خلال الأشهر الماضية، أحالت هيئة الحقيقة والكرامة عددا من الملفات إلى الدوائر القضائية المتخصصة للعدالة الانتقالية. يسر المفكرة جدا نشر ملاحظات القاضية عفاف النحالي على أهم مجريات هذه الجلسات أمام الدوائر المختلفة، نظرا للأهمية التي نعلقها على هذه المحاكمات (المحرر).
عقدت بتاريخ 05 -10- 2018 الدائرة المتخصصة بنظر قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمحكمة الابتدائية بنابل ثاني جلسات نظرها في ملف الانتهاكات المتعلق بالضحية بسمة البلعي. ويحظى هذا الملف بأهمية خاصة لإعتبارين:
الأول، أنه الملف الوحيد المتصل بانتهاك سلط على امرأة من بين جميع الملفات التي أحالتها هيئة الحقيقة والكرامة إلى الدوائر المتخصصة،
الثاني، أن الضحية فيه وجدت مساندة شعبية واسعة عند بث جلسة الاستماع العلنية الخاصة بها مردها بشاعة ما تعرضت له من انتهاكات خلال فترة احتجازها بمقر فرقة الشرطة العدلية بمنزل بوزلفة سنة 1991.
استهلت رئيسة الدائرة نهلة الجلولي جلستها بالمناداة على المتهمين الذين لم يحضر منهم أحد (على غرار ما يحصل عموما في القضايا المحالة إلى الدوائر). عند هذا الحدّ، تدخل محامي الضحية سمير ديلو (وهو شغل منصب وزير سابق لحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بين سنتي 2011 و2014) ليطالب المحكمة باستصدار بطاقات جلب ضد المتهمين وليذكر أن المتهمين ليسوا إلا تفصيلا بسيطا في ماكينة السلطة الكبيرة وأن الحرص على حضورهم ليست الغاية منه التشفي منهم بل تلقي الحقيقة على لسانهم طلبا لعلاج جماعي من آثار الانتهاكات. ومن اللافت أن المحامي ديلو ذكر أن مجرد تصريحهم بالحقيقة ولو لم يقترن بطلب عفو يكفي بذاته ليكون سببا للمصالحة خصوصا وأن أغلب الانتهاكات التي تنسب لهم مضى عليها أكثر من ربع قرن.
من ثم، أكدت البلعي في إفادتها أنها تعرضت، طيلة فترة احتجازها بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش بنابل والتي امتدت لشهرين كاملين، للتعذيب النفسي والبدني وللتحرش الجنسي والاعتداء بفعل الفاحشة من المنسوب إليهم الانتهاك، هذا فضلا عن أن جلاديها أجبروها على حضور عمليات التعذيب والتنكيل المسلطة على عديد الضحايا. وأضافت أن أسرتها التي كانت تبحث عنها في تلك الفترة وتتنقل من مقر فرقة أمنية لأخرى للسؤال عنها لم تكن على علم بمكان احتجازها. وختمت كلامها بقولها أنها لا ترغب في التشفي ممن ارتكبوا الانتهاكات، بل هدفها هو فقط كشف الحقيقة.
مما تقدم، يظهر أن حديث المصالحة برز في ثاني جلسات نظر ملف بسمة البلعي، الأمر الذي يؤشر على تطور مرتقب في التعاطي السياسي مع ملف المحاسبة القضائية الخاص بالعدالة الانتقالية. وما يعزز هذا الاعتقاد هو أن هذا الحديث صدر عن سمير ديلو الذي يعد من أهم قيادات حزب حركة النهضة فضلا عن أنه كان بصفته وزيرا سابقا لحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، العراب الأول لقانون العدالة الانتقالية في صيغته الحالية.
مواضيع ذات صلة:
قضية الحوض المنجمي أمام دوائر العدالة الانتقالية: الضحايا يحاكمون هيئة الحقيقة أيضا
العدالة الانتقالية في بعدها القضائي في تونس: قراءة من الخارج
الدوائر المتخصصة للعدالة الانتقالية في تونس: العنوان القلق لمسار محاسبة حكم عليه قبل أن يبدأ بالفشل
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.