بعد أشهر من صمود الحراك المدني وناشطيه في وجه الدعوى التي رفعتها "كتلة القوات اللبنانيّة" ضدهم على خلفية وصف النواب بالحرامية بعيد قانون تمديد ولايتهم، بدا الناشط والصحافي سعادة سعادة، وهو الشخص الذي تم استدعاؤه، منكفئا في 11-2-2015 يوم الاستماع اليه من المدعي العام التمييزي شربل أبو سمرا. وقد شكّل هذا الانكفاء صدمة لدى الوسائل الإعلامية والناشطين المحتشدين منذ الصباح دعماً له. وقد حاول بعض المعتصمين تبرير موقفه وتلطيف إجابته الاّ ان كلامه كان واضحاً لا لبس فيه. فقد نجح مغتصبو السلطة والحريات العامة من خلال استخدام الشكوى القضائية في إخضاع مواطن معترض. والنموذج الذي أرادت فرضه هذه الشكوى هو أن يقتبل المواطن كل ما يحاك له من فساد ونهب للثروات العامة من دون أن ينبس ببنت شفة. وبكلمة أخرى أن يقبل المواطن أن الموارد العامة هو موارد لبعض الناس وأن أي اعتراض على ذلك يشكل قدحا وذما.
اذاً عند الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الأربعاء 11/2/2015 عاد الناشطون في الحراك المدني للمحاسبة الى الشارع مرة جديدة ووقفوا تحت الأمطار امام قصر العدل وذلك لتقديم الدعم الكامل للناشط والصحافي سعادة سعادة الذي ما كانت لتوجه إليه هذه التهمة لو لم ينزل الى الشارع مع المئات من الناشطين ضمن "الحراك" للتعبير عن رفضهم الكامل التمديد للمجلس النيابي الممدد لنفسه للمرة الثانية على التوالي.
هذا وقد تم إستدعاء سعادة، للتحقيق معه، من قبل مكتب المباحث الجنائيةفي قصر العدل في بيروت، للمرة الثانية على التوالي بعد ان طالبت جهة الإدعاء بتاريخ 14/1/2015 مهلة أسبوعين لتحسم رأيها في هذه القضية وذلك وفقاً للاجواء السياسية السائدة في البلد.
قبل وصول سعادة الى قصر العدل ألقى الدكتور مكرم عويس كلمة بإسم الحراك المدني للمحاسبة فقال:"نحن كلبنانيين نعيش بديمقراطية لنا الحق في التعبير بالوسائل السلمية عندما يقوم مجموعة من الأشخاص بالتعدي على حقوقنا من هذا المنطلق نعيد ونكرر ان الأشخاص الذين يسلبون حقوق الآخرين هم المسؤولين".
تابع:"لقد أنصفنا المجلس الدستوري عندما قال ان التمديد غير شرعي ولو مر التمديد. فنحن نعلم انه غير شرعي. لذلك نحن نقف الى جانب سعادة وندعمه الى النهاية الى حين ينصفه العدل في وجه الأشخاص الذين يستخدمون القوة في الحصول على حقوقهم نحن نقف بالمرصاد وسوف نستمر الى حين انصاف سعادة سعادة وانصاف حريتنا".
على الرغم من رداءة الطقس، وقف مواطنون وناشطون في الحراك المدني للمحاسبة حوالي الساعة من الوقت قبل ان يصل سعادة سعادة الى قصر العدل ويدلي بتصريح سقط كالصاعقة على مسامع الحاضرين، اذ ان سعادة الناشط الجريء لم يجرؤ على تكرار ان عبارة "128 حرامية" موجه لنواب الأمة وقد بدا مرتبكاً ويخوض تناقضات يعجز عن تبريرها وقال:"جئت اليوم بناء على اتصال القضاء كما في المرة السابقة بعد ان طلبت كتلة القوات استمهالاً للتداول بالقضية في ظلّ أجواء التصالح والوفاق السائدة في البلد، واليوم جئت لأرى ما هي التهمة الموجهة لي".
ورداً على السؤال ان كان لا يزال على موقفه من انهم حرامية أجاب:"لا. نحن قلنا أنهم حرمونا حقنا بالانتخابات فتوجهنا بهذه العبارة ولكن لم نتوجه لهم تحديداً بانهم حرامية وانا اعيد واكرر ان "لي في مسلة تحت باطو بتنعرو".
وفي موجة الإرتباك خرج سعادة عن موضوع التمديد والقضية وتذكر انه ناشط بيئي فتابع قائلاً:"اليوم قمت بإضاءة شمعة ثالثة لأن هذه الكتلة (القوات اللبنانية) غير مشاركة في الحكومة كوني ناشط بيئي ضد السدود والكسارات والنفايات واحتلال البحر".
ورداً على سؤال "المفكرة القانونية" "لقد رفعت شعار 128 حرامي في وجه النواب الآن ما عدت تراهم حرامية؟" أجاب:"كلا. أنا قلت 128 حرامي وهناك 128 ملاك و 128 شيطان والذي يرى غير ذلك فالامر يعود له".
ومثل سعادة سعادة امام المدعي العام التمييزي القاضي شربل أبو سمرا لحوالي الساعة من الوقت ثم خرج ليؤكد حالة التخلي والتراجع عن اقواله. فبحسب سعادة توجه اليه القاضي بالسؤال ان كان يقصد أحداً بعبارة 128 حرامي فكان جوابه:"كلا انا لدي حرية الرأي والتعبير وهناك مواثيق دولية تعطيني هذا الحق لقد حرمت من حقي في المشاركة بالإنتخابات وابداء رأيي، لذلك حملت هذه اليافطة ولكنني لا أقصد بها أحد فأنا ناشط بيئي وعلى مسافة واحدة من الجميع".
لم يأت أحد من قبل طرف الإدعاء الى الجلسة وكان التحقيق مخصصا للإستماع الى أقوال سعادة الذي سأله القاضي ان كان يتعهد في المرة المقبلة أن يكون دقيقاً لدى ممارسته حرية التعبير، فقبل سعادة التعهد فقالوا له "الله معك"، وعن ذلك تحدث قائلاً:"ما دونه القاضي انني لم اتناول أحدا على نحو شخصي وان فادي كرم صديق لي على الفايسبوك وتعهدت في المرة المقبلة عندما أعبر عن رأيي أن أكون دقيقاً في عباراتي وقد وقعت على أقوالي فأخلى سبيلي دون شروط فرديت عليه ان كل ما يصيبني هدية منك يا الله".
خرج سعادة من التحقيق سعيداً بحريته غير المشروطة. لكن مع خروجه، بدا واضحا الوجه القمعي للنظام الحالي، نظام لا يجد حرجا في استخدام النيابات العامة لالزام المواطنين باقامة طقوس الطاعة والولاء.
الصورة من أرشيف المفكرة القانونية
متوفر من خلال: