حوار المفكرة القانونية مع رئيس نادي قضاة المغرب الدكتور عبد اللطيف الشنتوف
يعيش الجسم القضائي بالمغرب حالة انتظار وترقب في أفق تفعيل المجلس الأعلى للسلطة القضائية. فبعدما يزيد عن 6 أشهر من إجراء إنتخابات ممثلي القضاة في المجلس الجديد، لم يتم بعد تنصيب هذه المؤسسة الدستورية. المفكرة القانونية تجري هذا الحوار مع رئيس نادي قضاة المغرب د. عبد اللطيف الشنتوف، من أجل استشراف معالم المرحلة القضائية القادمة، والتعرف على انتظارات القضاة من المجلس الأعلى للسلطة القضائية وأسباب التأخير في إخراجه إلى حيز الوجود.
المفكرة: ما هي قراءتكم للمشهد القضائي في المغرب مند المصادقة على دستور 2011 وإلى الآن؟
الشنتوف: هذا السؤال يرتبط بتقييم المرحلة الإنتقالية التي عرفها القضاء المغربي منذ إقرار دستور 2011 إلى غاية اليوم. وطبعا، فإن عملية التقييم بشكل عام تبقى مسألة صعبة، وتزداد هذه الصعوبة كلما تعلق الأمر بموضوع استقلال القضاء. فالموضوع مرتبط بمعطيات مركبة، يتداخل فيها ما هو قانوني بما هو مؤسساتي، وبما هو سلوكي فردي وثقافي أيضا. فعلى الصعيد القانوني، ورغم أن دستور 2011 جاء متقدما في باب استقلالية السلطة القضائية في المغرب، فإن عملية تنزيله على أرض الواقع عن طريق القوانين التنظيمية شابتها عدّة إختلالات. فلقد حاولت القوانين التقليص من الإنفتاح الكبير الذي جاءت به الوثيقة الدستورية. فأعادت طرح نقاشات محسومة دستوريا كمسألة استقلال النيابة العامة، والتهرب من الإستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية إداريا وماليا، وحصر هذا الاستقلال فقط في شخص القاضي بمناسبة بته في القضايا دون اعتبار للمؤثرات المباشرة أو غير المباشرة المفروضة مؤسساتيا على القرار القضائي..ومن المعلوم أنه كان من الممكن التوسع في هذه القوانين التنظيمية باتجاه تكريس ضمانات جديدة للإستقلال الكلي للقضاء، لكون القوانين يجب أن تكون مفسرة للدستور تفسيرا ديمقراطيا لا أن تعاكس فلسفته والسياقات التي جاء فيها هذا الدستور. وأذكر هنا على سبيل المثال بعض التراجعات الواردة في قوانين السلطة القضائية من قبيل حرمان القضاة من حقهم الأساسي كمواطنين في العمل الجمعوي من خلال حظر تسييرهم لجمعيات مدنية، والإقتصار على التنصيص على حقهم في الإنخراط في الجمعيات المدنية وتأسيس جمعيات مهنية. هذا فضلا عن أن الممارسة الفعلية لعمل المؤسسات الموروثة عن وضعية ما قبل دستور 2011 بقيت في جوهرها كما هي دون تغيير كبير إلا في بعض الامور القليلة..وللإشارة، فإن القضاء المغربي من ناحية القوانين والمؤسسات لا زال يعيش على إيقاع ما قبل دستور 2011. فالقوانين التنظيمية التي صدرت سنة 2016 لم تدخل بعد حيز التنفيذ، خاصة وأن أغلبية مقتضياتها متوقفة على تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو ما لم يحدث بعد. والقوانين وخاصة الإجرائية منها (يتعلق الأمر بالمسطرة المدنية والمسطرة الجنائية) المطبقة في المحاكم لا زالت كما هي دون تغيير يذكر. ولا زال وزير العدل يرأس النيابة العامة، والمجلس الأعلى للقضاء لا زال يشتغل بقانون صادر سنة 1974 .دون أن ننسى عدم تنصيب المحكمة الدستورية.
وبالتالي، فان التقييم يبقى منصبا على صدور القوانين التنظيمية والمناخ الذي جرى فيه تنزيل الدستور. أما التطبيق فانه لم يتم بعد .
المفكرة: علاقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ما الذي يعيق تنصيبه، وهل ترون أن كافة الاجراءات التنظيمية تم استنفاذها؟
الشنتوف: اذا تحدثنا عن العضوية في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فالأعضاء المنتخبون تمت معرفتهم على ضوء استحقاقات 22/07/2016 والتي تمت في ظروف جيدة، اذ لم يتم تسجيل أي طعن انتخابي، كما عرفت مشاركة مكثفة للقضاة اذ تجاوزت نسبة المشاركة 90 بالمائة. وبخصوص الأعضاء المعينين، ننتظر تعيين الشخصيات الخمس-من غير القضاة- المشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون.
لكن من ناحية اللوجستيك ووسائل الاشتغلال، لا أعتقد أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية سيكون جاهزا. فبالإضافة إلى المشكلة الكبيرة المتمثلة في المقر المخصص له من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، والذي لا يتسع لاحتضان أشغاله، ولا يفي لاستيعاب كافة المصالح التابعة له من أمانة عامة بما تتضمنه من اقسام وأرشيف، وكذا المفتشية العامة، ورئاسة النيابة، وعمل اللجان الدائمة ومكان لائق للاجتماعات، فإن مشروع قانون المالية لسنة 2017 لم يتضمن بابا خاصا به وهو ما يعني أنه سوف يعتمد على موارد مالية استثنائية. يضاف إلى ذلك الحاجة إلى تأمين الطاقم الاداري وما يحتاج إليه من نظام أساسي خاص به، وإلى هيكلة المصالح وتركيزها وما إلى من هذه الأمور الادارية والتقنية والقانونية. وهذا يعني أن المجلس لا زال بحاجة إلى وقت طويل لكي يكون جاهزا ويبدأ ممارسة صلاحياته القانونية.
المفكرة: في انتظار تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ما هي الخطوات التي يقوم بها نادي قضاة المغرب من أجل المساهمة في تفعيل هذه المؤسسة الدستورية؟
الشنتوف: إن التأخر في تفعيل المجلس لم يمنعنا في نادي قضاة المغرب من مواصلة العمل من أجل الحرص على التنزيل السليم لهذه المؤسسة الدستورية التي ننتظر منها الكثير. لذا فإننا بادرنا وفي خطوة تعد الأولى من نوعها في تاريخ القضاء المغربي، إلى طرح موضوع النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية للنقاش العمومي، ونظمنا مائدة مستديرة حول هذا الموضوع، ودعونا الى جانب القضاة، محامين وممثلي عدد من المؤسسات الدستورية من قبيل المجلس الوطني لحقوق الانسان، وهيئات المجتمع المدني، وممثلين عن باقي الجمعيات المهنية، ايمانا منا بأن هذا الموضوع ينبغي أن يخرج من دائرة الفئوية لان القضاء شأن مجتمعي. وهكذا ناقشنا وعلى مدى يوم دراسي كامل مقترحات حول معايير تدبير الوضعية الفردية للقضاة وعدد من المواضيع التي ينتظر أن ينظمها النظام الداخلي.
وفي نفس السياق، نظمنا بتعاون مع الودادية الحسنية للقضاة وبشراكة مع الجمعية الأميركية للقضاة والمحامين- فرع المغرب ورشة تكوينية لفائدة القضاة المنتخبين في المجلس همت التفكير الاستراتيجي حول إعمال وإرساء أسس اشتغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت عنوان: "من أجل انطلاقة قوية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية" بمدينة مراكش يومي 13 و 14 كانون الثاني (يناير) 2017. وتعد هذه المبادرة غير مسبوقة: فالورشة التدريبية جاءت بمبادرة من الجمعيات المهنية، وهذا يعد من بين الأدوار الجديدة التي بدأت هذه الجمعيات تقوم بها. أما وأن أعضاء المجلس المنتخبين قد استجابوا وتفاعلوا مع هذه المبادرة، فهذا يؤشر على طريقة جديدة لعمل عضو المجلس المستقبلي. ولهذا الانفتاح الذي تساهم فيه الجمعيات المهنية الآن دلالة كبيرة جدا سوف تنعكس على عمل الأعضاء والمؤسسة على حد سواء في طريقة وأسلوب الاشتغال.
المفكرة: ما هي أهم الأولويات الموضوعة على أجندة المجلس الأعلى للسلطة القضائية عند تنصيبه؟
الشنتوف: يبقى من أهم أولويات المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمجرد تنصيبه طبقا للقانون وضع نظام داخلي للمجلس يحيله داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر من تاريخ تنصيبه، إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقته لأحكام الدستور وأحكام القانونين التنظيميين المتعلقان بالنظام الأساسي للقضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وينشر بالجريدة الرسمية، فضلا على الاشتغال على مشروع مدونة سلوك القضاة. وفي هذا السياق نؤكد على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية بانفتاح المجلس على الجمعيات المهنية القضائية.