شكّلت الحملة التي شنّتها الدولة اللبنانية على عشيرة دندش في العام 1948 في إثر ثأر أبنائها من أحد أبناء رأس بعلبك في 1947 لمقتل زعيمهم حسن طعّان دندش في 1929 (أي بعد 18 عاماً)، محطّة مفصلية في علاقة الجمهورية الأولى مع عشائر جرد الهرمل. فبعدما عجزت الدولة في هذه المعركة عن إخضاع الدنادشة المدعومين من أبناء عمومتهم من العشائر الأخرى بالرجال ومادياً ومعنوياً، متكبّدة خسائر كبيرة في الأرواح، أعطت الأوامر لقائد الجيش الراحل فؤاد شهاب (والذي سيصبح رئيس جمهورية لبنان بين 1958 و1964) بتعقّب الفارّين وإلقاء القبض عليهم. على الإثر، التقى اللواء شهاب رئيس الجمهورية الراحل بشارة الخوري بحضور رئيس الحكومة الراحل رياض الصلح وقال لهما عبارته الشهيرة: “نحن في الجيش لا نؤمن بإحداث معارك مع العشائر. فقبل أن نطالب المتمرّدين بالطّاعة علينا أن نقدّم لهم الأولويّات المفروض تأديتها من قبل الدولة، وتوفير حاجاتهم الأساسية، عندها فقط نطبّق عليهم نصوص القانون المدني”.[1] وهكذا ابتكر شهاب نظريته الشهيرة التي تقول بتعليم أبناء العشائر وشقّ الطرقات في مناطقهم وإنشاء المدارس لكي ينتقلوا من عصر البداوة إلى عصر المدنية “عندها يحق للدولة إخضاعهم لسلطتها”.
يومها، لم يكن في جرود عشائر الجبال الغربية أيّ طريق غير “القادومية” التي يشقّونها على ظهور الخيل أو الدواب أو سيراً على الأقدام. وتُبيّن مجريات المرحلة الشهابية أنّ اللواء قائد الجيش لم يكن يفكر آنذاك فقط في إنماء العشائر ومصلحتهم، بل أيضاً في كيفية دمج منطقة كانت منذ أيام الأتراك مروراً بالفرنسيين وصولاً إلى الاستقلال، خارجة على القانون والانتظام العام ضمن مشروع الدولة والأهم إخضاعها لأعين الدولة. فمع المرحلة الشهابية، شقّ الجيش أوّل طريق تقطع الجرد العشائري من حدوده مع عيون أرغش في جرد بشري (جنوب غرب) إلى حدوده مع الجرد العكّاري (شمال غرب)، مع مشمش وفنيدق على الحدّ مع قلعة عروبة، وإن بقي معظمها طريقاً عسكرية ترابية لغاية اليوم.
وعليه، لم تعد تلك الأرض عصيّة على دخول الجيش وآليّاته. ولا تزال زيارة اللواء شهاب مع قائد الدرك آنذاك الكولونيل جوزيف سمعان في 1957 إلى سهل مرجحين في أعالي جرود العشائر قبل شقّ الطريق العسكرية عالقة في أذهان كبار أبناء المنطقة. ويروي الباحث سويدان ناصر الدين عن هذه الزيارة التي شهدها وهو طفل لـ”المفكرة” أنّ الرجلين وصلا السّهل على ظهور الخيل خلال جولة لهما للإشراف على تلف الحشيشة وتناولا الغداء مع وجهاء العشائر. وقد انتهى النهار بضبضبة المزارعين لشتول الحشيشة التي حصدوها على مرأى من الضّيفين من دون تلفها.
وفي المرحلة الشهابية، رفرف العلم اللبناني للمرّة الأولى على جرد الجبل الغربي تزامناً مع العفو العام عن الطفّار والمطلوبين من العشائر، كفعل اعتراف متبادل بينهم وبين الدولة. وكان اللواء شهاب سعى آنذاك لتمرير العفو العام[2] في ظلّ انقسام سياسي حينها بين رافض ومؤيّد. ويومها تسلّح قائد الجيش بأنّه أقسم بشرفه العسكري للعشائر بالاستحصال على هذا العفو، مهدّداً بالاستقالة في حال عدم إقراره[3]. وكان له ما أراد، وسط معارضة كبيرة من وزراء عدّة آنذاك.
حماية الظهر كاستراتيجية عسكرية
تخزّن المنطقة الجغرافية لتواجد العشائر في سلسلة جبال لبنان الغربية، ومنها جرد الهرمل الغربي، الكثير من الأحداث عن العسكر والسياسة والسلطة والدولة والأحزاب، بعد الاستقلال وقبله. فالعشائر تحكم سيطرة عمودية على كانتونات ومناطق انتشار كل منها. تبدأ المنطقة من أعالي سلسلة جبال لبنان الغربية إلى مدينة الهرمل من دون أن تتداخل أرض هذه العشيرة مع تلك، بل تحدّها من شمالها وجنوبها مع العشيرة الأخرى ما يشبه خطوط تماس غير قابلة للتغيّر في ظلّ حرص تاريخي لدى كلّ عشيرة على عدم بيع أراضيها وخصوصاً لأبناء عشيرة أخرى[4]. وبالتدقيق في الانتشار العمودي للعشائر، نعرف الكثير عن الاستراتيجية العسكرية التي تحتّم حماية ظهر كلّ عشيرة. تكريس هذه العسكرة المتأصّلة منذ تهجير العشائر الحمادية من جبل لبنان في الفتوح وجبيل والبترون في أيام العثمانيين نجد توثيقها في كتاب الملازم مامية أحد ضبّاط الجيش الفرنسي إلى “القيادة العسكرية في سلسلة جبال لبنان الشرقية” بتاريخ 23 تشرين الأول عام 1924 تحت عنوان “معلومات عن قرية الهرمل”، ومن ضمنها تعداد العشائر بناء على عدد البنادق: “عائلة دندش 25 بندقية و15 مسدساً، عائلة علّوه 60 بندقية و30 مسدساً، عائلة ناصرالدين 30 بندقية و15 مسدساً، وعائلة جعفر 60 بندقية و30 مسدساً”.[5]
نجد تأثير هذا الواقع على السلطة داخل العشيرة نفسها التي تهبّ هبّة رجل واحد عند أيّ استحقاق يطالها كوحدة مجتمعية عصبية، إلى علاقاتها مع سلطَتَي الاستعمار العثماني والفرنسي، وصولاً إلى دولة الاستقلال ولغاية اليوم، مروراً بالأحزاب التقدّمية ومن ثمّ الطائفية المتمثّلة بحركة أمل وحزب الله.
العلاقة مع الأتراك والفرنسيين
نجد في توثيق مختار قرية البستان في جرد عشيرة جعفر، حسين وجيه جعفر (مواليد 1901)، خلال مقابلة[6] أجراها معه الباحث سويدان ناصر الدين في صيف 1987، بعض ملامح علاقة العشائر مع الأتراك حيث كانت الهرمل وجردها مع العشائر تابعة لمتصرفيّة جبل لبنان. عن هذه المرحلة يقول جعفر “كان أسياد السلطة آل حمادة (وكانت زعامة العشائر الحمادية معقودة لهم آنذاك) معتمدين كوكلاء “مقاطعجية” من قبل الأتراك ويجبون الضرائب لصالحهم، وكانت السلطة تظلم الشعب وكانت الضرائب كثيرة والطاعة للسلطة مفروضة كرهاً إن لم تأت طوعاً”. ونتيجة الظّلم الواقع عليهم، حيث كان يتمّ تسليط الآخرين على من يعصي، كانت العشائر تحلّ مشاكلها بين بعضها البعض “ولا نُدخل الدولة، ونحلّ مشاكلنا وفق أصول معيّنة”. ووفق جعفر نفسه، دفع الأتراك لاحقاً ثمن ذلك الأداء لدى انهزامهم في الحرب العالمية الأولى، “فكان العشائر ينكلون بجنودهم ويقتلونهم ويسلبونهم بنادقهم”.[7]
ومع الفرنسيين، كان موقف العشائر مع الثورة السورية والانتفاضة ضدّهم. وحصل الانفصال الأوّل خلال معركة فيسان بين العشائر والزعامة الحمادية (عشيرة حمادة) التي وقفت مع المستعمر الجديد. وقادت عشيرة جعفر ثورة فيسان 1926 الشهيرة ضدّ الفرنسيين وقاتل معها عدد من أبناء العشائر الأخرى. ولكنّ الانفصال عن الحمادية لم يمنع الجعافرة، من حماية سعدالله حمادة الذي كان ملازماً في الجيش الفرنسي ومَن وقع معه في الأسر إثر معركة فيسان، من القتل. يومها، وقف سعدالله حمادة ومن معه ممّن رفعوا الرايات البيضاء في إثر هزيمة الفرنسيين وقال لآل جعفر “أنا بوجهكم يا بيت جعفر وهؤلاء (أي من هم خلفه) بوجهي”[8]. وعلى الفور قبل أبو علي ياسين موسى جعفر “تجوّه” سعدالله حمادة، ووقف أمامه يحميه ويقول إنّ جميع من بقي هم أسرى والأسير ضيف حسب “العوايد”. وفعلاً أُطلق جميع الأسرى وعددهم نحو 400 أسير يحملون جرحاهم وأسلحتهم ومعهم سعدالله حمادة الذي قُتل ابن عمه أبو خزنة حمادة في المعركة.[9]
بعد انتصار فيسان، عقدت العشائر مؤتمر مرجحين وجرى الاتفاق على تشكيل جيش أمير المؤمنين بقيادة زعيم الدنادشة حسن طعّان دندش لمتابعة الثورة. ولكن لم يتمّ المضي بقرارات المؤتمر، واستمرّ الكرّ والفرّ بين الجعافرة الذين فرّوا بنسائهم وأطفالهم إلى مناطقهم العليا في سفح قلعة عروبة واستمرّوا في مقاومة الفرنسيين يساندهم مقاتلون من العشائر، إلى أن أرسل الفرنسيون يفاوضونهم مقابل وقف تمرّدهم ومن دون أن يفرضوا عليهم أيّ تسليم للأسلحة والرجال وهكذا كان، وانتهت ثورة فيسان.
وكان تلا مؤتمر مرجحين ثلاثة اجتماعات للتخطيط لاستكمال الثورة. وعرض الفرنسيون على حسن طعان دندش 500 ليرة ذهب ووضع جزء من سكّة الحديد من البقاع الشمالي إلى سوريا تحت حمايته في مقابل تعاونه معهم، لكنّه رفض واستمرّ يناور سياسياً إلى أن تدبّروا أمر مقتله في رأس بعلبك في 1929، وجرّدوا حملة ضدّ الدنادشة واعتقلوا جميع رجالهم ونفوا نساءهم وأطفالهم إلى الميادين في الجزيرة في سوريا[10].
العشائر وجمهورية ما بعد الاستقلال
عندما قصد رئيس جمهورية الاستقلال بشارة الخوري منطقة عشائر الجرد الغربي وتوقّف أمام بعض البيوت وشرب القهوة في بيوت أخرى، أمل أهل قضاء الهرمل وجرده بتعامل مختلف للدولة اللبنانية مع المنطقة. ولكن الزيارة بقيتْ في إطار الجولة الاستكشافية إلى حين وضع قائد الجيش فؤاد شهاب رؤيته المشار إليها في مقدّمة هذه المقالة عن تنمية مناطق العشائر قيد التنفيذ.
عندما تسأل أياً كان من العشائر عن تاريخ إقرار بناء هذه المدرسة أو تلك في أوديتهم، وهي الجرد الأوسط، يأتيك الجواب “من الحقبة الشهابية”، ومثل ذلك عمّا تبقى من شبكات المياه والكهرباء والطرق. لا ينكر أحد أنّ العشائر لم تتعرّف إلى الدولة كمشاريع إنماء إلّا في تلك الحقبة. ولكنّ كثيراً منهم يشيرون أيضاً إلى أنّ هذه المرحلة شابتها ممارسات نفعية ومساعٍ لتفريخ زعامات جديدة أو شراء ولاء الوجهاء للسّلطة والمكتب الثاني (مخابرات الجيش). وتراوحت المبالغ المالية التي خصّصها اللواء شهاب للفعاليّات والوجهاء والمخاتير من العشائر عندما كان قائداً للجيش ومن ثمّ رئيساً للجمهورية ما بين 300 وألف ليرة يومها، تُدفع عبر مستشار العشائر الضابط بطرس عبد الساتر المعيّن من قبل شهاب. وشهدت المنطقة آنذاك “مشاريع كثيرة”، كما يقول وجهاء من العشائر اليوم، بعضها شكلي. وقد تحدّث ركان دندش لـ”المفكرة” بشكل خاص عن مشروع مدّ المياه من عيون أرغش إلى واديَيْ بنيت والنيرة حيث مُنح المال لمقاولين من وجهاء عشيرة دندش ونبتت الخزّانات البيضاء في الجرد من دون شبكة مياه حقيقية والأهم بلا ماء أيضاً.
وبرغم افتتاح مدارس في أودية العشائر، إلّا أنّ هذه الخطوة جاءت منقوصة وتنفيعية غالباً. يقول علي مصطفى علّوه الذي درّس في مدرستيْ وادي الرطل ومراح عباس في وادي التركمان نحو 20 عاماً إنّ المدرسة يومها “كانت تُعطى كامتياز للمتنفّذ، ولذا نجد ثلاثة مدارس مبنيّة بالقرب من بعضها البعض”، ليسأل “لماذا لم تبنَ مدرسة جيّدة واحدة تجمع كلّ التلامذة؟” ويجيب نفسه “لإعطاء مدرسة لكلّ فخذ ليتولّى التوظيفات فيها”.
وفي رواية أخرى عن تشجيع الدولة زراعة الحشيشة في جرود العشائر، يخبر أستاذ المدرسة المتقاعد علي شمس عن التجربة التي عاشها في أراضي عشيرة علّوه في مرجحين حيث كان يعطي دروساً لبعض أبناء وجهاء العشيرة. يومها وفيما كان في خيمة أحد أبرز وجهاء العشيرة، وصلت قوّة كبيرة من الجيش اللبناني وتمركزت في نقطة تشرف على كامل سهل مرجحين الذي كان مزروعاً بالحشيشة بغالبيته، باستثناء مساحات صغيرة خصّصت لمؤن البطاطا والبندورة واللوبيا وبعض سحّارات الخضار الصيفية. بعد ذلك، وصلت سيارة جيب عسكرية إلى حي المقطع، وهو بداية منطقة سكن علّوه في مرجحين، وترجّل منها ضابط من الجيش “ضخم البنية” كما يصفه شمس (تبيّن فيما بعد أنّه المقدّم سعيد الخوري، قائد ثكنة أبلح) ومعه عسكري مرافق، وتقدّم باتجاه الجالسين أمام خيمة وجيه عشيرة علّوه الذي سارع إلى الطلب من أحد أبنائه ذبح خروف إكراماً للضيف جرياً على عادة العشائر.
وقبل أن يتفوّه المقدّم بأيّ كلمة، بادره الوجيه قائلاً: “الدولة ما بتتعرّف علينا، لا طرقات ولا كهرباء ولا مدرسة، وكأنّنا لسنا من لبنان ولسنا لبنانيين. هي تتعرّف علينا فقط إذا كان لدينا أي شيء من الممنوعات”. وبعدما دلّه إلى حقول الحشيشة من حوله، أكمل: “هيدا كلّه حشيشة، وإذا جايين تتلفوها، كلّ شتلة رح يموت حدها زلمي من بيت علّوه”. ردّ المقدّم: “لا يا شيخ لا لا، نحن مش جايين نتلف، نحن جايين ندفع للناس لْبدّها تقص، أجرتها، وسندفع أيضاً لتعشيب شتلة الدّكر ولكن اتركوها لنا على جنب، سوف نأتي بالصحافيين بعدما تنتهون في أيلول من توضيب الحشيشة ونجمع شتول الدكارة ونحرقها على أساس قمنا بتلفها”. بعدها أبلغ المقدّم الوجيه أنّه باق عنده 3 أشهر إلى أن ينتهي الموسم، وهكذا كان. وبعدما طلب المقدّم من محدّثنا الأستاذ شمس الإتيان بورقة وقلم، جرى تسجيل جميع أسماء الرجال والنساء في جدول تمهيداً لدفع بدل عن تعشيب الحشيشة وقصّها بقيمة 3 ليرات لكلّ عامل وعاملة يومياً. “يومها اغتنى بيت علّوه وطبعاً جرى الأمر نفسه عند بقيّة العشائر، طالما أرادت الدولة الإبقاء على الحشيشة وتشجيعها، إلى أن منعتها في التسعينيّات من دون تقديم بديل، وبدأت تتعامل مع المزارعين كمطلوبين وطفّار”، يضيف.
على علل التنمية المنقوصة التي لم يتمّ فيها مراقبة كيفية صرف المال العام الذي خُصّص لعشائر الهرمل وجردهم، وإغداق المال لتفريخ زعامات موالية للسلطة والمكتب الثاني، انتهى شهر العسل بين الدولة وهؤلاء مع انتهاء المرحلة الشهابية.
اليوم، تكفي جولة على أوضاع المنطقة للمس إدارة الظهر الرسمية عنها في الإنماء والأمن، ولسماع صرخة الناس، كلّ الناس، مطالبين بالأمن قبل رغيف الخبز. ونجد في نشرات الأخبار اليومية عن تصادم مستمرّ بين العشائر والقوى الأمنية وخصوصاً الجيش المولج بالمنطقة منذ إعلانها منطقة عسكرية قبل 50 عاماً.[11] وينتقد أحد وجهاء العشائر ما يسمّيه الإعدامات اليومية التي تنفّذها القوى الأمنية خلال محاولاتها القبض على مطلوبين كما حوادث القتل على الحواجز التي استتبعت في أكثر من حالة قيام ذوي القتيل بالأخذ بالثأر من عسكريين يتسرّب إليهم وجودهم على الحاجز أو خلال المواجهات.
العشائر والأحزاب التقدمية
لم تكن عشائر الهرمل في السبعينيّات بمنأى عن أيام عزّ الحركة الوطنية والأحزاب التقدّمية التي دخلتها بدرجات مختلفة بين عشيرة وأخرى. ففيما تغلغل الحزب السوري القومي الاجتماعي في عشائر دندش وعلّوه وناصر الدين وعوّاد، نجد أنّ حزب البعث بشقه العراقي حطّ رحاله بشكل كبير في صفوف عشيرة علّوه التي كانت تعتبر من أبرز العشائر تسيّساً في تلك المرحلة، حيث عرفتْ إلى جانب السوري القومي الاجتماعي حزب البعث العراقي والحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي أيضاً. بالمقابل، بقيت عشيرة جعفر ممانعة أمام تمدد الأحزاب ولم يتحزب منها إلاّ قلة قليلة.
ويعيد علي مصطفى علّوه الذي انضمّ إلى المنظمة وهو بالكاد بلغ الـ17 من عمره، انتشار الأحزاب بين آل علّوه أكثر من غيرهم إلى تحزّب بعض المؤثّرين في العشيرة الذين تمكّنوا من تجنيد شبّانها وشابّاتها. ويرى أنّ التحزّب لم يكن كلّه داخل العشائر، ومنها عشيرة علّوه، مبنيّاً على أيديولوجيا فكرية وسياسية “بل طُبع بالمنفعة من توزيع مساعدات كالطحين والتمر العراقي والمواد الغذائية وكذلك بسبب رواتب التفريغ التي ساعدت الناس في الأزمة خلال الحرب وانعدام فرص العمل في المنطقة وتوزيع بعض الأسلحة الفردية”.
يرى د. عبد السلام شاهين، وهو أحد أبناء الهرمل المحزّبين آنذاك، أنّ انتشار الأحزاب بين العشائر وأبناء المدينة ساهم في إيجاد أجواء تحاورية بين الطرفين وساهم في إذابة الفوارق “كنّا نقضّي أيامنا عم نتناقش ونحلم بالتغيير ولم نشعر بأيّ تمييز بين ابن عشيرة وابن مدينة داخل الأجواء الحزبية”. حتى أنّ التحزّب، وفق شاهين، أوجد فئة من جيل السبعينيّات بعيدة عن الممارسات التي كانت سائدة قبله.
من جهته، يشدد د. أنور علّوه على الأثر الإيجابي للأحزاب في إتاحة فرص التعليم الجامعي لأبناء العشائر والهرمل: “الغالبية السّاحقة من الأطباء والمهندسين والخرّيجين الجامعيين في السبعينيّات درست بفعل منح الأحزاب التقدّمية التي أحدثت تغييراً في المجتمع أكثر ممّا فعلته الشهابية”. أثر الأحزاب في تعليم جيل السبعينيّات والثمانينيّات في المنطقة وبين أبناء العشائر يؤيّده علي مصطفى علّوه ولكنّه يرى أنّ “تأثير العشيرة على الشبّان بقي موجوداً حتى مع التحزّب”. وهو يردّ ذلك إلى أنّ الأحزاب لم تشتغل بشكل جيّد على التثقيف السياسي والاجتماعي”.
ويعطي مفلح رئيس علّوه، وهو أبرز الساعين إلى توسيع حضور حزب البعث العراقي يومها بين صفوف شبّان العشائر، مثالاً عن انتشار الأحزاب التقدّمية داخل العشائر من اجتماع عُقد في الثمانينيّات في المنطقة وتبيّن خلاله وجود “300 منتسب إلى حزب البعث العراقي وحده من العشائر”.
ومنذ الدخول السوري إلى لبنان في 1976، أحكم نظام الوصاية السورية قبضته على منطقة العشائر كما في كلّ البلاد.
العشائر والأحزاب الشيعية
علاقة العشائر بالثنائي الشيعي مرّت بمراحل مختلفة، لتشهد تطوّراً مفصلياً بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري والعدوان الإسرائيلي في 2006، تبعاً لتزايد العصبية والاصطفاف الطائفيين. وقد تسارع تطوّر العلاقة بعد توغّل حزب الله في الحرب السورية وبروز خطر التهديد الداعشي، وكذلك في ظلّ تردّي الأوضاع الاقتصادية وغياب فرص العمل.
وقبل المضي في استعراض هذا التطوّر، نسجّل معطيات عدّة: (1) إنّ المكانة الأساسية في المنطقة تعود لحزب الله بدليل توزّع المقاعد النيابية في بعلبك-الهرمل حيث فاز 4 نواب شيعة للحزب في انتخابات 2018 مقابل نائب واحد للحركة، وذلك انطلاقاً من اعتبار الحركة تحتلّ مواقعها الأساسية في الجنوب. و(2) شهدت سياسة حزب الله حيال العشائر تحوّلات على ضوء تغيّر مصالحه وظروف المنطقة. فبعدما قدّم نفسه في الثمانينيّات سنداً لأبناء الهرمل في مواجهة استقواء العشائر عليهم[12]، مال بعد ذلك تدريجياً إلى تجنّب الاصطدام بها واستمالة رضاها. وهذا ما يفسّر اختيار جميع نوّابه في المنطقة في الانتخابات الأخيرة من بين أبناء العشائر. ويعلّق أحد كوادر الحزب على هذا الكلام بالقول: “نعم هذا صحيح، يبدو أنّ الحزب أعاد حساباته وسار في النمط التاريخي القائم على مسايرة العشائر أوّلاً”.. و(3) أن تمدد الثنائي لا يرضي العديد من وجهاء العشائر الذين يرون أنه يترجم تبديداً لسلطتهم داخل العشيرة والمساهمة في اضمحلال وحدتها وفي تفريخ “زعامات” جديدة تساهم في هدم منظومة السلطة داخل العشيرة نفسها وبين العشائر ككل. ويقول علي عبده جعفر، أحد وجهاء عشيرته، إنّه لدينا اليوم عشيرتين جديدتين هما عشيرة حزب الله وعشيرة حركة أمل، في إشارة إلى تأثيرهما على ولاءات أبناء العشائر المنضوين في صفوفهما. ويعتبر جعفر من المصلحين الذين لا تفرغ ديارهم من القاصدين لحلّ المشاكل بين أبناء العشائر. “ولكنّ سلطة العشيرة اليوم وسلطة زعمائها على أبنائها لم تعد كما كانت”، يقول، ليضيف “بالكاد الواحد عم يمون ع أقاربه اللّزم (أي أفراد العائلة المقرّبون)”.
فكيف تطوّرت العلاقة بين العشائر والثنائي الشيعي؟ هذا ما سنتناوله أدناه.
الثمانينيّات
عندما رغب الإمام موسى الصدر في التأسيس لموطئ قدم لـ”حركة المحرومين” في الهرمل وجرودها في السبعينيّات، اختار البوّابة العشائرية وبالتحديد عشيرتي ناصرالدين وجعفر بالدرجة الأولى. وقد عزّز لاحقاً رئيس المجلس النيابي الحالي نبيه برّي، وعبر ممثلي حركة أمل التي يرأسها في منطقة البقاع هذا الحضور، وخصوصاً بين آل ناصرالدين. ويقول البعض إنّ الخدمات الإنمائية من الآبار الارتوازية إلى استصلاح الأراضي إلى طلبات الإسكان والترميم طبعت علاقة الحركة بهذه العشيرة على أساس المنفعة المباشرة وبعض التوظيفات المتواضعة. وهي إفادة يقول أحد وجهاء آل ناصرالدين اليوم إنّ صيتها أكبر من فعلها “فهي لم تحمِ أبناء العشيرة من الفقر ومحدودية فرص العمل ولا من زراعة الحشيشة أو التهريب، يعني متلنا متل هالناس، محرومين”.
ووجدت عشائر بعلبك الهرمل نفسها أمام تحدّ كبير خلال معارك حزب الله وحركة أمل في أواخر الثمانينيّات في إقليم التفاح (1988)، خصوصاً أنّ الحركة كانت قد سبقت الحزب إلى التغلغل في صفوف العشائر. ولكنّ المؤتمر الذي عقده زعماء ووجهاء العشائر في ذلك الوقت في فندق بالميرا في بعلبك حسم حيادها تجاه الصراع الدائر في إقليم التفّاح على قاعدة أنّ أيّ دم يسيل بين العشائر في المنطقة ولو ضمن صراع الثنائي سيترك أبعاداً ثأرية بين العشائر وسيجرّ ثأراً وراء الثأر. هذا لم يَحُلْ دون تجنيد شبّان من العشائر قاتلوا في صفوف الحركة والحزب سواء في إقليم التفاح أو في بيروت، ولكن ليس في بعلبك الهرمل.
ما قبل معركة حزب الله وعشيرة جعفر ليس كما ما بعده
وفي 1991-1992، سجّلت مجموعة من الأحداث بين عشيرة جعفر ـ بعلبك وحزب الله في حي الشراونة في بعلبك. وقد أسفرت عن مقتل ثمانية عناصر من الحزب و3 من الجعافرة بينهم رجل مسن وامرأة. وقد كان لها الأثر الكبير في اتخاذ الحزب قراره بتجنّب مواجهة العشائر.
وتتعدّد الروايات حول أسباب المواجهة بين حزب الله والجعافرة. فثمّة من يعزوها إلى تململ العشيرة من توسّع نفوذ الحزب في بعلبك، فيما يعتبرها البعض من ذيول “حرب الأخوة” بين الثنائي الشيعي والمشار إليها أعلاه، وعلى خلفية سيطرة الحزب على عدد من مراكز أمل في بعلبك. ولكن الثابت أنّ فتيل القتال بين الطرفين اشتعل مع قيام أحد أبناء عشيرة جعفر، وكان مسؤولاً في حركة أمل، بمحاولة السيطرة على محطة وقود للحزب في بعلبك مما أدّى إلى مقتله، وفق ما يروي لـ”المفكرة” أحد أبناء عشيرة جعفر. بعد حادثة المحطة، راَبطَ أقارب القتيل من الجعافرة على الطريق الدولية بين بعلبك الهرمل وخطفوا ثمانية أشخاص بينهم شيخ وقاموا بتصفيتهم لاحقاً في ظروف لم نتمكّن من جلائها. كما عمدت العشيرة إلى مضايقات عدّة لكلّ من ينتمي إلى الحزب “يعني حتى إذا سيدة لابسة عباية يمنعوها تمرق من حي الشراونة” وفق ما يؤكد الرجل لـ”المفكرة”، ممّا تسبّب للحزب بإحراج كبير. تبعاً لذلك، هاجم حزب الله بعد سنة من الحادثة حي الشراونة واكتسحه بالكامل مسنوداً بالقصف على الحي مما أدى إلى مقتل امرأة ورجل مسنّ من عشيرة جعفر. وعليه، بدأت المفاوضات بين الطرفين بتدخّل من مسؤول “أمل المؤمنة” يومها زكريا حمزة وبرعاية سورية. وقد وافق الأمين العام لحزب الله في حينه السيد عباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل، على مبدأ التسوية مع الجعافرة، بعدما شاع أنّ هجوم الحزب على الشراونة قد حصل من دون علمه وخلال وجوده خارج لبنان. وإذ اغتالت إسرائيل الموسوي في 16 شباط 1992، تولى الأمين العام الحالي للحزب السيد حسن نصرالله استكمال التسوية ـ الصلح التي تمثّلت في تقديم حزب الله أكثر من 200 قطعة سلاح للجعافرة، وفق محدّثنا.
بمعزل عن دقّة أيّ من تفاصيل هذه المعركة التي نقلناها هنا عن الذاكرة الشفوية، يبقى أنّ ثمّة تسليماً في المنطقة أنّها شكّلت المنعطف الذي دفع حزب الله إلى اعتماد سياسة مسايرة العشائر وتجنّب التصادم معها وهي سياسة ستتطوّر في ما بعد كما نبيّن أدناه.
اصطفافات ما بعد 2005-2006
شكّل العام 2005، تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مفصلاً أساسياً في علاقة حزب الله بالعشائر وتطوّرها مع ارتفاع منسوب التمذهب في البلاد والاصطفافات، وبحكم وقوع منطقة انتشار العشائر على الحدود مع جرود عكار والضنية مشكّلين بوّابة المنطقة الأقرب مع الشمال ذي الغالبية السنية الموالية لتيار المستقبل والإسلاميين بشكل عام. وصبّت حدود جرد العشائر مع منطقة بشري عبر القرنة السوداء وجبل المكمل، وكذلك عيون أرغش في قضاء بشري ومن بعدها دير الأحمر وعيناتا في منطقة غرب قضاء بعلبك في خانة تماسك العلاقة وتطوّرها. وعليه، تلاقى حزب الله مع العشائر حول مصلحة الطائفة التي تجمعهما.
وقد تركّز هذا الاتّجاه وتعزّز بعد عدوان 2006 الإسرائيلي والذي أُتبع بمحاولة إعاقة حركة حزب الله ومحاصرة نشاطه في جنوب نهر الليطاني تبعاً للقرار رقم 1701. ويقال إنّ الحزب اتّخذ قراراً رسمياً يومها بعدم إبقاء عشائر المنطقة، وهي ثالث قوّة عسكرية بعد حزب الله والجيش اللبناني، خارج الولاء للحزب قدر الإمكان.
ما بعد دخول حزب الله في الحرب السورية
شكّلت الحرب السورية بيضة قبّان وازنة في علاقة العشائر وحزب الله، خصوصاً مع دخول الأخير على خطّها بداية من بوّابة حماية السكان اللبنانيين القاطنين في 23 ضيعة سورية على الحدود مع الهرمل والقصر وحوش السيّد علي، حيث تنقسم عائلات الحدود بين قاطنين في الداخلين السوري واللبناني أيضاً، فنجد نصف هذه العائلة هنا ونصفها هناك. وقد تزايد التلاقي بين العشائر والحزب في ظلّ تنامي تهديد المدّ الداعشي، ووجود المسلحين في جرد عرسال، وإطلاق الصواريخ على القصر والهرمل ومناطقها وكذلك إرسال ثلاث سيارات متفجّرة إلى المدينة في شباط 2014 (في ساحة السرايا وأمام حاجز للجيش عند مدخل البلدة وقرب محطة الأيتام للوقود).
ولا يُخفى على أحد أنّ ممرّ حزب الله إلى الداخل السوري يحصل من بوّابة المناطق العشائرية بالدرجة الأولى. كما أنّ توسيع عمليّاته فرض تجنيد المزيد من الشبّان (من العشائر كما من خارجها) في صفوفه في منطقة تعاني تاريخياً من قلّة فرص العمل، عدا عن شدّ العصب الطائفي والمذهبي في البلاد.
نتيجة لذلك، ارتفع عديد عناصر الحزب بين العشائر حيث تراوح بين 700 إلى 800 عنصر في عشيرة جعفر وحدها، وفق ما يؤكد أحد وجهاء الجعافرة. كما وصل إلى المئات في عشيرة ناصرالدين وأقلّ منها في صفوف عشيرة دندش. لم نشهد المدّ نفسه لدى عشيرة علّوه حيث يبقى عدد المتفرّغين من أبنائها في الحزب قليلاً، رغم أنّ مسؤول القطاع في الهرمل في حزب الله اليوم هو من هذه العشيرة. وهذا ما عبّر عنه لنا أحد مسؤولي الحزب في المنطقة بالقول: “بس بيت علّوه بعد ما زبطت نحن وايّاهم منيح”.
ومع تواجد حزب الله في الداخل السوري، تتلاقى مصالح بعض العشائر وخصوصاً الحدودية منها معه، وفي مقدّمتها عشيرتا جعفر وناصرالدين وغيرهم من سكان الحدود الذين عادوا إلى قراهم بعد حسم معركة القصير وريفها بعضهم لزراعة أراضيهم والبعض الآخر للسكن ومتابعة حياتهم، إضافة إلى من يشتغلون بالتهريب.
وبناء على هذه المعطيات وبخاصّة التقارب بين العشائر وحزب الله، ترتفع أصوات كثيرة تتّهم الأخير بالتورّط في التهريب أو على الأقلّ في إهمال مكافحته، بصفته سيّد الأمر الواقع على الأرض. بالمقابل، يعتبر مصدرٌ في حزب الله في حديثه معنا أنّ منع التهريب هو من مهمة الجيش اللبناني وحواجزه المنتشرة على الحدود اللبنانية السورية، مذكّراً بتصريحات نوّاب الحزب الذين يطالبون الجيش اللبناني دائماً بالقيام بواجباته في منع التهريب. ويؤكّد المصدر أنّ حزب الله متضرّر من التهريب لأن بيئته تعاني من فقدان السلع من المازوت إلى البنزين إلى المواد الغذائية المدعومة وخصوصاً في الهرمل والمناطق الحدودية مع سوريا.
ولكن، ومن دون التقليل من قوّة الحزب أو افتراض نواياه في هذا الخصوص، يجدر التنبيه إلى ملاحظات عدّة لفهم المعطيات والحسابات التي تدخل حكماً في حسابات حزب الله بما يتّصل بهذا الأمر. من أوّل هذه المعطيات، هو تحسّبه حيال أيّ مواجهة مع العشائر التي يعدّها اليوم بيئته الحاضنة للأسباب المبيّنة أعلاه. هذا فضلاً عن أيّ مواجهة مع العشائر تبقى مكلفة جداً عليه. ومنها حادث مقتل عنصرين له في كمين نصبه لهما أشخاص من عشيرة ناصرالدين في صيف 2016 على خلفية تحميل الحزب مسؤولية القبض على أحد أبنائهم في سوريا ومعها مسؤولية عدم الإفراج عنه. ويُتداول في المنطقة أنّ الإشكال حُلّ على الطريقة العشائرية، حيث لم يمكث ابن ناصرالدين في السجن سوى سنة ونصف إلى سنتين وخرج بعد عقد المصالحة. كما تروى قصة مشابهة بشأن مواجهة حصلت مع أفراد من عشيرة جعفر على خلفية القبض على أحد أبنائها في سوريا (وكان في صفوف الحزب) متورّطاً بتهريب أسلحة وبشر قبل انتخابات 2018 بقليل. وقد قام ذووه بإطلاق النار على منزل مسؤول في الحزب مبرّرين ذلك بأنّ الأخير لم يسع لإخراجه من السجن في سوريا. كما قاموا من ثمّ بمهاجمة عدد من مراكز الحزب في المنطقة. كما نفّذت نسوة من العشيرة اعتصامات عدّة أمام مكاتب الأمانة العامّة لحزب الله. وعلمت “المفكرة” من مصدر متابع للقضية أنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أوعز شخصياً للقيّمين على المراكز التي استهدفتها الهجمات بعدم الرد وإن عرّض الهجوم حياتهم للخطر[13]. وانتهت المواجهة هنا أيضاً بتدخّل حزب الله لإطلاق سراح الشاب المعتقل في سوريا بعد نحو سنتين من اعتقاله.
يقول أحد أبناء عشيرة جعفر النقديين للممارسات العشائرية لـ”المفكرة” إنّ الحزب وفي منحى مسايرة العشائر عينه، لم يقم بجهد جدي لوقف النهب المنظّم الذي مارسه البعض في منطقة القصير وريفها من أبناء العشائر والعائلات الصغيرة بعد حسم المعارك هناك وتهجير أهلها، لقراره بعدم مواجهة هؤلاء.
ويلاحظ الرجل أنّ بعض من ينتمون إلى “سرايا المقاومة” “مطلوبون، وأشخاص ذوو سلوكيات لا يرضى عنها المجتمع عامّة”، وأنهم يستغلّون هذه الصفة للتمتّع بهامش حركة. وهو يعلّق على قبول الحزب انتماءهم لسرايا المقاومة من دون أن يفتح لهم باب الانتساب للحزب بأنّه “يريد أن يضمن ولاءهم من دون أن يتورّط بانتسابهم إليه”.
في الاتجاه نفسه، أخذ بعض محدّثينا على الحزب كما على حركة أمل أنّهما يلجآن لحلّ المشاكل في المنطقة على الطريقة العشائرية وضمناً المصالحات وتبويس اللحى، وهم يروون لك في هذه المضمار حالات اعتمدوا فيها هذا المنحى، قصصاً لا تعدّ ولا تحصى.
العشيرة: دولة المجتمع المحلي، “عشائر جرد الهرمل”، الدكتور فؤاد خليل، فصل “بين بعبدا وقلعة عروبة”، دار الفارابي، 1990، صفحة 159. ↑
أقرّ في مجلس النواب في 23 شباط 1954 ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 3 آذار 1954 تحت عنوان “منح قانون عفو عام عن بعض الجرائم المرتكبة قبل إنشاء المحاكم العسكرية اللبنانية”. ↑
الدكتور فؤاد خليل، المرجع نفسه صفحة 160 مع هوامشها. ↑
وإذا بدأنا من شمال لبنان من ناحية عكار، الحدود الشمالية لجرد العشائر، نجد آل جعفر يتمركزون من قلعة عروبة إلى القصر في السهل على الحدود الشرقية الشمالية مع سوريا وبينهما وادي فيسان معقلها الأساسي، يفصلهم خط واضح عن جرد عشيرة ناصرالدين المتركنة من سهل مرجحين إلى سهل المسطاح في الهرمل وحوش السيد علي على الحدود مع سوريا. إلى جانب آل ناصرالدين، نجد بدايات ملكية عشيرة علّوه في عميري في قضاء الضنية وفي مغرّب في قضاء عكار مروراً بسهل مرجحين وواديي التركمان والرطل وصولاً إلى حيي المرح الجنوبي والشمالي في رأس الهرمل عند سفح سلسلة جبال لبنان الغربية . وجنوب آل علّوه تمسك عشيرة دندش بحدودها مع قضاء بشري في سهل جباب الحمر نزولاً نحو وادييْ بنيت والنيرة وصولاً إلى رأس العاصي وسهل الشرقي عند قاموع الهرمل. ↑
العشيرة: دولة المجتمع المحلّي، “عشائر جرد الهرمل”، الدكتور فؤاد خليل، دار الفكر اللبناني، 1990، قسم الملاحق، صفحة 195 حيث يرد الكتاب معرّباً. ↑
بحث للكاتب سويدان ناصرالدين حول الهرمل وعشائرها، نشر ضمن حلقات في جريدة السفير في 1988. ↑
أعلنت أقضية بعلبك والهرمل وعكار مناطق عسكرية وفق المرسوم 2140 المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/11/1971. ↑
سُجّل إقدام شاب من إحدى عائلات الهرمل، وكان عنصراً في حزب الله، على قتل شاب من إحدى عشائر الجرد في إشكال وقع أمام مركز للحزب، وهي حادثة كانت غريبة ولافتة في سياق علاقة عائلات الهرمل بالعشائر، برغم أنّ عشيرة القتيل يومها عادت وأخذت بالثأر من عنصر حزب الله ونفت عائلته من الهرمل. ↑
نقل بعض المحسوبين على حزب الله لنا أنّ نصرالله قال بالحرف “لو بتستشهدوا كلّكم ما بتردّوا ع بيت جعفر”. ↑
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.