يعيد جهاد إبرو ويكرّر في اتصال مع “المفكرة القانونيّة” عبارة وحيدة: “لا علاقة لي بهذه القضيّة كلّها”. فجهاد الذي صدر حكم بحقّه بتهمة معاملة قوى الأمن بالشدّة وغُرّم 400 ألف ليرة في 29 تشرين الثاني 2021 بعد جلسة محاكمة خضع لها لدى المحكمة العسكريّة الدائمة، يسأل نفسه “ما الذي ارتكبته حين نزلت الشارع متظاهراً مطالباً بحقوقي لأجد نفسي مداناً بجرم لم أرتكبه، فأصبح على سجلّي العدلي عبارة محكوم وأنا بريء من كل ما اتهموني به”.
قبل عام أوقف الشاب جهاد إبرو ابن الرابعة والعشرين في حلبا، على خلفية مشاركته في تظاهرة حصلت في 4 تشرين الثاني 2020. يومها اتُّهم جهاد بضرب النقيب في قوى الأمن الداخلي عبد العزيز دياب، والأخير كان قد تلقّى ضربة على رأسه من الخلف ولم يتمكّن من تحديد هويّة من ضربه. وفي اليوم التالي ألقت شعبة المعلومات القبض على جهاد مع العلم أنّ الأخير كان مصاباً ويتلقى العلاج لدى الصليب الأحمر في اللحظة نفسها التي أُصيب فيها النقيب دياب.
أوقف في قضية لا علاقة له فيها
خلال التظاهرة المذكورة أمام مصرف لبنان والمهجر في حلبا في 4 تشرين الثاني 2020، حصلت مواجهات بين قوى مكافحة الشغب والمتظاهرين، يومها أُصيب جهاد ونقله رفاقه إلى خيمة اعتصام حلبا حيث قام بتقطب جرحه متطوّعو الصليب الأحمر وثم نُقل إلى المستشفى. وفي الوقت نفسه تعرّض النقيب عبد العزيز دياب لضربة في رأسه، نُقل على إثرها إلى المستشفى وهناك كان اللقاء الوحيد بين إبرو ودياب.
في اليوم التالي، ورد اتصال لجهاد من صديق له يعمل لدى فرع المعلومات يطلب منه أن يوافيه إلى مقهى قريب، وحين وصل إبرو وصلت دورية لفرع المعلومات وأوقفته وسلمته لاحقاً إلى الشرطة العسكرية وتم توقيفه في سجن الريحانية. وبحسب ما يقول لـ “المفكرة”، بقي جهاد قيد التوقيف لنحو 23 يوماً، وخلال التحقيق يظهر أنّه اعترف مكرهاً بجريمة لم يرتكبها، وتمّ الادّعاء عليه من النيابة العامّة العسكريّة بتهمة محاولة القتل. ويلحظ أنّ التحقيق مع إبرو حصل من دون حضور محام، وكان إبرو لا يعلم بحقوقه المنصوص عليها في المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تتيح له أن يطلب محامياً يحضر معه التحقيق.
خضع إبرو للتحقيق في مخفر حلبا ولاحقاً ادّعت عليه النيابة العامّة العسكرية بتهمة “محاولة القتل”. وبعد خضوعه للتحقيق لدى قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان صدر القرار الظني لتصبح التهم الموجهة إلى جهاد معاملة موظّف بالشدّة خلال ممارسته الوظيفة (381 عقوبات) وضرب وإيذاء (554 عقوبات). ويظهر من محاضر التحقيق أنّ جهاد اعترف بجرم لم يرتكبه. ولاحقته هذه التهم وصدر حكم بإدانته بمعاملة قوى الأمن بالشدّة وبدفع غرامة 400 ألف ليرة بعد جلسة حضرها في المحكمة العسكريّة الدائمة في 29 تشرين الثاني 2021.
لا دليل على جهاد
يوم الاثنين في 29 تشرين الثاني، عقدت جلسة جهاد لدى المحكمة العسكريّة الدائمة في بيروت برئاسة العميد منير شحادة، وحضر الجلسة النقيب عبد العزيز دياب بصفة شاهد وحضر إبرو ووكيله المحامي مازن حطيط. خلال الاستماع لإفادته واجه العميد شحادة جهاد بالتهم الموجهة ضدّه وقرأ له إفادته التي كان قد أدلى بها أمام قاضي التحقيق. فنفى جهاد ما جاء فيها من “اعتراف” بارتكابه العنف تجاه النقيب دياب.
وأكّد وكيل إبرو المحامي مازن حطيط خلال مرافعته أنّ التحقيق الأوّلي لم يُثبت مصدر الشبهة التي تطال جهاد وعدّد بعض العناصر التي تدل على براءة جهاد من التهم الموجهة إليه. فأكّد حطيط أنّ هناك فيديو بُث مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي يثبت وجود جهاد في مكان مختلف عن مكان وجود النقيب حين تلقى الأخير الضربة على رأسه. ومن جهة ثانية، لفت حطيط إلى أنّ جهاد قبل التحقيق معه لدى قاضي التحقيق العسكري “كان قد طلب حضور محام معه، فتوكّلت عنه وحين توجّهت لحضور الجلسة التي كانت مقرّرة الساعة التاسعة صباحاً، تم إعلامي حين وصلت أنّه تم إغلاق ملف جهاد وتم الاستماع إليه الساعة السادسة صباحاً”. وأضاف (في حديث لاحق مع “المفكرة”) أنّ القاضي وافق أن يرجئ جلسته إلى حين حضوره (أي المحامي) ولكن قبل السماح له بالخروج طرح عليه بعض الأسئلة من دون إفهامه طبيعة التهمة الموجهة ضدّه (محاولة القتل) رغم خطورتها، ومن دون أن يوضح له أنّه سيستعمل إجاباته كمحضر تحقيق فعليّ.
وتابع حطيط في مرافعته أنّه قد “تمّ التحقيق مع جهاد خلافاً للأصول ومن دون حضوري معه كوكيل عنه”. وأنّ الاعتراف الذي نسب إلى جهاد لا يمكن الاعتداد به، بخاصّة أنّه لم يوقّع على إفادته كما هو وارد في المحضر بل “بصم” عليها. وشدّد على أنّ جهاد لم يقرأ إفادته لأنه لا يجيد القراءة والكتابة. وطلب حطيط في المرافعة أن تبطل المحكمة التحقيقات الأوّلية، وطلب البراءة لجهاد لعدم كفاية الدليل.
وشرح جهاد بدوره أيضاً أنّه “خلال مقابلتي لقاضي التحقيق سألني إن أردت أن أوكل محامياً فقبلت وطلبت تأجيل الجلسة إلى حين حضور المحامي، وحين التقيت المحامي بعد أسبوع قال لي إنّ ملفّي أُغلق وتمّ الادّعاء عليّ”.
وخلال الجلسة، أكد جهاد إبرو للرئيس شحادة مجدداً أنّ ما تمّ تدوينه في محاضر التحقيق الأوّلية غير صحيح، وأعاد رواية ما جرى معه في 4 كانون الثاني 2020 نافياً ضرب النقيب ومؤكداً أنّه رآه فقط في المستشفى حيث نقل الإثنان وقال له “حمد لله على سلامتك”. كذلك نفى إبرو أيّ اتهامات عن مشاركته في تسكير الطرقات والاعتداء على المصرف.
من جهته، أدلى النقيب دياب، ورداً على أسئلة العميد شحادة، أنّه خلال تواجده في منطقة التظاهرة مكلّفاً بمهمة عسكريّة، “أُصبت بضربة على رأسي من الخلف بآلة حادّة، وقد تمكنت من سماع صوت الآلة عند وقوعها على الأرض”. وشدد النقيب دياب على عدم قدرته على تحديد الشخص الذي ضربه، مشيراً إلى تواجد حشد من الناس يتخطى عددهم الثلاثين شخصاً. وأضاف النقيب دياب: “التقيت إبرو في المستشفى وقد أتى إليّ واعتذر منّي”. فتوقف العميد شحادة عند هذه الإفادة سائلاً إياه، “هل اعترف أمامك أنّه ضربك، علماً أنّه اعتذر؟”. فأجاب النقيب، “لا أعلم لما اعتذر منّي، علمت من مقربين منه أنّ جهاد لم يضربي لكن حطّوها بضهرو”. وأضاف النقيب دياب بأنّه يريد إسقاط حقه الشخصي ضد جهاد.
حكم ظالم
لم تذهب المحكمة إلى الاتجاه الذي طالب فيه المحامي مازن حطيط، إذ لعبت ضدّ جهاد الإفادات غير الدقيقة التي أدلى بها في التحقيق الأوّلي ولدى قاضي التحقيق. فأصدرت المحكمة العسكرية مساء الاثنين 29 تشرين الثاني حكماً أدانت فيه جهاد بمعاملة قوى الأمن بالشدّة، وغرّمته مبلغ 400 ألف ليرة لبنانيّة.
الحكم الذي صدر بحقّ جهاد يجده المحامي حطيط غير عادل، بخاصّة وأنّه تقدّم بأدلّة للمحكمة تؤكّد عدم تواجد جهاد مع النقيب حين تعرّض للضرب على رأسه. ولكن يبدو أنّ المسألة التي لعبت ضدّ جهاد هي “اعترافه” في محضر التحقيق تحت الإكراه كما يقول حطيط، متأسّفاً على عدم توجّه المحكمة إلى التوسّع أكثر في القضية وأخذ الأدلّة بعين الاعتبار. وشدّد على أنّ التحقيقات مع جهاد بُنيت على أسس خاطئة، بخاصّة وأنّ جهاد لا يعرف القراءة والكتابة ولا يعرف على ماذا وقّع.
ويعلّق جهاد على الحكم الذي صدر بحقّه قائلاً: “كان كلّ هدفي منذ 17 تشرين الأول 2019 أن أشارك في التظاهرات، حيث أدافع عن حقوقي وعن حقوق المجتمع الذي أعيش فيه، ولم أكن للحظة أفكر أنني سأصل إلى مرحلة أُحاكم فيها ويُصبح سجّلي العدلي غير نظيف”. ويشرح جهاد أنّه مثله مثل أي شاب لبناني يعيش في منطقة منسية بالنسبة للدولة اللبنانيّة، في حلبا حيث يعيش إبرو فرص العمل أشبه بالمستحيلة، يقول “يوميّة أيّ شاب يريد أن يكسب رزقه لا تزيد عن 30 ألف ليرة. ويُضيف، “ماذا يفعل الشخص بهذا المبلغ في هذه الظروف؟”. ويأسف جهاد على الوضع الذي وصل إليه لبنان، مشيراً إلى أنّ “نزولنا إلى الشارع كان بسبب قهرنا، القهر الذي نشعر به تجاه أوضاعنا الشخصية وتجاه من حولنا”. يتابع، “نزلت إلى الشارع لأطالب بحقي وبحق من حولي ويعانون مثلي، لا فرص عمل، لا يمكننا شراء الأدوية، والكثير من البرّادات فارغة من الطعام”.