعتمد تمویل الاتّحاد في الأساس على سلف خزینة مقدَّمة من الدولة، وسلف من الجھات الداعمة والمنظّمات الدولیة المھتمّة بالقطاع التعاوني بكفالة الدولة، كالاتّحاد الأوروبي. كما يحقّ له منح كفالة الدولة للقروض التي يعقدها مع الغير لتمويل مشاريع محدّدة يوافق عليها مجلس الوزراء بموجب البند 5 من المرسوم رقم 9813 الصادر في العام 1968.
إعطاء القروض والسلفات وتقديم جميع الضمانات؛ إمكانية أن تكون القروض والسلفات من أيّ نوع كان
أن يكون اتّحادًا تعاونيًّا أو جمعية تعاونية عاملة في لبنان ومسجَّلة أصولًا لدى إدارة التعاون
جمع الموارد المالية الطليقة في القطاع التعاوني
كفالة وضمان تنفيذ جميع العمليات والالتزامات العائدة إلى أعضائه
أن يقبل خطِّيًّا بشروط النظام الخاص وأن ينفّذ تعهّداته المتعلّقة بالاكتتاب بالأسهم وبتسديد قيمتها وقيمة الاشتراك كما تحدّدها الجمعية العمومية وفقًا لأحكام هذا النظام
إعطاء التعاونيات المنتسبة إليه واتّحاداتها القروض والسلفات والضمانات على اختلافها
حسم وإعادة حسم مختلف أنواع السندات التجارية (warrants)، وبوجه عام جميع الالتزامات والتعهّدات لأجل الناتجة من مختلف العمليات الزراعية والتجارية والصناعية والمالية، شرط أن تكون عائدة إلى أعضائه ومرتبطة بالنشاطات التي يمارسونها
أن يقبل به مجلس إدارة الاتّحاد في مهلة شهر من تاريخ تقديم طلبه الخطّي الرامي إلى الانتساب إلى الاتّحاد
اتّخاذ جميع التدابير اللازمة المتعلّقة بالتسليف التعاوني، وتحديد الشروط العامة والخاصة، ووضع القواعد والمبادئ التي تنظّمه
القيام بجميع أعمال الدفع أو التحصيل
ألّا يتعاطى عملًا يتنافى ومصلحة الاتّحاد
الإشراف على أعمال الصناديق المحلِّية للتوفير والتسليف ومراقبة نشاطاتها
بيع أو شراء جميع الإسناد والحقوق والقيم القابلة للتداول والبضائع، سواء لحسابه أو لحساب أعضائه
تطبَّق أحكام قانون سرّية المصارف في علاقة الاتّحاد مع أعضائه (71)
قبول مختلف أنواع الودائع من أعضائه فقط، وذلك بشكل حساب جارٍ أو حساب توفير أو غيره؛ تملُّك وبناء وتجهيز واستثمار جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة اللازمة لنشاطاته والتصرُّف بها، وكذلك بيع وشراء الأموال المنقولة وغير المنقولة تغطيةً للديون المستحقّة له أو عليه؛ إجراء جميع العمليات التي تؤول بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى تحقيق أهدافه وأغراضه
وفي ظلّ غياب صناديق للتسليف الزراعي، وانعدام دور تعاونيات التسليف الزراعي، يبقى الاستثمار الزراعي مرتبطًا بشكل وثيق بالعلاقات الدائنة المباشرة بين المزارعين وشركائهم التجاريين المُوزَّعين على مختلف أطراف سلسلة الإنتاج، من مستوردي المدخلات، وتجّار الجملة أو المصدّرين. وإن كانت تلك العلاقات المباشرة تحمل في طيّاتها بذور التضامن والتكافل، إلّا أنّها تضع المزارعين اللبنانيين، وبخاصّة الصغار منهم، تحت رحمة شركائهم الدائنين، بما تحمله تلك العلاقات الفردية من تبعيَّة وضعف في إمكانيات التفاوض. من هذا المنطلق، تفرض تعاونيات التسليف نفسها اليوم كحلّ بديل، بل الأهمّ، لمشكلات التمويل والاستثمار الزراعي، بخاصّة بعد اضمحلال الاستثمارات القليلة التي كان يؤمّنها برنامج كفالات للقروض الاستثمارية المدعومة في السنوات السابقة لأزمة عام 2019.
ويُستغرَب هنا غياب تعاونيات التسليف الزراعي في لبنان، مع العلم أنّها تمكّن المزارعين من الخروج من حالة التبعية تلك لتتوجّه أكثر نحو علاقات إنتاجية ترتبط بالاعتماد المتبادل، إن لم نقل أكثر استقلالية في توفير مصادر التمويل.
من هذا المنطلق، تشكّل التعاونيةاللبنانيةللإنماء المُوجَّهة نحو التمويل التشاركي من خلال القروض الصغيرة حالة فريدة من نوعها في لبنان، على الرغم من تعثّرها في السنوات الأخيرة؛ فقد ساهمت تلك المبادرة التعاونية الرائدة على وجه الخصوص في تأمين 2.5 مليون دولار أميركي مخصّصة لأكثر من 140 شركة زراعية منذ عام 2014.
وعلى الرغم من ارتباطاتها الكنسية[14]، تجسّد تلك التعاونية نواةً لحركة تسليف تعاوني، قد يُبنى عليها لتفعيل مبادرات اجتماعية مدنية.
تعاونيات التوفير والتسليف مذكورة بشكل غير مباشر في بعض موادّ القانون:
قانون الجمعيات التعاونية، قانون رقم 17199 الصادر في تاريخ 18/8/1964. – البند 33 من القانون 17199: يُوزَّع باقي الفائض على الأعضاء على أساس تعامل كلّ منهم مع الجمعية ويُطلَق عليه اسم «العائد»، أمّا في التعاونيات التي تكون أغراضها التسليف فلا توزَّع عوائد على الأعضاء، بل تُرحَّل للاحتياطي؛ – البند 65 من القانون 17199: لتعاونيات التوفير والتسليف المحلِّية وللتعاونيات الإسكانية بإشراف ومراقبة الاتّحاد صلاحية منح القروض التي لا تتجاوز مدّتها العشرين سنة.
المرسوم 2989، مرسوم تنظيم الجمعيات التعاونية، الصادر في تاريخ 17/3/1972:
– البند 67 من المرسوم 2989: على تعاونيات التوفير والتسليف أن تتقيّد بتعليمات الاتّحاد الوطني للتسليف التعاوني وبالأصول والشروط التي يحدّدها لعمليات الإقراض والاقتراض وكافّة قواعد وأصول التوفير والتسليف التعاوني؛ – البند 68 من المرسوم 2989: يحدّد نظام تعاونية التوفير والتسليف أنواع القروض وآجالها وشروط وطريقة إعطائها وكذلك الإرشادات الفنِّية والرقابة التي تمارسها تجاه المقترض. كلّ ذلك وفقًا للأصول والتعليمات الصادرة عن الاتّحاد الوطني للتسليف التعاوني وإدارة التعاون.
من الضروري اليوم أن تُفعَّل نماذج تعاونيات التسليف في ظلّ الأزمات المالية التي تعاني منها مؤسّسات منح القروض الصغيرة، والتي كانت تسدّ حاجات بعض المزارعين بالقروض الصغيرة في ظلّ غياب سياسات الائتمان الحكومي، حيث إنّها تعاني معظمها اليوم من أزمات سيولة، بسبب انعدام التسديد من قبل الدائنين، باستثناء أكبرها مثل “القرض الحسن” و”المجموعة”.
شكّلت تلك المؤسّسات الائتمانية حتّى عشيّة أزمة عام 2019 المصدر الأوّل لتأمين مصادر التمويل لصغار العملاء الذين غالبًا ما يتمّ إقصاؤهم من مصادر التمويل المصرفية.
مع تعثُّر غالبية المدينين والمستفيدين من تلك البرامج، وشحّ قنوات القروض الصغيرة بعد أزمة عام 2019، يعاني معظم محدودي الدخل في لبنان من الإقصاء المالي، فتتأتّى الحاجة إلى البحث عن مصادر بديلة لتأمين القروض، من دون الرغبة في جعلها حلًّا سحريًّا للمشكلات النظامية؛ إنّ الابتكارات الاجتماعية التي نحتاج إليها لاستنباط نماذج لتعاونيات التسليف في لبنان تتعلّق، بشكل أساسي، بقدرات العمل الجماعي للفاعلين في القطاع التضامني والمرتبطين بقضيّة مشتركة على التنسيق والتعاون من أجل استنهاض أو إنجاح حلول جماعية في قطاع معيّن.
هذه هي الحال، على سبيل المثال، مع “شريك”، وهي “تعاونية مالية” أُطلقت عام 2020 وتعتزم إعادة تفعيل الائتمانات الاجتماعية والإنتاجية، من دون حصرها في مجال الزراعة. مؤسّسة “شريك” هي مبادرة نشأت على خلفية الانهيار المالي، وتسعى إلى تأسيس بنك اجتماعي يمنح القروض الصغيرة، مع فتح سبل للتمويل التضامني من دون انتظار القنوات التقليدية من الدولة أو من حلول السوق. في الواقع، تكمن ميزة النموذج الذي ابتكره “شريك” في أنّ “التعاونية المالية” ليست مؤسّسة مالية ولا منظّمة إنسانية غير حكومية، وبالتالي فهي تفلت من سيطرة مصرف لبنان، وتبني على نموذج تمويل مربح لأعضائها، ومستدام لنشاطها الاقتصادي والاجتماعي. لقد صُمّم أداء المنظّمة وهيكلها وفقًا للنموذج التعاوني، فلا تأتي مساهمات رأس المال من المساهمين وإنّما من العملاء الأعضاء والعاملين[15].
ومثل سائر التعاونيات التي نشأت في كنف الحراك الشعبي عام 2019، لم تحصل تلك التعاونية بعد على الترخيص من المديرية، وهي تعمل على تنظيم نفسها وفقًا للمبادئ العامة، وضمنًا القانونية، التي يقوم عليها تنظيم التعاونيات.
وبغضّ النظر عن فعالية تلك التجربة الناشئة، تُظهر آليات التمويل المطروحة من قبل مؤسّسة “شريك” أنّ الابتكار الاجتماعي قادر على توفير استجابة محلِّية لمشكلة محدّدة يواجهها بعض العملاء في حياتهم اليومية، ويمهّد في الوقت نفسه لنموذج جديد لبرمجة الاقتصاد في منطقة وسيطة بين السوق والدولة.
4- من المؤسّسات المتناهية الصغر نحو إنتاج تضامني وتعاوني
تتّسم التعاونيات بطابعها المحلِّي بحيث تُنفَّذ غالبيّة أنشطتها محلِّيًا وليس على المستوى الوطني أو الإقليمي. لكن في لبنان، في بلد يواجه حالةً من عدم اليقين المزمن والاعتماد على الواردات الغذائية، يُعترف للتعاونيات بشكل متزايد بفوائدها الجماعية المحتملة، وهذا على المستويَين المحلِّي والوطني. فعلى سبيل المثال، شاركت التعاونيات اللبنانية بنشاط في جهود إعادة الإعمار في المناطق التي تأثّرت بشكل كبير بحرب 2006[16]، وتكرّرت التجربة في جهود الإنقاذ بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
وهكذا، أدرجت الدراسةُ المعيارية التي أجرتها شركة الاستشارات الإدارية “ماكنزي” (McKinsey) لصالح الدولة اللبنانية القطاعَ الزراعي ضمن الإستراتيجيات “الإنتاجية” الستّ للتنمية في لبنان، وأوصت بدعم الدولة النشِط للتعاونيات الزراعية.
من المُسلّم به أنّ تقرير ماكينزي (2018) يعتبر أنّ للتعاونيات، بشكل عام، دورًا ضعيفًا في لبنان، من خلال توصيفها بشكل أساسي على أنّها هياكل تعتمد على المساعدات والتبرّعات، ممّا يبرز حالة الارتهان لتعاونيات لبنان، وهذا ما يهدّد أهدافها واستدامتها[17].
ولا يُعَدّ هذا التقييم جديدًا، فما أشار إليه متعارفٌ عليه منذ فترة طويلة جدًّا من قبل الخبراء الوطنيين[18].
ومع ذلك، يشير تقرير مكنزي، وبشكل ملحوظ، إلى أهمِّيّة التعاونيات في قطاع الأغذية المحلِّي، ويقترح أيضًا تشريع قطاع القنّب العلاجي وتنظيمه باعتباره مكانًا واعدًا للتنمية المحلِّية والوطنية.
فما إمكانيات تطبيق تلك الإرشادات اليوم؟
في الوقت الراهن، ثمَّة إجماع متزايد على أهمِّيّة نماذج الإنتاج التعاوني في الأنشطة الريفية، حيث توفّر التعاونيات الزراعية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والعاملين الزراعيين في المزارع المتوسّطة الحجم منافع اقتصادية واجتماعية لا يمكن إنكارها، لا سيّما من خلال تقاسم الأصول أو الموارد أو الآلات. في الوقت نفسه، تمنح الجمعية التعاونية وصولًا أفضل إلى الأسواق، وقدرة تفاوضية أكبر، وبالتالي تسهم في انخفاض التكاليف أو في زيادة الربحية.
ومقارنةً بالمشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسّطة، تتمتّع التعاونيات بقدرة أفضل على التأقلم مع بيئة إنتاجية تغيب فيها معظم الحمايات الاجتماعية، ويضعف فيها تدخُّل الدولة لحماية المُنتِجين المحلِّيين من منافسة البضائع الأجنبية. وفي خضمّ الانهيار المالي منذ عام 2019، وتسارُع وتيرة إقفال المؤسّسات الإنتاجية وصرف الموظّفين والعاملين، قد يحول التجمُّع التعاوني دون إغلاق الأعمال، لتكون أكثر تحصّنًا ضدّ الانتكاسات والتحدّيات، وذلك من خلال تقاسم الموارد والعمالة ورأس المال.
وبشكل أخصّ، تأخذ عملية الانتقال من نموذج الشركات الصغيرة إلى الأشكال التعاونية حيّزًا مهمًّا في قطاعات الإنتاج غير النظامية، حيث غالبية المنشآت الإنتاجية غير مُسجّلة، ناهيك عن إعطاء حماية قانونية واجتماعية للعاملين والشركاء فيها، في الوقت الذي غالبًا ما يستقصي فيه العاملون وأصحاب العمل في القطاعات غير النظامية تلك الحمايات. ويمكن للنموذج التعاوني أن يؤمّن لتلك المنشآت اعترفًا بمهارتها وبجودة إنتاجها، فتستفيد من اللوائح التعاونية وعمليات التسجيل ذات الصلة، ممّا يسمح لها بالحصول على أوراق قانونية وإعفاءات من بعض الضرائب والرسوم.
بموجب البند 58 من قانون الجمعيات التعاونية، قانون رقم 17199، تستفيد التعاونيات من الإعفاءات الآتية:
1- الرسوم البلدية الآتية:
– الرسم على الإعلان؛
– الرسم على رخص البناء؛
– الرسم على بيانات الدروس الفنِّية؛
– الرسم على القيمة التأجيرية؛
– الرسوم على الكهرباء والماء.
2- الأجور والبدلات الأخرى:
– أجور النشر في الجريدة الرسمية؛
– أجور الفحوصات المختبرية في المؤسّسات التابعة للدولة؛
– نسبة مئوية تُحدَّد بقرار من وزير الزراعة، من أسعار بيع حاصلات وزارة الزراعة.
الرسوم والتأمينات القضائية ورسم الطابع الأميري عن الدعاوى التي تقيمها الجمعية على مدينيها أو تقام عليها من هؤلاء، وكذلك من الرسوم لدى دوائر الإجراء عن الأحكام، والسندات والتعهّدات والعقود؛
– رسوم الانتقال العقارية عن معاملات وضع التأمينات وفكّها، وعن معاملات انتقال العقارات المؤمّنة لصالح الجمعية إلى اسمها، ومن مختلف الرسوم العقارية ورسم الطابع الأميري على معاملات شراء العقارات لصالحها؛
– تُعفى من رسوم السير ورسوم المعاينات الميكانيكية وكلّ علاوة تلحق بها سيّارات الجمعيّة وشاحناتها وجميع آليّاتها؛
– خمسون بالمئة من رسوم التصدير عن المُنتَجات التي تصدّرها التعاونية إلى الخارج.
4- الضرائب المباشرة الآتي بيانها:
– ضريبة الأملاك المبنية عن الأبنية التي تملكها التعاونية وتشغلها في سبيل تأمين المصالح المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بغاياتها ونشاطاتها، وذلك من دون حاجة إلى تقديم أيّ طلب بالإعفاء إلى الدوائر المالية؛
– رسم الانتقال على الهبات والمساعدات والوصايا التي تؤول إلى الجمعية من دون عوض؛
– ضريبة الدخل عن أرباح الجمعية، بما فيها الفوائد التي تتقاضاها من مدينيها، وتُعفى من تقديم أيّ تصريح بذلك إلى الدوائر المالية؛
– وكذلك العقود المتعلّقة بقروض يستلِفُها أعضاء التعاونية لتمويل مشاريعها، فتُعفى من رسوم الطوابع مع سائر السندات المتفرّعة عنها، كما تُعفى من رسوم الانتقال والفراغ العقارية المعاملات العقارية الناجمة عنها والعائدة إلى وضع التأمينات العقارية، وفكّها وانتقال ملكية العقارات لصالح التعاونية إلى اسمها.
لذلك، يبدو من الضروري اليوم تأمين الأطر القانونية المؤسّساتية التي قد تسهم في إعادة تنظيم المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسّطة، وبخاصّة المشروعات التي يعمل بها من 1 إلى 5 موظّفين، لتسهيل انتقالها نحو نماذج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، من تعاونيات أو شركات اجتماعية. ويمكن، بمرسوم يُتَّخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيرَيْ المالية والإسكان والتعاونيات (الزراعة)، إعفاء التعاونيات الزراعية والحِرَفية والصناعية والسكنية كلِّيًّا أو جزئيًّا من الرسوم الجمركية على الموادّ والمعدّات والآلات والآليات التي تستوردها وتكون لازمة لتحقيق أهدافها وأغراضها المنصوص عليها في أنظمتها الأساسية.
من بالغ الأهمِّية أيضًا أن يسمح هذا الانتقال نحو النموذج التضامني بالعبور من منظور فردي للإنتاج المبني على المصالح الفردية القائمة على المكسب والمنافسة نحو اقتصاد ديمقراطي يؤمِّن للمُنتِجين شروطًا لائقة وعادلة للعمل وللكسب، بحيث يستجيبون بشكل أفضل لمصالح عموم المستهلكين واحتياجاتهم، ولمصالح المجتمع بشكل أعمّ.
أضِفْ إلى ذلك المكاسب التي تنتج من سيطرة الأعضاء على قرارات التعاونية بفعل آليات الرقابة الديمقراطية. وبالفعل، هناك ثلاثة أجهزة مختلفة تدير التعاونيات، ولكلّ منها واجباته الخاصة على النحو المُحدَّد في القانون، وهي الجمعية العمومية ومجلس الإدارة ولجنة المراقبة. من خلال الجمعية العامة، يمارس الأعضاء السيطرة على مجلس الإدارة، ويمكنهم اتّخاذ أيّ قرار على النحو الذي يسمح به القانون.
بالإضافة إلى التعاونيات، يمكن للنقابات وجمعيات المُنتِجين أن تؤدّي دورًا رئيسًا في زيادة قوّة صغار المُنتِجين للتأثير في صنّاع القرار والضغط عليهم على المستوى السياسي. لهذه الجمعيات أهمِّيّة حاسمة في السياق اللبناني الذي يهيمن عليه صغار المُنتِجين. ولا بدّ من التذكير بأنّ التجارب التاريخية في لبنان تظهر أهمِّيّة التنظيم القطاعي لجمعيات المُنتِجين، بحيث تشكّلت في فترة ما قبل الحرب نقابات المزارعين على المستوى القطاعي الفرعي والإقليمي، مثل اتّحاد مزارعي العنب في الشمال (1934)، واتّحاد أصحاب الأبقار في البقاع (1961)، أو اتّحاد مزارعي التفّاح والأشجار المثمرة في لبنان (1972)، واتّحاد مزارعي التبغ (1973)[19]. وبحلول نهاية الحرب، كان برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي قد أكّد بالفعل إضعافَ دور هذه النقابات، مبيّنًا بشكل خاصّ أنّ تأثير نقابات المزارعين كان محدودًا لأسباب عديدة، من أهمّها السيطرة السياسية للأحزاب على النقابات[20].
ومن هنا ضرورة تسليط الضوء على أهمِّيّة معركة استعادة التعاونيات، في موازاة أهمِّيّة استعادة النقابات العمّالية، كتعبيرَين أساسيَّين عن الاقتصاد الديمقراطي الذي تطمح له مبادئ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
أخيرًا يمكن للاقتصاد التعاوني أن يساعد على تعزيز الأمن الغذائي عن طريق الحدّ من البطالة، وتمكين النساء، ودعم إنتاج التعاونيات الزراعية والغذائية التي يرأسْنَها.
5-التنظيم التعاوني والمساواة الجندرية في لبنان
تمّ تحقيق الأمن الغذائي تاريخيًّا في لبنان، على مستوى الأسرة والقرية، في تقليد الحفاظ على “المونة”[21]. تضّمنت “المونة” تقنيّات الحفظ والتجفيف والتخليل والتخمير. ويتزايد انخراط صغار المُنتِجين، مثل التعاونيات، في إنتاج “المونة” الحِرَفية، على الرغم من وضعهم السوقي الضعيف مقارنةً بنظرائهم الصناعيين المُماثلين. تتبع هذه التعاونيات عمومًا الممارسات الحِرَفية وتوظّف النساء بشكل أساسي[22].
منذ ما قبل أزمة عام 2019، ووفقًا لتقديرات عام 2017 تحديدًا، بلغت الفجوة الجندرية في معدّل المشاركة في القوى العاملة في لبنان 46,8%، وكانت تُعَدّ في حينها من بين الأسوأ في العالم. في الآونة الأخيرة، قُدِّرت الفجوة بين الجنسَين بنحو 46,3% للمواطنين اللبنانيين و60,8% لغير اللبنانيين، في مسح القوى العاملة 2018-2019.[23] علاوةً على ذلك، تعمل النساء الناشطات في لبنان بشكل أساسي في وظائف منخفضة الأجر، لا سيّما في الوظائف غير النظامية و / أو القطاعات غير النظامية. وقد زادت نسبة النساء في الوظائف منخفضة الأجر بشكل كبير في أعقاب الأزمة المالية لعام 2019 لتصل إلى 27% في عام 2022 مقارنة بـ 18,5% في عامَي 2018-2019[24]، في حين انخفضت نسبة الرجال في الوظائف منخفضة الأجر من 23,2 إلى 21,5%.
وينعكس هذا أيضًا في ترتيب لبنان، وهو 145 من أصل 153 في مؤشّر الفجوة بين الجنسَين العالمي لعام 2020[25].
تشير تقارير منظّمة العمل الدولية (2018) إلى وجود 125 تعاونية نسوية مُسجَّلة في لبنان، وهي تعمل بشكل رئيسي في معالجة الأطعمة التقليدية مثل المُنتَجات المجفّفة ونواتج التقطير، والمربيات، والمخلّلات، والمعلّبات. يختلف هذا النوع من التعاونيات بشكل عامّ في تكوينه من خلال مركزية الإنتاج في ورش العمل، بدلًا من الجمع الشامل للمنتجات المزروعة بشكل منفصل من قبل مجموعة من المزارعين، كما هي الحال في التعاونيات الزراعية[26].
في مسح عام 2021 للتعاونيات الغذائية في محافظة البقاع، أظهرت نتائج إضافية عن الملامح الجندرية للأعضاء أنّ هذه التعاونيات الغذائية تتكوّن أساسًا من النساء، نصفهنّ فقط ناشطات في عملية الإنتاج. تتجلّى هنا مشاركة المرأة في التعاونيات الغذائية، على عكس انخفاض معدّل عضويّتها في التعاونيات الزراعية، وهي حقيقة أبرزتها أيضًا تقارير جهات مانحة عديدة[27].
وفي دراسة تعود إلى عام 2021، طالت 40 تعاونية غذائية تمثّل جميع تعاونياتتصنيعالأغذيةالمسجّلةفيسهلالبقاع، تبيّن أنّ 18 عضوًا فقط من أصل 700 عضوٍ في المجموع لم يبلغوا سنّ الثلاثين، في حين أنّ 60% تقريبًا من جميع الأعضاء تجاوزوا سنّ الأربعين، و27% فقط من الأعضاء تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عامًا[28]. ومن المثير للاهتمام أنّ 12 تعاونية (30%) تتكوّن من عضوات فقط و12 تعاونية (30%) فقط أفادت بأنّ لديها أقلّ من 70% من الأعضاء الإناث.
تعكس هذه الأرقام مشاركة مهمّة للمرأة في الأدوار القيادية في الحركة التعاونية الغذائية على عكس القطاعات الأخرى في البلاد، كما تطرح الاقتصاد التعاوني في لبنان كحلّ لعدم المساواة بين الجنسَين وانخفاض مشاركة المرأة في القوى العاملة.
[5] تعميم مصرف لبنان الوسيط رقم 505 يحدّد شروط الائتمان الصغير أو الميكروي. أمّا التعميم الوسيط رقم 506 فيحدّد شروط تأسيس المؤسّسات المالية في لبنان.
التعميم الوسيط رقم 505 الصادر في تاريخ 6 آب 2018 يسمح لجمعيات المجتمع المدني والمنظّمات غير الحكومية بمنح القروض الصغيرة متى ما وافق المصرف المركزي على اعتبارها من مؤسّسات الإقراض الصغير.
التعميم الوسيط رقم 506 الصادر في تاريخ 16 آب 2018 يعفي العاملين في تلك المؤسّسات من الخضوع للامتحانات التي نص عليها القرار الأساسي رقم 9286 الصادر في تاريخ 9 آذار 2006 شرط تحديد تدريب ودورات بناء القدرات بديلة منها. بموجب هذَين التعميمَين الوسيطَين يُشَرعن المصرف المركزي عمل مؤسّسات الإقراض الصغير العاملة في لبنان، وفي طليعتها المجموعة والقرض الحسن، ويتعذّر تقييم آثارهما الأخرى على القطاع الذي تعثّر بشكل شبه كامل باستثناء المؤسّستين الآنف ذكرهما، أسوة بمجمل القطاع المصرفي والمالي.
[6] لا تنحصر هذه الصعوبات على المنظّمات الاجتماعية العاملة في مجال الاقتصاد التضامني، لأنّها تؤثّر أيضًا على معظم المنظّمات غير الحكومية العاملة في لبنان، بما في ذلك أكبر المؤسّسات الدولية، والتي تواجه مشكلة مزدوجة تتمثّل في نقص السيولة واحتجاز ودائعها المصرفية على سبيل المثال، وعدم اليقين بشأن مصادر التمويل المستقبلية من ناحية أخرى.
[7] وهي شركة رائدة في مجال التجارة العادلة في فرنسا.
[11] وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ النجاح الذي حقّقته التجارة العادلة قد ارتكز على خطط التمويل التضامني، وهو نجاح تحقّق بفضل القرض الأوّل بقيمة 200000 يورو الذي خصّصته في عام 2008 شركة SIDI، وهي شركة تضامنية أنشأتها مؤسّسة CCFD-Terre solidaire بهدف تمويل مشاريع التنمية في دول الجنوب.
[12] MoA. 2015. “Ministry of Agriculture Strategy 2015–2019”. Lebanon: Lebanese Ministry of Agriculture; 2014-2015.
[14] بحسب الموقع الإلكتروني لبكركي، تأسّست الجمعية التعاونية اللبنانية للإنماء عام 1992 بمبادرة من الأب يواكيم مبارك وبعض شخصيات المجتمع المدني، وهدفها منح قروض صغيرة من أجل تمويل مشاريع إنمائية خاصة في المناطق الحدودية.
[16] Esim, Simel. Omeira, Mansour. 2009. “FAO-IFAD-ILO Workshop on Gaps, trends and current research in gender dimensions of agricultural and rural employment: differentiated pathways out of poverty”. Rome. Italy. 2009.
[18] Esim, Simel. Omeira, Mansour. 2009. “FAO-IFAD-ILO Workshop on Gaps, trends and current research in gender dimensions of agricultural and rural employment: differentiated pathways out of poverty”. Rome. Italy. 2009.
[19] نتحدّث هنا عن نقابات أو تجمّعات المُنتِجين، وليس عن نقابة عمّالية أو جمعيات تعاونية. ويعود تأسيس العديد من تلك النقابات أو الاتّحادات إلى فترات ما قبل الحرب، أو حتّى إلى ما قبل الاستقلال. وتتمثّل أهدافها الرئيسة في تحسين الظروف المعيشية لأعضاء المُنتِجين وحماية مصالحهم، والتأثير على صنّاع القرار والضغط عليهم على مستوى السياسات.
[20] UNDP. 1992. Lebanon National Programme for Rehabilitation and Development-Agriculture and Irrigation Sectors. United Nations Development Programme, Projects LEB/92/001, Support to Priority Programme of Lebanon UNDP/FAO/ESCWA. Mission on Agriculture and Irrigation.
[21] Jalkh, Rita. Dedeire, Marc. Requier-Desjardins, Melanie. 2021. “An Introduction to Food Cooperatives in the Bekaa Valley, Lebanon: Territorial Actors and Potential Levers to Local Development Through Culinary Heritage”. HAL Id: hal-03137540.
[22] UNDP. 2020. “Gendered value chains study: Barriers and opportunities”. Beirut. Lebanon.
[23] CAS & ILO. 2018-2019. “Labour Force and Household Conditions Living Survey 2018-2019, Lebanon”. Beirut. Lebanon.
[24] CAS & ILO. 2022. Lebanon Follow-up Labour Force Survey. Beirut. Lebanon.
[25] World Economic Forum. 2020. Global Gender Gap Report 2020.
[26] ILO. 2018. “The Cooperative Sector in Lebanon. Whate Role. What Future”. Beirut. Lebanon.
[27] ILO. 2018. “The Cooperative Sector in Lebanon. Whate Role. What Future”. Beirut. Lebanon.
UNDP. 2020. “Gendered value chains study: Barriers and opportunities”. Beirut. Lebanon.
[28] Jalkh, Rita. Dedeire, Marc. Requier-Desjardins, Melanie. 2021. “An Introduction to Food Cooperatives in the Bekaa Valley, Lebanon: Territorial Actors and Potential Levers to Local Development Through Culinary Heritage”. HAL Id: hal-03137540.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.