قنابل مضيئة فوق الضهيرة- المصدر الوكالة الوطنية للاعلام
مع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة وجنوب لبنان شهره الرابع، باتت معظم القرى اللبنانية المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلّة، وبخاصة في القطاعين الشرقي والأوسط، خالية إلّا من قلّةٍ قليلةٍ من السكان لا يتجاوز عددهم في بعض القرى أصابع اليدين. علمًا أنّ النزوح من القرى لم يحدث دفعةً واحدةً، بل على مراحل، فأعداد كبيرة من الناس صمدت لأكثر من شهرين، ولم تترك بيوتها وأراضيها إلّا بعد استهداف إسرائيلي مباشر لقراها.
فعيتا الشعب، مثلًا بحسب رئيس بلديتها محمد سرور، باتت اليوم خالية من السكان، “ما في حدا أبدًا بعيتا. بس إذا في تشييع بيطلعوا”. إذ إضافة إلى الغارات الإسرائيلية، باتت ظروف المعيشة صعبة جدًا، حيث الكهرباء مقطوعة عن القرية بشكل كامل، كذلك معظم خزانات المياه باتت فارغة بسبب إصابتها بشظايا والمحال التجارية أقفلت. وبحسب أرقام غرفة إدارة الأزمات والكوارث في محافظة النبطية، فإنّه حتى تاريخ 25 كانون الثاني الجاري بلغت أعداد الصامدين في القرى التي تتعرّض للقصف الإسرائيلي (أكثر من 40 قرية) حوالي 10544 عائلة، منها 5484 عائلة في القرى التي تتعرّض للقصف في قضاء مرجعيون، 2120 عائلة في القرى التي تتعرّض للقصف في قضاء حاصبيا، 2940 عائلة في القرى التي تعرّضت للقصف في قضاء بنت جبيل.
والصامدون إذ اتخذوا قرار البقاء، فلأنّهم قرروا التحدّي ومواصلة الحياة في بيوتهم وأرضهم رغم أنف الإسرائيلي، وبعضهم رأوا في النزوح “موتًا” نفسيًا ومعنويًا، فيما البعض الآخر عاجز عن الرحيل لأسباب مادية ومعيشية ويرفض العيش في مراكز إيواء. أبو جلال مثلًا صامد في قرية القنطرة كون جذوره مغروسة في وديانها وجبالها، يريد البقاء للاعتناء بحيوانات مزرعته الصغيرة التي أنشأها لأحفاده. وأديبة في الضهيرة تريد البقاء وفاء لمنزلها الذي بنته حجرة حجرة منذ كان عمرها 14 عامًا. وفاطمة جمعة التي كانت نزحت إلى بيروت، عادت إلى بنت جبيل للعيش تحت وابل النيران، كرمى لجلسة على المصطبة وسط أزهارها وطيورها.
والصامدون باقون ليس فقط بالرّغم من الحرب، بل أيضًا رغم الظروف المعيشية الصعبة، حيث أقفلت المحال التجارية والبقالة وحتى الصيدليات أبوابها، ويتدبّرون أمور معيشتهم من المونة البيتية. كما أنّ التيار الكهربائي مقطوع في معظم القرى، حيث يواجه الأهالي برد الليالي في العتمة والصقيع ويواجهون الخوف والقلق من القذائف وحدهم.
أما في القرى الحدودية غير المتاخمة مباشرة للحدود مثل الطيبة، والقنطرة، ودير سريان، وكونين، وطير حرفا، وبيت ليف، فوضع عشرات الصامدين فيها أشفى حالًا من الصامدين في خطوط النار. فحركة السير بطيئة لكنها ليست منعدمة، ويمكن العثور في هذه القرى على بعض محلات البقالة والملاحم والصيدليات الذين أبقوا على مصالحهم مفتوحة.
تتحوّل الحركة إلى شبهة اعتيادية في القرى الأبعد في أقضية النبطية ومرجعيون وحتى تبنين وبنت جبيل وغيرها مثل قرى الغندورية وصريفا والسلطانية ودير قنطار وصدّيقين والتي تحتضن أعدادًا كبيرة من النازحين الذين فضلوا الابتعاد قليلًا عن قراهم المواجهة للاحتلال إلى مناطق غير مستهدفة. وقد بلغ عدد النازحين المسجّلين لدى غرف الكوارث حوالي 36703 نازحين منهم 800 لجأوا إلى مراكز الإيواء في مدينتي النبطية وصور، يعيشون جميعًا في ظروف معيشية صعبة. ولكن العدد الفعلي للنازحين ربما يناهز المائة إذا ما احتسبنا النازحين الذين لم يسجّلوا في الغرف المعنية والنازحين الذين اختاروا التوجّه إلى محافظات وأقضية أخرى، لاسيما في الضاحية الجنوبية وبيروت وجبل لبنان وشماله، حيث لا إحصاءات رسمية ولا مبادرات حكومية تجاههم.
وقد اقتصرت المساعدات المقدّمة للصامدين في القرى المتاخمة للحدود منذ بدء العدوان، على حصة واحدة لكلّ عائلة من قبل مجلس الجنوب، إضافة إلى حصّة غذائية قدمتها مؤسسة “جهاد البناء” التابعة لحزب الله مع مبلغ قيمته 100 دولار لكل عائلة صامدة، بحسب ما أكد رئيس مؤسسة جهاد البناء، سليم مراد، لـ”المفكرة”. إلاّ أنّ كثرًا من الصامدين أو النازحين حديثًا الذين تواصلت معهم “المفكرة” نفوا تلقّيهم أي مساعدة مالية من المؤسّسة، وبعضهم أكد تلقيه مساعدات من أشخاص مقتدرين وفاعلي خير، في حين أكد بعض مزارعي التبغ تلقّيهم حصصًا غذائية من إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية “الريجي”.
كيف تعيش أديبة فنش الصامدة في الضهيرة؟
منذ بدء العدوان رفضت أديبة فنش (65 عامًا) الصامدة في قرية الضهيرة الحدودية المغادرة، “وين بدي روح اقعد بالمركز، إذا بدي فوت عالحمام بدي أوقف بالدور، لا بضلّ ببيتي أشرفلي”. وعمر أديبة من عمر الحروب والاعتداءات الكثيرة التي مرت على لبنان، عايشتها وهي طفلة وشابة واليوم تعيشها وهي على مشارف السبعين. تقول إنّها رغم الحروب لم تنزح عن قريتها سوى مرة واحدةً “وهيي كانت” إذ أقسمت من بعدها ألّا تغادر منزلها مجددًا. تروي أنّها نزحت قبل الاحتلال العام 1982 مع زوجها وأطفالها الستة، إلّا أنّها أصرّت على العودة بعد أيام قليلةٍ، وفي الطريق اعتقل جيش الاحتلال زوجها، فعادت مع أبنائها وراحت تعمل في مهنة “المشاحر” لإعالتهم. اليوم بقيت أديبة أيضًا في الضهيرة مع ابنها وحفيدها.
منذ بدء العدوان تغيّر روتين أديبة اليومي، فما عادت صباحاتها هادئة، إذ أنّ القصف المتواصل على أطراف القرية يعكّر مزاجها، كما أنّ لا جيران يأتون لمشاركتها فنجان القهوة. فتبدأ صباحها وحيدة، قبل أن تحلب بقرتها، وتنقلها إلى الحديقة للرعي، وتقوم ببعض الأعمال المنزلية، تكنس المصطبة، تغسل الاطباق وتبدأ بتحضير الطعام. وهذه أعمال لطالما توكّلت بها زوجات أولادها وبناتها، إلّا أنّهنّ نزحن وبقيت أديبة وحدها. في كثير من الأحيان تجوب القرية والحقول المجاورة بحثًا عن الحطب للتدفئة. تستذكر لقاءاتها مع جيرانها وأقاربها الذي غادروا أيضًا: “الضيعة ما عادت حلوة، ما فيها حدا أبدًا”. بعدها تجلس أديبة لمتابعة الأخبار على الهاتف. ولكن انقطاع الإنترنت لساعات طويلة ينغّص عليها صمودها، كما تقول لأنّه يحرمها التواصل مع الناس ومعرفة ما يجري من حولها.
تقول إنّها لولا المونة البيتية لكان حالها كارثيًا، فالمساعدات اقتصرت على حصّتين غذائيتين إحداها من إدارة الكوارث وأخرى من “الريجي”، وتستعين أديبة وابنها نادر بأرزاق الجيران وأهل القرية الذين تركوا أراضيهم المزروعة ودجاجاتهم ورحلوا، “جيرانّا تركوا دجاجاتهم فنحن منهتمّ فيهم ومناكل كم بيضة، جارنا زارع شويّة خضراء منقطف منهم ملفوف أو خس”. أما الكهرباء فمن الطاقة الشمسية، وحين تنفد طاقة البطاريات في أيام الشتاء الغائمة يسهر الجميع على العتم. “ما في كهرباء لنشرّج البطاريات بالشتاء بتطفي الطاقة بكير، فمنّام على بكير”. مع حلول الليل واشتداد البرد يشعل ابنها الحطب الذي جمعته في النهار وينام الجميع باكرًا حين تخمد النيران ويصبح الحطب رمادًا.
تروي أديبة أنّه مع اشتداد وتيرة القصف واقترابه من القرية تلجأ مع ابنها نادر وحفيدها إلى غرفة صغيرة في الطابق السفلي، إليها أيضًا تهرع كلابها وقططها التي تأويها أديبة بشكل تلقائي “صاروا الكلاب والبسينات بيعرفوا لما يطلع قصف بيهربوا دغري عالغرفة”.
أما حفيدها عطا (12 عامًا) فيقول إنّه لا يريد النزوح عن القرية وترك جدّته وحيدة، يساعدها في رعي البقرة، يجول القرية بحثًا عن البيض والخضار اللازمين، يحاول قدر المستطاع متابعة دراسته وفروضه المدرسية “أونلاين”. ويعيش عطا اليوم “حياة الكبار”، هذه الحرب الأولى التي يعيشها منذ ولادته، يقول إنّه في الأيام الأولى للعدوان، بقي ملازمًا المنزل، أما اليوم فقد اعتاد الأصوات، يحاول عند اشتداد القصف العودة سريعًا إلى المنزل، لكنه رغم الخطر يودّ البقاء في القرية.
يوم في حياة أبو جلال الصامد في القنطرة
تحت سماء لا تهدأ فيها طائرات الاستطلاع، لا يزال أبو جلال الصامد في القنطرة يشعر بسعادة داخلية، فصباحات القرية مصدر هنائه هو الذي أمضى شبابه و كهولته مغتربًا خارج لبنان. لكنه قرّر منذ تحرير الجنوب في العام 2000 العودة إلى مرتع طفولته وتمضية سنواته الباقية فيها. على صوت صياح الديك يستيقظ أبو جلال عند الخامسة فجرًا، يشعل موقدة الحطب لساعة من الزمن، مثله مثل بقية الجنوبيين الصامدين يحاول قدر المستطاع التوفير في استهلاك الحطب، كي تكفيه الكمية لحين انتهاء العدوان. ينتقل بعدها إلى تفقّد حيواناته ومزروعاته القليلة ، يفتح قنّ الدجاج يرمي لها حفنة من الشعير المخزّن لديه منذ ما قبل العدوان. يلتفت إلى الأرانب يضع لها أوراق الخس والملفوف التي يجمعها من حديقته. يمرّ من أمام قفران النحل يراقب حركتها البطيئة في هذا الموسم.
يسجّل أبو جلال يوميًا فيديو صغيرًا يرسله إلى مجموعة العائلة على واتساب التي تضمّ أولاده وأحفاده الخائفين من زيارة القرية. يخبرهم عن أحوال الصامدين، عن مدى قوّة تدفّق نبع الحجير في وادي السلوقي الذي يتعرّض يوميًا للقصف، لذلك يحاول تقليل زياراته له تحسّبًا من غارةٍ إسرائيليةٍ مفاجئة. يذكّرهم كيف تخترق مياه النبع وادي الحجير وتعبر أقنية المطاحن القديمة وبساتين وأودية كانت مخابئ للمقاومين منذ السبعينيات والثمانينيات إلى اليوم.
يقول أبو جلال لـ “المفكرة” إنه لسنوات طويلة، خلال الاحتلال، تمكّنت إسرائيل من إبعاد الجنوبيين عن قراهم المحتلة، لذلك فهو لا يريد أن يعيد الكرّة اليوم، يريد العيش في القرية رغم أنف الجيش الإسرائيلي.
منهم من نزح وعاد
ومن الجنوبيين من صمد ومنهم من نزح ومنهم من لم يحتمل الابتعاد فنزح وعاد سريعًا. هذا هو حال فاطمة جمعة من بنت جبيل التي نزحت إلى بيروت لمدة عشرة أيام ثم عادت أدراجها سريعًا إلى القرية لشعورها بالغربة، على حد قولها، على الرغم من استقرارها في شقة ابن زوجها، “أنا مش معوّدة على قعدة الشقق، حسيت حالي مخنوقة، ما في شجر ما في ورد”، تصف أنّها عندما وصلت إلى منطقة صيدا خلال عودتها من بيروت “ردت روحها”، وتضيف أنّها على استعداد لتحمّل المشقات كافة والبقاء في منزلها على النزوح والسكن بعيدًا. وتصف أنّ القرى خالية إلّا من قلة قليلة من السكان، وأنّه لا يوجد أدنى مقوّمات للعيش ما يضطرّهم إلى قصد قرى أخرى للتبضّع. “دكاكين ما في كلّهم مسكّرين عم ننزل على ضيعة كونين في دكانة فاتحة. لبن ما في ما عم نذوقوا، بيض ما في، خضرا ما في، مندبّر حالنا بالموجود”، تقول. وتشير إلى أنّه بسبب نقص الحطب يضطرّون لإشعال المدفأة في أوقات محدّدة، ويتحاملون على البرد بالحرامات.
وفي اتصالٍ مع “المفكرة” تقول إحدى المواطنات من إبل السقي إنّها مع بداية الحرب نزحت من قريتها إلى بيروت حيث بقيت لمدة ثلاثة أشهر، إلّا أنّها باتت غير قادرة على الاستمرار بعيدًا عن القرية، فتكاليف المعيشة في بيروت مرتفعة جدًا. واعتبرت أنّ الحياة في قريتها لا زالت ممكنة فكل شيء متوفّر من مياه وكهرباء عبر ألواح الطاقة الشمسية أو عبر مولّد البلدية، أيضًا المحال تجارية تفتح أبوابها يوميًا، وأولادها يتلقون تعليمهم “أونلاين”، من هنا تجد أنّه في حالتها لا داعي للنزوح. ولكن تقرّ هذه المواطنة أنّ القلق شعور مسيطر عليهم في القرية نتيجة استمرار العدوان: “منحس كل الوقت إنّو لازم نكون جاهزين لنهرب، منسمع صوت القصف على طول هيدا شوي بيخوّف الولاد”.
أصحاب المصالح التجارية يتكبّدون الخسائر
على الرغم من أنّ أصحاب المصالح التجارية في المناطق الحدودية هم اليوم بمثابة المتنفّس والشريان الحيوي للصامدين، إلّا أنّ أصحابها يتكبّدون خسائر فادحة جرّاء الوضع. فمن جهة تراجعت مبيعاتهم بسبب قلّة المشترين، ومن جهة أخرى بدأت بضائعهم تتلف بسبب انتهاء صلاحيّتها.
فيقول فادي رسلان صاحب صيدلية في قرية الطيبة الحدودية في اتصالٍ مع “المفكرة”، إنّ خسائره منذ اندلاع الحرب لغاية اليوم كبيرة جدًا وأنّ نسبة مبيعاته منذ الحرب لغاية الشهر الحالي تعادل ما يبيعه في خمسة أيام فقط من أيام البيع العادية، إضافة إلى خسائر جرّاء انتهاء مدة صلاحية الأدوية وعدم موافقة الوكلاء على استبدالها، والتي تفوق قيمتها 40 مليون ليرة. هذا عدا عن تحمّله مخاطر الطريق لتأمين الأدوية للمرضى في القرية، فهو يضطر إلى ملاقاة الوكلاء والموزعين في مناطق اخرى أكثر أمانًا لاستلام البضائع.
ويعتبر رسلان أنّه على الرغم من الخسائر إلّا أنّ واجبه الوطني والمهني والإنساني هو ما يدفعه بالدرجة الاولى على الصمود وفتح الصيدلية.
بدوره سامر صاحب دكان سمانة في قرية الضهيرة يقول في اتصالٍ مع “المفكرة” إنّ حركة البيع شبة معدومة وتقتصر على الضروريات منها “الخبز ومياه الشرب وبعض المعلّبات إذا توافرت”، وهو أيضًا يخاطر كلّ بضعة أيام للنزول إلى القرى أخرى لشراء الحاجات الضرورية، وفي كثير من الأحيان لا يستطيع الوصول، ويؤكد أنه بسبب انقطاع التيار الكهربائي لا يمكنه تزويد دكانه بأغراض تحتاج إلى التبريد كالأجبان والألبان، ويتساءل عن كيفية الصمود مع عدم تحصيل مردود مالي.
أما أبو عبدو وهو بائع متجوّل، فيشكو في اتصال مع “المفكرة” سوء الحال بعد توقف تنظيم الأسواق الشعبية في معظم القرى التي كان يقصدها، وهي ما يعتمد عليه لتحصيل مدخوله وعائلته. ويعتبر السوق الشعبي في القرى الجنوبية سوقًا أساسيًا في معظم القرى الجنوبية يقصده السكان للتزوّد بحاجاتهم بدل الذهاب الى مدن بعيدة كالنبطية وصور. ويضيف أبو عبدو أنّ أعداد الزوار في سوق الخان، وهو سوق دائم، تراجعت أكثر من 90%، أما عدد البسطات فبات لا يتجاوز الخمسة بعدما كان يبلغ 500 بسطة أيام السلم.
بدوره يوسف العميل (73 عامًا) من قرية رميش الحدودية يقول في اتصال مع “المفكرة” إنّ هناك معاناة على الصعيد المعيشي فمع اضطرار المحال التجارية لإقفال أبوابها باتت المشكلة في تأمين التموين، ما يضطرّ المواطن لتحمّل مخاطر الطريق للوصول إلى قرية أخرى يجد فيها بعض احتياجاته. كذلك فإنّ إقفال المصارف في المنطقة يحرم الموظفين المتقاعدين من الحصول على أموالهم ورواتبهم، “يعني لي بدّو يقبض معاش بدو يروح أو على صور أوعلى النبطية”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.