العميد الخشفة يتبادل القبل مع المياوم المصفوع: “الكف الأمني” سيبقى على وجوهنا


2018-02-20    |   

العميد الخشفة يتبادل القبل مع المياوم المصفوع: “الكف الأمني” سيبقى على وجوهنا

حضر الجميع في اليوم التضامني الذي دعت إليه لجنة المياومين وجباة الإكراء في مؤسسة كهرباء لبنان أمس تحت عنوان "كلنا حسن، ولكي تبقى حرياتنا وكراماتنا مصانة" على خلفية صفع العميد حسين الخشفة للمياوم حسن عقل، إلا الصفعة نفسها، فقد غابت عن المكان وعن الخطابات ولائحة المطالب. بدا أن المشاركين نسوا صفعة حسن ومعها الإهانة التي شعر بها كل مواطن في هذه البلاد. تحول اليوم التضامني إلى تضامن مع قضية المياومين وإلى حلقة من مسلسل "الكرّ والفر" بين المياومين وعناصر قوى الأمن الداخلي. يوم انتهى عصر أمس على طريقة المصالحة العشائرية إذ تبادل العميد القبل مع حسن المصفوع.

بدت لقمة عيش المياومين الذين يسعون منذ سنوات طويلة إلى نيل حقهم بالتثبيت والتقديمات الضامنة، أولويتهم. من أجلها يستشهدون في حوادث عمل على شبكات التوتر العالي وفي غرف التحويل وعلى أعمدة الكهرباء، حيث قدموا منذ العام 1994 ولغاية اليوم أكثر من 14 شهيدا ونحو عشرين جريحاً "وصلوا للموت ورجعوا"، كما قالوا أمس. أحد هؤلاء الجرحى خسر نصف وجهه بعدما صعقته الكهرباء. واقع يدفع ببعض المياومين إلى اعتبار استمرارهم بالعيش ليس إلا إطالة لعذاباتهم، هم الذين لا يقبضون رواتبهم بطريقة منتظمة فيما يرزحون تحت الأعباء المعيشية والديون ومستحقات المرضى من عائلاتهم. من هؤلاء عامر محي الدين موسى الذي حاول قتل نفسه أمس لعجزه عن تأمين أدويته مع علاج زوجته المريضة بالضغط والقلب وابنته التي تعاني من السكري. 

وعليه، لم ينل حسن من تضامن الأمس إلا تلك الأمتار القليلة التي حمله خلالها زملاؤه على أكتافهم من مدخل الشركة إلى الباحة السفلية أمام صالة الزبائن، في بداية الاعتصام. هناك أُنزل عن الأكتف، ومعه المطالبة بالإنتصار لكرامته وكرامة كل مواطن شعر بأن كف العميد الخشفة قد "علّمت" أيضاً على وجهه.

العميد الخشفة نفسه كان حاضراً. ترأس الرجل الذي بدا مصراً على الظهور بمظهر رجل الأمن المسؤول الممسك بزمام الأمور على رأس قوة بلغ عديد عناصرها المئات. حاصر هؤلاء نحو ستين مياوما ومياومة في باحة الشركة لمنعهم من دخول صالة الزبائن، فيما توزع بقية عناصر الأمن في الشوارع المحيطة بالشركة ومداخلها وعلى الطريق البحري السريع.  مشاركة رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة أسمر لم تغيّر شيئا في مقاربة الصفعة على وجه حسن. أعلن أسمر التضامن مع المياومين في مطالبهم المحقة، مشددا على علاقات "الأخوة" مع عناصر الأمن "كنا معهم بالسلسلة وبيكونوا معنا بقضايانا".  

وما أسهم زيادة في تغييب الصفعة، غياب نشطاء منظمات المجتمع المدني و"مناضلي وسائل التواصل الاجتماعي" حيث لم يحضر أي مرشح أو ممثل عن حزب يطرح نفسه كحزب تغييري أو صاحب رؤية مختلفة عن أحزاب السلطة التي تمسك بمقدرات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية. وكانت مشاركات فيديو فريق تلفزيون الجديد الذي وثّق لصفعة الخشفة على وجه عقل قد نال أكثر مئة الف مشاهدة ومشاركة، فيما أطلق ناشطون عددا من "الهاشتاغ" التي تعتبر ان الصفعة على وجه حسن عقل هي صفعة وإهانة لكل مواطن. لكن كل ذلك بقي على مواقع التواصل الاجتماعي ولم يترجم حضورا على الأرض. 

في المقابل، حرص العميد الخشفة وخلال قيادته العناصر الذين منعوا المياومين من دخول شركة الكهرباء واصطدموا معهم، على الظهور مظهر رجل الأمن المسؤول الذي يفرض هيبته متمتعا بالسلطة والصلاحيات التامة في وقت وعدت فيه المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ب"إجراء تحقيق شفاف" في حادثة الصفع.

 

صفعة الخشفة والقانون   

يشرح المدير التنفيذي ل "المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية الإطار القانوني ل"الصفعة" التي أتت من عميد في جهاز أمني. وهو يقول أنها تدخل ضمن صلاحيات المحكمة العسكرية وعليه فإن الجهة المخولة التحرك هي المفوض الحكومي لدى المحكمة العسكرية أو المدعي العام التمييزي. بالمقابل، لا يمكن للمعتدى عليه، حسن هنا، باتخاذ صفة الادعاء الشخصي أمام المحكمة العسكرية، فتبقاها شكواه معلقة على تحرك النيابة العامة وحدها، مثلها مثل أي إخبار قد تقدمه منظمة أو أي مواطن. وإذا لم تتحرك النيابة العامة، نكون "أمام المحاسبة المستحيلة، ولا يبقى سوى الملاحقة التأديبية داخل قوى الأمن الداخلي نفسها"، وفق صاغية.

وتعقيبا على بيان قوى ألأمن الداخلي الذي حمّل حسن عقل "ضمناً" مسؤولية تعرضه للصفعة على يد أحد ضباطها، توقف صاغية عند ثلاثة نقاط:

1-بدل أن يبادر البيان إلى الإعتذار من الضحية، أخذ طابعا هجوميا من خلال تحميل حسن مسؤولية الصفع من خلال اتهامه بالتلفظ بكلام ناب بحق الضابط الذي صفعه.

2-تضمن البيان رأياً وموقفا مسبقين بإدانة الضحية وتبرئة العميد، حتى قبل إجراء التحقيق، بدليل الإعلان في نهاية البيان عن نية القيام بذلك. وهذا يدل على أن التحقيق لن يكون جدياً وأن هدفه سيكون تكريس الحقيقة التي ترغب القوى الأمنية بفرضها.

3-بررت قوى الأمن الصفعة وتصرف العميد معها بأن المياوم "أهانه". وبالتالي، اعتبر البيان أن العميد صفع المياوم ليس دفاعا عن المصلحة العامة (مع أنه لا يحق له صفعه حتى في هذه الحالة). إنما  بدافع شخصي لاستيفاء ما يعتبره حقه وهذا يشكل جريمة ثانية وفق المادة 376 عقوبات. وتعاقب المادة 376 كل موظف أقدم بقصد جلب المنفعة لنفسه على فعل ينافي واجبات مهنته. وتنص على سجن المخالف من شهر إلى ثلاث سنوات.

وللصفع عقابه أيضاً. يقول صاغية أن المادة 554 تعاقب على الصفع شرط أن تأتي الشكوى من المتضرر المصفوع ولا يمكن للنيابة العامة التحرك فيها إلا في حال تقدمه بشكوى.

وفي المفهوم القانوني للموظف يعتبر المياومون موظفين حتى لو كانوا غير مثبتين، كونهم يقومون بخدمة عامة لصالح مؤسسة عامة هي مؤسسة كهرباء لبنان، وعليه يستفيد حسن، وفق صاغية، من المادة 583 الخاصة بتحقير موظف.

ويقع ما تعرض له حسن أيضا تحت المادة 329 عقوبات التي تعتبر منع لبناني من ممارسة حقه المدني المشروع  يستحق العقوبة بسنة سجن. ومنع العميد الخشفة حسن تمّ ليس بالصفعة فقط وإنما أيضاً بنهيه عن الكلام والتعبير عن ذاته. وهنا تكون الصفعة والأمر بلزوم الصمت تهديدا لكل المياومين وضغطا عليهم لمنعهم من ممارسة حرية التعبير والاحتجاج.

ويتوقف صاغية أيضا عند المادة 770 (عقوبات) الخاصة بمعاقبة من خالف الأنظمة الإدارية الصادرة في مؤسسته بالحبس ثلاثة أشهر. فوفق مدونة السلوك وقواعده التي أنجزتها قوى الأمن الداخلي قبل عشر سنوات لا يحق للعميد الخشفة إهانة حسن وصفعه طبعا أو استخدام أي عنف لا تقتضيه الضرورة، وكل الإنتهاكات الأخرى التي سببتها له الصفعة.

 

مدونة قواعد السلوك في قوى الأمن الداخلي

تبرز المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان على موقعها على الإنترنت ما اعتبره القيمون عليها قبل عشر سنوات من اليوم من "أبرز" الإنجازات التطويرية لعلاقة عنصر الأمن بالمواطنين: مدونة قواعد السلوك وفيها الأسس الأخلاقية والقانونية التي تحكم أداء عناصرها ومسؤوليها ليس فقط خلال قيامهم بوظيفتهم وإنما في حياتهم خارجها أيضاً.

وللمدونة رؤية تطمح أن يكون عناصر الأمن على "قدر آمال المواطنين"، وأن يحظوا "بكامل ثقتهم"، وفق رسالة "حماية الحقوق والحريات"، وتحت قيم "احترام حقوق الإنسان" وأن يكونوا "القدوة في القيادة".

وتهدف المدونة إلى "تحديد واجبات عنصر قوى الأمن والمعايير القانونية والأخلاقية التي عليه الإلتزام بها خلال قيامه بواجباته". وعليه، وفي اطار الواجب المهني: يحترم الكرامة الإنسانية ويصون حقوق الإنسان، ويمتنع عن استغلال السلطة ويتقيد بالقوانين بحيث يكون القدوة والمثال لمرؤوسيه في التقيد ببنود المدونة والعمل بروحيتها. كما أنه لا يسيء استخدام السلطة. وفي السلوك: "يمتنع   عن القيام بأي عمل من أعمال التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية أو التحريض عليه أو التغاضي عنه أثناء إجراء التحقيقات أو تنفيذ المهمات الموكلة إليه".

ويتحلى عنصر الأمن "بالأخلاق والتهذيب ويتصرف بلياقة وأدب مقرونيّن بالحزم دون غطرسة أثناء ممارسة الوظيفة". واللافت أن شرح المدونة يحدد كيفية تصرف عنصر الأمن عند حصول أي استفزاز بخقه. ففي حالة الإستفزاز عليه أن "يبعد عن نفسه صفة الخصم ويظهر أمام الجميع بمظهر خادم القانون وحارسه ويتغاضى عن الإستفزازات التي قد يلجأ إليها المخالف". والمدونة واضحة ايضاً لجهة التنبيه إلى ضرورة تجنب "كل عنف لا تقتضيه الضرورة".  

وفي مادتها التاسعة وتحدديا في باب احترام مدونة السلوك، تنتهي المدونة بالنص على: "يلتزم عنصر قوى الأمن بهذه المدونة ويتقيد بها ويبلغ عن أي انتهاك لها، وتتخذ بحق المخالفين التدابير المسلكية والقانونية المناسبة".  وفي شرح هذا البند نجد في المدونة نفسها أن العناصر الذين ينتهكون أحكامها تفرض العقوبات المشددة بحقهم ليكونوا عبرة لغيرهم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، حقوق العمال والنقابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني