في موقف لافت وغير مسبوق قررت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالسمارة-جنوب المغرب-إجراء صلح في قضية تتعلق بتعاطي المخدرات، واقترحت على عدد من المشتبه في تعاطيهم للمخدرات أداء نصف المبلغ المالي المحدد للغرامة، مقابل اشهاد رئيس المحكمة على عملية الصلح[1].
الصلح في قانون المسطرة الجنائية
يسمح قانون المسطرة الجنائية بإجراء صلح في بعض الجنح[2]، حيث ينص على أنه يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين سجنا أو أقل، أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5.000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر. وفي حالة الموافقة، وتراضي الطرفين على الصلح، يحرر وكيل الملك محضرا بحضورهما وحضور دفاعهما، ما لم يتنازلا أو يتنازل أحدهما عن ذلك، ويتضمن هذا المحضر ما اتفق عليه الطرفان.
ويحيل وكيل الملك محضر الصلح على رئيس المحكمة الابتدائية ليقوم هو أو من ينوب عنه بالتصديق عليه بحضور ممثل النيابة العامة والطرفين أو دفاعهما بغرفة المشورة، بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن.
يتضمن الأمر القضائي ما اتفق عليه الطرفان، وعند الاقتضاء ما يلي:
- أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا،
- تحديد اجل لتنفيذ الصلح…"
عوائق تحول دون تطبيق الصلح أمام النيابة العامة
وضعت مسطرة الصلح في قانون المسطرة الجنائية بهدف تخفيف العبء على المحاكم، وذلك من خلال إعمال العدالة التصالحية في بعض القضايا البسيطة وبشروط وإجراءات معينة.
لكن تطبيقها على أرض الواقع أفرز العديد من الإشكاليات التي تعود أساسا الى غموض المقتضيات القانونية المنظمة لها، وتعقيدات إجرائها، فمن جهة أولى صيغت المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية بشكل يوحي بضرورة تواجد متضرر في الجريمة التي يراد إجراء الصلح بشأنها، مما يعني استبعاد الجنح التي لا يكون فيها أي متضرر معلوم ومن بينها قضايا تعاطي المخدرات، ومن جهة ثانية، فإن اجراء مسطرة الصلح يتطلب تدخل النيابة العامة ومؤسسة رئاسة المحكمة مما يؤدي إلى تعقيد المسطرة وبطئها بشكل لا يتماشى مع الهدف المتوخى من إقرارها.
قانون زجر الإدمان على المخدرات ووقاية المدمنين هل من مجال لإجراء الصلح؟
يعاقب الفصل 8 من قانون زجر الإدمان على المخدرات ووقاية المدمنين[3] بالحبس من شهرين الى سنة، وغرامة تتراوح بين 500 و5000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من استعمل بصفة غير مشروعة إحدى المواد أو النباتات المعتبرة كمخدرات بهدف الاستهلاك.
ونص هذا القانون وبشكل صريح على أن "المتابعات الجنائية لا تجري إذا وافق مرتكب الجريمة بعد فحص طبي يطلب النيابة العامة على الخضوع خلال المدة اللازمة لشفائه إلى علاجات القضاء على التسمم التي تقدم إما في مؤسسة علاجية وإما في مصحة خاصة تقبلها وزارة الصحة".
وقد تم تنظيم هذه المقتضيات بإجراءات من بينها:
- قيام طبيب تعينه النيابة العامة بفحص الشخص الذي يباشر علاجه كل 15 يوما؛
- إمكانية السماح للقاصرين بالعلاج داخل الوسط العائلي في بعض الحالات الاستثنائية بقرار لوزير العدل؛
- إذا عاد الشخص المعالج خلال الثلاث سنوات الموالية لشفائه إلى ارتكاب جنحة استعمال المخدرات أو ترويجها تجري المتابعة الجنائية في حقه بخصوص الأفعال السابقة، والفعل الجديد؛
- يمكن لقاضي التحقيق تطبيق المقتضيات المتعلقة بعلاج مستهلكي المخدرات بعد استشارة النيابة العامة.
توجه جديد للنيابة العامة بالمغرب في قضايا تعاطي المخدرات الصلح بدل العقاب
من الناحية العملية لا تلجأ النيابات العمومية إلى إخضاع المتعاطين للمخدرات للعلاج، وتكتفي بتحريك المتابعات الجنائية في حقهم، حيث تتم معاقبتهم بعقوبات سالبة للحرية وبغرامات نافذة أو موقوفة التنفيذ. وقد يشكل قرار النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالسمارة بداية تحول في طريقة تعامل القضاء مع هذا النوع من القضايا؛ بتفعيل الصلح بدل العقاب.
عن مواضيع مشابهة، يرجى مراجعة: مرافعة نموذجية للدفاع عن شخص مدمن على المخدرات // وزارة الصحة العامة تعلن: الحق بالحياة أولى من حرب الدولة على المخدرات // مفعول الدومينو في قضايا الإدمان على المخدرات: مبدأ "العلاج كبديل من الملاحقة" يتقدم في المحاكم بعد قرار محكمة التمييز التاريخي // ملاحظات "المفكرة القانونية" حول مشروع قانون المخدرات أمام لجنة التشريع العام // الإصلاح ينحسر بشأن مستهلكي المخدرات في تونس: الترخيص للقضاة بتفريد العقوبة
[1]– بلاغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعيون بتاريخ 2017/10/04.
[2]– المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية.
[3]– ظهير رقم 282-73-1 بتاريخ 1974/05/21 يتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3214، بتاريخ 1974/06/05.