العدل العليا تبارك استنسابية الحكومة الأردنية بشأن تمويل المنظمات غير الحكومية


2013-07-29    |   

العدل العليا تبارك استنسابية الحكومة الأردنية بشأن تمويل المنظمات غير الحكومية

في حزيران 2012، وفي سابقة من نوعها، رفض مجلس الوزراء الأردني الموافقة على استفادة منظمة غير حكومية وغير ربحية هي مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، المسجلة أصولا في الأردن، من هبة أجنبية لتمويل القيام بنشاطاتها. ومن المعلوم أن مركز تمكين متخصص بتقديم المساعدة القانونية للعمالة المهاجرة ويهدف إلى الحد من الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون الأجانب من أصحاب العمل ولفت النظر إلى أوجه القصور في التشريعات الوطنية والجهود والممارسات الحكومية للحد من هذه الانتهاكات. وكان سبق للمركز أن أصدر العديد من التقارير التي تبين أبرز الانتهاكات التي تتعرض إليها العمالة الوافدة في الأردن يصل بعضها إلى مصاف الاتجار بالبشر. كما سبق له أن أصدر تقريرا حول عاملات المنازل المهاجرات بالاشتراك مع (Human Rights Watch) وتم تكريم المديرة التنفيذية للمركز، ليندا كلش، من قبل العديد من الجهات والمؤسسات الدولية باعتبارها من أهم الأشخاص الناشطين في مكافحة الاتجار بالبشر. وكان المركز يهدف من خلال هذا التمويل الى توفير الحماية للعمالة المهاجرة مثل تغطية نفقات المساعدة القانونية المقدمة إليهم وتدريب القضاة والمحامين والمسؤولين الحكوميين على تطبيق التشريعات المتعلقة بحماية العمال والتوعية القانونية وتقديم الرعاية الصحية وتوفير تذاكر عودة لبلادهم لمن لا يستطيع شراءها. أما مقدمو الهبة المرفوضة فيضمون كلا من: مؤسسات المجتمع المفتوح The Open Society Foundations)، وهي مؤسسة دولية تعمل على بناء ديمقراطيات متسامحة بحكومات قابلة للمساءلة، مؤسسة المستقبل (The Foundation for the Future)، وهي مؤسسة دولية تُعنى بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط عبر تقديم الدعم للمجتمع المدني، منظمة برو فيكتيمز (Pro Victimis)، وهي مؤسسة سويسرية تقدم الدعم للمنظمات غير الحكومية التي تعمل مع الفئات الأكثر حرمانا والتي لا تتلقى عناية كافية، منظمة آيراكس (IREX)، وهي منظمة دولية تعمل على تعزيز جودة التعليم ووسائل الإعلام المستقلة.
وتجدر الإشارة أنه كان من المفترض أن يخصص جزء من هذه الهبة لمساعدة الحكومة الأردنية في إعادة العمال المهاجرين إلى أوطانهم بدلا من اعتبارهم مخالفين للتشريعات المتعلقة بالأجانب، وابقائهم قيد الاعتقال الاداري بانتظار أن تؤمن سفارات تذاكر سفر لهم.
ورغم فرادة هذا القرار، فان الحكومة لم تقدم أي تعليل له، أو أي اثبات لتعارضه مع أي من شروط قانون الجمعيات الأردني رقم 51 لسنة 2008(أن يكون مصدر التبرع أو التمويل مشروعاً وغير مخالف للنظام العام أو الآداب، ألا تتعارض الشروط التي حددتها الجهة المقدمة للتبرع أو التمويل مع أحكام هذا القانون والنظام الاساسي للجمعية، أن يتم إنفاق أو استخدام التبرع أو التمويل للغاية التي تم تقديمه لأجلها).  
وتبعا لذلك، لجأ مركز تمكين إلى محكمة العدل العليا للطعن بقرار الرفض، إلا أن المحكمة في قراراها رقم (370/2012) أيدت قرار مجلس الوزراء بقولها استقر الاجتهاد القضائي على أن الأصل بالقرار الإداري أن يصدر صحيحا مصحوبا بقرينة السلامة ما لم ترد بينة تُثبت عكس ذلك. ويُعتبر القرار الصادر عن مجلس الوزراء المتضمن عدم الموافقة على حصول المستدعية على تمويل أجنبي لتنفيذ المشروع صحيحا وموافقا لأحكام القانون طالما أنه صدر تحقيقا للمصلحة العامة وبعيدا عن البواعث الشخصية، وفقا لنص المادة (17/ج/2) من قانون الجمعيات. ويفهم من هذا القرار أن مجلس الوزراء يملك سلطة تقديرية في الرفض أو الموافقة على التمويل دون بيان أسبابه، وهو في جميع الأحوال يحقق المصلحة العامة، ولا يخفى على أحد صعوبة إثبات البواعث الشخصية للإدارة العامة في مثل هذا النوع من القرارات.
تفسير المحكمة لقانون الجمعيات يُشكل مخالفة للمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، فالقيود الواردة على نشاط الجمعيات يجب أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوقالآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أوالآداب العامة، وبالتالي فان القانون الذي يقيد نشاط الجمعية بأية وسيلة من دون الاستناد إلى أحد الأسباب المشروعة يُشكل مخالفةً صريحةً كما سبق للجنة حقوق الإنسان أن أكدت على ذلك في أكثر من مناسبة.
والجدير ذكره أن المؤسسات التي قدمت التمويل هي مؤسسات دولية معروفة لها مكاتب في الأردن وسبق أن قدمت تمويلات عديدة لجمعيات أردنية تناولت مواضيع حساسة قد تكون أكثر ازعاجا للحكومة من مساعدة العمالة المهاجرة مثل مراقبة الانتخابات البرلمانية ورصد التجاوزات الحكومية أثناء العملية الانتخابية والاعتقال الاداري والتعذيب في السجون. الأمور السابقة تثير العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقة لرفض التمويل المقدم لمركز تمكين، وفي الوقت نفسه يبعث برسالة مقلقة وغير مفهومة إلى المنظمات الحقوقية والجهات المانحة على حد سواء.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني