الصحافيان إسماعيل الغول ورامي الريفي شهيدان: بين قسوة القتل وعمق الخسارة وعجز العالم


2024-08-03    |   

الصحافيان إسماعيل الغول ورامي الريفي شهيدان: بين قسوة القتل وعمق الخسارة وعجز العالم
الزميلان الشهيدان إسماعيل ورامي (وكالة وفا)

صحافيّان بلا رأس، وجسدين مضرّجان بدمّهما وتهشّم عليهما درع الصحافة الأزرق. هكذا ردّت إسرائيل مرّة جديدة على سؤال: أين يمكن أن تصل بعد حدود الجريمة، واغتالت الصحافيّ إسماعيل الغول والمصوّر الصحافيّ رامي الريفي، ومعهما الطفل خالد الشوّا وحيد والدته. في شارع مكشوف وسط مخيّم الشاطئ، ارتفع الدخان بعد أن دوّى صوت الصاروخ. كان زملاؤهما يحلّلون الهدف، ويتّجهون إليه بكاميراتهم. أوّل ما رأوه كان جسد الطفل خالد، ممدّدًا على الأرض، سقط عن درّاجته الهوائيّة ومات إثر الضربة. وتلوّن جسده المغبرّ بلون دمار الشوارع من حوله. أمتار قليلة، ويظهر من بين الدخان الصحافيّان الشهيدان في سيّارة بيضاء كتب عليها شعار الصحافة. على يمين السائق، الشهيد رامي، جثة همدت وأطاح بها الانفجار يسارًا، وعلى مقعد السائق، الشهيد إسماعيل. وقد فصل رأس الصحافيّين الشهيدين عن جسديهما. والمشهد مهيب، ومفجع، وفي خلفيّته كلمة تتردّد، الصحافي، الصحافي، اغتالوا الصحافي.

ترك اغتيال إسماعيل ورامي جرحًا جديدًا غائرًا في الجسم الصحافيّ الفلسطينيّ وهو يواجه إبادته. يقول زميله الصحافيّ أنس الشريف، مراسل قناة “الجزيرة” في شمال غزة، إنّه “شعور صعب لا يوصف”، ويكابد دمعته ليتابع في تصريح لـ “المفكّرة القانونيّة”: “إسماعيل أخ وزميل وصديق ما تخلّى لحظة عن التوثيق في شمال غزة”. ويقول الصحافيّ حسام شبات لـ “المفكّرة”، وهو الذي لم يترك الشمال بدوره متابعًا التوثيق والتغطية لصالح “الجزيرة”: “شعورنا كلّه حزن، لكنّنا سنحمل رسالة إسماعيل ووصية إسماعيل، وسنحاول أن نكمل التغطية، حتى لو انفصلت رؤوسنا عن أجسامنا”.

والدة الطفل الشهيد خالد، قالت في مقطع فيديو نشره لها الصحافيّون في الشمال: “ابني مش رقم، مش شهيد مجهول، ابني اسمه خالد سائد الشوا”. تبكي الأمّ لكنّها تحافظ على صلابتها، وأمام استشهاد وحيدها الذي قضى بينما كان عائدًا من توصيل الطعام إلى جارهم الجريح، تقول: “إحنا مش مجهولين ولازم الكلّ يعرف أسماء شهدائنا في غزة”.

زوجة إسماعيل، ملاك زياد، التي لم تحظ، كما طفلتيهما زينة، بفرصة توديع الشهيد الشاب، نعته قائلة: “قلبي عليك زي النار يا نور عيني.. رحت مقهور وبحسرتك علينا، نفسك تشوفنا أنا وزينة”، وفي مخاطبتها لزوجها الشهيد، لوعة فراق بدأ قبل 10 أشهر، حينما اختار إسماعيل البقاء في الشمال للتغطية، ونزحت ملاك مع زينة ذات العامين، إلى الجنوب. 

والشهيد رامي الريفي، ترك خلفه حبيبة وأصدقاء كانوا يحبّون مخاصمته ومصالحته، ويستأنسون بوجوده. عرفه جيّدًا أهل غزّة خلال هذه الحرب، وحفظ وجهه الناس في المستشفى المعمداني حيث كان يقضي معظم وقته. وهو بادل هؤلاء النازحين الإحسان بأن حفظ قصصهم، وكان ينظر إليهم في عيونهم، وليس فقط من خلف العدسة. كان هؤلاء الغزيّون الذين يبكونه اليوم مع أسرته، أهله، لا مجرّد موضوع صحافيّ.

وتستمرّ الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة وقد تجاوزت 300 يوم، وهي حرب إبادة جماعيّة قتلت الأطفال والنساء والرجال والشيوخ، وركّزت على إنهاء وتدمير قطاعات حيوّية، منها القطاع الصحافي، كما القطاع الطبيّ، وسائر مقوّمات البقاء الجسديّ والمعنويّ للجماعة الفلسطينيّة، والصحافيّون هم رواة حكايتها. وتشهد الحرب استهدافًا ممنهجّا من أجل التدمير الشامل للجسم الصحافيّ والإعلاميّ الفلسطينيّ، من خلال قتل الصحافيّين وأسرهم والتدمير الممنهج للمؤسسات الصحافية، وحتّى الخيام التي أقاموها في المستشفيات وأماكن النزوح. وبلغ عدد الصحافيين الذين قتلتهم إسرائيل 165 صحافيًّا وصحافيّة، يمثّلون 14% من 1200 صحافيّ منتسب لنقابة الصحافيين الفلسطينيين. تعاونّا هنا مع زملاء على الأرض في جمع الشهادات وتوثيقها، وإعادة رسم معالم الجريمة، وأثرها على بضعة من الصحافيّين الذين لم يغادروا شمال غزّة حتّى اللحظة، متمسّكين بإكمال التغطية.

الدرع المضرّج بدماء إسماعيل والميكروفون

في ملابسات الجريمة

بعد استجابته لطلب إخلاء الموقع، أنهى الصحافي إسماعيل الغول برفقة المصوّر رامي الريفي تغطية صحافيّة للتوّ من أمام المنزل المدمّر لآل هنيّة، متابعة لاغتيال رئيس المكتب السياسيّ لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة قبل ساعات في طهران. أظهرت مشاهد البث المباشر الأخير لإسماعيل أنّ المكان كان مدنيًّا، مجرّد حيّ مدمّر من أحياء غزّة، وظهر في الصورة أطفال ونساء ينتشرون بين الركام. وعند الساعة 4:53، تواصل إسماعيل مع إدارة القناة مبلّغًا عن استهداف سطح مبنى مجاور بصاروخ إسرائيليّ، ما يفهم منه أنه أمر بالإخلاء للصحافيّين المتواجدين، وإن بالنار، وفق ما ألِفه هؤلاء خلال تغطياتهم. خلال مغادرة الصحافيين المكان، وبعد أقل من نصف ساعة على آخر اتصال، استهدفت سيّارتهما بصاروخ موجّه. ووثّقت اللقطات من مكان الجريمة ارتداء الصحافيّان درعًا أزرقًا عليه إشارة “صحافة” باللغة الإنكليزية. 

لم يتأخر الاعتراف الإسرائيليّ بالجريمة. تبنّى الجيش وجهاز “الشاباك” الإسرائيليّين الاغتيال، في بيان مشترك صدر عند الساعة 8:43 مساء. وصف البيان الشهيد إسماعيل بأنّه “ناشط في الجناح العسكري لحماس ومخرّب في قوّات النخبة”، متّهمًا إيّاه بأنّه شارك في عمليّة طوفان الأقصى التي نفّذتها كتائب عز الدين القسّام صباح السابع من أكتوبر. يحوي الاتّهام الكثير من السخافة المغلفّة بالجرأة على الكذب العلنيّ. ويتهاوى مع معرفة أنّ إسماعيل سبق أن اعتقل يوم 12 آذار، خلال اقتحام القوات الإسرائيليّة مجمّع الشفاء الطبّي، مع عدد من الصحافيّين الذين كانوا يغطّون المأساة فيه. وقد تمّ تجريده من الملابس والتحقيق معه لمدّة 12 ساعة، ومختلف صنوف التنكيل، كما وثّق في شهادته شخصيًّا، بعد أن تمّ الإفراج عنه. وكان إسماعيل يمارس عمله الصحافيّ لعشرة أشهر، تحت أعين الجيش الإسرائيليّ، ولم يظهر هذا “الاتّهام” إلا بعد تنفيذ الاغتيال. 

الواقع أنّ الادّعاءات الإسرائيليّة لا تحتاج للتفنيد. فبشكل ممنهج، تحاول إسرائيل نزع الصفة الصحافية عن المراسلين في غزّة، لتبرير قتلهم، على غرار ما كان فعله الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوغ في محاولته نزع الصفة المدنية عن المدنيين بحجّة عدم حياديّتهم. وقد رصدت “المفكّرة” منذ الأشهر الأولى، وعلى ضوء الاستهداف الممنهج للجسم الصحافيّ والتصريحات الإسرائيليّة المحرّضة ضدّدهم، كيف أنّ قتل الصحافيين ليس مجرّد عمل منعزل من أعمال كتم الصوت، ولكنه دليل إضافي على نوايا الإبادة الجماعية.

في رثائه الكئيب لزميله، يقول الصحافي محمد شاهين، مراسل “الجزيرة مباشر” إنّ “إسماعيل مدني، مجرّد من السلاح، ينقل الصورة الحقيقية ويوثق معاناة الناس والجريمة المتكرّرة التي ترتكبها قوّات الاحتلال الإسرائيلي”. ويتابع في تصريح لـ “المفكّرة” بأنّ “آلة البطش الإسرائيلية اغتالت كل ما يمكن أن يتخيّله أو لا يتخيّله العقل البشري هنا في قطاع غزة”، لينشغل بكفكفة دموعه وهو يبكي “رفقاء التغطية الذين ارتقوا بهذا الاستهداف المباشر”.

زملاء إسماعيل يتوسّطهم أنس الشريف يحملونه إلى مثواه الأخير

هذه الدروع خذلتنا في غزّة

في المعمدانيّ، وصل عبّود أبو سلامة راكضًا من منزله ليتثبّت من الخبر بنفسه. كان المصوّر الصحافيّ يرى في إسماعيل الغول “أخًا أكبر، وداعمًا ومسانداً دائمًا”، وفق ما يخبر “المفكرة”. وجد أبو سلامة الصحافيّين قد تحلّقوا حول الجثمان المسجّى، ممسكين بيد زميلهم الشهيد، يقلّبونها ويمسحون عليها. يحكي أنّه توجّه إلى أعلى الجثمان ليكشف الغطاء عن صديقه ويودّعه بنظرة أخيرة، قبل أن يختنق بعبارته، وتفلت من عيونه الدموع: “كنش في راس”، يكرّرها مرّتين، ويتابع: “قلت لأنس الشريف، وين راسه، قلّي ما فش إله راس”. يقول أبو سلامة في شهادته: “لقد انهدّ حيلي.. لولا مساندة الزملاء.. لاحقًا غطّيت الخبر، ونقلت الصورة، رغم أنّ الكاميرا كادت تقع من يدي عدّة مرّات من هول الحدث”. 

ولمّا سارت الجنازة، حمل الصحافيّون درعي زميليهما. وتقدّموا موكب الجنازة، وثقلت خطواتهم، وتشابكت أذرعهم. وفي عرض يحتجّ على المأساة، خلع الصحافيّون دروعهم الصحافيّة، ووضعوها أمامهم، ليوجّهوا لكلّ الجسم الصحافيّ في العالم رسالة بسيطة: هذه الدروع خذلتنا في غزة. 

ويقول الصحافيّ شبات لـ “المفكّرة” إنّ “زي الصحافة هو زيّ مميّز، يتعمّد جيش الاحتلال استهدافه، وهذه رسالة لكل الصحافيين بأن نتوقّف عن التغطية، لكن قسمًا لن نتوقف”. نشرت مشاهد لشبات خلال التشييع يقول بحرقة “نحن لسنا بمجرمين”، وهو يكرّر هذه العبارة في تصريحه اليوم، مؤكّدًا: “الصحافيّون ليسوا بمجرمين، بل لهم فضل كثير في نقل الحقيقة”. 

إسماعيل مع زوجته وابنته قبل الحرب

الغول: قتل صحافيّ مخضرم

“وصلنا المدافن، نظرت إلى القبر، وشاهدت جسد إسماعيل يوضع برفق”، يقول الصحافيّ أبو سلامة، ويتابع: “الوجع الأكبر كان هنا، رأيتهم يستعدون لإغلاق القبر. هذا إسماعيل؟ هذه نهايته؟ بعد كلّ عمله المهنيّ، وكلّ إنجازاته في تغطية الحرب، والشهادات التي جمعها.. كلّ هذا يدفن في جورة؟”

يشهد زملاء إسماعيل له. ويعتبرون في شهاداتهم أنّ عمل زميلهم في توثيق الإبادة الجماعيّة ضدّ الفلسطينيّين، لا سيّما في الجزء الشماليّ من قطاع غزة حيث تركّز التجويع والتدمير الشامل للحياة، جعله هدفًا ثمينًا للجيش الإسرائيليّ. 

تميّز إسماعيل بتغطيته لأحداث كبرى أثّرت في تطوّر الحرب ووثّقت مساراتها. في 27 تشرين الثاني، كان الصحافيّ الوحيد الذي دخل ميناء غزّة ووثّق الدمار الذي لحق فيه. وأجرى تغطيته تلك على بعد أمتار من قوّات الاحتلال الإسرائيليّ التي لم تنسحب وقتها سوى بشكل جزئيّ. 

وفي الفترة نفسها، نقل إسماعيل التدمير المهول في شارع الرشيد والأحياء الغربيّة في غزّة، قبل أن ينتقل ليوثّق مجزرة “مسجد إحياء السنّة” في حي الزيتون بأقصى شرقها. وهناك نقل شهادات صادمة، ومشاهد مروّعة، فضحت ظروف مجزرة المساعدات، في 25 كانون الأول، حينما فتح الاحتلال الإسرائيليّ النار على الفلسطينيّين الجوعى المنتظرين للمساعدات في دوار الكويت، قاتلًا العشرات. وفي شباط 2024، كان من أوائل الواصلين إلى مجزرة الطحين، حين قضى العشرات بعد استهدافهم خلال استلامهم المساعدات.

يقول المصوّر الصحافيّ بلال مرتجى في شهادته لـ “المفكّرة”: “لقد ودّعنا صديقًا وحبيبًا وصاحبًا عاش معنا على الحلوة والمرة”، مستذكرًا “كيف تشاركنا معه أصعب التجارب”، لاسيّما حصار مجمّع الشفاء حين كان مرتجى مع الغول في الغرفة ذاتها.

وكان إسماعيل قد وثّق المشاهد الدامية وجملة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في مجمّع الشفاء الطبّي في تشرين الثاني 2023، جرّاء اقتحامه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية بعد حصاره، ما أجبر الاحتلال الإسرائيلي على الاعتراف بقتله 200 فلسطيني في الشفاء. وفي الاقتحام الثاني في آذار 2024، كان إسماعيل من بين أوائل من اعتقلهم الاحتلال، لـ 12 ساعة، قبل أن يتم الإفراج عنه. رغم ذلك عاد إلى المستشفى بعد تراجع الجنود، ووثّق التدمير الممنهج لأقسامه، والقتل العشوائيّ للمدنيّين، وكذلك نقل شهادات من اعتقلوا. وكان إسماعيل جريئًا في تقديم شهادته الشخصيّة عقب إطلاق سراحه، على الهواء مباشرة، وحكى عن إجباره مع زملائه من الصحافيين على خلع ملابسهم كاملة طوال فترة الاعتقال، وعن تكبيلهم والتحقيق معهم. وقد دمّرت القوّات الإسرائيليّة حينها خيمة الصحافيّين وسيّاراتهم وصادرت حواسيبهم وهواتفهم ومعدّاتهم. 

بدوره يستذكر المصوّر الصحافيّ عبّود أبو سلامة “أيّام اشتداد المجاعة، تقاسم معي رغيف خبز بعد يومين دون طعام”. ولم يكن إسماعيل مجرّد أخ وداعم لعبّود، بل كان الصوت العالي في نقل معاناة كلّ الصحافيّين في شمال غزة، وتستعاد كلماته القاسية حينما قال في 21 شباط 2024: “لا أخجل من التحدّث عن جوعنا، لا أخجل من الوقوف أمام الكاميرا وأقول إنّنا جوعى كبقية الشعب، لا يعيبنا الجوع، لكن العيب فيمن تركنا”، وتابع حينها متوجّها لكاميرًا “الجزيرة”: “نقف أمام الكاميرا نتضوّر جوعًا، نبحث عن لقمة عيش دون فائدة، لا نجد حتى كسرة خبز”.

هذا العالم قد فشل

أمام فقدهم زميليهما، إسماعيل ورامي، يذكّر صحافيّو غزّة المحاصرون بين القتل والتجويع، بالبديهيّات التي ملّوا تردادها على مسامع عالم أصمّ. يختار الصحافيّ تامر دلول، مراسل قناة “الغد”، التأكيد على أنّ “الجيش الإسرائيلي لا يأبه لقتل الصحافيين وقتل الفلسطينيين”، ويقول بصوت لا يخفي يأسه إنّ مهنة الصحافة هي من المهن التي كفلتها المواثيق الدولية والتي تؤكد على حماية الصحافيين في الحروب”.

تتكرّر في تصريحات صحافيّي غزّة حقيقة واحدة: هذا العالم قد فشل في حمايتهم. يقول الصحافيّ بدر: “من الواضح أنّ جيش الاحتلال لا يأبه لأحد، لا الأعراف ولا المواثيق ولا للمجتمع الدولي. وهو مستمرّ بقتله أطفال والنساء والصحافيين إبادة كلّ فئة من الفئات المحميّة وفق القانون الدوليّ الإنسانيّ”. ويقول المصوّر الفوتوغرافي عمّار القطاع في تصريح لـ “المفكّرة” عقب الجنازة: “قبل إسماعيل، استهدف عدد كبير من الصحافيين، قتلوا ودمّرت منازلهم وقتلت أسرهم وعوائلهم. وهذا الجيش يستهدف الأطباء والمسعفين وكل الشعب الفلسطيني، لكنّنا نكمل المسيرة ونستمرّ بالتصوير ولا نستسلم للاستهدافات الإسرائيلية”.

ويختار الصحافيّ أنس الشريف أن يسأل المؤسّسات الدوليّة: “أين حماية الصحافيين بقطاع غزة؟ أين حماية عائلاتنا؟”، وبصوت يزاحم الاستنكار فيه شعور الحزن العميق، يقول لـ “المفكّرة”: “أين هم مما نحن فيه؟ أين هم من هذه الجريمة؟”. 

بدوره يقول الصحافيّ مرتجى لـ “المفكّرة”: “إنّما ألمي يشتدّ لأن الشهيد إسماعيل كان صحافيًّا يوثق الأحداث وقضى في اغتيال متعمد ووحشيّ”. ولعلّ الهجوم أعاد للزميل بلال ذكريات أليمة، وهو شقيق المصوّر وصانع صانع الأفلام السينمائية الشهيد ياسر مرتجى الذي اغتاله الجيش الإسرائيلي في نيسان 2018 خلال تغطيته مسيرات العودة: “اغتيل أخي وحبيبي وقرّة عيني ياسر مرتجى مرتديًا أيضًا درعًا وخوذة”، يقول المصوّر الصحافيّ بلال لـ “المفكّرة”، ويتابع: “كان استشهاده دافعًا لي كي أكمل تغطية إبادة البشر والحجر في هذه الحرب”. 

صحافيّو غزة للعالم: مستمرّون

“اليوم هو يوم محزن للصحافيين وكل الغزيين، فقدنا أعز الصحافيين. ومن هنا، نوجّه رسالة للعالم بأنّ خيارنا ألّا نتخلّى عن مهنتنا وأن نستمر بالتغطية”. يختم الصحافيّ حسن حمد، مراسل قناة “الجزيرة”، كلامه، وينصرف لاستكمال التغطية فعلًا. يدفن حزنه في قلبه ويحمل الميكروفون لمتابعة استهداف جديد للمدنيّين. أمّا الصحافيّ إسلام بدر، من التلفزيون العربي، فهو يعاهد زميليه الشهيدين بالاستمرار بالتغطية: “لأنّنا لا يمكن أن نترك هذا الاحتلال يمارس كل هذه الجرائم دون توثيق، فهذا تمامًا هو هدف الاحتلال، ولن يكون له ما يريد، على كل الأحوال”.

يقول الزميل وديع أبو سعود، مراسل قناة “اليمن” في غزّة، لـ “المفكّرة”، إنه “عندما ثبتنا هنا في الشمال، كانت رسالتنا واضحة أننا مستمرون بالتغطية”، بدوره يؤكّد الصحافيّ بدر لـ “المفكّرة”: “نحن كصحفيين نعرف أن الاحتلال يستهدفنا بشكل مقصود، ومباشر، ومع ذلك نحن مستمرون”، واصفًا زميليه إسماعيل الغول ورامي الريفي بأنهما “بطلان حقيقيّان، ونحن نفخر بهما وبمسيرتهما وبتغطيتهما وببطولتهما”.

أمّا الصحافيّ شبات، فيختار في نهاية كلامه لـ “المفكّرة” أن يدير وجهه عن الرسائل من دون جواب إلى هذا العالم، ويعزّي فلسطين وصحافيّيها: “عظم الله أجر فلسطين، وعظم الله أجر هؤلاء الشبان والمراسلين الذين لم يتوانوا ليلًا ولا نهارًا منذ بدء العدوان، ولم يكلوا ولم يملوا، من أجل الخبر والمعلومة والحقيقة”. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، مؤسسات إعلامية ، مقالات ، فلسطين ، إعلام ، جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية ، جريمة الإبادة الجماعية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني