“
سقط رئيس جمهورية مصر الأسبق محمد مرسي (67 عاماً) داخل قفص الاتهام أثناء محاكمته في قضية “التخابر مع حماس” يوم الاثنين الماضي 17-6. أصدر بعدها النائب العام المصري المستشار نبيل صادق بياناً معلنًا وفاته أثر نوبة قلبية. ومن ثم، أعلنت السلطات المصرية حالة الاستنفار الأمني حيث انتشرت قوات من الأمن المركزي بمحيط المناطق الحيوية والميادين الرئيسية بالعاصمة كإجراء احترازي، تخوّفا من خروج أي من أنصاره في تظاهرات أو مسيرات غاضبة. كما رفضت السلطات المصرية طلب أسرة المتُوفي بالسماح لها بدفن الجثمان بمقابر العائلة بمحافظة الشرقية، فتم دفنه في إحدى المقابر بضواحي القاهرة وسط إجراءات أمنية مشددة وبحضور عدد قليل من أفراد أسرته.
هل مات مرسي بسبب الإهمال الطبي؟
تدهورت حالة الرئيس الأسبق محمد مرسي بشكل ملحوظ خلال فترة حبسه (ست سنوات)؛ فقد ذكر محمد مرسي قبل وفاته لهيئة المحكمة في إحدى الجلسات التي سُمح لها بالحديث فيها بأن هناك وقائع تجري معه تعد جريمة، خاصة في ظل تدهور حالته الصحية. وقد أوضح أن حالته الصحية تدهورت بسبب سوء المعاملة طوال فترة حبسه وانتهاك حقوقه كسجين. ومن أهم ما أثاره مرسي آنذاك منعه من توقيع الكشف الطبي رغم شكواه المستمرة من تدهور صحته وانخفاض معدلات السكر بالدم بدرجات مقلقة، هذا بالإضافة إلى التعذيب المعنوي بمنع الزيارة عنه؛ حيث قام خلال ست سنوات من السجن، بمقابلة عائلته ثلاث مرات فقط[1]، وعدم السماح بدخول الطعام من خارج السجن والاكتفاء بتقديم طعام النزلاء بالسجن والذي على حد وصف مرسي لا يصلح لحالته الصحية وأن جميع رجال الأمن على علم بذلك. كما طالب بنقله إلى مركز طبي على نفقته الخاصة، وهو لم يلق أي اهتمام من إدارة السجن التي تعسفت في عرضه على لجنة طبية لفحصه وإجراء التحاليل اللازمة وتحديد ما إذا كان بحاجة إلى نقله إلى المركز الطبي[2].
وكانت عائلته أعلنت عدة مرات تخوّفها من تدهور حالته الصحية ومواجهته خطر الموت إذا لم تستجِب السلطات المصرية لعلاجه. كما طالبت عدد من المنظمات المصرية المجتمع الدولي بالتدخل لإنقاذ مرسي وباقي المسجونين من خطر الموت نظراً للإهمال الطبي[3]. وقد أشارت هذه المنظّمات إلى مخالفة نصّ المادة 56 من الدستور التي تحظر “كل ما ينافي كرامة الانسان أو يعرض صحته للخطر”، هذا بالإضافة إلى انتهاك موادّ قانون تنظيم السجون المصرية في ما يخصّ علاج المسجونين والتي تكفل الحقّ في تلقّي الرعاية الصحية والفحوصات الطبية التي تضمن حمايته من أيّ مرض يهدّد حياته أو سلامته الجسدية وقد تمتدّ التدابير الصحية إلى الإفراج عنه في حالة تدهور الحالة الصحية بعد اعتماد موافقة النائب العام[4]. كما ضمن القانون أيضًا الحق في إبلاغ الأهالي في حالة إذا بلغت حال المسجون الصحية درجة الخطورة ويؤذن لهم بالزيارة[5]. هذا بالإضافة إلى حق الأهلي في استلام جثمان المُتوفى في حالة الوفاة. إلا أن إدارة السجن كانت تعسفت في تطبيق أحكام القانون، وما زالت حتى الآن تنتهك كافة تلك الحقوق مع المتهمين المحبوسين على ذمة قضايا سياسية كما نشير أدناه. كما هناك العديد من التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان التي تتناول الأوضاع المزرية للسجناء السياسيين في مصر، وسوء الرعاية الصحية وكثرة الأمراض المعدية بين المحبوسين بسبب سوء التهوية وتكدس الأعداد داخل الزنزانة الواحدة بالإضافة إلى قلة ساعات التريُض[6].
ردود الفعل المحلية والدولية بعد وفاة محمد مرسي
أثارت وفاة محمد مرسي في قفص الاتهام أثناء محاكمته ردود فعل محلية ودولية. فعلى الصعيد المحلي، قام عدد من النشطاء والوسائل الإعلامية بفتح النقاش مرة ثانية حول أوضاع السجون والإهمال الطبي للمحبوسين[7]. كما قامت عدد من المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان بإصدار بيان مشترك للمطالبة بالسماح للصليب الأحمر الدولي وهيئات أممية بتقصى أوضاع السجون[8]. على صعيد آخر قام إعلام النظام بالتذكير بجرائم جماعة الإخوان المسلمين أثناء وبعد فترة حكمهم تحسبا لأي تعاطف مع حادثة الوفاة. واكتفت الصحف المصرية بالإشارة لخبر وفاته في خبر موحد صغير مكون من 42 كلمة في الصفحة الثالثة منها.
أما دولياً، فقد طالبت عدد من المنظمات منها الأمم المتحدة ومنظمة “هيومن رايتس واتش” بفتح تحقيق حول حادثة الوفاة، بسبب ظروف احتجازه وشبهة تعمد الإهمال الطبي[9]. كما اعتبره الرئيس أردوغان “شهيدا”. وحدث جدل داخل البرلمان التونسي حول قراءة الفاتحة على “روح” محمد مرسي بين مؤيد للفكرة من حركة النهضة وبين معارضين من التيار المدني[10].
وتعقيبًا على وفاة مرسي، اعتبرت المديرة التنفيذية لمنظمة هيومان رايتس ووتش في الشرق الأوسط سارة ليا ويتسون، إن وفاة مرسي متوقعة نظرًا لظروفه الصحية، وللظروف السيئة التي وُضع بها داخل السجن، وطالبت بمحاسبة ومحاكمة المسؤولين عن ذلك[11] .
كما كانت لجنة من مجلس العموم البريطاني أصدرت تقريرا عن حالة مرسي وصفت فيه ظروف احتجاز مرسي بأنها قاسية ومهينة وغير إنسانية. كما وجدت اللجنة أن ظروف الاحتجاز تصل إلى حد التعذيب بحسب القانونين الدولي والمصري. وأشارت اللجنة إلى أن المسؤولية عن مثل هذه الظروف لا تقع فقط على المسؤولين المباشرين عنه، بل على سلسلة من القيادات بأكملها والتي قد تجعل من رئيس الجمهورية الحالي مسؤؤلاً عن جريمة تعذيبه[12].
بالإضافة إلى ذلك، قامت بعض الصحف والنشطاء بالمقارنة بين المعاملة التي تلقاها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك والرئيس الأسبق محمد مرسي. حيث حصل الأول على كامل الرعاية الطبية أثناء فترة احتجازه وحتى الإفراج عنه في 2017، حتى أنه قضى كامل مدة حبسه في المستشفى العسكري. أما الثاني، فكما أشرنا، لم تتم الاستجابة إلى مطالبه بنقله إلى مركز طبي خاص على نفقته كما تم إهماله طبيا طوال مدة سجنه وحتى وفاته[13].
مرسي ليس الأول ولن يكون الأخير
وفاة الرئيس الأسبق مرسي نتيجة الإهمال الطبي ليست السابقة الأولى في السجون المصرية. وفقا لأرقام متداولة، فإن ما يقارب 245 سجينا وافتهم المنية في السجون المصرية في 2018 فقط نتيجة الإهمال الطبي[14]. كما نذكر وفاة الناشط النوبي جمال سرور في نوفمبر 2017 نتيجة رفض سلطات السجن إدخال دواء مرض السكري له لمدة 5 أيام؛ مما أدى لوفاته في إثر “غيبوبة سكر”[15]، بالإضافة إلى وفاة القيادي الإخواني مهدي عاكف في سبتمبر 2017 حيث كان يعاني من مرض السرطان وأمراض في القلب، وطالب مراراً ب”الإفراج الصحي” عنه وهو ما رفضته المحكمة؛ مما أدى إلى وفاته نتيجة الإهمال الطبي داخل السجن[16].
و بعد يوم واحد من وفاة مرسي، أي في 18-06، قام أحمد أبو الفتوح ابن السياسي المعروف عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، بالكتابة على صفحته على “فيسبوك” معلناً أن والده تعرض لذبحة صدرية وأنه تمكن من إسعاف نفسه نظرًا لكونه طبيب. وذكر “أحمد” أن السلطات المصرية ترفض خروج والده لعمل الفحوصات الطبية اللازمة وهو ما اعتبره تعمّدا للقتل البطيء[17].
وهو نفس وضع آخرين في السجون مثل محمد القصاص نائب عبد المنعم أبو الفتوح الذي يعاني من مرض السكري وجمال عبد الفتاح الذي يعاني من فيروس سي، والمحامي محمد منيب الذي يعاني من سرطان البروتستاتا، وأحمد دومة الذي تدهوت حالته الصحية في السجن إلى حد كبير وغيرهم الكثيرين الذي يعانون أمراضًا خطيرة ومزمنة دون أي استجابة لطلباتهم في تلقي العلاج المناسب أو الفحوصات الطبية اللازمة حتى وإن أبدوا استعدادهم لتحمل كافة المصاريف[18]. بل وتقوم إدارة السجن بحبس عدد منهم انفراديًا مما يؤثر على حالتهم النفسية، ومن شأنه أن يمنع عنهم أي مساعدة قد يحتاجون لها عند تدهور وضعهم من المسجونين الآخرين. وهو ما يعد فعلا تعذيبا نفسيا وتنكيلا بالخصوم السياسيين للنظام الحالي إلى حد قتلهم ببطء.
وبالتالي، يصبح عدد كبير من السجناء مهددين بخطر الموت في أي وقت إذا استمرت السلطات المصرية في نهجها هذا منتهكة التشريعات المصرية الخاصة بالسجون وعلى رأسها قانون تنظيم السجون ولائحة تنظيم السجون اللذين يوفران حقوق الرعاية الصحية للسجناء. كما يمكن تصنيف هذه الأفعال كنوع من التعذيب مما يخلّ بالاتفاقيات الدولية لمناهضة التعذيب.
[4] المادة 36 من قانون تنظيم السجون المصرية
[5] المادة 37 من قانون تنظيم السجون المصرية
“