الصيدلي حسين حلاوي وعائلته: شهداء كفركلا الذين أطفأوا حرائق زيتونها


2024-10-14    |   

الصيدلي حسين حلاوي وعائلته: شهداء كفركلا الذين أطفأوا حرائق زيتونها

“بتقطَع، الله بيعين”، هي جملة لطالما ردّدها الدكتور حسين حلاوي قبل استشهاده مع أفراد من عائلته في غارة إسرائيلية على منزله في قرية ميفدون في محافظة النبطية، مساء أمس الأحد 13 تشرين الأوّل. كان الصيدليّ حسين شاهدًا على غارات عديدة في قريته كفركلا في جنوب لبنان ولكنّه رغم ذلك شرّع أبواب صيدليّته وأبقاها مفتوحة لخدمة أهل الجنوب. بقيَ صامدًا هناك – حيث يجب أن يكون – حتى أوائل العام الحاليّ، لكنّه أبى أن يتوقّف عن زيارة كفركلا وخدمة أهله حتى بعدما أُجبر على النزوح إلى النبطية ومنها إلى ميفدون. عام من القصف “قطع”، ولكنّ الغارة الأخيرة “ما قطعت”. الصيدليّ حسين المعروف بنشاطه في العمل الاجتماعي وتطوّعة لخدمة أهالي كفركلا، استشهد مع زوجته أمل عياش وابنه علي وابنته هبة وخطيبها، ونجت ابنته جنى من آلة القتل الإسرائيليّ جسدًا مكلومًا بفقد أهلها، علّها تُبرِدُ قلبَ شقيقها الذي لم تُتَح له الفرصة ليودّع عائلته بسبب تواجده في روسيا حيث يتابع دراسته. رحل حسين الصيدليّ والشّغوف في العمل الإنساني، وسيذكرهُ هو وعائلته كلّ محبّ لأرض كفركلا، لأرض الجنوب، وكروم الزيتون الّتي شارك في إطفائها حين أحرقها القصف الإسرائيليّ الوحشيّ.

نعت نقابة الصيادلة في لبنان الدكتور حلاوي “الزميل، والصديق، الإنساني والخلوق بامتياز، الدكتور حسين حلاوي، الذي استشهد وعائلته على يد الإجرام الصهيوني، وقد أبى أن يترك أرضه في كفركلا مستمرًا في تأدية واجبه الإنساني”.

 قرابة الأربعة أشهر أمضاها حلاوي مع عائلته في كفركلا، صامدًا أمام العدوان الإسرائيليّ على جنوب لبنان، رافضًا النّزوح، فأهل القرية في حاجة إليه، وهو في حاجة ليشعر بإنسانيّته بالقرب منهم، ليساعدهم في تأمين الأدوية اللازمة وغيرها. حلاوي، وهو من أواخر الصامدين في كفركلا، قرّر في الشهر الخامس من الحرب أن ينزح إلى النبطية وكانت زوجته وأبناؤه الثلاث قد انتقلوا إلى منزل أقرباء زوجته في قرية ميفدون. أبى أن يعيش مكتوف اليدين. اختار لعائلته مكانًا آمنًا، وجدّد اختياره لأمان أهل الجنوب، فافتتح صيدلية في قرية برج الملوك، وتنقّل بينها وبين النبطية وكفركلا، ليبقى قريبًا من ناسِه، ينقل لهم آخر أخبار كفركلا، من غارة هنا وقنابل فسفورية هناك، وبيت سُويَّ بالأرض وآخر لا زال صامدًا في وجه القصف. خسِرَ منزله ولم يخسر رسالته أينما وطأت قدماه، ولكنّ توسّع العدوان الإسرائيليّ أجبره قبل قرابة الأسبوع على الانضمام لعائلته في ميفدون، لتكُن تلك محطّته الأخيرة، وعائلة جديدة تنضمّ إلى سجلّ العائلات التي قتلتها إسرائيل، منها عائلة نجدي التي قضت في غارة على منطقة النويري في بيروت.

الشيهد حسين حلاوي

اللّحظات الأخيرة لعائلة حلاوي

في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الأحد شارك حلاوي أصدقاءه عبر إحدى المجموعات على واتساب تسجيلًا صوتيًا لم يُسمع فيه سوى صوت طائرة الاستطلاع الإسرائيلية M.K. وصوت الأرغيلة ومواء هرّة، ناقلًا لهم أجواء “الصبحية في ميفدون”، وأرفقهُ برسالة كتب فيها “هيدي من الصّبح مش فالّة من هون”، في إشارة إلى الطائرة، ليلحقها برسالة أخرى عند الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر قائلًا “هيّاها بلّشت تبعّد”. ورغم محاولات أصدقائه المتكرّرة تحذيره طالبين منه الرّحيل، كان يردّ بكلمة واحدة: “بتقطع”، وختم حديثه بتسجيل صوتيّ قال فيه “اتّكلوا على الله يا شباب، انشالله بتطّمنوا على عيلكن ومنرجع منشوف بعض بالضّيعة” “قلتلّو الوضع مش مزحة، ولكنّه أصرّ على البقاء. طلبنا منه أن يخرج عائلته من القرية على الأقل فأكّد لنا أنّ هذه رغبتهم أيضًا”، يقول صديق عمره علي شيت في اتصال مع “المفكرة”. ويتابع: “حينها أعلمنا حسين أنّه قد سبق وسأل أفراد عائلته، فردًا فردًا، عن رغبتهم في النّزوح من ميفدون، فكان ردّهم: يا بابا هيدا هون بيتنا وبدّنا نبقى فيه. وكأنّه في ذلك يخبرنا أنّه لم يظلم عائلته يومًا وترك لهم وحدهم الخيار”. هكذا استشهد حلاوي مرتاح الضّمير في غارة ضربت منزله وأنهت مهمّته على أرض الواقع. 

“حلاوي الأب العطوف وصاحب الدّمعة السخيّة”، كما يصفه صديقه علي، رحل ومعه زوجته أمل الداعمة الأولى له. أمل التي سبق أن أعانت زوجها في مهامّ الصيدلية، لم يمنعها خوفها عليه من تأييد قراره في التردّد إلى كفركلا أو إلى صيدليّته في برج الملوك، قاومت بحبّها لزوجها وفي صمودها مع أولادها بعيدًا عنه قبل أن ينضمّ إليهم في ميفدون. وعلى خطى والده، كان ابنه الشهيد علي يسير، مشاركًا مع والده في مهامّ إطفاء الحرائق جرّاء العدوان الإسرائيليّ على مختلف قرى الجنوب. 

حسين وزوجته أمل

حسين حلاوي… الصيدلي الشغوف بالعمل الاجتماعي

“بعيدًا عن صفته كصيدليّ، والدّور الكبير الذي أدّاه في تأمين الدّواء لأهل قريته والقرى المجاورة، كان حلاوي ناشطًا في العمل الاجتماعي حتى ما قبل بداية الحرب في 7 تشرين الأول 2023، من مساعدة المحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة إلى تأمين المواد الغذائية خلال فترة الحرب”، بحسب رئيس بلدية كفركلا، حسن شيت. وقد تجلّى دوره الإيجابيّ في أسمى الأنشطة، حيث كان قد توجّه أمس عبر إحدى المجموعات إلى جميع الأهالي والمغتربين بالتّبرع لتأمين بعض الأدوية واحتياجات النازحين، وقد حثّته غيرته على أرض الجنوب على التطوّع مع مجموعة من الشباب لإطفاء الحرائق التي تطال كروم الزيتون، في محاولة منه لإنقاذ أرزاق الناس معرّضًا حياته للخطر في كثير من الأحيان. “مرّت على حسين ليالٍ عدّة لم يغمض له فيها جفنٌ بسبب تواجده على الأرض، حتى أنّه اضطرّ في كثير من الأحيان إلى النوم في صيدليّته في برج الملوك لمتابعة عمله”، يقول شيت.

“لم ينتظر حسين التشجيع من أحد. كان دائمًا المبادر الأول. تطوّع سابقًا لتأمين تبرّعات لمركز الدفاع المدني في قرية القليعة لإصلاح الإطفائية”، يقول صديقة علي.

 قاوم حسين كمواطن وصيدليّ باللّحم الحيّ مع أفراد عائلته، كان يطمئن الأصدقاء والجيران على قريته، فلم يكن رحيله خسارة لأقربائه فقط، بل خسارة لكفركلا. “حسين آخر الصامدين وأوّل المساعدين، ورغم إيمانه بضرورة البقاء إلّا أنّه أدرك في الأسبوع الأخير أنّ الوقت قد حان ربّما لمغادرة ميفدون، ولكنّ الإيجارات المرتفعة ساهمت بدورها في تأخير تحقيق هذا الأمر، فكانت الشهادة مصيره مع عائلته”، يقول علي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، لبنان ، مقالات ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني