أمام توجه الحكومة اللبنانية إلى الاستعانة بصندوق النقد الدولي للحصول على المشورة التقنية للمساعدة في الخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة يعتقد العديد من اللبنانيين أنّ ثمّة نيّة واضحة لدى الحكومة للإستعانة بالصندوق للإقتراض كأحد الحلول المطروحة. ونظراً إلى أنّ الإقتراض في هذه الحالة قد يُخضع لبنان لشروط الصندوق التي غالباً ما يكون لديها تداعيات كارثية على المجتمع وبالأخص الطبقات الفقيرة والمتوسطة، اعتصم حشدٌ من المواطنين أمام مكتب البنك الدولي في وسط بيروت بدعوة من مجموعات شبابية رافضة للإستمرار في سياسية الاقتراض التي يعتمدها لبنان منذ عقود.
وتصدّر ملف "سد بسري" المواضيع التي طُرحت في الإعتصام بسبب كلفته الباهظة على لبنان على شكل قروض تتجاوز قيمتها مليار و200 مليون دولار في الوقت الذي تقف فيه الدولة على شفير الإفلاس.
وعند الساعة السادسة مساءً احتشدت مجموعات من الناشطين من بينها "اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني"، وقطاع الشباب والطلاب في الحزب "الشيوعي"، ومصلحة الطلاب في "مواطنون ومواطنات"، و"الحملة الوطنية لإنقاذ مرج بسري"، و"الحركة الشبابية للتغيير"، ومجموعة "تأميم المصارف" و"شباب المصرف" للمطالبة بحلول بديلة عن الاقتراض مهما كانت الجهة المدينة. وأمام المعتصمين وقفت قوى الأمن بينهم وبين مدخل مقر البنك الدولي.
وأكد المعتصمون على رفضهم لسياسية الاستدانة بشكل عام، واعتبروا أن السياسات المالية والاقتصادية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة لا سيما منذ انعقاد مؤتمر باريس1 هي السبب وراء الأزمة الاقتصادية، مما يستدعي بالنسبة لهم وقف هذه السياسات واعتماد أخرى بديلة من شأنها أن تحوّل الاقتصاد اللبناني من ريعي إلى منتج. وبالتالي وفي ما يتعلّق بسد بسري دعا المعتصمون إلى وقف القرض المخصص لتمويل "سد بسري".
يقول العضو في "اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني" أندريه المقداد بأنّ "الاقتراض لا يُعدّ سوى السماح بالهيمنة الخارجية على السياسات اللبنانية، وقد لمسنا هذا الأمر منذ انعقاد مؤتمر باريس 1، حيث استمرت سياسيات الاقتراض والخضوع لشروط الخارج". ويُضيف المقداد أنّ "الشروط التي تفرضها الجهات المدينة، خاصة صندوق النقد، بالغة الخطورة خاصة تلك التي تفرض علينا خصخصة القطاعات العامة". لذا، فإن الطروح التي تم الترويج لها منذ اندلاع الانتفاضة كورقة الإصلاحات التي أنتجتها حكومة الرئيس السابق سعد الحريري أو منذ الذهاب على مؤتمر سيدر عام 2018، لا تلمس طموح اللبنانيين". وهي بالنسبة للمقداد، "تُكرّس زيادة الدين العام ولا تُسهم في الذهاب إلى اقتصاد منتج". لذا، يتفق المقداد والعديد من المشاركين في الاعتصام على الحلول البديلة التي تصب في مصلحة حماية الشعب اللبناني وبالأخص الطبقات الفقيرة والمتوسطة وهي إجراءات إصلاحية أبرزها: "وضع ضرائب تصاعدية على الرساميل، وإعادة هيكلة الدين العام".
ويجمع الناشطون على أنّ مشروع "سد بسري" إضافة إلى مخاطره البيئية، لديه مخاطر على الاقتصاد أيضاً، لذلك يستغربون الاستمرار في تنفيذ المشروع في هذا الوضع الاقتصادي المتردّي إذ يجدون أن زيادة الدين العام يُضاعف الأزمة الاقتصادية. وشاركت الحملة الوطنية لإنقاذ مرج بسري في الاعتصام أمس الثلاثاء التي قال منسّقها رولان نصّور إنّ "آخر المعلومات تُشير إلى تمسّك البنك الدولي بتمويل مشروع السد رُغم الوضع الاقتصادي الحساس في لبنان ورغم الضغط الذي يُمارسه المعارضين". وأضاف أنّ "هذا الإصرار لدى البنك الدولي هو مؤشر لوجود مصالح لدى بعض المدراء في البنك للاستمرار في التمويل"، مؤكداً أنّ "المفاوضات مع البنك الدولي والضغط الذي يُمارسه الناشطون لأجل دفع البنك للتراجع عن التمويل مستمرة". وأعلن أنه "قريباً سنكشف عن معلومات هامة في هذا الخصوص في مؤتمر صحافي".
وتلا الناشط في "مجموعة شباب المصرف" ميمون شداد بياناً باسم المشاركين في الاعتصام، أكّد فيه أنّه "بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على بداية الانتفاضة الشعبية التي أتت نتيجة الانهيار الاقتصادي والإفلاس غير المعلن حتى الآن، ما زالت السلطة السياسية تتنكّر للأزمة وتتقاذف الاتهامات والمسؤوليات فيما بينها، والمواطن يرزح تحت خط الفقر وخطر الجوع".
واعتبر البيان أنه رغم "رفضنا تحميل الطبقات المتوسطة والفقيرة أعباء الأزمة بكامل أشكالها من خلال شروط صندوق النقد الدولي أو ما سمّيَ بالورقة الإصلاحية، قامت المصارف بفرض قيود جائرة على مدّخرات الناس ورواتبهم وحساباتهم الجارية، في الوقت الذي تغيب فيه الدولة عن مراقبة الأسعار التي يتحكم بها التجار نتيجة سياسات الاحتكار من "كارتيلات" النفط والغاز الى الدواء والسلع الأساسية والغذائية كالطحين وغيره".
وانتقد البيان النهج الذي تتبعه الحكومة التي سُمّيت بـ "حكومة مواجهة التحديات"، وهو "نفس النهج السابق الذي كان السبب الأول لتفاقم الأزمة، إضافة إلى تفشّي الفساد والهدر في الإدارات العامة والوزارات على أنواعها، والسرقات والتحويلات التي عمّقت أزمة السيولة وتلاعبت بسعر الصرف وفتحت أبواب الأسواق السوداء على مصراعيها دونما حسيب أو رقيب".
ولذا فإنّ السلطة بحسب البيان، "تسوّق لحلول عديدة، يدور معظمها حول استكمال النهج السابق من خلال الاستدانة من الصناديق الدولية، تارّة من البنك الدولي، وأخرى من صندوق النقد الدولي". والحال أن "تجارب هذه الصناديق في بعض الدول التي واجهت أزمات مشابهة أدت إلى تعميق الفقر والفوارق الاجتماعية عبر خصخصة قطاعات الخدمات الأساسية والمنتجة كالكهرباء والاتصالات، زيادة إجراءات التقشف ورفع الدعم عن السلع الأساسية كالمحروقات والقمح، كما وإلى زيادة الضرائب غير المباشرة كال TVA التي توازي بين القدرة الشرائية لدى الفقير والغني".
وشجب البيان تمويل سد بسري من البنك الدولي معتبرين أنه "سيرهق الخزينة وبالتالي جيوبنا على مشروع يعتبر جريمة بيئية بحق محميّة طبيعية وفيه الكثير من الهدر خاصة باستملاكات الأراضي. وهذا ليس إلاّ مثالاً على جرائم الحكومات برعاية وتمويل هذا البنك".
ووضع البيان عدة اقتراحات بديلة عن الاستدانة من الخارج للخروج من الأزمة وهي:
"- استعادة الأموال المنهوبة، واستعادة أرباح المصارف الاستثنائية نتيجة الهندسات المالية باعتبارها أرباحاً غير مشروعة،
– فرض ضرائب استثنائية تصاعدية تُجبى لمرة واحدة وعلى كبار المودعين، على الودائع التي تفوق المليون دولار حيث تترّكز الثروات، وضرائب تصاعدية على الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال،
– إعادة هيكلة الدين العام،
– خطة إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي".