أطفال يلعبون أمام خيمتهم في مخيم غزة للاجئين السوريين في البقاع الغربي - تصوير داليا خميسي
هذه نسخّة مختصرة من تحقيق من جزئين نشرا في موقع المفكرة القانونية الأول في 8 حزيران 2024 والثاني في 12 حزيران.
أعلنت المديريّة العامة للأمن العام في أيّار الماضي مباشرتها إجراءات جديدة بهدف “ضبط وتنظيم ملف السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية”. تضمّنت الإجراءات إلغاء العمل بفئات من الإقامات والطلب من السوريين المخالفين لنظام الدخول والإقامة التوجّه مباشرة إلى الدوائر والمراكز الحدودية لمنحهم التسهيلات اللازمة لتسوية أوضاعهم ومغادرة الأراضي اللبنانية تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق غير المغادرين.
يحوّل هذا القرار بجزء منه قسمًا من السوريين من حاملي فئات الإقامات التي توقف العمل بها (بناء للكفالة الشخصية وعقد الإيجار) من دون سابق إنذار، إلى أشخاص غير مقيمين بشكل قانوني ويطلب بجزء آخر منه من كلّ المخالفين مغادرة لبنان فورًا من دون مراعاة أنّ بينهم أشخاصًا تحول دون عودتهم هواجس أمنيّة وترحيلهم يتعارض مع احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية وفقًا لالتزامات لبنان القانونية الدولية. كما أنّ الأمن العام لم يعلن لغاية اليوم عن الآلية التي يعتمدها من أجل ضمان عدم ترحيل أي مواطن سوري خلافًا لهذه الالتزامات. وكلّ هذه الإجراءات تأتي بينما توقّف الأمن العام عن قبول طلبات الحصول على إقامة جديدة ما يعني عدم إمكانيّة هؤلاء تسوية أوضاعهم.
ولم يأخذ قرار الأمن العام بترحيل كلّ المخالفين في الاعتبار أيضًا أنّ من بين المخالفين من كانت مخالفتهم اضطرارية نتيجة قرارات سابقة صدرت عنه، لا سيما في العام 2015، جعلت الحصول على إقامة بمثابة حلم. ولم يراع القرار أيضًا أنّ القرارات السابقة لم تسهم في تقليل أعداد السوريين في لبنان بل جلّ ما فعلته هو أنّها زادت أعداد المخالفين لنظام الإقامة منهم. وهذا ما وصفته “المفكّرة القانونية” سابقًا بنهج صناعة الهشاشة الذي يستند إلى تجريد السوريين من الإقامة القانونية تمهيدًا لتجريدهم من حقوقهم وكرامتهم، وترحيلهم قسرًا كحل للأزمة.
تشرح مسؤولة قسم التقاضي الاستراتيجي في “المفكرّة” غيدة فرنجيّة أنّ الأمن العام كان فرض بشكل مفاجئ في بداية العام 2015 شروطًا قاسية لدخول السوريين إلى لبنان وللإقامة فيه إنفاذًا لسياسة الحكومة بـ “تقليص” أعداد السوريين في لبنان، وابتكر فئات جديدة للإقامة من دون مراعاة حالة اللجوء الاضطراري بشكل كافٍ، كما استمرّ في تعديل هذه الشروط طيلة السنوات الماضية بشكل مفاجئ، مما أدّى إلى تعقيد إمكانية الحصول على إقامة قانونية وإلى تزايد أعداد السوريين المخالفين لنظام الإقامة، من ضمنهم اللاجئين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى سوريا. ورغم أنّ مجلس شورى الدولة أصدر قرارًا بإبطال قرار العام 2015 لعدم صلاحية الأمن العام بتعديل شروط الدخول إلى لبنان والإقامة فيه، استمرّ الأخير بتطبيق هذا القرار، في ظلّ تقاعس الحكومات حتى اليوم في تبنّي سياسات واضحة وناجعة لتنظيم وجود السوريين في لبنان وللتمييز بين اللاجئ وغير اللاجئ منهم.
وفي ظلّ هذا الوضع الهشّ للسوريين، سبقت قرار الأمن العام في أيّار، سلسلة تعاميم لسلطات محليّة تطلب من السوريين الذين لا يحملون إقامات إخلاء منازلهم وتطلب من اللبنانيين مساعدتها في التبليغ عن السوريين وعدم تشغيل أو تأجير أيّ سوري لا يملك إقامة، ما أدّى إلى توترات في بعض المناطق فضلًا عن انتهاكات في حقّ عائلات وأشخاص سوريين. وترافقت جميع هذه الإجراءات مع مداهمات لكلّ من الجيش اللبناني والأمن العام نتج منها ترحيل مئات السوريين بينهم من كان مسجّلًا في المفوضيّة كما أكّد مصدر مطّلع لـ “المفكرة” أو من كانت عودته تشكّل خطرًا على حياته.
وهذا الأمر وثّقته “المفكرة القانونيّة” في هذا التحقيق الذي يركّز على تأثير القرارات المتعلّقة بالإقامة على حياة السوريين وعلى الإجراءات القسرية التي اتخذت في حقّ السوريين كالترحيل والإخلاء التي تظهر كيف تفرض السلطات اللبنانية عقابًا جماعيًا على السوريين من أجل إرغامهم على العودة إلى سوريا بعدما فشلت على مدى سنوات في إدارة هذا الملف بشكل يضمن مصلحة لبنان وسلامة السوريين فيه.
1- صناعة الهشاشة والمعاقبة عليها
“كيف تتغيّر القوانين فجأة وقد رتّبنا حياتنا على أساسها”
قبل حوالي ثلاثة أشهر فوجئ عيسى (اسم مستعار) المقيم في لبنان منذ 2014 على كفالة حماته اللبنانية، برفض الأمن العام تجديد إقامته من دون تبرير. لاحقًا فهم عيسى سبب الرفض حين أعلن الأمن العام وقف العمل بفئة الإقامة بناء على الكفالة الشخصيّة. وقد تغيّرت شروط هذه الفئة من الإقامة التي ابتكرها الأمن العام في العام 2015 عبر السنين، من كفالة أي مواطن لبناني لمواطن سوري من معارفه، إلى كفالة مواطن لبناني يرتبط بقرابة بالمواطن السوري لغاية الدرجة الثانية. وبات عيسى ومن دون سابق إنذار أو وقت كاف لتنظيم أموره، مقيمًا بشكل غير قانوني في لبنان، ومضطرًا إلى مغادرة لبنان. “أنا عليّي عسكريّة، وزوجتي مقيمة في لبنان، وإذا قرّرنا الهجرة الأمر يأخذ وقتًا” يقول. اليوم يلتزم عيسى منزله ويسأل عن مؤسّسة تكفله ولكنّه يخاف أن يطلب منه الأمن العام، من أجل تغيير نوع الإقامة، تسجيل مغادرة لبنان فلا يتمكّن من العودة.
كما عيسى يلتزم حسام منزله حاليًا، فإقامته تنتهي بعد شهرين ولا يستطيع تجديدها بعد إلغاء الأمن العام فئة الكفالة الشخصية. “أنا مطلوب للخدمة العسكرية في سوريا وقد أكون مطلوبًا أمنيًا، سبق واختطفت في سوريا، دفعت رشاوى في سوريا كي أغادر بطريقة قانونيّة، والآن عليّ مغادرة لبنان” يقول.
لا يختلف وضع حسام (اسم مستعار) كثيرًا عن وضع مازن الذي حاول أيضًا طوال فترة تواجده في لبنان أن يكون قانونيًا ليأتي قرار مفاجئ ويحوّله إلى غير قانوني. تنتهي إقامة مازن بموجب عقد الإيجار بعد 9 أشهر ولكنّه مع ذلك توقّف عن التنقّل فهو يخاف الترحيل المباشر. “بعيدًا من الأسباب الأمنيّة، لوجستيًا كيف يمكن أن يرحّل أحد فورًا؟ ألا يجب أن يُعطى الوقت الكافي لترتيب أموره، كيف يمكن أن تتغيّر القوانين فجأة ونحن نكون قد رتّبنا حياتنا على أساسها” يقول.
الأطفال الذين كبروا في لبنان يخشون الخدمة العسكرية
من الفئات المعرّضة للترحيل السوريون الذين كانوا على إقامة ذويهم المسجلّين في المفوضيّة وبلغوا 18 عامًا في لبنان. وعن هذه الفئة تتحدث مهى التي جاءت إلى لبنان عام 2013 بعد اختطاف والدها، مع والدتها وأخوتها الـ 5 وكان أكبرهم لا يتجاوز 12 عامًا. وتقول إنّه نظرًا إلى عدم استطاعتها العودة إلى سوريا بخاصة بعدما عرفت عائلتها أنّ والدها قُتل، ولأنّ 2 من أخوتها باتا اليوم مطلوبين للخدمة العسكريّة، راجعت الأمن العام فكان الجواب أنّ لا حلّ إلّا بتأمين بطاقة هويّة أو جواز سفر للحصول على إقامة لأخويها وإلّا سيضطرّان للعودة إلى سوريا.
تقول مهى إنّ حياتها انقلبت رأسًا على عقب منذ إعلان الأمن العام عن قراراته الأخيرة “نحن نقيم في مجدل عنجر منذ سنوات، كنت أنا واثنان من أخوتي معيلي العائلة. بعد الإجراءات الأخيرة والمداهمات التي رُحّل على إثرها الكثير من معارفنا، يُلازم أخواي المنزل، بقيت أنا المعيلة الوحيدة ولكنّ الأمر لم يدم كثيرًا فصاحب العمل طلب منيّ ألّا آتي حاليًا إلى العمل حتى لو كان معي إقامة، منعًا لحدوث أي مشاكل” تقول.
كيف أُجبر السوريّون على الخروج عن القانون
توضح المحامية غيدة فرنجيّة أنّ سياسات الدولة اللبنانية في مجال تنظيم الإقامات “لا تجرّد السوريين من حقوقهم فحسب بل تجرّد الدولة أيضًا من وسيلة لبسط سلطتها، فهي أرغمت عددًا كبيرًا من السوريين على الخروج عن القانون وعزلتهم في الاقتصاد غير الرسمي، وتاليًا لم يعد لديها إحصاء رسمي لكي تتمكن من وضع سياسات مبنيّة على الواقع”.
وتُعيب فرنجية على سياسة الإقامات المتبعّة من قبل الأمن العام مسألتين: الأولى أنّها “لم تميّز بين اللاجئ وغير اللاجئ أي بين القادر على العودة إلى سوريا وغير القادر على العودة لأسباب مبرّرة كخطر الاعتقال والتعذيب والتجنيد الإلزامي والقتل على يد النظام أو المجموعات المسيطرة في مختلف المناطق السورية”. وترى أنّ هذا التمييز أساسي “لضمان احترام الدستور والقوانين اللبنانية التي تمنع ترحيل الأجنبي إلى بلاد قد يتعرّض فيها للخطر”، مضيفةً أنّ “طلب الحكومة من المفوّضية وقف تسجيل طلبات اللجوء في العام 2015 كان مخالفًا للدستور الذي يكرّس حقّ أيّ أجنبي يهرب من الاضطهاد والحرب في أن يطلب اللجوء في لبنان من دون أن يكون الأخير ملزمًا بالتجنيس أو التوطين”.
المسألة الثانية التي تشير إليها فرنجية، ترتبط بانعدام الوضوح والاستقرار في القواعد القانونية التي يفرضها الأمن العام الذي “يعدّل شروط الإقامة بشكل دوري ومفاجئ ومن دون أن يعلن عنها مسبقًا أو أن يضع مهلة زمنية قبل أن يبدأ بتطبيقها. وهذا ما فعله عام 2015 وكرّره اليوم في قراره في أيّار، وهو النهج نفسه الذي اتبعه مع اللبنانيين فيما يتعلّق بشروط الحصول على جوازات السفر عام 2022″.
2- الإجراءات القسرية
الترحيل القسري
قبل نحو شهر أوقف محمد (اسم مستعار) في منطقة البقاع أثناء تنقّله على دراجة ناريّة، وتمّ ترحيله إلى سوريا مباشرة. “محمد منشقّ عن الجيش، لذلك دخل لبنان نهاية العام 2015 بشكل غير نظامي” يقول أحد أفراد عائلته مضيفًا “رحّلوه في اليوم التالي لتوقيفه، وسلّموه للفرقة الرابعة، وهو مطلوب وحياته معرّضة للخطر”. كان محمد محظوظًا حسب ما يقول قريبه إذ إنّ أحد الضباط السوريين “احتفظ به، لم يسجّله في عداد الواصلين، وتواصل معنا طالبًا 20 ألف دولار مقابل إعادته”. استطاعت عائلة محمد تأمين 11 ألف دولار أوصلتها للضابط وعاد محمد مرة أخرى إلى لبنان خلال أيام. بعدما عاد إلى لبنان بعد ترحيله عمل محمد على تحصيل جواز سفر كلّفه حوالي ألف دولار، ومن ثمّ سافر بشكل قانوني إلى ليبيا حيث ستكون وجهته الثانية بحرًا بطريقة غير شرعية إلى إيطاليا ومن بعدها هولندا حيث سبقه إلى هناك أقرباء له.
كما محمد، تتحدّث سميرة (اسم مستعار) عن أنّ 3 من أصدقاء أخيها رحّلوا بناء على الإجراءات التي اتخذها الأمن العام وعادوا بعد أيام إلى لبنان “عم يرجعوا عن طريق مهرّبين، ولكن ليس لدى الجميع القدرة على تكبّد التكاليف، المهربين عم يعملوا ثروات من وراء الترحيل” تقول لـ “المفكرة”. وهذا الأمر كانت وثّقته “المفكّرة” في العام 2023.
وكان مركز “وصول” أشار إلى أنّ 75 لاجئًا من أصل 336 شخصًا تم ترحيلهم ( بينهم 12 لاجئًا يملكون أوراق إقامة قانونيّة) بين نيسان وأيار العام الماضي أفادوا بأنّ السلطات السورية أعادت تسليمهم إلى مهرّبي بشر المتواجدين على الحدود اللبنانية لإعادتهم إلى لبنان لقاء مبالغ مالية تتراوح بين 150 و300 دولار أميركي للفرد الواحد بينما وصلت المبالغ المالية الى نحو 3000 دولار أميركي للأفراد الذين يواجهون مخاطر أمنية مباشرة.
يرحّل الأمن العام أيضًا بعض السوريين بعد توقيفهم. ومن بينهم جمال (اسم مستعار) الذي يروي لـ “المفكرة” أنّّ توقيفه جرى عند حاجز في بيروت بينما كان في سيّارة أجرة. “بعدما عرفوا أنّني سوري ولا أملك إقامة رسمية، وضعوني في سيّارة مقيّدًا كان داخلها حوالي 5 أشخاص آخرين مقيّدين” يقول، مضيفًا: “أخذوني إلى ساحة العبد (أي مركز الاحتجاز التابع للأمن العام)، حيث احتُجزت لحوالي أسبوع، تجاهلوا طلبي بالحصول على محامي، أخذوا هاتفي، ولاحقًا سمحوا لنا بإجراء اتصال شرط أن يكون في حوزتنا بطاقة مشرّجة”. بعد 5 أيام من احتجازه، طُلب جمال إلى التحقيق الذي “اقتصر على سؤالين: “ما اسمك؟” و”هل ترغب في العودة إلى سوريا؟”. ورغم أنّه عبّر عن عدم رغبته في العودة فوجئ في اليوم التالي بترحيله. “أدخلونا مقيّدين إلى آليّة، كان معي أشخاص مرعوبين عليهم عسكرية” يقول جمال مشيرًا إلى أنّ سيّارة أوصلتهم إلى منطقة المصنع حيث وضعوا في زنزانة قبل أن يتمّ نقلهم بسيّارة أخرى وتسليمهم للأمن العام السوري. (…) ساعدني حظّي بأنني لم أكن مطلوبًا، ولكن ماذا عن المطلوبين؟”.
وقد وثّق تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في أيار الماضي ما لا يقلّ عن 212 حالة احتجاز تعسّفي لمرّحلين قسرًا إلى سوريا بينهم 12 طفلًا و7 نساء، في نيسان 2024. وفي العام 2023، بلغ العدد 156 عملية اعتقال تعسّفي واحتجاز (بينها لطفلين و5 نساء) ممّن عادوا إلى مناطقهم الأصلية الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، معظمهم من العائدين طوعًا من لبنان، بحسب تقرير سابق للشبكة. ووثّق التقرير اعتقال 97 شخصًا من اللاجئين الذين أعيدوا قسرًا من لبنان، معظمهم من قبل مفرزة الأمن العسكري التابعة لقوات النظام السوري في منطقة المصنع الحدودية.
ونقل موقع “ميغافون” عن مركز “وصول” توثيقه مقتل السوري محمود حسنة (27 عامًا) الشهر الماضي برصاص قوّات النظام السوري على حاجز في مدينة حمص، أثناء محاولته مغادرة مناطق سيطرة النظام هربًا من الخدمة العسكرية إلى الشمال السوريّ، وذلك بعد أيام من ترحيله من لبنان.
الترحيل بالأرقام
لا توجد أرقام رسميّة حول عدد السوريين الذين تمّ ترحيلهم قسرًا من لبنان إلى سوريا خلال العام الحالي، ولكن بحسب مصدر معني بملف اللاجئين السوريين، فقد شهد هذا العام (أو ما تمّ رصده) ترحيل أكثر من 300 شخص من قبل الأمن العام و1400 آخرين من قبل الجيش اللبناني عبر الحدود البرية في الشمال. وفي العام 2023، تعرّض ما لا يقل عن 13700 شخص لعمليات ترحيل أو إعادة عبر الحدود نفّذها الجيش اللبناني مقارنة بـ 1500 في العام 2022. وكان الجيش قد صرّح لمجلس الوزراء بأنّه قام بـعمليات “إعادة ترحيل” لما يقارب 5000 سوري في أيلول 2023. ويؤكّد المصدر لـ “المفكرة” أنّ من بين المرحّلين أشخاصًا مسجّلين في المفوضية أي أنّ ترحيلهم خالف مبدأ عدم الإعادة القسريّة.
وكانت “هيومن رايتس ووتش” نقلت عن مصدر إنساني أنّه منذ نيسان حتى تموز 2023 تمّ رصد أكثر من 100 مداهمة، و2200 عملية اعتقال، و1800 ترحيل للاجئين السوريين. وكان مركز “وصول” وثق عبر تحقيق استقصائي صدر بداية العام الحالي 1080 اعتقالًا تعسّفيًا منذ بداية عام 2023 حتى كانون الأوّل من العام نفسه، رُحّل منهم 763 شخصًا بشكل قسري إلى سوريا.
ووفقًا للمحامية فرنجية: “لا يتمتّع الجيش بصلاحية قانونية للقيام بترحيل الأجانب، وهو يستند بشكل أساسي على قرار صادر عن المجلس الأعلى للدفاع في 24/4/2019 لتبرير عمليات الترحيل التي يقوم بها بحقّ السوريّين، لكنّ المجلس نفسه لا يملك هكذا صلاحية استنادًا إلى المادة 8 من قانون الدفاع الوطني”. وعن عمليات الترحيل التي يقوم بها الجيش والأمن العام، ترى فرنجية أنّ المشكلة الأساسية تكمن في “عدم تمكين السوريين المعرّضين للخطر في حال إعادتهم قسرًا من الدفاع عن أنفسهم والاعتراض على قرار الترحيل”، موضحة أنّ “الترحيلات غالبًا ما تحصل بشكل سريع وجماعي من دون أن يتم عرض المرّحلين أمام القضاء ومن دون التمييز بين اللاجئ وغير اللاجئ”.
إخلاءات وتهديدات جماعية
إعلان الأمن العام عن الإجراءات الجديدة سبقه ورافقه إصدار سلطات محلّية تعاميم تطلب من المواطنين اللبنانيين مساعدتها في تنظيم تواجد السوريين عبر الإبلاغ عنهم حتى يتمّ لهذه السلطات التأكّد من أوراقهم الثبوتية والطلب منهم الإخلاء في حال كانوا غير قانونيّين ولاسيّما بعد مقتل مسؤول القوات باسكال سليمان وما تبعه من خطاب تحريضي في حقّ السوريين. وجاءت التعاميم انطلاقًا من كتاب وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي في 2 أيار الى المحافظين والبلديات والمخاتير لإطلاق حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل النازحين السوريين، والطلب عدم تنظيم أي معاملة أو إفادة لأي نازح سوري قبل تقديم ما يُثبت تسجيله، والتشديد بعدم تأجيرهم أي عقار قبل التثبّت من تسجيله لدى البلدية وحيازته على إقامة شرعية.
ووثق مركز “وصول” طرد 1306 أفراد أو عائلة لاجئة منذ بداية العام الحالي حتى نهاية الشهر الرابع مقارنة بـ 596 حالة إخلاء قسري طوال العام الفائت. وليس بعيدًا تتحدّث كاميلا الخشن، منسقة حالات الإخلاء في مرصد السكن التابع لمنظمة “استوديو أشغال عامّة” أنّ عدد تبليغ سوريين عن انتهاكات تتعلّق بالسكن ارتفع بعد مقتل سليمان وبعد قرارات الأمن العام الأخيرة، إذ تلقّى المرصد اتصالات متزايدة عن إخلاءات أو إعطاء مهل لتسوية أوضاع عائلات سوريين منعًا للإخلاء. وتشير في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ المهل لم تتجاوز أسبوعين وأنّ التهديدات كانت من أصحاب منازل ومن بلديات واستهدفت بشكل أساسي عائلات جميع أفرادها أو بعضهم لا يملكون إقامة رسمية. وأخلت السلطات اللبنانية في نهاية أيّار واحدًا من أكبر مخيّمات النازحين السوريين في الكورة، وهو مجمّع الواحة في ددّة الذي يقطنه حوالي 1500 سوري. ووثّقت “المفكرة” مداهمة مخيّم للاجئين السوريين في بلدة برّ الياس، البقاع الأوسط، في 17 نيسان الماضي، من قبل مجموعة من الأشخاص أمهلوا سكّان المخيّم 3 دقائق للإخلاء.
وتشدّد فرنجية على أنّ “ربط الحق في السكن بحيازة إقامة رسمية ليس لديه سند قانوني”، وأنّ القوانين “تمنع إخلاء أي شخص من مسكنه بشكل قسري إلّا بموجب أمر قضائي لأنّ الحقّ في السكن اللائق هو من الحقوق الأساسية التي يكرّسها الدستور اللبناني ولأنّ قانون العقوبات يجرّم استيفاء الحق بالذات”.
عنف وصل إلى حدّ القتل
لا بدّ هنا من التذكير بحادثة مقتل اللاجئ السوري علي وليد عبد الباقي، نتيجة التعذيب في نيسان الماضي وهو أمر وثّقته منظمات حقوقية سورية. فذكرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان أنّ عبد الباقي توفّي في 15 نيسان بعد عشرة أيام من تعرّضه للاعتداء والضرب على يد من وصفتهم بـ “مجموعة عنصريين لبنانيين”، فيما نقلت شبكة “أسوشيتد بريس“، عن والده الذي عاد إلى إدلب بعد مقتل ابنه، أنّ علي أوقف من قبل مخابرات الجيش لأسباب غير معروفة، من دون أن تتمكّن عائلته من معرفة مكانه إلى حين وجدته أخيرًا في مخفر في بعبدا حيث ظهرت علامات التعذيب على جسده حيث أفاد علي أنّه تعرّض للضرب والصعق بالكهرباء، وتوّفي بعد أيّام. كما ذكرت الوكالة أنّ تقرير الطبيب الشرعي تثبّت من وجود جروح على جسده لكنّه خلص إلى أنّ وفاته كانت “لأسباب طبيعية”.
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي ومنظمات حقوقية مناصرة للاجئين وثّقت اعتداءات على لاجئين سوريين في لبنان في أعقاب حادثة مقتل سليمان، بينها تعرّض شابين سوريين للاعتداء والتعذيب الوحشي، ممّا أدى لإصابتهما بجراح متفاوتة وما تمّ توثيقه في مقطعي فيديو يظهران شبّانًا يضربون شابّين سورييْن ويركلُاهما على رأسيهما، فضلًا عن سحلهما، في زوق مكايل وطبرجا.
نشر هذا المقال في العدد 73 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.