العنف المُسلَّط على النساء: عنف مركّب وإجابة باهتة من الدولة


2024-12-10    |   

العنف المُسلَّط على النساء: عنف مركّب وإجابة باهتة من الدولة

في 25 نوفمبر من العام 1960 في جمهورية الدومينيكان، اُغتِيلت الأخوات ميرابال، وهنّ مناضلات سياسيات، على يد رجال الديكتاتور رافائيل تروخيو. أكثر من ثلاثة عقود إثر ذلك، أصبح العالم يحتفل بيوم 25 نوفمبر كيوم عالمي للقضاء على العنف ضدّ النساء. ونظرا لكون 10 ديسمبر هو اليوم العالمي لحقوق الإنسان تمّ الإعلان عن حملة “16 يوما لمناهضة العنف ضد النساء” لأول مرة في عام 1991 من قبل المنظمة العالمية لحقوق الإنسان و أصبحت النسويات والمنظمات الحقوقية تُحيين في كل أصقاع العالم سنويا هذا الحدث. ولأننا “حلقات في سلسلة موصولة عبر التاريخ بأفكارنا وقوة أفكارنا وقدرتنا على المجابهة والمواجهة بأفكارنا ورغبتنا في تغيير عميق وتثوير كل المنظومات”[1] تُحيي النسويات في تونس تيمّنا بنضالات الأخوات ميرابال 16 يوما من النشاط للقضاء على العنف المُسلَّط على النساء، الذي يَنخر مجتمعنا عاما بعد عام في ظلّ تغييب مُريب لهذا الملف، من دولة تنتهك فيها أجساد وحقوق النساء ممارسة وتشريعا.

العنف المسلّط على النساء التونسيات: عنف مركّب

أينمَا وَلّيت وجهك في تونس، لا يَخفى عليك أن العنف المبني على النوع الاجتماعي ظاهرة تتجاوز كل التقسيمات الطبقية والثقافية والاجتماعية والسياسية. فإن كان هناك توزيع عادل بين النساء فهو توزيع العنف ضدّهنّ. تَطول قائمة ضحايا جرائم قتل النساء لسنة 2024، حيث بلغت إلى موفى نوفمبر من هذه السنة 25 جريمة ذهبن ضحيتها نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و59 عامًا. ليتأكد مجدّدا فشل الدولة بكافة هياكلها وبرامجها في التصدي لظاهرة العنف بجميع أشكاله. إن ارتفاع هذه الأرقام يدلّ على غياب مجهودات نشر الوعي المجتمعي وحماية النساء، إلى جانب افتقار الدولة للإرادة السياسية في معالجة جديّة لهذه الجرائم.

في الآن ذاته، تَطول كذلك قائمة المودعات بالسجن والمهرسلات بالتتعبات الجزائية يوما بعد يوم. فبين من سُجِنَت من أجل نشاطها المتعلق بمساندة المهاجرين والمهاجرات وبين المودَعة من أجل عملها السياسي أو من أجل تصريح إعلامي، وبين من تم إيقافها من أجل مهمّة وطنية قامت بها، نكاد نحصيهِن وننسى أسماءهن، في بلد احتفلنا فيه عام 2017 بتكريس قانون شامل يحمي النساء من العنف السياسي.

 وطالما أن النساء جمع لا مفرد مؤنث، كما يحلو للدولة التونسية تنميطهن واختزالهن في “المرأة التونسية”، فمن الضروري الحديث عن العنف الاقتصادي الذي تتعرض له النساء العاملات في القطاع الفلاحي اللواتي يُطعمن المجتمع من عرقهنّ وأحيانا عديدة من دمائهنّ. حيث بلغت نسبة النساء ضحايا حوادث النقل من وإلى الحقول، منذ سنة 2015 إلى اليوم، 60 وفاة وأكثر من 500 إصابة، وذلك رغم مرور ستّ سنوات من دخول القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل للعاملات والعاملين بالقطاع الفلاحي. فمن نجت منهنّ من الحوادث تجد نفسها في حلقة استغلال اقتصادي يمسك بزمامها الوسيط والفلاّح، لا تملكن لمجابهتها سوى حناجرهن المطالبة بتحسين أجورهنّ والنقل اللائق والتغطية الاجتماعية للحؤول دون تشكّل وضعيّات اجتماعية صعبة في حال وقوع حوادث سواء كانت في الحقل أو في الشاحنات.

يضطرّ العنف الاقتصادي، الذي ينضاف عادة إلى المادي والمعنوي،  النساء إلى ركوب قواربالموت والأمل هربا من الظروف الاجتماعية القاسية وأملا في مستقبل أفضل، وتُغامرن أحيانا باصطحاب أبنائهنّ القصّر. إذ أن ظواهر الفقر والبطالة والهشاشة الاقتصادية التي أصبحت أكثر حدّة في صفوف النساء جعلت أرقام النساء الواصلات إلى سواحل إيطاليا تتصاعد، لتبلغ 1405 سنة 2023 مقابل 353 سنة 2020 حسب أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وإن انخفض هذا الرقم سنة 2024 ليبلغ 728، فإن ذلك لا يعود إلى تحسّن الوضعية الاقتصادية للنساء أو تراجع نسبة العنف المسلط عليهنّ -باعتبار أن القصر والنساء الواصلات  إلى أوروبا في تزايد مقارنة بعدد الواصلين- وإنّما يعود إلى سياسات تصدير الحدود التي تتبعها الدولة التونسية، والتي ضَيّقَت على “الحارقين والحارقات” الخناق من خلال لعب دور حارس الحدود الأوروبية على أكمل وجه.

حقوق النساء وصمت الدولة المستراب

تختلف أوجه العنف المسلّط على النساء، فتتبلور كعنف مركّب تجابهه السلطة بصمت مريب وأرقام غير محيّنة يجري تأكيدها دون بلورة تصوّر واضح لمواجهة العنف. تعود الأرقام الرسمية المنشورة من قبل الدولة التونسية إلى سنة 2022،  إذ قام بها المعهد الوطني للإحصاء في إطار الدراسة الوطنية حول العنف المسلط على النساء والتي تؤكد تعرّض 84,7 % من النساء التونسيات إلى العنف منذ بلوغهن سنّ الخامسة عشر. هذا ويتصدّر العنف النفسي الترتيب، حيث  تتعرضن له 44,4 بالمائة من النساء، ويليه العنف اللفظي، ثم الجنسي، ثم الاقتصادي، ثم المادي. على المستوى المجالي، تتعرض النساء في تونس إلى العنف أساسا في الوسط الزوجي بنسبة 41,8 بالمائة، وكذلك في الفضاء العام بنسبة 28,1 بالمائة، والوسط العائلي بنسبة 16,3 بالمائة.

في المقابل، تبدو أولويات وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ خلال الستة عشر يوما للقضاء على العنف على النساء لهذه السنة غير واضحة. حيث قامت بإدماج إحياء شهر حماية الطفولة والحملة الدولية 16 لمقاومة العنف ضدّ المرأة في برنامج واحد تحت شعار “في الوقاية حماية”. بغضّ النظر عن أسباب هذا الإدماج ووَجاهته ومدى تعبيره عن أولويات الدولة، أَوْلَت الوزارة أكثر من نصف برنامجها المعلن لحماية الأطفال من العنف الرقمي والممارسات التأديبية ضدهم والعنف المسلط عليهم. إلى جانب التعريج على التعريف بالقانون المتعلّق بعطل الأمومة والأبوة في الوظيفة العموميّة وفي القطاع العام والخاص والمرسوم عدد 4 لسنة 2024 المتعلق بنظام الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيّات. أمّا بخصوص العنف المسلّط على النساء فقد اكتفَت الوزارة بإعلان تنظيم يوم دراسي تحت عنوان “تشخيص علمي لأشكال العُنف المُسلّط على النساء من أجل وقاية ناجعة” وتنظيم ورشة عمل لتقديم الأدلّة القطاعيّة حول إنتاج مؤشّرات العنف المسلّط على النساء اعتمادا على السجلّات الإداريّة، إلى جانب إدارة حلقة نقاش حول “تحديات واقع مناهضة العنف ضدّ النساء الحاملات لإعاقة: الإشعار والإيواء والتمكين الاقتصادي للنساء نموذجا”، وأخيرا تقديم أبرز مخرجات التقرير الوطني لمقاومة العنف ضد النساء بعنوان سنة 2023.

لا يُمكن قراءة تَعامل الوزارة مع ملف العنف القائم على النوع الاجتماعي دون الرجوع إلى موقف الرئيس سعيّد من ملف حقوق النساء إجمالا باعتباره الفاعل الأساسي والراسم الأوحد لاستراتيجيات الدولة. لم تتوانى سلطة 25 جويلية عن التشهير ببعض النساء القاضيات إبّان عزلهنّ، في ما بات يُعرف بـ”مجزرة القضاء”، حيث كالَ الرئيس الاتهامات علنا لقاضية متهما إياها بالزنا، رغم تبرئة القضاء لها لاحقا. على مستوى الحقوق، لا جدال بأنّ مسألة تمثيلية النساء في المجالس المنتخبة قد جَسّدَت التراجع الأوضح لمكاسب النساء، ولئن أقرّ “دستور 2022” ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة (الفصل 39)، وأكد على مبدأ التناصف (الفصل 51)، إلاّ أنّ تنقيح القانون الانتخابي حذف هذا الاشتراط مفرغا الفصل 51 من كل قيمة عملية. وهو ما أدى إلى تراجع تمثيلية النساء إلى 16% في البرلمان و 13% بالنسبة إلى مجلس الجهات والأقاليم.

على مستوى الخطاب السّياسي، يَنصب تركيز الرئيس سعيّد بوضوح على فئة واحدة من النساء، هنّ العاملات في القطاع الفلاحي، وذلك من خلال زيارتهن في الحقول ووعدهن بحلحلة مشاكلهنّ، مع الإشارة المتكررة إلى أنّهنّ من يُمَثلن “المرأة التونسية” مقابل النساء الأخريات “اللواتي يحتفلن بعيد المرأة في النزل والمؤتمرات”. هذا الخطاب المشحون بالمقارنات بين النساء والمفاضلة بينهن يُغفل تقاطع نضالات النساء في تونس. فالعاملة في القطاع الفلاحي شأنها شأن الأخريات تعاني شتى أنواع العنف الاقتصادي والتهميش والتمييز وتُعاني عنفا مركّبا ينصهر فيه المادي بالمعنوي، وأحيانا السياسي عند مشاركتها في وقفات احتجاجية أو مطالبتها بمقابلة المعتمد أو الوالي، ممثل “الوظيفة” التنفيذية في الجهة. هذا التناول السياسي يُحاول خلق هوة بين النساء التونسيات ويكرّس الوصاية عليهن بمنطق تفريق وحدة الصفّ لفتح الطريق أمام “الزعيم المنقذ”. في هذا الصدد تفسّر يسرى فراوس، الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، في تصريح للمفكرة القانونية أنّ “خطاب قيس سعيد قائم على فكرة التطابق الكلي بين منظومة الحكم والشعب. فالشعب كتلة منسجمة لديها أولويات اقتصادية واجتماعية وغير مَعنية بإدارة الحكم أو المشاركة فيه. لذلك، كل ما يتعلّق بمطالب فئات محدّدة من الشعب لا تُمثل أولوية بالنسبة إليه. وكل جهة أو تيار أو حركة، من ضمنها الحركة النسوية التي قد تطالب بحقوق خاصة لها، إنما هي تهديد لانسجام الكتلة الموحّدة: أي الشعب. وهذه السمات تتجلى من خلال ثلاث عناصر أساسية: من حيث الخطاب يتوجّه قيس سعيد في مناسبات كثيرة منها العيد الوطني للمرأة إلى فئة واحدة من النساء وهن الأكثر هشاشة، وبذلك يؤكد على أن أولوية هؤلاء النساء لا تخرج عن بقية ما يعتبره أولوية كل الشعب، أي المسألة المعيشية. من حيث الممارسة قيس سعيد هو الرئيس الأول للجمهورية الذي لم يقدم أي خطوة لتحسين الوضع القانوني للنساء، لأنّ ذلك مرة أخرى ليس أولوية لـ”مجتمع القانون”، ولا يحتاج قيس سعيد كممثل وحيد عن هذا المجتمع إلى أي إجراء في اتجاه تعديل القوانين أو السياسات التمييزية. أكثر من ذلك قيس سعيد -مثل كل الشعبويين- أجهضَ محاولات الذهاب في اتجاه المساواة التامة، من ذلك المساواة في الميراث عندما اعتبره مطلبا نخبويا، وهكذا لا ينبع عن الفئات التي يمثلها”.

ومن حيث تدبير الشأن العام تشير فراوس إلى أنّ “المنظومة الشعبوية تعتبر كل النخبة متآمرة ضد مصلحة الشعب، وإن البلاد لا تحتاج معارضة أو حتى هيئات تعديلية أو أي شكل من أشكال تمثيل الشعب. لذلك يحارب قيس سعيد كل النخب. وما وجود عشرات السجينات السياسات والسجناء إلا مثالا على ذلك. هذا العداء يَشمل الحركة النسوية في تونس وقيس سعيد لم يخفي تبرّمه تجاهها ولا يتوانى عن تهميشها، كخطوة أولى، قبل محاصرتها سواء بالهرسلة القضائية لرموزها مثلما هو الحال مع بشرى بالحاج حميدة كمؤسسة للحركة النسوية المستقلة في تونس، أو بالهرسلة الإدارية كما يحدث مع الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وغيرها من الجمعيات”.

تضيف فراوس أن الشعبوية “أخطر أدوات إدارة الحكم بالنسبة للنساء، فهي لا تعترف بالمكتسبات وقد تَبلوَر ذلك من خلال القضاء على التناصف وتغيير شكل الاقتراع، ليذهب إلى الاقتراع على الافراد الذي أثبتت كل التجارب كيف يُمثل هذا الشكل من التصويت خطرا على النساء والفقراء والشباب، ويُناسب أصحاب الامتيازات الطبقية والاجتماعية (الوجاهة، العائلة الممتدة، العروش، إلخ).

وتنتهي يسرى فراوس إلى القول: “لا يُمكن أن تتقدم حقوق النساء إلا في إطار تسيير ديمقراطي، بينما استفاد قيس سعيد من تأييد واسع للخطاب الشعبوي ليُجهِز على الحريات ما جعل المطالب النسوية وغيرها تخفت وأصبح الصراع -إن وُجدَ- منحصرا في ضرورة استعادة مربعات الحرية وضماناتها من تحرير للسجناء والسجينات واستقلال القضاء وإلغاء القوانين الزجرية مثل المرسوم عدد 54”.

 لعلّ التقدّم الوحيد الذي تمّ تسجيله  بخصوص حقوق النساء منذ 25 جويلية إلى اليوم هو المرسوم عدد 4 لسنة 2024 المتعلق بنظام الحماية الاجتماعية للعاملات في القطاع الفلاحي، وهو نصّ اعتبرته حياة العطار في تصريح للمفكرة القانونية، المكلفة بملف العاملات في القطاع الفلاحي في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اعترافا من الدولة بأنّ العمل الفلاحي يقوم على اليد العاملة النسائية، كما اعتبرته نظريّا مكسبا للعاملات من حيث الحماية الاجتماعية وتمكين النساء من بعث مشاريع فلاحية والحق في النقل الآمن. إلاّ أنّ العطّار تُنبّه من خطورة بقاء هذا النصّ كغيره حبرا على ورق، وذلك دون إصدار الأوامر الترتيبية المتعلقة به. كما تُشير إلى أنّ الاستجابة لمطالب التغطية الاجتماعية والنقل للعاملات في القطاع الفلاحي، على الأقلّ على مستوى القانون، يأتي إثر إحراج الدولة طيلة سنوات من خلال توجيه أصابع الاتهام لها عند وقوع حوادث نقل العاملات. مؤكّدة  أنّه لا يجب توظيف ملف العاملات الفلاحيات كورقة سياسية من قبل السلطة، خاصة وأنّ وعي العاملات اليوم متجذّر في ضرورة تقاطع نضالاتهنّ مع نضالات كافة التونسيات للقضاء على التمييز وتحقيق العيش الكريم لكلّ النساء.

كيف تحيي النسويات  َ16 يوما من النشاط لمناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي؟

تُحيي الجمعيات النسوية، كلّ من جهتها، الـ16 يوما من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي بأشكال مختلفة. ففي حين استحضرت جمعية كلام قصة الأخوات ميرابال وتاريخ تكريس 16 يوما من النشاط لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، تركّز جمعيّة أصوات نساء على العنف الرقمي المسلط على النساء ونشر أرقام حول جرائم قتلهن والعنف المسلط عليهن بمختلف أشكاله. من جهتها، تُحيي جمعية تقاطع الستة عشر يوما من خلال تسليط الضوء على حقوق النساء في تونس داخل السجن من خلال فضح بعض الممارسات التي تتعرضن لها على غرار اجبارية لبس السفساري أثناء جلسة المحاكمة، وعدم تمكينهن من الفوط الصحية أثناء الدورة الشهرية، ووضعية النساء الحوامل والمرضعات داخل السجون. و طالما أن العابرات كذلك نساء، اختارت جمعية تقاطع تسليط الضوء على واقعهن المعيش منذ لحظة الإيقاف وصولا الى الإيداع بالسجون التونسية وما يتخللهما من انتهاكات، كالتعامل معهن وفق الهوية القانونية السابقة التي تخلّين عنها وإجراء الحلاقة القسرية، التي تُفرض عليهن منذ لحظة تحوّلهنّ إلى السجن دون أي اعتبار لرغبتهن أو هويتهن الجندرية. من جهتها، تحيي الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيّات الستة عشر يوما من النشاط من خلال التضامن مع الفنانة منى نورالدين التي تعرّضت لحملة تشويه وعنف رقمي تتمثل في تعليقات مسيئة تتّهمها بالكفر والتبشير بالمسيحيّة، إثر انتشار صورة لها من كواليس مسرحية “رقصة سما”، وذلك في إطار فعاليات الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية، حيث ظهرت في دورها المسرحي مرتدية زيّ الراهبات. واعتبرت النساء الديمقراطيات أنّ هذه “الحملة تندرج في سياق الهجمات التي طالت المبدعين والمبدعات خلال فترة الثورة التونسية، وتلك المحاولات العديدة لجر المجتمع التونسي إلى صراعات مفتعلة غايتها تشتيت الانتباه عن القضايا الجوهرية وعن واقع الحقوق والحريات في تونس وما ألت إليه الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة”. بالإضافة إلى هذا تُسلّط الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات الضوء على معضلة “النساء ضحايا العنف السبراني”، وذلك من خلال تنظيم محاكمات صورية اهتمّت بالأساس بجرائم الإساءة إلى النساء عبر الشبكة العمومية للاتصالات، والانتقام الإباحي، وأخيرا القضايا المثارة على أساس الهويّة الجندريّة.

لا يمكن أن ننسى أنّ حقوق النساء كانت في مقدّمة النقاش العامّ خلال الثلاثة عشر سنة السابقة، بين النقاش حول الشريعة في الدستور والدفع نحو تعويض المساواة التامة بالتكامل بين الجنسين و الحث في فترة ما على الانسحاب من اتفاقية سيداو ومحاولات عدّة لإجهاض حلم القانون الشامل للقضاء على جميع أشكال العنف ضدّ النساء. كلّ تلك النضالات كان المحدّد فيها قوّة المجتمع المدني وقدرته على الضغط، وفي  مقدمته الجمعيات النسويّة.

اليوم، وأمام السعي الحثيث لإلغاء كل الأجسام الوسيطة وإنهاك المجتمع المدني بالشيطنة وتجميد الأموال و التتبعات الجزائية، تُطرَح عديد الأسئلة حول كيفية تأثير المناخ السياسي في عمل الجمعيات وتحديدا في النضال النسوي. هل يمكن افتكاك مكاسب جديدة للنساء في ظلّ وضع يسوده الخوف والخطاب الشعبوي؟ ماهو الثمن الذي ستدفعه النساء أمام تغييب تام لأي نقاش عقلاني حول حقوقهنّ والتطبيع مع الخطاب الكاره للنساء والمطالب بالتراجع عن مكتسبات عفّ عليها الزمن؟ وأخيرا، هل من سبيل اليوم لبناء دولة اجتماعية ديمقراطية قائمة على المساواة التامة والفعلية، دون تكريس حقوق النساء؟


[1] مقتطف من خطاب يسرى فراوس الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات خلال تلقيها جائزة آن كلاين، المانيا مارس 2022.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني