الزنايدي يطلب مساندة المحكمة الإدارية في تنفيذ حكمها: الديمقراطية أبدى من التقيد بروزنامة انتخابية


2024-09-15    |   

الزنايدي يطلب مساندة المحكمة الإدارية في تنفيذ حكمها: الديمقراطية أبدى من التقيد بروزنامة انتخابية

خوّل الأمر عدد 3698 لسنة 2008 المتعلّق بإتمام الأمر عدد 2173 لسنة 1990 المؤرّخ في 24 ديسمبر 1990 المتعلّق بتنظيم الكتابة العامّة للمحكمة الإداريّة، للمحكمة الإدارية متابعة تنفيذ أحكامها[1]. وفي إطاره، مارست المحكمة صلاحية المساعدة على تنفيذ الأحكام الإدارية. فأرست آلية للتداخل لدى الجهة الإدارية التي عطلت تنفيذ حكمها بمراسلة تصاغ في الغرض من رئيسها الأول إذا ما طلب منها المحكوم لفائدته ذلك. وقد أفقد غياب الإطار القانوني الملزم هذه الآلية نجاعتها وحدّ من قدرتها على تحقيق غايتها[2]. تقييم للمؤسسة  لم يمنع فريق الدفاع عن المرشح للانتخابات الرئاسية منذر الزنايدي من الالتجاء لها في تصدّيه لامتناع هيئة الانتخابات عن تنفيذ القرار النهائي والباتّ الذي صدر عن الجلسة العامة القضائية تحت عدد 24003591 بتاريخ 29-08-2024 لفائدة موكلهم وقضى بصحة ترشّحه وأوجب إدراجه في القائمة النهائية للمترشحين للاستحقاق الرئاسي وقد طور خيارهم مخرجات النزاع الانتخابي في جانبها القانوني والإجرائي وهو ما يجب التنبّه له.

طلب الوساطة خيار مجدّد

امتنعت هيئة الانتخابات عن ترسيم عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي بقائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية رغم أنهما تحصّلا على قرار من الجلسة العامة للمحكمة الإدارية في ذلك، ممّا أدّى إلى أنهما أصبحا والزنايدي مشتركين في كونهم مرسمين بالقائمة النهائية للمرشحين بقرار قضائي باتّ ونهائي وممنوعين رغم ذلك واقعا بقرار هيئة الانتخابات. في تعاطيه مع هذه الواقعة، قدر دفاع الدايمي عدم حاجته لأي اجراء إضافي واكتفى بالحكم الذي تحصل عليه ليكون مستنده في نزاعات نتائج الانتخابات. أما دفاع المكي فقد اختار أن يطلب شرحا من الجلسة العامة للمحكمة الإدارية لقرارها بناء على ما ذكرت هيئة الانتخابات أنه غموض له وهذا ما استجابت له المحكمة الإدارية في سرعة قياسية. أما محامو الزنايدي فقد التجأوا لطلب المساعدة على التنفيذ وكان بذلك خيارهم مخالفا لزملائهم وعزز بالتالي عدد الأبواب التي فتحت من المترشحين لتضيئ على ما تم من هضم لحقهم. ونجح في ذلك بالمراسلة التي صدرت لفائدته بتاريخ 13-09-2024 عن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية والتي لها أهمية شكلية زيادة على تلك التي في نصها.

الأهمية الشكلية للمراسلة: نص إضافي من مرجع مغاير

صدر قرار الشرح الذي تحصل عليه المكي عن الجلسة العامة للمحكمة الإدارية أي ذات الجهة التي صدر عنها حكمه. وكان في توصيفه الشكلي تفسير منه لقضائها وبالتالي عمل قضائي يلحق بالحكم الأصلي ويعتمد وجوبا عند تنفيذه. في المقابل، صدرت رسالة المساندة في التنفيذ عن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية في صيغة مراسلة إدارية. واعتبار المراسلة من غير عمل القضاء وإلحاقها بخانة الأعمال الإدارية لا ينقص من قيمتها القانونية والرمزية إذ أنها صدرت عن رأس المحكمة الإدارية أي أهم مرجع قضائي إداري بتونس وتضمنت رأيه القانوني فيما تعلق بعدم تنفيذ الهيئة لأحكام القضاء وهو رأي مرجعي تتأكد أهميته في مضمونه الذي بين بوضوح أن كبير القضاء الإداري ينتصر لعلوية القانون ويرفض خروج هيئة الانتخابات عنه.

رأس القضاء الإداري: انتصار للقانون وتحذير من الخروج عنه 

متى صدرت قرارات الجلسة العامة للمحكمة الإدارية، روج مقربون من السلطة لخطاب يقسم موقف قضاتها لأغلبية صدرت عنها وأقلية كبرى كانت تعارضها وتنتصر لهيئة الانتخابات وصنف الرئيس الأول في خانة الشق الثاني فيما ادّعي أن معارضين وأقارب معارضين كانوا أهم مكونات الشق المقابل. وفي مراسلته التي صدرت باسمه وبصفته كمسؤول أول إداري عن المحكمة الإدارية فند عبد السلام مهدي قريصيعة ادّعاءات انقسام القضاء الإداري بما كشف عنه من التزام منه بقرار الجلسة العامة وانخراط في الدفاع عن نفاذه وكان ناصحا لهيئة الانتخابات بما بيّن لها من خطأ جسيم في عملها و بتحذيره لها من التمادي عليه وباقتراحه عليها مخرجا ينهي الأزمة التي صنعتها وهو الموقف الذي كشفته لنا هذه الحلقة الجديدة من النزاعات الانتخابية ويستحق لأهميته أن يقرأ تفصيليا في رصد لمروره من  المحاججة الى التقرير قبل انتهائه بالنصح.

ردّ الرئيس على  هيئة الانتخابات: الحجاج المتين

عند نظرها في طلب المساندة، ضمنت رئاسة المحكمة الإدارية لهيئة الانتخابات حقها في المواجهة. فراسلتها لتطلب منها ردّها فيما تعلق بما ادّعى نائب الطالب من تمنع منها عن تنفيذ قرارا قضائي بات ونهائي من دون موجب. وفي دفاعها عن موقفها تمسكت الهيئة بثلاثة دفوع أولها أن المحكمة الإدارية لم توافِها بالقرار القضائي المنازع في تنفيذه في الأجل القانوني رغم طلبها ذلك منها وثانيها عدم تضمّن الحكم البيانات الضرورية لتنفيذه وثالثها ما  قالت أنه “إكراهات الروزنامة الانتخابية” و”ضرورة المرور إلى مرحلة الحملة الانتخابية “.

في موقفه من الإشكال المطروح، صاغ قريسيعة ما يشبه الدرس النظري اعتمد فيه كمرجع  القرار الترتيبي عدد 18 لسنة 2014 الصادر عن هيئة الانتخابات وتحديدا الفصل  24 منه الذي ينص على كون الهيئة تتولى “تنفيذ القرارات الصادر عن الجلسة العامة للمحكمة الإدارية على شرط توصلها بالقرار أو بشهادة فيه” والفصل 25 منه والذي ورد فيه “يكون تنفيذ الأحكام أو القرارات بإدراج المترشح في قائمة المترشحين النهائية أو التشطيب منها”. ليبين للهيئة أن ما تطلبه من إعلام لها بلائحة الحكم مخالف ليس فقط للقانون الانتخابي بل أيضا للنص الترتيبي الذي صدر عنها.

وفي مرحلة ثانية عاد قريسيعة للوقائع غير المتنازع فيه ليذّكر الهيئة أن المحكمة أعلمتها كما يجب قانونا وبتاريخ 29-08-2024 بمنطوق حكم الزنايدي وهي بذلك تولت إعلامها في الأجل القانوني خلافا لدعواها. وزاد على ذلك بأن بيّن لها أن ذات المحكمة ورغم أن ذلك لم يكن شرط صحة لعملها وجهت بتاريخ 02-09-2024 لائحة الحكم وكان بإمكانها الاطلاع عليها وقد أصرت على ذلك قبل نهاية أجل نشر القائمة النهائية للمترشحين بالجريدة الرسمية بما يطيح بادعاء الاضطرار للتسرع خوفا على الروزنامة الانتخابية.

وبعد ذلك انتهى لأن قال “ومهما يكن من أمر فان الاختلاف حول التوصل بالقرارات لا يمكن أن يكون مطية لعدم تنفيذها أو تعطيلها” وليؤكد بأسلوب جازم “أنه  لا يمكن للهيئة أن تتفصى من واجب التنفيذ بحصول الإعلان عن القائمة النهائية والمرور لمرحلة الحملة الانتخابية ضرورة أنّ الطاعن اكتسب صفة المترشح المقبول بصفة نهائية بقرار قضائي باتّ، ولا يصح حرمانه  من حقوقه المترتبة عن ذلك لأسباب خارجة عن إرادته”.   

في خطابه الحجاجي هذا الذي قارع الموقف بالدليل والبرهان بيّن قريصيعة لهيئة الانتخابات مستند دعوته لها  للتراجع عن خروجها على القانون.

التمادي في رفض التنفيذ خطأ

جزم الرئيس الأول للمحكمة الإدارية في مراسلته بعدم وجود أيّ غموض أو التباس في قرار الجلسة العامة موضحا أنه نصّ صراحة على وجوب إدراج الزنايدي بقائمة المترشحين. وتطرّق بعد لذلك لعدم جواز القبول باعتبار الهيئة قرارات القضاء من “قبيل ما لا معنى له”، قبل أن يذكر بتعلق حق المترشّح الزنايدي بالانتخابات وعدم إمكانية تجاهل أنه مترشح فيها بقوة حكم قضائي باتّ اتصل به القضاء ويعتبر إتيان الهيئة ذلك مما “يؤول إلى افراز وضعية غير قانونية تتعارض مع القانون الانتخابي ومع مبدأ شفافية المسار الانتخابي وسلامة إجراءاته”. وفي خطابه التقريري هذا، صاغ كبير قضاة الإدارية حجة تثبت تعمد هيئة الانتخابات عدم تنفيذ القرار القضائي. وقد تكون هذه الحجة مستقبلا سند إثبات ذلك الخطأ الذي يصفه الفصل 10 من القانون عدد 40 لسنة 1972[3] المنظم لعمل المحكمة الإدارية بالفاحش كما يصنفه القانون الأساسي عدد 10 لسنة 2017[4] في خانة الفساد. ويعتبره المترشحون بقوة حكم القضاء من قبيل التدليس لقائمة المترشحين الموجب للتتبع الجزائي والاعتداء على أمن الدولة الداخلي. وربما كان توقّع هذه المخاطر وتلك التي تتعلق بنزع المشروعية عن الانتخابات الرئاسية ما دفع الرئيس الأول للاجتهاد بحثا منه عن حل لمأزق قائم.

الإذعان للأحكام حل ممكن : نصيحة الرئيس   

ختم الرئيس الأول مراسلته بالتأكيد على إلزامية إدراج الزنايدي في قائمة المترشحين قبل أن يوضح أنه يمكن للهيئة في سبيل تحقيق ذلك أن تراجع الروزنامة الانتخابية بما يلائم تنفيذ الأحكام، وذلك بعد أن كان نبهها في طالع نصه لكون تلك الروزنامة ليست الا “قرارا تنظيميا”. في هذا الجزء النصحي من نصه مدّ قريصيعة اليد للهيئة ليخرجها  من مأزقها. فأوضح لها أنّ مراجعتها لروزنامة الانتخابات فعل مشروع يقبل منها ولا يعيب عملها. واقترح عليها أن تبادر إلى ذلك علاجا لما سبق من خرق ويبدو مقترحه من قبيل المخرج الملائم من أزمة فرضها سوء تطبيق الهيئة للقانون وتعسفها فيه على أن السؤال يبقى في قدرة من كتبت له الرسالة على التفاعل معه وهو من ادّعى أنّه يستمد سلطة مطلقة من الدستور لا حدّ لها ولا قيد يمكن أن يرد عليها في تجاهل منه لدوره في حماية التعددية والحق في التنافس عماد الديموقراطية ومكسب الثورة المهدد بالضياع.

للاطلاع على مراسلة الرئيس الاول لمحكمة التعقيب في المساعدة على تنفيذ الأحكام


[1] فيما تعلق بإشكاليات تنفيذ الاحكام الإدارية يراجع مقال “تنفيذ أحكام محاكم القضاء الإداري ّ بين التردد والتفعيل”        -بوبكر الهواري – نشرية المحكمة الإدارية العدد الثاني

[2]  في مقاله  ” تنفيذ أحكام وقرارات القضاء الإداري في تونس ” المنشور بموقع المفكرة القانونية يذكر القاضي الإداري عماد الغابري :” تم إقرار هذه الوظيفة بمناسبة إحداث الدائرة الاستشارية الثانية بالمحكمة الإدارية بموجب الأمر عدد 431 لسنة 2008 وإسنادها المهام المنصوص عليها بأحكام الفصل 87 مكرر من قانون المحكمة الإدارية والمتعلقة بإعداد التقرير السنوي ومتابعة الصعوبات الناشئة عن تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء الإداري.ومنذ إصدار الأمر عدد 431 لسنة 2008، أصبح التقرير السنوي للمحكمة الإدارية يحتوي على عنوان عاشر وهو: “متابعة تنفيذ أحكام وقرارات المحكمة الإدارية”، وعلى إحصائيات تعهدّ الدائرة الاستشارية الثانية بالمطالب المتعلقة بتنفيذ الأحكام، سواء المقدمة من المتقاضين أو من الادارات المعنيّة.ما يلاحظ هو: غياب إشهار لدى عموم المتقاضين والإدارات المعنية بهذه الدائرة، على نحو يجعل العلم بها يتمّ عرضا في مقر المحكمة عند التظلم من عدم التنفيذ غياب تراتيب تحدّد كيفية التعهد وسير إجراءات النّظر في هذه المطالب: إلا أنّ ذلك لم يمنع من بلورة جملة من القواعد المتعلقة بعرض مطالب المساعدة على تنفيذ الأحكام والقرارات على الإدارات المعنيّة وتلقي ردوده بخصوص أسباب عدم التنفيذ ومتابعة تسوية الملف بتحديد مآله النهائي وقد تمّ إدراج مطالب الاستفسار عن سبل تنفيذ الأحكام والقرارات المعروضة من مختلف الإدارات ضمن مرجع نظر الدائرة الاستشارية الثانية.وتشير المعطيات الإحصائية لسنة 2013 مثلا أنّه تعهدت الدائرة ب31 ملف توزع بين 27 ملف مساعدة على تنفيذ أحكام وقرارات صادرة لفائدة مواطنين، و4 طلبات استفسار حول تنفيذ الأحكام من قبل إدارات. وبخصوص مآلات المطالب المتعلقة بالمساعدة على تنفيذ الأحكام، فقد استجابت جهة الإدارة في حدود 25% منها وبقيت بالتالي نسبة الإحجام عن التنفيذ مرتفعة”

[3] ينص الفصل 10 من القانون عدد 40 لسنة 1972 مؤرخ في غرّة جوان 1972 يتعلق بالمحكمة الإدارية على أنه “يعتبر عدم التنفيذ المقصود لقرارات المحكمة الإدارية خطأ فاحشا معمرا لذمة السلطة الإدارية المعنية بالأمر.”

[4] ينص الفصل الثاني من القانـون أساسي عدد 10 لسنة 2017 مؤرخ في 7 مارس 2017 يتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية يُقصد … على معنى هذا القانون…. الفساد: …. تعطيل قرارات السلطة القضائية…

 

انشر المقال



متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، مقالات ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني