الشعب يريد إقامة النظام


2015-09-08    |   

الشعب يريد إقامة النظام

يوجّه “المركز المدني للمبادرة الوطنيّة” التحيّة الخالصة إلى الحركة الشعبيّة الوطنيّة الجارية في الساحات العامّة وإلى القائمين بها، مبادرين ومشاركين، كما يقدّم “المركز” التهنئة الصحيحة إلى اللبنانيّين بظهور هذه الحركة السلميّة الراقية الدالّة على حياة المشروع اللبناني واستحقاقه، مشروع الشعب ومشروع الدولة.

إنّ الأهداف التي يراها “المركز” مناسبةً في هذا الأفق الشعبي والوطنيّ إنّما يجمعها شعار واحد هو هذا الشعار:

“الشعب يريد إقامة النظام”

فلا شعب بلا نظام،
 ولا حكم للشعب، حكم المواطنين، القائمين بأعمال الدولة، حكّاماً ومحكومين، إلاّ بنظام،
 ولا نظام يناسب وجود اللبنانيّين سوى النظام المدنيّ،
 لا النظام الطائفيّ أو الدينيّ أو لانظام الفوضى أو لانظام حكم العسكر.
إنّ النظام القانونيّ الذي ينصّ عليه الدستور في مقدّمته والمتن إنّما هو النظام المدنيّ. فحريّة الاعتقاد في هذا النظام مطلقة، ولبنان في هذا النظام وطنٌ لا مزرعة أو ساحة أو ملهى، سيّدٌ لا تابع لدولة أجنبيّة “شقيقة” أو “صديقة”، حرّ مستقلّ، لجميع أبنائه لا لزعماء المنظّمات الطائفيّة الدينيّة والسياسيّة وأتباعهم أو المجموعات الماليّة والسماسرة.

إنّ ما حدث فعلاً، بعد نشوء الدولة اللبنانيّة، وبعد زوال الانتداب، وبعد الحروب الطائفيّة والأجنبيّة، وبعد إنهاء الحروب ورغم تأكيد مدنيّة النظام التي لابديل منها، إنّ ما حدث فعلاً بعد ذلك وفي أثنائه هو استيلاء المنظّمات الطائفيّة على مواقع القرار فارضة صيغة طائفيّة خالصةً لهذا النظام، مستندةً إلى محالفتها ومشاركتها المجموعات الماليّة ودعم هذه الدولة الأجنبيّة أو تلك، مستغلّةً بعض القيود الطائفيّة المؤقّتة التي يتضمّنها الدستور، وذلك بتكريس المؤقّت وإسقاط الثابت الصريح بوجوب تجاوزه وصولاً إلى نظام مدنيّ خالص، وهو النظام الذي يقوم على الاعتراف بوجود الدولة والشعب والأفراد والجماعات وتنسيق مصالح هذه الأطراف الأربعة تِبعاً لسيادة القانون المدنيّ.

 وما نراه الآن في شوارعنا هو أنّ المنظّمات الطائفيّة قد سقطت معاً سقوطاً منطقيّاً في سلّة النفايات، وأسقطت معها في هذه السلّة الصيغة الطائفيّة للنظام، بما انطوت عليه هذه الصيغة من تنافس مطلق في اقتسام الناس ونهب البلاد لا يعرف حدّاً له سوى المصلحة في التواطؤ إلى حين، في صفقة بعد صفقة، بين المتحاصّين المتشاركين في حكم الأحزاب.

 وما نراه الآن في شوارعنا من ظهور هذه الحركة في أفق شعبيّ وطنيّ ليس سوى بداية ظهور التوجّه الوطنيّ والشعبيّ الذي كان غيابه بل تغييبه سبباً في سيطرة الصيغة الطائفيّة للنظام، وبالتالي لكلّ هذا الفساد والانهيار.

 وما نراه الآن من ظهور هذه الحركة المباركة هو بداية ظهور الشرط الوطنيّ والشعبيّ لإقامة النظام في صيغته المدنيّة.

 و”المركز” المدني إسهاماً منه في إيضاح الأهداف المناسبة، وتحقيقاً لهذا الشعار:

“الشعب يريد إقامة النظام”

يرى أولويّة الخطوات الأساسيّة الآتية:

1- الطلب إلى النيابة العامّة التحرّك الفوري لاتّخاذ الإجراءات الاستثنائيّة  لمعالجة مشكلة النفايات التي تهدّد النظام العامّ من حيث السلامة الصحيّة، كما تهدّد النظام العام من حيث الأمن نتيجةً لاستنكاف السلطات السياسيّة والإداريّة عن قيامها بواجبها وعن لجوئها إلى العنف وافتعال الشغب في مواجهة الاحتجاج على فسادها وعجزها. فلا دولةً مدنيّةً بلا قضاء مستقلّ فعّال.

2- مبادرة الحكومة وإلاّ إكراهها على توجيه مذكّرة إلى مجلس الأمن الدوليّ تطلب فيها تطبيق القانون الدوليّ لجهة التدخّل الأجنبيّ الخطير وغير المشروع في الشؤون الداخليّة للدولة اللبنانيّة التي هي عضو عامل ومؤسّس في منظّمة الأمم المتّحدة، وذلك بتشكيل جهاز خاصّ لمراقبة ذلك التدخّل وتعيين العقوبات الرادعة المناسبة.

3- مبادرة الحكومة وإلاّ إكراهها على إصدار تعميم يعتبر الإشارة إلى الطائفة في سجلاّت النفوس لاغيةً إلى أنْ يطلب وضعها المواطن الراشد، مستنداً في طلبه إلى موافقة المرجع الدينيّ في الطائفة التي يختار التصريح بالانتساب إليها، وذلك تطبيقاً للقانون والدستور وتجسيداً للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان.

4- إعادة تكوين السلطة الشرعيّة إمّا:

أ‌- بتشكيل حكومة انتقاليّة مصغّرة تضمّ شخصيّات ذات كفاءة ونزاهة، بمنأى من الانحياز الطائفيّ والفساد،  تحلّ محلّ القائمين حاليّاً بأعمال الحكومة، وذلك في عمليّة واحدة، وفي يوم واحد، تبدأ ، بعد التسليم  بمبدأ الحكومة الانتقاليّة وتشكيلتها، ودون أيّ مسّ بأحكام الدستور، وذلك باستقالة حكومة الأمر الواقع وبإصدار ما يلزم من مراسيم وتنتهي باسترداد الحكومة الانتقاليّة الثقة من مجلس نواب الأمر الواقع، على أنّ تكون مهمّاتها في مهلةٍ أقصاها سنة واحدة:

1-   مواجهة المشكلات الملحّة بتدابير فوريّة استثنائيّة.
2-   تأمين:
أ‌- إقرار قانون “النسبيّة هي النظام في التمثيل النيابي”، بمادّة وحيدة.
ب‌-إجراء  الانتخابات النيابيّة.
ت‌-انتخاب رئيس قادر للجمهوريّة.
ث‌-تحرير مجلس النوّاب من القيد الطائفي وإنشاء مجلس الشيوخ وانتخاب هذين المجلسين.
وإمّا:
ب‌- بانتخاب رئيس للجمهوريّة لولاية أقصاها سنة واحدة أو سنتين اثنتين ، وتشكيل حكومة انتقاليّة، وصولاً إلى تحقيق الأهداف المبيّنة أعلاه في (أ: 1و2).

نحن لا نتوقّع مبادرة القائمين بأعمال الحكم والإدارة ، لا إلى إعادة تكوين السلطة الشرعيّة ولا إلى استكمال مدنيّة النظام نظاماً فعّالاً في مواجهة حاجات الدولة أو المجتمع، في المستوى الشخصيّ ( حريّة الاختيار) أو الاجتماعيّ (العدالة وتوفير الفرص والتقديمات) أو السياسيّ (اعتماد النسبيّة وتحرير مجلس النوّاب من القيد الطائفيّ تمثيلاً للبنانيّين بما هم شعب إلى جانب إنشاء مجلس شيوخ يضمن حقوقهم بما هم جماعات”  أو في المستوى الوطني (الاستقلال والسيادة وتعميم المقاومة حيث كلّ لبنانيّ معنيّ ومُسهِمٌ في حماية بلاده). وأيّ سذاجة قد تدفعنا إلى هذا التوقّع!

إنّ مبدأ التصرّف الأوّل هو أنْ يصل جمهور اللبنانيّين بقوّة متنامية إلى فرض الإجراءات المطلوبة، إذْ إنّ هذا الجمهور، في صيرورته شعباً، هو القوّة العليا لا الوصايات الأجنبيّة والطائفيّة. ولن يكون اللبنانيّون شعباً بالفعل ذا دولة في الواقع إلاّ بذلك الفرض، تطبيقاً للقانون والدستور، هذا الدستور الذي ترسم أحكامه حدود وجود الدولة وسيادة قانونها المدنيّ، في حدود الاعتراف بوجود الجماعات وأنظمتها الشخصيّة، وكلّ ذلك في حدود الاعتراف بوجود الأفراد وحقوقهم الانسانيّة، كما ترسم أحكامه حدود تعديلها وفقاً لإرادة اللبنانيّين، شعباً من المواطنين المتساوين الأحرار، في دولة سيّدة مستقلّة.

وفي هذا الوقت، حيث أنّ المطلوب هو إزالة ما يتهدّد النظام العامّ لجهة السلامة الصحيّة وبالتالي السلامة الأمنيّة والعودة إلى الدستور وتطبيقه، وهو المطلوب من سلطات الأمر الواقع كمجموعة إجراءات لرحيلها بإعادة السلطة إلى مصدرها صاحب السيادة، ففي أيّ حال،إنّ المؤسّسة الشرعيّة القائمة على الدوام إنّما هي الهيئات الناخبة. وهي في هذا الوقت المؤسّسة الدستوريّة الشرعيّة الوحيدة، والعودة إليها ممكنةٌ، قبل الانتخابات وبالانتخابات، سواء أسلّمت سلطات الأمر الواقع بالإجراءات المطلوبة أم لم تسلّم، وذلك في صورة يعيّنها الدستور والقانون أو تفرضها الضرورة القاهرة لمواجهة الأخطار الكيانيّة.

إنّ المعادلة بسيطة للغاية مهما تظهر هذه الأهداف جميلةً،ساميةً عن بؤس الواقع وانحطاطه، أو بعيدةً صعبة المنال: لن يكون وزن هذه الحركة كافياً للوصول فعلاً إلى أيّ هدف من أهدافها إلاّ إذا كانت الرؤية واضحةً سامية، ولن تكون مكتسباتها مضمونةً واحداً واحداً إلاّ بتكاملها  في تدرّجها المنطقيّ. إنّها معركةٌ قاسيةٌ، طويلةُ الأمد، متعرّجةٌ في مسارها ونتائجها، يوماً بيوم. ومن السذاجة أنْ نظنّ أنّ الخصم المصاب سوف يعمد إلى التسليم النهائيّ بأيّ خسارة جدّيّة تحلّ به ما دام في يده مفتاح من مفاتيح السلطة. وما تداعيه غداً إلى طاولة للحوار تجاوزاً للخلافات سوى استعداد عدائيّ مشترك  لركوبه عربةً واحدةً للهجوم. وأيّ تجربة من تجاربنا، في كلّ مستوى، تخالف هذا التوقّع؟ وهل نظنّ أنّ الخصم غافلٌ عن أنّ هذا اليوم له ما بعده من الأيّام فيكون علينا أنْ نُغفل أبعاد المواجهة فنتستّر بالقليل ونحن نعلم وهو يعلم أنّ الكثير هو الموضوع؟ أمّا القلق الذي يساورنا، ونحن في ما نحن فيه من الشدّة، وهي الشدّة القائمة قبل قيام التحرّك بل التي لا بدّ أنْ تتزايد إذا لم يكن التحرّك، فهل نبدّده بغير المشاركة في هذه المواجهة، ضماناً لسلميّة المسار وسلامة الأهداف؟ والحقيقة هي أنّ تعاظم المشاركة في هذه المواجهة هو الذي يُعاظم ضمانة السلم والسلامة لا العكس. وكلّ مواطن مسؤول. وقد انقضى عام وبعض عام، فأيُّ منطق يفرض على اللبنانيّين ألاّ يحرّكوا ساكناً، مستسلمين لمسيرة انحلال دولتهم ، إمّا لعجز القائلين بانتخاب المجلس الممدّد لنفسه رئيساً للدولة، مُتغاضين عن فساد الحكم واغتصاب السلطة، وإمّا لعرقلة من يمانع بذلك الانتخاب دون أنْ يقدّم بديلاً مقبولاً لتجاوز الفراغ في الحكم ومكافحة الفساد؟

إنّ الفُرصةَ تمرّ مرَّ السحاب فانتهزوا فُرَصَ الخير.

لهذه الأسباب وفي هذا الأفق نكرّر توجيه التحيّة إلى هذه الحركة الجارية في الساحات العامّة، وندعو إلى المشاركة فيها وإلى أن تشمل متواصلةً دوائر التخاطب كافّة، وعلى كلّ شبر من أراضي الجمهوريّة، في أماكن العلم والعمل كما في الشوارع والساحات، سلميّاً، في نطاق القانون، وتطبيقاً للدستور.

انشر المقال

متوفر من خلال:

دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، حريات ، بيئة ومدينة ، سياسات عامة ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني