على مدى أكثر من سنة من عملية الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل على قطاع غزة، تفاعل العالم الرياضي مع الأحداث بوسائل مختلفة. ففي حين أظهرت الأجهزة الرياضية الرسمية من أندية واتّحادات ولجان أولمبية انحيازا وتعاطفا مع إسرائيل بخاصة بعد عملية طوفان الأقصى، تبدّى أنّ مزاج جماهير هذه الرياضات مغاير تماما، بحيث أظهر في العديد من المناسبات تضامنا غير مسبوق مع الفلسطينيّين. بالتوازي، بدأت حملات عدّة تدعو إلى منع لاعبي وفرق ومنتخبات إسرائيل من المشاركة في المحافل الرياضية الدولية، إلّا أنّها لم تنجح في استصدار أي قرار من هذا القبيل. وقد بلغت هذه التفاعلات ذروتها في الأيّام الماضية على وقع حدثيْن هامّيْن، الأوّل قوامه الاشتباكات في شوارع أمستردام بين مشجعي فريق مكابي تل أبيب مع هولنديين من أصول عربية عقب مباراة الفريق الإسرائيلي مع فريق أجاكس أمستردام، والثاني هو المقاطعة غير المسبوقة من قبل الفرنسيين لمباراة منتخبهم في كرة القدم مع منتخب إسرائيل على الرغم من الحشد الرسمي غير المسبوق بين الحضور. مقابل هذا المشهد، استمرّت إسرائيل في ارتكاب مجازرها بحقّ الرياضة والرياضيين الفلسطينيين، ضمن إطار مسعاها المستمرّ للقضاء على أيّ مظهر أو مقوّم من مقوّمات الحياة الفلسطينية.
إزاء كلّ ذلك، سنناقش المسار الساعي لطرد إسرائيل من العديد من المحافل الرياضية وأسسه القانونية والسوابق المشابهة، بعد أن نتناول الحراك الجماهيري في العالم ضدّ المشاركة الإسرائيلية، بالإضافة إلى توثيق للجرائم ضدّ الرياضة والرياضيين الفلسطينيين.
إسرائيل تحوّل ملاعب غزّة إلى مقابر جماعية
تطول لائحة الشهداء الرياضيين في قطاع غزة. بحسب آخر تحديث للاتّحاد الفلسطيني لكرة القدم في تاريخ 4/11/2024، استشهد 523 رياضيا وكشفيا في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول 2023، من بينهم 341 شهيدا في كرة القدم. وما إن تُصدم بهول هذه الأرقام، حتى تُعاجلك ملاحظة الاتحاد الفلسطيني أنّ هذا العدد ليس نهائيا في ظلّ وجود مفقودين وقلّة المصادر. من بين الشهداء، كانت نجمة رياضة الكاراتيه الفلسطينية نغم أبو سمرة (26 عاما)، التي قضت بعد غيبوبة لمدّة شهر بعد بتر ساقها، فحوّلت آلة القتل الإسرائيلية اللون الأبيض بالنسبة إليها من اللون الذي تخوض فيه مبارياتها وتمارينها إلى لون كفنها الأبدي.
هذا الرقم الكبير لا يُمكن فصله عن السياق العام الإسرائيلي الساعي إلى تضييق سبل الحياة على الفلسطينيين، لا بل إعدامها. فقد دمّر الاحتلال 64 منشأة رياضية في قطاع غزة و19 منشأة في الضفة الغربية خلال السنة الأخيرة، ممّا يُهدّد الرياضة الفلسطينية بمصير قاتم لسنوات عديدة قبل التعافي من هول كلّ هذه الأضرار.
ولم تكتفِ إسرائيل بالقضاء على الحركة الرياضية في غزة، بل حوّلت ملاعبها التي ضجّت بالحياة يوما إلى مساحات تستخدمها كمقابر جماعية أو مراكز اعتقال وتنكيل بآلاف الغزّاوييين. فعلى سبيل المثال، انتشرت مقاطع في كانون الأول 2023 تُظهر جنودًا إسرائيليين وهم يجرّدون مئات المدنيين الفلسطينيين من ملابسهم ويعتقلونهم، من بينهم أطفال وكبار في السن في ملعب اليرموك بمدينة غزة، فيما تم تعصيب عيون النساء فيه أيضا. وقد تمّ كل ذلك بعد تهشيم معالم الملعب التاريخي والأساسي في غزة الذي بُني في العام 1938. إلى ذلك، تمّ تحويل بعض ملاعب كرة القدم إلى مقابر جماعية لدفن الشهداء نظرا للاكتظاظ. في هذا الصدد، وعلى الرغم من أنّ القانون الدولي الإنساني لا يذكر صراحة المنشآت الرياضية ضمن المنشآت المحمية، إلّا أنّ حماية المنشآت الرياضية تندرج ضمن المفاهيم الأوسع للحماية المتعلّقة بالمنشآت المدنية والثقافية والتاريخية.
وللدلالة أكثر على استهداف الرياضة والرياضيين الفلسطينيين من قبل اسرائيل، توسّعت هذه الاعتداءات لتشمل الضفة الغربية، حيث تمّ قنص اللاعب في مركز شباب طولكرم محمد عبد الله كنعان (14 عامًا) عند عودته إلى منزله، وقتلت لاعب نادي حلحول ناجي البابا (16 عاما) كما استشهد لاعب مركز شباب طولكرم مجدي جمال سالم (20 عامًا) في غارة على منزل كان يتواجد فيه.
ولا تكتفي إسرائيل بالقتل، بل بعرقلة كل نشاط رياضي فلسطيني. إذ أن رفع العلم الفلسطيني وعزف نشيد “فدائي” في المحافل الرياضية الدولية أمر لا يستسيغه الإسرائيليون كثيرا، بينما يعتبره الفلسطينيون وسيلة للمقاومة الشعبية ولإيصال رسالة مظلوميتهم إلى العالم وتعبيرا عن هوية يحاول الإسرائيلي طمسها. فمؤخرا في 1/11/2024، أطلقت قوات الاحتلال قنابل الصوت والغاز المسيّل للدموع على ملعب ماجد أسعد في مدينة البيرة، خلال تدريب للمنتخب الفلسطيني للسيدات ومنتخب الشابّات. واضطرّ المنتخبان إلى إلغاء الحصة التدريبية، والانتظار لمدة ساعة كاملة قبل أن تستطيع اللاعبات والطواقم الفنيّة الخروج من الملعب، بسبب كثافة الغاز الذي أطلقه الجنود الإسرائيليون. وفي حادثة معبّرة عن المجاعة التي فرضها الجيش الإسرائيلي بحصاره لقطاع غزة، فقد الربّاع الفلسطيني محمد حمادة فرصة المشاركة في الألعاب الأولمبية في باريس 2024 بعد أن شارك في ألعاب طوكيو السابقة. ففي حين يشارك حمادة ضمن فئة وزن 96 كيلوغراما في لعبة رفع الأثقال، فقد 20 كيلوغراما من وزنه جرّاء الحصار منذ بدء الحرب وفشل في استرجاع وزنه، ما أفقده فرصة المشاركة التاريخية الثانية.
ولا بدّ في هذا الصدد من استذكار لاعبة منتخب لبنان لكرة القدم سيلين حيدر، المتواجدة عند كتابة هذه الكلمات في العناية الفائقة بعد إصابتها الحرجة جدا جرّاء الغارة في 16/11/2024 على منطقة الشياح في ضاحية بيروت الجنوبية.
الروح الرياضية تنتصر لفلسطين رغما عن الجهات الرسمية
امتدّت تأثيرات الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين إلى ميادين الرياضة العالمية. فقد كانت فُسحة لتعبير الجماهير عن موقفها الإنساني والسياسي الرافض للانتهاكات الإسرائيلية. اللافت في هذا الأمر أنّ التضامن كان شعبيا وجماهيريا، مقابل محاولات قمع وتضييق من كلّ الجهات الرسمية المعنية، من أندية واتّحادات وأجهزة أمنية كما نبيّن أدناه. وفيما سُجّلت مئات حالات التضامن الرياضي خلال 13 شهرا مضت، سنتوقف عند بعض أهمّ تجليّات هذا التضامن في العالم إضافة إلى محاولات التضييق عليه، على أن نحصر الأمثلة بمحطات التضامن في الدول غير العربية.
المثال الأبرز لهذا التضامن كان جماهير فريق سيلتك الإسكتلنديّ لكرة القدم، والتي لم يُفارق العلم الفلسطيني مدرّجاتها يوما. إذ إن جماهير النادي الذي تأسس في العام 1887 من قبل النازحين الإيرلنديين هربا من المجاعة التي فرضتها عليهم المملكة البريطانيّة، يشعرون بتشابه قصّتهم مع القضية الفلسطينية. وعليه، لا توفّر هذه الجماهير أي طريقة للدعم المعنوي والمادي لفلسطين. فقد أسّس هؤلاء جمعية Lajee Celtic المعروفة بAida Palestine سابقا، وهي جمعية ناشطة جدّا في دعم الأطفال الفلسطينيين وتعمل بتمويل كامل من جماهير الفريق. تحدّت جماهير سيلتيك الاتّحاد الأوروبي لكرة القدم في العام 2016 وأدخلت الأعلام الفلسطينية عند مواجهة فريق هابويل بئر السبع الإسرائيلي. وإذ فرض الاتّحاد الأوروبي غرامة بحوالي 8,000 باوند على سيلتيك حينها، قامت الجماهير بحملة مضادة جمعت فيها 130,000 باوند تمّ التبرّع بها للجهود الإنسانية في فلسطين. وبينما تستمر عقوبات الاتّحاد الأوروبي في كلّ مناسبة، زادت جماهير سيلتيك من كثافة شعاراتها والأعلام الفلسطينية في المدرجات عقب الأحداث الكثيرة حتى طغت على أيّ علم آخر في كل مباراة للفريق، لا بل يضاف إليها شعارات أسبوعيّا من وحي ما يحصل في غزة، وأضيف عليها مؤخرا العلم اللبناني. ولم تقتصر الحملات على الجماهير وخصوصا مجموعة اللواء الأخضر Green Brigade (وهو الأكثر حماسا وتفاعلا مع القضية) على الاتّحاد الأوروبي، بل انضمّت إليها إدارة نادي سيلتيك بحيث حاولت مرارا التضييق على المجموعة ومنع أعضائها من حضور المباريات قبل أن تمنع بعد 7 أكتوبر حضور مجموعة اللواء الأخضر للمباريات لمدّة شهريْن، إلّا أنّ أيّا من ذلك لم يمنع الجماهير من استمرار إظهار التعاطف مع فلسطين، لا بل ازدادت وتيرته.
المثال الثاني كان اللاعب في نادي ماينز الألماني أنور الغازي. فبعدما نشر الغازي في 17/10/2023 عبارة “فلسطين حرة من النهر إلى البحر”، قرّرت إدارة نادي ماينز فسخ عقد اللاعب بسبب ما وصفته بتعليقاته على وسائل التواصل. عندها، صرّح الغازي قائلا أنّ “خسارتي لا تساوي شيء بالمقارنة مع الجحيم الذي تمّ إطلاقه على الأبرياء في غزة”، واستمرّ بالنشر حول المجازر الإسرائيلية. وفي 12/7/2024، حكمت محكمة العمل الألمانية لمصلحة الغازي ضدّ نادي ماينز، بكامل مستحقاته على اعتبار أنّ فسخها للعقد على أساس أنّ تصريحاته كانت محمية بموجب حرّية التعبير. في اليوم نفسه، أعلن الغازي تبرّعه بمبلغ نصف مليون يورو للجهود الإنسانية في قطاع غزة.
وفي شباط الماضي، رفضت ستّ لاعبات كرة سلة إيرلنديّات اللعب ضد إسرائيل في تصفيات بطولة أوروبا، بينما رفضت بقية لاعبات إيرلندا مصافحة لاعبات إسرائيل في المباراة. أمّا المثال الأكثر حداثة، فقد حصل خلال مباراة فرنسا وإسرائيل في دوري الأمم الأوروبية في باريس في 14/11/2024. فقد نجحت حملات المقاطعة للمباراة والرافضة لإقامتها، حيث لم يحضر المباراة سوى 16 ألف مشجع من أصل 80 ألف تذكرة مطروحة، جزء كبير منهم من الإسرائيليين أو مزدوجي الجنسية، وهو أدنى حضور في تاريخ المنتخب على استاد فرنسا الدولي في باريس بفارق كبير عن أقل المباريات حضورا سابقا في العام 2003 أمام نيوزيلندا والتي بلغت 36 ألف متفرّج. مقابل هذه المقاطعة، كان لافتا الحضور الرسمي غير المسبوق للمباراة حيث حضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيسان السابقان نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند بالإضافة إلى العديد من السياسيين، وهو حضور رسمي غير مسبوق في هكذا مباراة.
لماذا تلعب الرياضة الإسرائيلية في أوروبا؟
تقع إسرائيل جغرافيّا في قارّة آسيا، ما يفرض منطقيا أن تلعب مسابقاتها القارّية هناك. إلّا أنّها تخوض غمار المسابقات في القارة الأوروبية وليس الآسيوية. وبالعودة إلى السّياق التاريخيّ الذي أدّى إلى ذلك، يتبيّن أنّ الاتّحاد الإسرائيلي لكرة القدم كان انضمّ في العام 1956 إلى الاتّحاد الآسيوي لكرة القدم وبدأ مشاركاته ضمن إطار القارة. إلا أن الدّول العربية والإسلامية رفضت اللعب ضدّ إسرائيل بشكل متكرّر. فقد رفضت تركيا وإندونيسيا والسودان اللعب ضد إسرائيل في التصفيات الأفروآسيوية المؤهلة لكأس العالم 1958. وفي عام 1974، طُردت إسرائيل من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بموجب مشروع قرار تقدّمت به الكويت، وصوتت لصالح القرار 17 دولة عضو، وعارضته 13 دولة، وامتنعت 6 دول عن التصويت. مُذّاك، عاشت الرياضة الإسرائيلية في عزلة دولية إلى حين العام 1991، حين سمح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم للمنتخب الإسرائيلي بالتنافس تحت مظلة الاتّحاد الأوروبي. ومنذ عام 1992، شاركت الأندية الإسرائيلية أيضًا في مسابقات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. وبحلول عام 1994، منح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إسرائيل عضوية كاملة، بدلاً من اعتبارها مجرد عضو مشارك.
على غرار كرة القدم، شارك الرياضيّون الإسرائيليّون في البداية في المسابقات الآسيوية حتى عام 1962، حين رفضت إندونيسيا المضيفة لدورة الألعاب الآسيوية السماح لإسرائيل بالمنافسة. وفي عام 1978، مُنعت إسرائيل أخيرًا من المشاركة في الألعاب الآسيوية. ولا تشارك إسرائيل في المسابقات الأوروبية في كرة القدم فحسب، حيث كسبت العضوية في اتحادات أوروبية لكرة السلة وكرة اليد وألعاب القوى والسباحة … إلخ.
وفي حين قد يعتقد البعض أنّ مشاركة إسرائيل ضمن الفعاليات الرياضية الأوروبية يأتي من باب محاولة عدم ترك دول من دون مشاركات رياضية دولية، إلّا أنّ الأمر يتعدّى ذلك. فالفرق والمنتخبات الأوروبية تعاني من جرّاء اضطرارها لتكبّد عناء رحلات أطول نحو إسرائيل من الرحلات في أوروبا، مع ما تحمله من كلفة أعلى وإرهاق إضافي على الرياضيين في ظلّ جداول المسابقات المزدحمة. أكثر من ذلك، فإنّ الفائدة المالية لاستضافة الفرق الإسرائيلية تكاد تكون معدومة لا بل تتسبب بخسائر للدول والفرق المستضيفة. فعلى سبيل المثال، مُني الاتحاد الفرنسي بخسائر مالية كبيرة قدّرت بمبلغ 3.5 مليون يورو بعد مقاطعة الجماهير لمباراتها مع إسرائيل فضلا عن تكبّد فرنسا تكلفة إضافية بفعل تخصيص 4000 عنصر أمن إضافيّ لضمان أمن المباراة. وعليه، يتعدّى موقف الدول الأوروبية المبادئ الرياضية الجامعة، بل هو موقف سياسي تعلن هذه الدول استعدادها لتحمّل تكلفته الكبيرة والتي يرجح أن تزداد بعد مشهدية الإبادة في غزة والحرب ضد لبنان وما تولده من ردود أفعال لدى جماهيرها.
وليس أدلّ على التكاليف والمخاوف الأمنية الناجمة عن مشاركة إسرائيل، رفض بلجيكا إقامة مباراتها البيتية أمام إسرائيل على أرضها في أيلول الماضي، مما أدى إلى نقلها إلى المجر.
الحجج القانونية لاتخاذ عقوبات بحق إسرائيل والفيفا تماطل
في مطلع تموز الماضي، قدّم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى اللجنة القانونية المستقلة التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) طلبا تعليق عضوية الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم فورا ومنعه من ممارسة أي نشاط متعلق بكرة القدم واحترام سلامة أراضي الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وخاصة في الضفة الغربية. وقد جاء هذا الطلب بمثابة استكمال لطلب سابق كان الاتحاد الفلسطيني قدمه أمام مؤتمر الفيفا في أيار الماضي طالبا بفرض “عقوبات مناسبة” على الاتحاد الإسرائيلي.
وقد تركّزت الحجج الفلسطينية على اتّهام إسرائيل بانتهاك قوانين الفيفا بحربها على غزة، واّتهام الاتّحاد الإسرائيلي بإدراج فرق تقع في مستوطنات غير شرعية على الأراضي الفلسطينية في الدوري المحلي. وقد أدلى الاتحاد الفلسطيني إن هذا السلوك يرقى إلى الاعتراف بالوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة باعتباره قانونيًا فضلا عن أنه يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وفق ما جاء في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 19 تموز 2024، والذي أكد على أن نقل المستوطنين الإسرائيليين إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، واحتفاظ إسرائيل بوجودهم، يشكل انتهاكًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والتزامات إسرائيل بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. كما استند الطلب الفلسطيني إلى الفقرة الثانية من المادة 71 من النظام الأساسي للفيفا التي نصت على أنّه لا يحق للأعضاء في الفيفا وأنديتهم (أي المنتخبات والأندية الإسرائيلية) من اللعب على أراضي دولة عضو في الفيفا (أي الأراضي الفلسطينية) من دون موافقة اتّحاد أصحاب الأرض.
وتضمّن الطلب الذي قدمه الاتحاد الفلسطيني أمثلة ووقائع إضافية تبيّن التعاون الوثيق بين الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم مع الحكومة الإسرائيلية وقوات الاحتلال في إدارة شؤون كرة القدم الإسرائيلية، ما يشكّل انتهاكًا لمبدأ الحيادية الذي تتبناه الفيفا. كما تضمّن الطلب إضاءة على حالات العنصرية والتمييز التي تتناقض ومبادئ الفيفا المكرّسة في نظامها الأساسي أيضا. وقد لفت اتّحاد كرة القدم الفلسطينيّ انتباه الفيفا إلى التصريحات التي أدلى بها لاعبو كرة قدم إسرائيليون تدعو إلى تدمير غزة وتدعم الإبادة الجماعية، وأيضا إلى العديد من مواقف الأندية بدعم الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جرائم الحرب.
وقد انضمّت إلى هذه الحملة هيومن رايتس ووتش و66 نائبا في البرلمان الأوروبي حثوا الفيفا على حظر أندية المستوطنات والتوقف عن المساهمة في الاحتلال وانتهاكات حقوق الإنسان. كما أيّد الاتّحاد الآسيوي لكرة القدم الطلب الفلسطيني. كما أنّ حركة الديمقراطية في أوروبا DiEM2025، جمعت ما يزيد عن 115 ألف توقيع على عريضة للمطالبة بطرد إسرائيل من عالم الرياضة ككل. كما أنّ عددا من المقررين الخاصين بحقوق الإنسان لدى الأمم المتّحدة، أصدروا في 3/10/2024 بيانا مشتركا طلبوا فيه من الفيفا احترام القوانين الدولية واتّخاذ الإجراءات المناسبة بحق إسرائيل.
الفيفا تماطل: صيف وشتاء تحت سماء الهيئات الرياضية الدولية
في اليوم نفسه الذي تم فيه تقديم البيان المشترك في 3 تشرين الأول الماضي، أرجأ مجلس الفيفا للمرّة الثالثة اتخاذ قرار بشأن طلب الاتحاد الفلسطيني. وقد قرّر إن لجنته التأديبية ستراجع ادّعاءات التمييز التي أثارها الاتّحاد الفلسطينيّ لكرة القدم. كما أنه سيعهد إلى لجنة الحوكمة والتدقيق والامتثال التابعة للاتحاد الدولي مهمّة التحقيق وتقديم المشورة فيما يتعلق بمشاركة فرق كرة قدم إسرائيلية يُدّعى أنها متمركزة في الأراضي الفلسطينية (المستوطنات في الضفة الغربية) في المسابقات الإسرائيلية. كما أحال الفيفا المسألة إلى مستشارين قانونيين مستقلين لإجراء التقييم.
وتتبدّى مُماطلة الاتّحاد الدولي لكرة القدم في اتّخاذ قرار بحق إسرائيل بالمقارنة مع استعجاله إصدار قرار خلال أسبوع واحد من بدء الحرب الروسية الأوكرانية لمنع روسيا وأنديتها من المشاركة في جميع المنافسات الدولية، وهو منع مستمر حتّى اللحظة. وقد ذهبت اتّحادات رياضية عديدة في الاتجاه نفسه، منها الاتّحاد الدولي لكرة السلة (فيبا)، واللجنة الأولمبية الدولية التي منعت الرياضيين الروس من المشاركة في الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس.
كما يجدر التذكير أنّه في العام 1961، كان الاتحاد الدولي لكرة القدم علق عضوية جنوب أفريقيا ومشاركتها في المسابقات الدولية استجابة لدعوات متزايدة من حركة مناهضة الفصل العنصري لمقاطعة جنوب أفريقيا. وكان قانون البلاد في ذلك الوقت يحظر الفرق الرياضية المختلطة ويلزم الدول الأجنبية بالمشاركة في المسابقات الدولية التي تقام في جنوب أفريقيا بإرسال فرق “بيضاء” بالكامل. كما كان الاتحاد الدولي قد علق عضوية يوغوسلافيا في العام 1992 عملا بقرار الأمم المتحدة وسط عدوان حكومتها في البلقان.