عندما اضطرّ العديد من الرعاة والمزارعين في جنوب لبنان، لا سيّما ضمن قرى وبلدات الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، لبيع مواشيهم بثلث أسعارها وترك حقولهم ومحاصليهم والنزوح عن مناطقهم المهددة بالقصف الإسرائيلي المعادي، قرّر الشقيقان محمد وعلي قاسم (42 و38 عامًا) الصمود في حولا. وحولا، ليست مجرد بلدة جنوبية تعيش تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 8 تشرين الأول 2023، تزامنًا مع بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، بل هي تتصدّر مع جارتها على الخط الحدودي عينه، بليدا، ومعهما عيتا الشعب، لائحة البلدات المستهدفة بالتدمير المُمنهج. وكأنّ هناك قرارًا إسرائيليًا بالقضاء على أي مظهر من مظاهر الحياة فيها. وفي قلب هذه الحياة كان محمد وعلي قاسم يعيشان، لينشرا، بحركتهما اليومية في حولا، الونس بين الصامدين في البلدة، إلى أن استشهادا تحت ركام منزل العائلة الذي استهدفه العدوان الإسرائيلي بصاروخ.
وكان صمود الشقيقين محمد وعلي قاسم يُترجم عمليًا فائدة ليس فقط عليهما وعلى عائلتهما ووالدهما المريض، من خلال المحافظة على أرزاق العائلة وقطيع المواشي الذي لا يقل عن 150 رأس ماعز، ومعه ست بقرات وعشرات من طيور الدجاج، بل أخذ الشقيقان على عاتقهما رعاية مواشي العائلات التي اضطرت للنزوح عن البلدة. “كل واحد عنده راس معزة أو بقرة أو حتى دجاجة، جابها وحطها عند محمد وعلي ينتبهوا عليها حتى يكون رجع ع الضيعة”، بحسب ما يؤكد ابن حولا وصديق الشهيدين، مهنّد دياب، في اتصال مع “المفكرة”.
“رزق الإنسان يعادل الروح” يقول إبراهيم، شقيق الشهيدين محمد وعلي قاسم. ويؤكد لـ “المفكرة” أنّ شقيقيه رفضا مغادرة حولا للعناية بأرزاق العائلة وقطيع الماعز”. ويشير إبراهيم إلى أنّ محمد وعلي دفعا حياتهما لكي لا يحتاجان أحدًا “أخواتي شافو شو عم يعاني النازحين، لا بلاقو بيوت ولا معهم عفش ولا مصاري، ما كانوا بدهم ينذلّوا”. ويعتبر أنّ الدولة لم تؤمّن ظروف عيش لائقة لمن اضطروا إلى ترك مناطقهم، حيث يعانيالنازحون الأمرّين لتأمين لقمة العيش، ما دفع بشقيقيه إلى البقاء”.
يحكي إبراهيم عن شقيقيه وروحيهما المتعلقتين بحولا: “اخواتي معروفين بروحهن الحلوة، بيخلّصو شغل بينزلو شوي على الساحة بيقعدو بالقهوة وبيرجعو عالبيت، هيك كنا نعيش أيامنا من نحن وصغار، وهيك كانو”.
يقول مهنّد دياب، إنّ محمد وعلي كانا يعتنيان برزق العائلة غير عابئيّن بالعدوان الإسرائيلي “محمد ضل يفلح الأرض ويحضرها لموسم خضار الصيف ع الحصان وبالصَمَد والنير (معدات حراثة الأرض على الحصان)، ثم يرعى المواشي مع علي في فترة بعد الظهر. وكان الشقيقان يحلبان الماعز والأبقار صباحًا ويقصدان الضيع المجاورة حيث لجأ بعض النازحين ليسوّقا إنتاجهما من الحليب والبيض وأيضًا بعض الخضار، حسب المواسم”.
ممارسة الحياة العادية لمحمد وعلي كانت على مرمى من المُسيّرات المعادية الإسرائيلية وطائراته الحربية التي رصدتهما حتى عادا للاستراحة الصباحية عند الحادية عشرة من يوم الأحد الماضي واستهدفت منزل العائلة بصاروخ. وفي المنزل الذي رفض محمد وعليّ تركه، استشهدا معًا.
“شهيدا لقمة العيش”،”شهيدا الصمود”، بهذه العبارات نعى أهالي حولا الشهيدين، على صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما روى كثر من أهالي البلدة كيف كان محمد وقاسم أعينهم في حولا وحارسا أرزاقهم “خسرناكم يا أبطال”، كتبها العديد من الناشطين عن الشهيدين اللذين رفضا مغادرة حولا، فيما نعى آخرون محمد وعلي كداعميّن لكل الصامدين في البلدة “كانت حركتن مونّسة كل الباقيين بحولا، محمد وعليّ وداعًا”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.